د. كلود عطية
بعيداً عن التنظير والفلسفة العشوائية في طرح المسائل المصيرية والتنبيه من المخاطر السياسية والأمنية والانهيارات الاقتصادية والمالية، بالإضافة إلى الندوات والمؤتمرات والخطابات والمناقشات العقيمة القائمة على محاولة إثبات الذات الفارغة في طرح إشكاليات تبدأ من الانقسامات ولا تعرف كيف تنتهي أو أين تنتهي.. نجد أنفسنا كمواطنين مرغمين على التزام الصمت والابتعاد عن كلّ هذا التخبّط وعدم الوضوح في كيفيّة التعاطي مع القضايا الوطنية من الإطار العام الكلي الى الإطار الجزئي…
فالاستنسابية في معالجة الملفات العالقة، والتشتت في المنهجية التي من المفترض أن تضع الخطوط العريضة للمعالجة الصحيحة.. أدّى الى ضرب الاستراتيجية الإدارية للدولة لتحقيق الأهداف الإصلاحية والنهضوية والوحدوية، واستعادة الدور في طرح الأمور السياسية والمجتمعية الضرورية… من المياه الى النفط الى الزراعة والصناعة والتعاون الاقتصادي والأمني والتبادل التجاري… الى الملف الأكثر تعقيداً وخطورة المتعلق بالقطاع العام… بالإضافة الى استحضار إشكاليات شيطانية غريبة لضرب الحياة الاجتماعية والثقافية والتي تهدف الى تخريب البيت الثقافي الذي يعيد التذكير بعظمة انتماء لبنان لهذه الأمة وحضارتها بكلّ مرافقها المادية والبشرية.
أما الأفكار الإصلاحية التي تغطي سماء لبنان وقلوب اللبنانيين… فهي ليست إلا أكاذيب لتمرير الوقت وتقريب مسافة الانهيار الكبير.. فكيف لأفكار عظيمة أن تنتهي في الغرف التهديمية التخريبية السوداء.. حيث يخرج منها خفافيش ليل تعمل في النهار.. وهكذا يسرق النور من عيون كلّ من أراد أن يضيء شمعة في هذا الظلام.. الذي تخطى بكثير حدود الانقسام بين اللبنانيين طائفياً ومذهبياً ومناطقياً.. ليتحوّل الى مجرد صورة أو صنم يشبه الوهم.. تراه في كلّ مكان.. وهو مجرد تاجر سلطة أو مهرّب أصنام.. أو تاجر حمام.. أو عاشق لأعماق البلوكات المرقمة.
تبقى المصيبة الأكبر في تسليم لبنان السجين الى السجان في محاولة جريئة لسلبه ما تبقى من روحية دستوره من حرية واستقلالية.. وها هو البلد في مهبّ الرياح الاستعمارية في الجو والبحر البترولي والبر المغلق على كلّ الحلول بالانفتاح على الشام وكل المشرق.
أما الرهان على الرئيس الإنقاذي التوافقي في ظلّ كلّ هذا الخراب الأخلاقي والقيمي والتبعية العمياء والاستسلام التامّ لصندوق النقد الدولي والإبقاء على الاستدانة بالمليارات من الدولارات.. فهو رهان يشبه الخيال.. نحن في زمن التدمير الممنهج لكلّ ما تبقى من الطبقى الوسطى.. أو كلّ الفئات التي لا تزال تواجه باللحم الحي لتبقى وتستمر.. أمام مجموعة صغيرة من حملة المليارات القابضة تماماً على السلطة والحكم والقرار السياسي.. أما الشعب فله ما يحب من الأخبار “المتعة” التي تجعله لا يناقش إلا موضوع الشذوذ والتيك توك وتكريم الفنانين والمسلسلات التركية وباقي المواضيع التي تلهيه عن التفكير بحجم الخسارة التي سيتحمّلها الأبناء في التعليم والصحة والعمل والدخول خطوة واحدة إلى المستقبل… هذا هو الواقع في لبنان… محرقة جماعيّة في وطن لا يقدّر قيمة الإنسان…!