ناصر قنديل
نائب لبناني سابق ورئيس تحرير جريدة البناء
- تحدّث أكثر من مسؤول أميركي عن محدودية الاتفاق الذي تمّ بوساطة عمانية قطرية بين واشنطن وطهران، وتضمّن إطلاق سراح معتقلين أميركيين في إيران ومعتقلين إيرانيين في أميركا، وتحرير ستة مليارات دولار من أموال إيران المجمّدة في كوريا الجنوبية، وفتح الطريق لتحرير أموال أخرى في اليابان والعراق، ليصل المبلغ الإجمالي إلى عشرين مليار دولار. وقال المسؤولون الأميركيون إن القضيّة لا تتخطّى حدود الإفراج عن مواطنين أميركيين، والكلام الأميركي لا يمكن أن يمرّ مروراً عابراً، لأن مبادلة السجناء بالسجناء تقبل التفسير الأميركي، أما الإفراج عن أموال طائلة، تمّ تجميدها بفعل العقوبات الأميركية التي تشكل المنهج الأميركي الرئيسي في التعامل مع إيران، على قاعدة توصيفها دولة تأوي الإرهاب وتهدّد الأمن القومي الأميركي والمصالح الأميركية الحيوية وترعى نفوذاً لحلفاء لها في المنطقة، يهدّدون أمن ووجود حلفاء واشنطن، التي تقول إن العقوبات هي السلاح الفعال للضغط على إيران لتغيير سياساتها، وجلبها إلى تفاوض متوازن، يمكن عبره التوصل الى تفاهمات تحدّ من النفوذ الإيراني ومنع التمادي في تهديد المصالح الأميركية، وأمن ووجود حلفاء أميركا، وفي طليعتهم كيان الاحتلال، ويكون الاتفاق على الملف النووي مع إيران بشروط أفضل من وجهة النظر الأميركية، فهل يخدم الاتفاق التكتيكي المحصور بتبادل السجناء هذه الوجهة؟
- الرسالة التي يحملها الاتفاق “التكتيكي”، هي أن العقوبات تكتيكية وأن تجفيف مصادر التمويل الإيرانية لضمان حرمان حلفائها من الموارد المالية وإضعاف نفوذها، مجرد شعار إعلامي، لأن الضوابط التي يقول الأميركيون إنها تشترط حصر إنفاق الأموال المفرج عنها في مجالات إنسانية مجرد مزحة سمجة، فيكفي إيران أن تغطي حاجاتها الإنسانية من هذه الأموال، بما في ذلك ما تنفقه على حاجات حلفائها في لبنان وسورية واليمن وفلسطين في هذه المجالات، وتعيد توجيه الأموال التي كانت مخصصة في موازنتها لهذا الغرض، الطبي والإنساني، سواء لها أو لحلفائها، للأغراض التي يريد الأميركيون منّا أن نصدق ان إيران لن تستطيع تمويلها. ومن المفيد لفت الانتباه إلى أن إنفاق إيران على القطاع الصحي سنوياً يزيد عن عشرين مليار دولار، ويعرف الأميركيون أن ما يفعلونه هو تمكين إيران من الحصول على أموال مهمة في وقت يفترض أن واشنطن مهتمة بخنق إيران اقتصادياً حتى تصرخ وتقبل بالشروط الأميركية للتفاوض. وفي عرف السياسة يمثل الإفراج عن السجناء الذريعة لإنجاز الصفقة مع إيران وليس القضية، ولو كان الأمر كما يقول الأميركيون عن استراتيجية العقوبات وتقدّمها على قاعدة تشخيص العلاقة مع إيران بصفتها عداوة في مرتبة أولى لا مكان للتسويات معها إلا بعد إضعافها وجلبها إلى الشروط الأميركية، لكان ملف السجناء يتحمل الانتظار شهوراً وسنوات إضافية.
- الاتفاق “التكتيكي”، وشركاء التفاوض، تعبير عن مشهد جديد في الإقليم، عنوانه التسليم الأميركي بمظلة الاتفاق السعودي الإيراني لفكفكة الملفات الإقليمية العالقة، من اليمن الى العراق، حيث يبارك الأميركيون المفاوضات السعودية اليمنية، بل يقول مستشار الأمن القومي الأميركي إنه يفخر بأن واشنطن ساهمت في لقاء السعودية وأنصار الله. فهل هذا نتيجة الانتصار الأميركي السعودي في الحرب، وإنهاء ما كانوا يطلقون عليه النفوذ الإيراني، وهم يستعينون بإيران لإنجاز تسوية مع اليمن، بينما في العراق يتشاركون مع إيران إدارة التوازنات في السلطة والمجتمع في العراق. وبالتوازي يحتجز الأميركيون فرص الحلول في لبنان وسورية، طلباً للتفاوض مع محور المقاومة لصياغة قواعد اشتباك تمنع الانزلاق الى حرب شاملة يعتقد الأميركيون أنها تشكل خطراً وجودياً على كيان الاحتلال، والاتفاق “التكتيكي” يشبه اتفاق ترسيم الحدود البحرية للبنان، محاولة لفتح نافذة التفاوض على ما هو أوسع، مقابل الإفراج عن الحلول في لبنان وسورية. (البناء)