د. إسماعيل النجار
الاستراتيجية الأميركية ومشروع تكريس إسرائيل كرباج منطقة غرب آسيا أصبحا في خبر كان.
لَم تَصِل فرحة الأميركي لقَرعتِهِ بموضوع استكمال مشروعه القاضي بتذويب القضية الفلسطينية وفرض كيان سياسي فلسطيني من دون أظافر تتبَع فيه الضفة الغربية للأردن وغَزَّة لمصر.
واستكمال التطبيع العربي مع الكيان ليصبح هوَ سيد المنطقة بلا منازع ويحافظ الأميركي على مصالحِهِ في غرب آسيا.
جاءت عملية طوفان الأقصى استكمالاً لسيف القدس لتقطع على واشنطن وتل أبيب حلمهما الواعد برسم معالم شرق أوسط جديد خالٍ من أي قُوَّة عسكرية تقف بوجه “إسرائيل”.
ما ساعدَ بنجاح عملية الطَوَفان وتضليل العدو الصهيوني هُوَ دخول حركة الجهاد الإسلامي معركته الأخيرة ضد الكيان الغاصب بمعزَلٍ عن حركة حماس التي وقفت فيها متفرجَة وعلى الحياد، في أكبر عملية تضليل للكيان مارستها المقاومة الفلسطينية بدِقة عالية وذكاء منقطع النظير حتى بَدآ للعقل الصهيوني أن القَوم تفرّقوا وأن جمعهم أو إصلاح ذات البين بينهم أصبحَ من الماضي، وأنهم أصبحوا يتنافسون لذلك سيفشلون وستذهب ريحهم هباءً منثورآ.
انطَلَت الحيلة على العدو الذي استرخَىَ واطمَئَنَّ واعتقد بأن جُل ما تستطيع فعله حركة حماس هوَ إطلاق عدة صواريخ وتعود فتختبئ في أنفاقها.
تأكدت قيادة العمليات المشتركة من أن العدو تم تضليله وأنه أصبحَ على يقين بأن حماس لا تريد القتال وهي تسعى نحو حلول مع الكيان الغاصب، فبدأَ مِحوَر المقاوَمَة التخطيط لعملية طوفان الأقصىَ وتمّت دراسة أدق تفاصيل العملية من الألِف إلى الياء، بدءً من عدد حاجة المهمة للرجال ونوعية السلاح والتوقيت والأهداف ونقاط الدخول ونقاط التلاقي وخطة الانسحاب، بسريَة مطلقة وبشكلٍ دقيق، وكان الهدف الأساس جلب أسرى.
وفي صبيحَة يوم السبت 7/10/2023 فاجأت قوات القسام والأقصى وباقي الفصائل الجنود الصهاينة وهم في مهاجعهم وعلى أسِرَتهُم والغالبية العُظمىَ منهم لم يتجرأوا على حمل السلاح والمواجهة فمنهم مَن قُتِل ومنهُم مَن وقعَ أسيراً بيَد رجال المقاومة ولم يتمكن أي أحد منهم من الفرار.
في نصف الساعة الأولى من بدء الهجوم البري والجوي والبحري الفلسطيني بدأت إيران بشَن هجوم سايبيري ضخم جداً استهدَفَ كافة المراكز الحكومية والعسكرية والمصارف والمؤسسات والمطارات محطات توليد الطاقة وتحلية المياه، وعندما اجتاز رجال الله الشريط الألكتروني الذي يُعتَبَر خط الدفاع الأول عن المستوطنين ووصلت طلائعهم إلى المواقع العسكرية التي تعتَبَر خط الدفاع الثاني، سيطَر الأبطال على غرفة التحكم بالكهرباء للشريط الفاصل والمواقع والمراقبة الألكترونية والكاميرات وشبكة الاتصالات الأرضية وقاموا بتعطيلها جميعها وبذلك فصلوا كافة القوات وشيفراتها عن بعضها البعض وأصبحوا كالعميان واشتبكوا مع حاميات المواقع بعدما سيطروا سيطرة تامة على غرفة التحكم.
