في أعماق الوديان الضيقة المليئة بالأحراش في جمهورية الكونغو الديمقراطية، ينمو بشكل سريع فرع محلي أشد “فتكا” لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، من خلال تجنيد الأطفال لتضخيم صفوفه، وصقل مهاراته في صنع القنابل وشن هجمات وحشية على القرى والكنائس والمرافق الطبية، من دون أن يجذب الكثير من الاهتمام الدولي.
تقول صحيفة “واشنطن بوست” إن “القوات الديمقراطية المتحالفة”، وهي مجموعة متمردة تعمل شرقي الكونغو وصنفت إرهابية من قبل الولايات المتحدة بعد مبايعتها لداعش، وسعت من عمليات تجنيد المقاتلين من أماكن أخرى في أفريقيا والشرق الأوسط.
كما ترتبط المجموعة بشبكات تمويل أجنبية تساعد في توفير الأموال المستخدمة في التفجيرات، وفقا لمحققين من الأمم المتحدة ومؤسسة “بريجواي” ومقرها الولايات المتحدة.
ووفقا للصحيفة فقد كان هذا العام الأكثر دموية في تاريخ المجموعة حتى الآن.
تأسست “القوات الديمقراطية المتحالفة” قبل عقود في أوغندا المجاورة بهدف الإطاحة بحكومة ذلك البلد، الأمر الذي دفع في النهاية مقاتليها لعبور الحدود باتجاه جمهورية الكونغو الديمقراطية.
هجمات مروعة
اتسعت طموحات الجماعة بعد اعتقال مؤسسها في عام 2015 وتولى زعيم جديد يدعى موسى بالوكو، مقاليد الأمور، الذي تعهد بالولاء للدولة الإسلامية في محاولة منه للحصول على التمويل.
وبالفعل بدأ تدفق الأموال لصالح المجموعة المتشددة بعد أن كادت تتوقف عن شن الهجمات.
ومنذ ذلك الحين، نفذت “القوات الديمقراطية المتحالفة” موجة من التفجيرات والهجمات أسفرت عن مقتل آلاف المدنيين.
في يونيو الماضي، استهدفت المجموعة مدرسة بالقرب من الحدود بين أوغندا والكونغو، مما أسفر عن مقتل 41 شخصا، معظمهم أطفال أحرقوا وهم أحياء.
روى طفل كونغولي فر مؤخرا من المجموعة طبيعة الأفعال الوحشية التي كانوا يقومون بها.
قطع رؤوس واغتصاب جماعي
كان الطفل يبلغ من العمر 12 عاما فقط عندما أغار مقاتلون على بلدته، بولونغو، وقطّعوا والدته ووالده حتى الموت أمامه، ثم قبضوا عليه وشقيقه.
يقول الصبي، الذي حجبت الصحيفة اسمه خوفا من تعرضه لأعمال انتقامية، إن مقاتلي المجموعة اقتادوه وشقيقه إلى الغابة حيث تلقوا هناك تدريبات عسكرية تركزت على كيفية قتل الناس.
كان الصبي من بين 11 من الهاربين الذين تمت مقابلتهم من قبل الصحيفة أثناء إعداد هذا التقرير إلى جانب ضحايا هجمات وضباط عسكريين كونغوليين ومسؤولين أمنيين وزعماء دينيين وآخرين.
قال بعض الهاربين إن أطفالا لا تتجاوز أعمارهم 10 أعوام يتدربون على القتال وإن الفتيات في الغالب يستعبدن جنسيا أو يتعرضن لاغتصاب جماعي أو يتم تزويجهن قسرا لأحد القادة.
يؤكد الصبي أنه أُجبر على المشاركة في هجوم على قرية، حيث يذكر أنه شاهد صانع قنابل تنزاني يوجه تعليمات إلى مجندين آخرين بشأن المتفجرات.
كما قام التنزاني ويدعى أحمد محمود بقيادة طائرات مسيّرة تستخدم لمراقبة الأهداف والهجمات، وفقاً للصبي.
الصبي ذكر كذلك أن المجندين الأجانب كانوا يحتشدون في معسكر أطلق عليه اسم المدينة المنورة، مشيرا إلى أن معظم القادة كانوا من الأوغنديين، وبينهم أيضا صوماليون وروانديون وتنزانيون.
