الدكتور علي دربج
في تحليل لعملية طوفان الأقصى، كتب عن تحقق نبوءة احد شهداء حزب الله الكبار بعد حرب تموز 2006 كيف أدت عملية طوفان الأقصى إلى تهشيم عقيدة “الدرع والرمح” لـ”اسرائيل”. ومفهوم هذه العقيدة وفقاً للشهيد. وما تحدث عنه القيادي الشهيد. إذ جرى اختراق الدرع بسهولة من قبل عناصر “حماس” و”الجهاد”. وتجميد قدرة الرمح على التحرك.
الفشل الاستخباراتي والانتقاد الاميركي لهذا التقصير. نية “اسرائيل” الإقدام على غزو بري لغزة؟ وما هي مقوّمات نجاحه؟
*******
طوال يوم 7 تشرين الاول/اكتوبر أعادت المقاومة الفلسطينية بوصلة التاريخ نحو القدس، ايذانًا ببدء العدّ العكسي لزوال هذا الكيان الغاصب، بعدما نفذ المقاومون عملية “طوفان القدس” كبروفة أولية بالدم والنار، لسيناريو التحرير الكامل لأرض الأنبياء وأثبتوا عمليًا بالصورة الحية المباشرة، أنه ليس ببعيد.
فمقاطع الفيديو التي التقطها المقاومون وحتى المدنيون خلال العملية، وتم توزيعها على الفور على وسائل التواصل الاجتماعي ونشرتها الفضائيات العالمية، أظهرت المؤسسة الأمنية والعسكرية والاستخبارية الإسرائيلية مهزومة ضعيفة، منعدمة القوة، قليلة الحيلة، ومتهالكة ومذلولة ومذهولة، خصوصًا عندما تمكنت المقاومة من تحطيم نظرية الرمح والدرع التي قام عليها الكيان لعقود طويلة.
والمثير أن عنصر المفاجأة هذا لم يقتصر على الكيان بل امتدّ إلى غرف البنتاغون الاميركي الذي عبرّ بعض المسؤولين فيه عن إحباطهم من الفشل الاستخباراتي الذريع امام قدرات “حماس” و”الجهاد” .
كيف أدت عملية طوفان الأقصى إلى تهشيم عقيدة “الدرع والرمح” لـ”اسرائيل”؟
مخطئ من يظن أن القيادات الاسرائيلية السياسية منها والعسكرية والأمنية، ستستعيد وعيها عما قريب بعد صاعقة المقاومة التي نزلت على قيادات الجيش الاسرائيلي وعناصره، وشلت حركتهم لساعات، وأصابتهم بالفزع والجزع والهلع والرعب الذي دبّ في نفوسهم، وهم يشاهدون بأم العين صور ذل وجُبن جيشهم، وهشاشة تحصينات مستوطناته ومواقعه بعدما أحكمت المقاومة السيطرة عليها بسرعة خاطفة وكأنها في نزهة، بينما كان عناصر الاحتلال يتساقطون أو يفرون أو يستسلمون أمام زحف المقاومة واحدًا تلو الآخر.
ما تجدر معرفته في هذا السياق أن “إسرائيل” بنت وخاضت جميع حروبها بناء على العقيدة القتالية المعروفة باسم الدرع والرمح، وهي قامت على الآتي: “الجندي في الميدان يقاتل، والفلاح يحرث الأرض بسلام”. لكن حرب تموز 2006، غيرّت مفهومها، فأصبحت “الجندي يتعرّض للموت، والفلاح يتعرض للانهيار أو الموت أيضًا”، خصوصًا بعدما تمكن عناصر حزب الله من قتل العدو في ساحة المعركة، واستهدافه في جبهته الداخلية بواسطة الصواريخ التي لم تتوقف طيلة 33 يومًا.
واليوم وجهت عملية “طوفان الأقصى”، ضربة قاسمة وكبيرة لهذه العقيدة، أدت الى تهشيمها وخلخلة القواعد التي قامت عليها، وجعلها بالتالي موضع شك بنظر القادة الصهاينة الذين سيعكفون لا شك على دراستها وتدارك سقوطها النهائي إن أمكن.
كيف حصل ذلك؟
سبق لأحد الشهداء الكبار في المقاومة أن عرّف عقيدة الرمح والدرع بالقول:
الدرع هو عبارة عن المستوطنات والمواقع الأمامية والأنظمة الإلكترونية الأحدث في العالم (البصرية والسمعية والحرارية) وحقول الألغام وجدران العزل والأسلاك الشائكة، والدوريات العسكرية، وفي كل مستوطنة توجد فصيلة وسرية، مهمة عناصرهما حمايتها مع قاطنيها المغتصبين.