سيطَر الأبطال على ما يزيد عن 700 كلم مربع من المستوطنات التي تمّ تحريرها بالدم واستمروا بالتقدم حتى بلغوا مسافة 10 كلم تفصلهم عن حدود الضفة الغربية بالعمق الفلسطيني وقتلوا ما يزيد عن ألف صهيوني وأسروا في اليوم الأول المئات.
معركة لا تشبه مثيلاتها من ذي قبل تخللها تضليلٌ للعدو وتمويهٌ والإيحاء إليه أن حركة حماس ليسَ لديها أي رغبة بفعل أي شيء.
دفعت فصائل المقاومة بتعزيزات إلى داخل نقاط الاشتباك وقامت بالتبديل بين عناصرها واستمرت بالقيام بعمليات هجومية ضد المواقع الإسرائيلية الستة المتبقية بهدف الاستيلاء عليها وتعزيز السيطرة على المناطق المُحَررَة والتثبيت فيها وعدم الانسحاب منها.
ما حصل في المستوطنات شكَلَ كارثة على الكيان الصهيوني وأشعَرَ أميركا بخطر زوال “إسرائيل” فسارعت إلىَ الاتصال برئيس الحكومة اللبنانية لمعرفة ما إذا كان حزب الله سيدخل الحرب أم لآ؟
المصريون اتصلوا بحزب الله بشكلٍ مباشر لكن لا أجوبة تريح أميركا وتطمئن “إسرائيل”، فالمقاومة ليست معنية بطمأنتهم.
كعادتها مصر وقطر سارعتا لإلقاء طوق النجاة للكيان، لكنهم فشلتا لأنه للأسف أصبحَ بعيداً عن البر وأبعد من مرمىَ يُمناهم فـ”إسرائيل” التي خسرَت ما يزيد عن الف وخمسمئة قتيل وأربعة آلاف جريح وأكثر من ٧٠٠ مفقود وثلاثمئة أسير خلال ٤٨ ساعة كيف ستقبل بوقف لإطلاق النار وهيَ المعروف عنها أنها إذا خسرت حربا واحدة ينتهي وجودها؟
لذلك كان لا بد لها من حشد جيشها على حدود القطاع لتحرير المساحة التي تسيطر عليها المقاومة واجتياحه.
القرار بالاجتياح إتُخِذ والعملية قآبَ قوسين وأدنىَ، لأن الأميركي ليست لديه مشكلة بتشديد الحصار على المدنيين وقطع الماء والكهرباء والفيول وتدمير قطاع غزة ولو قُتِلَ عشرون ألف فلسطيني، المهم لديها أن تنتقم “إسرائيل” من الفلسطينيين لذلك بدأوا بالتدمير الممنهج ومن دون سابق إنذار.
حركة حماس هددت بإعدام أسير صهيونيّ مع كل غارة يقوم بها الاحتلال من دون أي إنذار مسبق للمدنيين.
المشروع الأميركي بعد العملية أصبح في خبر كان، وإسرائيل لَم تَعُد الدولة التي يليق بها أن تقود المشرق العربي وغرب آسيا.
والتطبيع تعطّلت عجلاته عن الدوران، وما يرعب أميركا و”إسرائيل” دخول حزب الله الحرب وعلى ما يبدو أن الحزب أصبَح نصفه داخلها ولا عودَة إلى الوراء.
العالم انقسم حيال ما يجري في فلسطين اليوم، ولكن أبرز المتأثرين على خسارة “إسرائيل” والقتلى الصهاينة هوَ ملك المغرب ورئيس دولَة الإمارات ورئيس جمهورية مصر وملك الأردن وملك البحرين وأمير قطر.
الساعات القليلة المقبلة ستنبئ بكل جديد ومع كل تطَوُر سنكون معكم بالتحليل والتقدير.
بيروت في 10/10/2023