دأبت إدارة منصة حرمون بالتعاون مع لجنة مئوية الثورة السورية الكبرى على إيقاد الشعلة المقدسة لتلك الثورة الوطنية المباركة، منذ حزيران 2018، حيث تحسست أهمية حلول المئوية بعد سنتين من الآن في تموز 2025.
هذا استحقاق واجب على كل الوطنين الشرفاء جميعاً، لإيقاظ تاريخهم في نفوسهم وفي نفوس الأجيال، بخاصة الناشئة والشباب منهم، ليبقى نابضاً في قلوبهم وفي وجدانهم، ولتبقى عبره ودروسه ماثلة امام عيونهم وبصائرهم لتنير دروبهم وتوجه خططهم وقرارتهم في كل ما يعني وطنهم ومجتمعهم.
المبدأ الأثير “الدين لله والوطن للجميع”، مبدأ يرجح ان من اطلق هو المعلم بطرس البستاني في منتصف القرن التاسع عشر، إثر المحنة الطوائفية في لبنان ودمشق، وانتشر ليصبح قاعدة سلوك ومنهجاً وطنياً. اعتمدت الثورة هذا المبدأ لتطمئن شعبها أن عملها يستهدف الفرنسي بالنار لتحرر البلاد منه، ويستهدف البلاد لتوحدها تحت المساواة امام القانون الذي يسود ربوع الوطن، فيتوحدون في الحقوق فيه والواجبات أمامه. وبقي المبدأ قاعدة جوهرية لأي نهضة قومية ووطنية تستحق الاعتبار، وبقيت الثورة نموذجاً يحتذى ومعلماً بهياً مهيباً في تاريخنا الحديث.
ودعت لجنة المئوية وندوة حرمون الثقافية إلى حضور ندوة فكرية بحثية في 5 أيار 2023، اشترك فيها المفكر السوري البروفسور جورج جبور، الدكتورة ريم منصور الأطرش، الباحث الأستاذ كمال فضل الله الشوفاني. قدّم الباحثون ثلاث أوراق بحث ونقاش في الندوة، من بُعد عبر تطبيق غوغل ميت، نصوصها منشورة أدناه. وبعد الأوراق حصل نقاش بين الحضور والمتحدثين.
أدار الندوة ناشر منصة حرمون الكاتب الباحث الإعلامي هاني سليمان الحلبي.
قراءة في النداء الأول لقائد الثورة السورية الكبرى سلطان الأطرش*
الأستاذ الدكتور جورج جبور**
(مفكر قانوني سوري.
الرئيس الفخري، الرابطة السورية للأمم المتحدة،
وسابقاً: مستشار رئاسيّ وعضو في مجلس الشعب)
أولاً: كلمات افتتاحية:
احييكم واشكر الاستاذ هاني الحلبي على دعوته الكريمة لي الى هذه الفعالية. بمثل ما نقوم به اليوم نزداد قوة وحيوية وعنفوانا.
في اساس التكرم بتوجيه الدعوة الي لاكون شريكا لكم اليوم امر استوقفني. انه الاقتران الممنهج الجميل في ما يرسله صاحب الدعوة بين الثورة السورية الكبرى وبين الحزب السوري القومي الاجتماعي وبين حرمنا هذا المقدس “:حرمون”. لهذا الاقتران الثلاثي الرائع درته، بل ذروته الشامخة التي يرتفع
اليها نظر الجميع، الا وهي دمشق، عاصمة سورية وسوريا، بالهاء وبالالف، عاصمة بلاد الشام، عاصمة العروبة الحضارية الجامعة مكارم الاخلاق كما تجلت في تجديدها ” حلف الفضول”. أحييكم من دمشق. اكلمكم من دمشق.
ثانيا : المرتكزات الفكرية في الييان الاول الصادر عن القائد العام للثورة:
اتحدث عن اول وثيقة اصدرها قائد الثورة، سلطان الأطرش. هي “نداء الى السلاح “. ذلك عنوانها. الابتعاد عن المهادنة هو الصوت الصارخ. فما هي المرتكزات الفكرية التي اوجبت اللجوء الى السلاح؟
المرتكز الاول : الكرامة. المهانة تلغي المهادنة. طلبنا تغيير حاكم الجبل. لم نطلب معاقبته. لم نطلب جلاء الأجنبي. طلبنا متواضع. “غيروا الحاكم الاحمق!”. لم يفعلوا. مسوا كرامتنا، اذن فلا بد من السلاح.