مع الإشارة الى أن عمق الدفاع عنها (أي المستوطنة) لا يتجاوز 22 كلم، ولا تمتلك حاميتها أي قدرة على الثبات إلا لفترة قصيرة نسبيًا. والمضحك أن في عملية طوفان الأقصى لم يصمد الدرع طويلا، وهذا ما أخبرتنا به الصورة الحية. فرأينا جثث عناصر وحامية المواقع والمستوطنات متناثرة، بينما هرب أو استسلم الآخرون في زمن قياسي لم يتوقعه حتى المقاومون في غزة.
بالمقابل، يشمل الرمح استنادًا للشهيد القيادي سلاحَي المدرعات، والجو. ليس هذا فحسب، فالدرع ظرفية ومؤقتة، ومهمته محددة لمدة زمينة مؤقتة بانتظار تدخل الرمح. وفي حال كان الرمح مكسورًا يتهاوى الدرع تلقائيًا، لأنه لا يملك القدرة على المواجهة.
وعليه، فإن الدرع هدفه امتصاص الصدمة، في حين، يقوم الرمح بدور الهجوم وتوجيه ضربات للخصم، وهنا في هذه الحالة يتمثل بالمقاومة بشقيها اللبناني أو الفلسطيني.
وأضاف القيادي الشهيد لا قيمة للدرع إذ انكسر الرمح، فهو وفقاً لهذه العقيدة يحمي ويؤمن الهجوم المضاد.
اللافت أن ما تحدث عنه القيادي الشهيد في ما يتعلق بتلك العقيدة حدث بالضبط وبشكل دقيق في عملية طوفان الأقصى، إذ جرى اختراق الدرع بسهولة من قبل عناصر “حماس” و”الجهاد”، فعطلّوا جميع أجهزة الإنذار والرصد المبكر، ودكّوا في الوقت ذاته مستوطنات غلاف غزة بأكملها بآلاف الصواريخ (في خطوة هدفها صرف انتباه العدو للعملية الرئيسية على الأرض”.
وبموازاة ذلك، نجحت المقاومة بتجميد قدرة الرمح على التحرّك، وعجزه عن تنفيذ هجوم مضاد ضد المقاومة الفلسطينية، والنتيجة كانت دخول المقاومين إلى 22 مستوطنة والسيطرة عليها وإجبار العدو على إخلاء عدد منها، فضلًا عن قتل المئات وأسر العشرات من المستوطنين، إضافة إلى أخذ كميات كبيرة من العتاد العسكري من ذخائر وآليات ومركبات كغنائم، والتوجّه ببعضها الى غزة، وسط أجواء احتفالية غير معهودة.
ماذا عن الفشل الاستخباري والانتقاد الأميركي لهذا التقصير؟
أقرّ مسؤول دفاعي أميركي كبير (مطلع على المعلومات الاستخبارية المتعلقة بحماس)، بأن هجوم المقاومة الفلسطينية فاجأ مسؤولي المخابرات الإسرائيلية، ولا سيما الأساليب المختلفة التي استخدمها المقاومون للدخول إلى “إسرائيل” والخروج منها.
وأشار المسؤول الى أن الهجوم الواسع الذي كان ناجحًا في معظمه، كشف عن بعض الإخفاقات الكبيرة لمؤسسة الحرب الإسرائيلية، وقد يغيّر تصور “إسرائيل” الاستراتيجي العام لـ”حماس” وقطاع غزة. ومن الممكن أن يكون لذلك تأثير بعيد المدى على الشرق الأوسط بأكمله.
فالاستراتيجية الاسرائيلية وفقًا لرؤية البنتاغون، تعتمد على شبكة استخباراتية قادرة على التحذير من تحركات “حماس”، وعلى القوة العسكرية للجيش الإسرائيلي لصد الغزو البري الذي تشنه الحركة. وفي هجوم طوفان الأقصى، فشلت هاتان الضمانتان، والأكثر إثارة للدهشة برأي المسؤولين العسكريين الاميركيين أن “إسرائيل” لم تكن على علم بأن هذا على وشك الحدوث.
وما يزيد الطين بلة بحسب القيادات الأميركية، أن “اسرائيل” استثمرت موارد هائلة لتحقيق أكبر قدر ممكن من الاختراق الاستخباري لنظام “حماس” في غزة، والسعي للحصول على كميات كبيرة من المعلومات حول معظم مبادرات “حماس”، وفي بعض الأحيان نجحت في تحديد أماكن العديد من قادتها واغتيالهم. لكن اليوم باءت كل هذه الجهود بالفشل.
