خالد ناصيف
(كاتب فلسطيني)
في مثل هذه الأيام فقدت فلسطين أحد ابرز قادتها الذي كان له باع طويل في النضال والمقاومة رغم سنين عمره القصيرة، الإ أنه استطاع أن يضع بصماته في شتى الميادين؛ إنه الدكتور فتحي الشقاقي الامين العام لحركة الجهاد الاسلامي.
اليوم السبت، الذكرى الــ19 لاستشهاد الدكتور فتحي إبراهيم الشقاقي.
وكانت صحيفة “يديعوت احرنوت”، قد نشرت في ملحقها الأسبوعي الصادر في العدد الثامن من حزيران من العام 2007م، فصلاً من كتاب “نقطة اللاعودة”، من تأليف الصحافي رونين برغمان، الذي كشف رواية “الموساد” عن تفاصيل اغتيال الشقاقي في تشرين الأول من عام 1995، بجزيرة مالطا الإيطالية أثناء عودته من مؤتمر في ليبيا.
وجاء في الكتاب أنَّ رئيس حكومة الاحتلال في ذلك الوقت اسحق رابين، أمر في كانون الثاني باغتيال الشقاقي “في أعقاب تنفيذ الجهاد الإسلامي عملية بيت ليد”، حيث قتل 22 إسرائيلياً وجرح 108 آخرين.
بعد صدور الأوامر من رابين، بدأ “الموساد” الاستعداد لاغتيال الشقاقي، عن طريق وحدة منبثقة تسمّى “خلية قيسارية”. كان الشقاقي، وقبل تنفيذ عملية بيت ليد، تحت الرقابة الإسرائيلية لسنوات طويلة، لذا استطاع “الموساد” في حينه، وبعد أوامر رابين، أن “يحدّد مكان الشقاقي في دمشق بسهولة”.
الا أنَّ رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية في جيش الاحتلال، أوري ساغي، حذّر من مغبة هذه العملية، معتبراً أنَّ عملية كهذه “ستؤدي إلى غضب سوري كبير”.
قبل رابين توصيات ساغي، وأمر “الموساد” بتجهيز خطةٍ بديلة لاغتيال الشقاقي في مكان غير دمشق. وجد “الموساد” صعوبة في هذا الشأن إلا أنه عمل كما يريد رابين.
كان الشقاقي على علم بأنَّه ملاحَق، لذا لم يخرج كثيراً من دمشق وكان حذراً، حسبما قال الإسرائيليون.
وذكرت مصادر من “الموساد” أنَّ الشقاقي كان يسافر فقط إلى إيران عن طريق رحلات جوية مباشرة. ومع هذه الصعوبة، وضع “الموساد” خطة بديلة وسعى إلى تطبيقها.
في بداية شهر تشرين الأول من عام 1995، حسب رواية “الموساد”، تلقى الشقاقي دعوةً إلى المشاركة في ندوة “تجمع رؤساء تنظيمات حرب العصابات” في ليبيا. وعلم “الموساد” أنّ سعيد موسى مرارة (أبو موسى) من “فتح” سيشارك أيضاً في الندوة.
وقال أحد أعضاء “الموساد”، لم يتمّ الكشف عن اسمه، إن أبو موسى من خصوم الشقاقي، وإذا شارك في المؤتمر، فإنَّ الشقاقي سيشارك. وطالب المختصين في الموساد “بالاستعداد”.
مسار سفر الشقاقي إلى ليبيا كان معروفاً للموساد من خلال رحلاته السابقة، أي عن طريق مالطا. عندها أعدّ أعضاء “قيسارية” خطتين: اختطاف الشقاقي أثناء سفره من مالطا إلى ليبيا. إلا أنَّ رابين لم يوافق على هذه الخطة “خشية التورط دولياً”. أما الخطة الثانية، فكانت تصفية الشقاقي أثناء وجوده في مالطا.
سافر رجال “الموساد” إلى مالطا وانتظروا الشقاقي في المطار. لم يخرج الشقاقي في الرحلة الأولى ولا الثانية ولا الثالثة. بدأ رجال “الموساد” يفقدون الأمل بهبوط الشقاقي في مالطا، لكنهم سمعوا صوت أحد رجال “الموساد” في أجهزة الاتصال يقول “لحظة، لحظة، هناك شخصٌ يجلس جانباً ووحيداً”. اقترب رجل “الموساد” من هناك، وقال مرة أخرى في الجهاز “على ما يبدو هذا هو، وضع على رأسه شعراً مستعاراً للتمويه”.
انتظر الشقاقي ساعة في مالطا، ومن بعدها سافر إلى المؤتمر في ليبيا، من دون معرفته أنه مراقب. ويقول “الموساد” إنَّ الشقاقي التقى هناك أبو موسى وطلال ناجي وهما قياديان بالجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ـ القيادة العامة.
في السادس والعشرين من تشرين الأول، عاد الشقاقي إلى مالطا. وعرف “الموساد” أنَّ الشقاقي يستعمل جواز سفر ليبياً باسم إبراهيم الشاويش. ولم يجد صعوبة في تحديد مكانه في مالطا، بناءً على اسمه في جواز السفر.
وصل الشقاقي في صبيحة اليوم نفسه إلى مالطا، واستأجر غرفة في فندق يقع في مدينة النقاهة “سليمة”. استأجر غرفة لليلة واحدة. كان رقم الغرفة 616. في الساعة الحادية عشرة والنصف، خرج الشقاقي من الفندق بهدف التسوّق. دخل إلى متجر “ماركس أند سبنسر” واشترى ثوباً من هناك. وانتقل إلى متجر آخر واشترى أيضاً ثلاثة قمصان.
وحسب رواية “الموساد”، واصل الشقاقي سيره على الأقدام في مالطا ولم ينتبه إلى الدراجة النارية من نوع “ياماها” التي لاحقته طيلة الطريق بحذر.
بدأ سائق الدراجة النارية يقترب من الشقاقي حتى سار إلى جانبه محتسباً كل خطوة. أخرج الراكب الثاني، الجالس وراء السائق، مسدساً من جيبه مع كاتم للصوت، وأطلق النار على الشقاقي.. ثلاثة عيارات نارية في رأسه حتى تأكد من أنه “لن يخرج حياً من هذه العملية”.
أُلصق بالمسدس الإسرائيلي جيب لالتقاط العيارات النارية الفارغة، لتفريغ منطقة الجريمة من الأدلة وتجنب التحقيقات وإبعاد الشبهات المؤكدة حول “إسرائيل”.
وكشف “الموساد” أنَّ الدراجة النارية كانت قد سُرقت قبل ليلة واحدة من تنفيذ العملية وتمّ تخليص عملاء “الموساد” من مالطا، من دون الكشف عن تفاصيل “تخليصهم”.
أعضاء الخلية “قيسارية”، هم أيضاً شاركوا في محاولة اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” خالد مشعل في الأردن، وتم في ما بعد تفكيكها.