ومن هم الذين يناديهم قائد الثورة؟ هم في ثلاثة مقاطع متتالية، احفاد العرب، هم السوريون، هم العرب السوريون. كل اؤلئك واحد. لا انكار للعروبة. لا انكار للسورية. بعفوية البديهة جمع في مخاطبته الثالثة التركيب الى الاطروحة والطباق. اراحنا، في العشرينات، مما هو غير بديهي. لم يقف في مفاضلة بين عرب وسوريين. اليس من الواضح اننا عرب وسوريون بل عرب سوريون؟ عرب كلمة اولى. سوريون كلمة ثانية. هكذا نادى ثم توقف. لم يذهب الى كلمة ثالثة مغرية رغم ان من يخاطبهم هم تجسد عياني لها.هي كلمة من احرف قليلة كتلك التفاحة في الجنة،صغيرة ومغرية ومحرمة. وكلنا من بني معروف. وسلطاننا هو القائد العام للثورة السورية الكبرى.
اكتب في اذار 2023 وما يشغلني يشغلكم : وحدة الدولة السورية. كم احب ان اقارن بين اسلوب سلطان الاطرش في المخاطبة وبين اساليب من سبقوه او عاصروه من كبارنا : صالح العلي وابراهيم هنانو وعبد الرحمن الشهبندر وفارس الخوري وغيرهم. الوثائق موجودة. التنوع في المخاطبة مقبول ان وجد وله دواعيه، له قدرته على الحشد النفسي , وافضل منه غيابه. والمهمة لباحثين شباب ارجو ان نتوافق جميعا على ما استقر عندي منذ عقود ولاسيما منذ ذلك الاذار القاسي عام 2011. ما استقر هو هذا الشعار – الحكمة: “فلنكتب التاريخ بيد المستقبل”. نريد وحدة الدولة السورية ؟ فلنوحد السردية،تاريخية كانت او معاصرة، ولتكن سرديتنا صادقة مصدقة معا، تغذي الوحدة.
خاطب قائد الثورة احفاد العرب والسوريين والعرب السوريين. خاطبهم هكذا بالجمع. لم يذكر كلمة توحد من جهة وتستثني من جهة اخرى. كأنه تلمس فيها محذور ابقاء احد ما خارج المتحد. تجنبها بالمطلق تقريبا. هل فعلها عامدا متعمدا؟ هو، في الأرجح بما فطر عليه من حس قيادي، ادرك ان المخاطبة بالجمع أفعل. هي المخاطبة الجامعة.
والدين. اين مكانه في النداء؟ هو فيها دعوة الى الجهاد. هو فيها وحدة في الحق، فارادة الشعب من ارادة الله. هو فيها كلها في جوهره : موح، محفز، شاحذ للعزم، هاديء متمكن مطمئن بعيد عن البهرجة. دين ما احوجنا اليه. اليس سلطان الاطرش هو اكثر من اقترن اسمه من السوريين بالشعار الوطني الشهير :” الدين لله والوطن للجميع”؟
يخاطب العرب السوريين، ثم تتتالى مناشدات الحث على التصدي للاجنبي، معتمدة التاريخ والدين والكرامة، ومقولة ان الحق يؤخذ ولا يعطى.
كذلك نلمح في الاسطر الاولى من النداء اثر الثقافة العالمية في فكر قائد الثورة : ” هذا يوم انتباه الامم والشعوب”. ثم بعد قليل: ” وان الامم المتحدة الناهضة لن تنالها يد البغي”. في كل ذلك صدى مفاهيم اتت بعد نهاية الحرب العالمية الاولى، وبلورتها نقاط ويلسون التي حظيت باعلام شعبي واسع.
وهنا مكان نقطة معترضة لا بد منها عندي كلما ذكر ويلسون. بلغ من نجاح العملية الاعلامية الامريكية في التاثير علينا فكريا بعد الحرب الاولى، ولاسيما في الترويج للشخصية المثلى الرئيس ويلسون التي رسمت على انها قمة السمو، بلغ من نجاح تلك العملية الاعلامية ان جريدة الحكم الفيصلي في حلب، واسمها: “حلب”، وصفت ويلسون في احدى افتتاحياتها انه ” الوالد الثالث للبشرية بعد ادم ونوح”. جعلته قبل موسى وعيسى ومحمد. الجريدة في مكتبة جامعة حلب ولدي صورة عنها. ثم بالطبع نعلم ان ويلسون هو واحد اثنين، مع بلفور، في تلك الوثيقة الغبية فكريا، القاتلة المجرمة عمدا او قصدا او جهلا والى وثيقة ” وعد بلفور” أشير. ثم ان من تطورات السنوات الاخيرة بشان ويلسون ان تماثيله وصوره تتم ازاحتها من مواقعها في الجامعة التي كان رئيسا لها، لان نزعاته العنصرية ضد المتحدرين من اصل افريقي غدت موضع علم عام.
اعود الى وثيقة ” الى السلاح”. قالت الوثيقة ان الامم الناهضة لن تنالها يد البغي. فما هو البغي؟ تقول الوثيقة : ” لقد نهب المستعمرون اموالنا واستاثروا بمنافع بلادنا”. ذلك كلام عام ما يلبث ان يوضح: ” اقاموا الحواجز الضارة بين ابناء بلدنا الواحد، وقسمونا الى شعوب وطوائف ودويلات، وحالوا بيننا وبين حرية الدين والفكر والضمير، وحرية التجارة والسفر حتى في بلادنا واقاليمنا.”