وبالمثل أكد النائب السابق لرئيس الأركان في الجيش الإسرائيلي ومستشار الأمن القومي لحكومتين سابقتين عوزي ديان، أن الهجوم الذي شنته “حماس” يعكس فشلاً على جميع مستويات القيادة الإسرائيلية. وقال إن البلاد فشلت في مهمة أساسية: “الدفاع عن حدود الدولة، سواء السياج الأمني أو اختراق المجتمعات الإسرائيلية”.
الجدير بالذكر ان حدود “إسرائيل” مع غزة، تعد واحدة من أكثر الحدود تحصيناً في المنطقة، وهي محاطة بسياج حاجز عالي التقنية وتحرسها مواقع عسكرية.
ماذا عن نية “إسرائيل” الإقدام على غزو بري لغزة؟ وما هي مقومات نجاحه؟
لطالما اعتقد قادة الاحتلال أن بإمكانهم القضاء على القدرات الصاروخية للمقاومة الفلسطينية أو خفضها إلى مستوى مقبول، بالاعتماد على نظام الدفاع الصاروخي “القبة الحديدية”، أو من خلال الغارات على مواقع المقاومة ومحاولة تدمير بنيتها العسكرية التحتية، أو باللجوء الى اغتيال قادتها أو عبر الإجراءات الأمنية على الحدود (منطقة غلاف غزة).
وراهنت “إسرائيل” على أن ارتكاب المجازر واستعراض القوة يمكن أن يردع “حماس” عن التصعيد أكثر من اللازم، وقد أطلق على هذه الضربات الدورية اسم “قص العشب”، في إشارة إلى فكرة مفادها أن تهديد المقاومة لا يمكن القضاء عليه ولكن يمكن تقليله إلى مستوى مقبول.
غير أن الفاجعة العظيمة بالنسبة لـ”اسرائيل” أن عملية “طوفان الأقصى” كشفت عجز وفشل كافة هذه الافتراضات، وأكدت أنها كانت خاطئة إلى حد كبير وفقًا لقادتها.
إذ اخترقت “حماس” مستوطنات الغلاف عن طريق البرّ والبحر والجو، وتجولت قواتها في شوارع سديروت بثقة.
“إسرائيل” حاليًا أمام مأزق استراتيجي وخيارات ضيقة ومحدودة جدًا بشأن ردها، وهذا يعود الى العوامل التالية:
أولًا: قدرة المقاومة على كسر الرمح الإسرائيلي وتخطيه، وفتح كوة غير قابلة للسدّ في جدار الدرع، وبالتالي أصبح الكيان يواجه خطرًا وجوديًا لا يمكن تداركه بسهولة.
ثانيًا: إن الجيش العدو ليس معتادًا على الالتحام المباشر.
ثالثًا: تفوّق المقاومة الدائم (في جميع المواجهات سواء في لبنان أو فلسطين) أثناء الالتحام المباشر، ما يؤدي ايضًا الى تهاوي فعالية الأدوات التكنولوجية المستخدمة في المعركة، وتصبح عديمة الفائدة، حيث يفقد الصاروخ والدبابة والطائرة قدرتها.
في المحصلة، إن نمط القتال لدى المقاومة كمدرسة متفرّدة في العالم جعلت أساليب القتال التي رسمها العدو ــ منذ تأسيسه كيانه الغاصب ـــ وانتصر به في معاركه، غير صالحة للعمل في غزة في أي عملية بري. وهذا يضع “إسرائيل” أمام خيارين لا ثالث لهما، إما اعتبار المقاومة غير قابلة للمس وهناك ردع متقابل، وبالتالي يسلّم بذلك بما يحفظ ماء وجهه المهدور أقله، او الذهاب بالكيان نحو تجربة جديدة تأخذ به نحو المجهول، والأقرب للمنطق هو الرأي الأول، خصوصًا أن “إسرائيل” بدأت تدرك أن نظرية الدرع والرمح في خطر إن لم تكن سقطت نهائيًا.
(المصدر: موقع العهد)
للانضمام:
مجموعة اكاديمية حرمون للإعلام والتعليم:
https://chat.whatsapp.com/HQi7bkJTOGGLYmdqUsKYOB
مجموعة منصة حرمون وندوة حرمون الثقافية:
https://chat.whatsapp.com/HFNrMOLD5TKDxmZTTjYZi3
راديو حرمون:
https://onlineradiobox.com/lb/haramoon/?cs=lb.haramoon&played=1