إنها الأزمة “المستحكمة”، التي لا انفراج لها، إلا بالحرب والمواجهة… مع هذا الكيان الصهيوني (ذيل الاستعمار الغربي الأميركي)، لإزالته من الوجود نهائياً، وتحرير فلسطين من البر إلى البحر، وتحرير بيت المقدس. فقد آن الأوان، وكلّ يوم تتسع مساحات المواجهة مع الكيان الصهيوني، وسقطت نظرية الكيان الصهيوني، في انفراده بساحة واحدة.. حتى يبدو منتصراً! وما هو بمنتصر بل مهزوم.. ومدحور ومذلول… ومن ثم فإنّ الدائرة أضحت تضيق، والحصار يشتدّ على هذا الكيان، حتى أصبحت أرى أنّ النهاية لم تعد قريبة فحسب، بل أضحت حتميّة وعاجلة، وليست آجلة.
هكذا نرى ما يحدث على الحدود اللبنانية في مواجهة الكيان الصهيوني المحتلّ والغاصب للأرض الفلسطينية، والمواجهة بين حزب الله بقيادة الأمين العام السيد حسن نصرالله (رمز المقاومة اللبنانية والعربية)، وبين الجيش الصهيوني وحكومته برئاسة نتنياهو (العدواني والمستفزّ واللص والمخادع). لذلك فإنّ هذه المواجهة لم تبدأ اليوم، بل منذ عقود وخاصة عام 2000، يوم أُجبر الكيان الصهيوني على الرحيل من لبنان، خصوصاً من الجنوب اللبناني، بعد معركة الكرامة والتحرير والاستقلال التي قادها حزب الله بقيادة السيد نصر الله، حتى تمّ تحرير الجنوب تماماً من الاحتلال الصهيوني في 25 مايو/ أيار 2000، ويحتفل لبنان ومعه كلّ الأحرار في الوطن العربي وفي العالم، بهذا اليوم، ومعه كلّ الدروس والعبر للكيان الصهيوني، وتأكدت معه أيضاً لنا مقولة الزعيم جمال عبد الناصر: أنّ “ما أخذ بالقوة.. لا يُستردّ بغير القوة”.
وعبر ما يقرب من ربع قرن (2000 – 2023)، فإنّ نظرية الهجوم واستخدام القوة من جانب حزب الله، للقيام بمسؤولية تحرير الجنوب، هي نظرية توازن القوى والرعب، مع الكيان الصهيوني، الذي لم يعد يتصرّف إلا على خلفية الموازين في القوى. وعندما حاول العدو الصهيوني أن يثأر لما حدث له في الجنوب اللبناني، وأراد أن يبسط هيمنته على لبنان، في إطار نظرية الجبهة الواحدة، وغياب الساحات العربية الأخرى، في يوليو/ تموز 2006، إلا أنه انكسر أيضاً، ولم يستطع أن ينجز شيئاً، رغم استخدام “القوة المفرطة”، مع الشعب اللبناني، ولمدة (33) يوماً، وسجل في المقابل أنّ حزب الله، الذي سطر تاريخاً جديداً في المقاومة، قد أجبر العدو الصهيوني، على الالتزام بنظريّة الردع والردع المتبادل من 2006، وحتى الآن (2023)، إلا أنّ العدو الصهيوني، أراد المناوشة مع حزب الله في وقائع تبدو أنها بسيطة ومحدودة، ظاهرياً، إلا أنها نقاط جوهرية في طريق الصراع الرئيسي، بين المقاومة وبين هذا الكيان الصهيوني.
ولذلك بدأ الكيان بإقامة سور على قرية لبنانية (الغجر)، واعتبارها ضمن حدوده، وفي المقابل فإنّ حزب الله أقام الخيام على الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة، (في مزارع شبعا)، والتي يعتبرها العدو أيضاً أنها في حدوده، وأنّ حزب الله هو “المعتدي”، وتفجّرت التصريحات والتهديدات المتبادلة بين الكيان وبين حزب الله، أيّ بين الحق اللبناني، وبين اغتصاب المحتلّ الصهيوني.
فقد عقد نتنياهو، اجتماعاً للحكومة الصهيونية، وأطلق تهديداً للسيد وحزبه، مطالباً بفك الخيم، وإلا فإنّ الجيش الصهيوني سيقوم بالأمر، وذلك بإزالتها بالقوة فوراً، وكأنه يتصوّر أنّ حزب الله وقائده، سوف يرتعدان خوفاً من هذه التهديدات! فما كان من الحزب بقيادة السيد نصرالله، أن قابل ذلك التهديد، بتهديد مضاد، بأنّ الخيم المنصوبة في مزارع شبعا، هي على أرض لبنانية وسيتمّ الدفاع عنها، ولن يتمّ فكها، مهما حدث. فضلاً عن مطالبة السيد في آخر خطبه، للكيان الصهيوني، بالتراجع عن احتلال القرية اللبنانية (الغجر)، وإقامة الحواجز حولها، متصوّراً أنه بهذا سيكون قد ضمّها بالفعل. بل أعطى السيد نصرالله، تعليماته الحاسمة، بالردّ الفوريّ على أيّ عدوان على كفرشوبا. وفي إطار هذه التهديدات المتبادلة، فإنّ وسطاء من أميركا وأوروبا، طرحوا أفكاراً وسطية! تقضي بأن يقوم حزب الله، بفكّ الخيمتين، مقابل تراجع الكيان الغاصب عن احتلاله للقرية اللبنانية، إلا أنّ حزب الله رفض ذلك بشكل قاطع، حيث أصرّ السيد حسن نصرالله على عدم فكّ الخيم لأنها على أرض لبنانية، وأنه يصرّ على انسحاب الكيان وقواته من قرية الغجر، ولن يتوانوا في إجباره على ذلك بكافة الوسائل، حتى لو وصلت الأمور إلى المواجهة المسلحة. وفوجئنا بأنّ الكيان الصهيوني قد “لحس” كلامه على لسان رئيس وزرائه، وتراجع عن التهديدات بالموعد المحدّد لإزالة الخيم، وأضحت تهديدات نتنياهو في الهواء، ولا تزال الأزمة قائمة، والتهديدات متبادلة.
إلا أنني أرى أنّ هذه الأزمة، فتحت الطريق، أمام احتمالات اشتعال الساحة اللبنانية ضدّ الكيان الصهيوني، وهو الطريق لتشتيت العدو الصهيوني الذي أضحى في مواجهة مع ساحة غزة، وساحة الضفة الغربية كما واجه المقاومة الباسلة في جنين ومن قبل في نابلس، كما أنّ جبهة الجولان، بدأت أيضاً في الاشتعال، وكذلك جبهة الأردن، ولا ننسى الجبهة المصرية التي بدأت بالمناضل محمد صلاح، الذي ضحّى بنفسه وقتل 4 صهاينة وأصاب واحداً، مما ينبئ بأنّ الساحة المصرية ستدخل الاشتعال والمجابهة في ظلّ ظروف مغايرة مقبلة.
وأخيراً نقول إنّ ميزان الردع يميل إلى المقاومة، التي ما أن بدأت، معاً، في إطار وحدة الساحات، سوف تقتلع الكيان الصهيوني، ليفرّ سكانه المهاجرون عائدين لأوطانهم الأصلية، وهي العملية التي بدأت منذ فترة، والله الداعم حتى النصر…
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، جامعة قناة السويس ـ مصر.