يقول إن الصبي إن أحمد محمود هدده في إحدى المرات وقال له بالحرف الواحد: “أمك ماتت، إذا حاولت الهرب، فسوف تُقتل أيضا”.
الارتباط بداعش
ووفقا للصحيفة فإن “الهجمات الدولية” لتنظيم الدولة الإسلامية أصبحت أكثر تشتتا في السنوات الأخيرة بعد القضاء على ما يسمى بدولة الخلافة في سورية والعراق.
منذ ذلك الوقت جرى تعزيز الفروع المحلية في أفغانستان ومنطقة الساحل في أفريقيا وبشكل أقل في وسط القارة.
في عام 2017، تم إجراء أول تحويلات نقدية موثقة مرسلة من قبل الدولة الإسلامية إلى “القوات الديمقراطية المتحالفة”.
وبعد ذلك بعامين، أعلن تنظيم الدولة الإسلامية عن ظهور فرع له في وسط أفريقيا، وكانت “القوات الديمقراطية المتحالفة” جزءا منه.
فرضت وزارة الخزانة الأميركية عقوبات على “القوات الديمقراطية المتحالفة” في عام 2021، واصفة إياها بأنها تابعة لتنظيم الدولة الإسلامية.
واجه قرار انضمام “القوات الديمقراطية المتحالفة” إلى تنظيم الدولة الإسلامية في البداية معارضة داخلية.
وقالت فتاة تبلغ من العمر 16 عاما، كانت قد أمضت ثماني سنوات مع “القوات الديمقراطية المتحالفة” قبل الهروب، إن محمود وصل إلى الكونغو حاملا علما أسود وطلب أن يتعهد الجميع بالولاء للتنظيم أو التعرض للهجوم.
وتبين الصحيفة أن مؤسس “القوات الديمقراطية المتحالفة” جميل موكولو لطالما عارض تنظيم الدولة الإسلامية، وكذلك فعل ابنه موسى.
وأضافت الفتاة أن مقاتلين في “القوات الديمقراطية المتحالفة” قطعوا رأس موسى وتعرض اثنان من كبار القادة اللذين عارضا تنظيم الدولة الإسلامية للضرب حتى الموت.
حددت لجنة من خبراء الأمم المتحدة، لأول مرة، التفاصيل المتعلقة بالروابط بين “القوات الديمقراطية المتحالفة” والدولة الإسلامية في يونيو الماضي.
وأشارت كل من الأمم المتحدة ومؤسسة “بريجواي” إلى أن المجموعة تلقت الأموال من خلية جنوب أفريقية عملت مع أحد عناصر تنظيم الدولة الإسلامية في السودان.
وبينت الصحيفة أن هذا العنصر المعروف باسم بلال السوداني قتل في غارة عسكرية أميركية على مجمع كهوف في الصومال في وقت سابق من هذا العام.
وتشير الصحيفة إلى أنه على الرغم من أن العبوات الناسفة التي تستخدمها “القوات الديمقراطية المتحالفة” كانت في البداية بدائية وغير فعالة، إلا أن قدرتها على صنع القنابل آخذة في الازدياد.
ونفذت الجماعة العام الماضي أولى هجماتها الانتحارية، بما في ذلك هجوم نفذته امرأة أسفر عن مقتل ثمانية أشخاص في حانة عسكرية.
وفي يناير، قصفت الجماعة كنيسة في كاسيندي، وهي بلدة صغيرة على الحدود بين الكونغو وأوغندا مما أسفر عن مقتل 16 شخصا وإصابة 62 آخرين.
كذلك ازداد تأثير المجموعة في أماكن أخرى في أفريقيا، حيث وثق مراقبون أمميون سابقون صلات بينها وبين جماعات متمردة إسلامية مسؤولة عن قتل وتشريد آلاف المدنيين في موزمبيق.
بالمقابل يشير هؤلاء المراقبون إلى أن المقاتلين الأجانب يشكلون نسبة ضئيلة من أفراد المجموعة، بينهم مقاتلون من بريطانيا ومصر والأردن.
(موقع الحرة)