واذ يصل النداء لى هذه النقطة، فانه يتوسع في الشرح موضحا ما كان سببا مباشرا للثورة:
” يا ويح الظلم! لقد وصلنا من الظلم الى ان نهان في عقر دارنا، فنطلب استبدال حاكم اجنبي محروم من المزايا الانسانية باخر من ابناء جلدته الغاصبين، فلا يجاب طلبنا، بل يطرد وفدنا كما تطرد النعاج!”.
ثم اليكم هذا الكلام الخطير التالي الذي قد يستحق ان يبحث بجدية، والذاكرة سلاح :
حادثة عدم الاستجابة لطلب حق متواضع اتذكرها منذ عهد التلمذة في الاربعينات، لكنها – ربما – ربما تاخذ اليوم، وانا اتكلم بعد 12 عاما من اذار 2011، بعدا اخر خطيرا يستحق مزيدا من البحث.
هل احب منظمو المؤامرة على سورية ان يستفيدوا من زخم حادثة الاهانة، زخم ممتد تاريخيا في اذهان سكان الاقاليم الجنوبية من سورية، فزيف اعلامهم اصلا ل “ثورة التهور والتامر” مشتقا من حادثة تماثلها، جوهرها، جوهر الحادثة، احتجاج في اذار 2011، على محافظ لم يرض المحتجين اسلوب استقباله لهم، هو محافظ درعا، المدينة التي هي شقيقة السويداء في ” نجومية” جنوبي الدولة ؟واختها في رهافة الذاكرة التاريخة ؟ هل احبوا ففعلوا ونجحوا؟
واذ يوشك النداء ان يختتم، فلا بد من توضيح المطالب، وهي ثلاثة متوقعة اوردها هنا بحرفها، ولها رابع بارع.
- وحدة البلاد السورية ساحلها وداخلها، والاعتراف بدولة سورية عربية واحدة مستقلة استقلالا تاما.
- قيام حكومة شعبية تجمع المجلس التاسيسي لوضع قانون اساسي على مبدا سيادة الامة سيادة مطلقة.
- سحب القوى المحتلة من البلاد السورية، وتاليف جيش محلي لصيانة الامن”.
اذن، واضحة هي المطالب، جذرية لا تقبل المساومة، اكثر جرأة من مطالب الوطنيين بعد الاضراب الستيني، لان الوفد الذي ذهب يفاوض في باريس كانت المعاهدة همه. أما هنا فلا معاهدة بما في الكلمة من مهادنة.
ثم لو كان ورد في البيان : ” تأليف جيش وطني”، لكنا اكثر امتلاء. وبالتأكيد، لم يخطر في بال صاحب النداء الا ان يكون الجيش وطنيا بكل معنى الكلمة.
يبقى المطلب الرابع البارع، وهذا نصه:
- تأييد مبدا الثورة الفرنسوية وحقوق الانسان في الحرية والمساواة والاخاء”.
هوبارع لانه تقريع لفرنسا. نطلب منك، ايتها الدولة الظالمة، ان تحترمي نفسك. انت تحكميننا، لكننا، نحن، نحاكمك.. ذلكم موقف جريء، كله وعي ومسؤولية، جوهره بصقة مستحقة في وجه المستعمر: ” انت كاذب”.
ثالثا :كلمات ختامية:
يلاحظ ان مطالب البيان الاول تمثل جوهر الفكر السياسي في سورية. وحدة البلاد اولا. ثم ثانيا، كيان الدولة التنظيمي المضبوط بموجب دستور. وثالثا: لا بد من خروج الاجنبي. هي مطالب بدات بالتحقق مع انتهاء المقاومة المسلحة كما قادتها الثورة السورية الكبرى. وزارة 1926 شاهد اول. ثم انتخابات المجلس التاسيسي عام 1928 وصياغته لمشروع الدستور، شاهد ثان، والتفاصيل كثيرة.
ثلاث نقاط تلح علي قبل ان اختم باقتراح :
1- حددت المادة الثاية من مشروع الدستور الدولة المنشودة بانها – واكتب الان من الذاكرة – ” البلاد السورية المنفصلة عن الدولة العثمانية “. دولتنا كما رأيناها عام 1928 هي: سوريانا، سوريا الطبيعية.
2- ثمة لا ريب احصاءات لعدد شهداء النضال السوري ضد الاستعمار الفرنسي. لم اعد الى المصادر. يخيل لي ان عدد الشهداء الذين ارتقوا في الثورة السورية الكبرى هو الاكبر على الاقل، نسبيا، ضمن المدة التي استمرت فيها الثورة. هل من موضح مدى صواب التخيل؟
3- كيف انتقلت مواضع العنف الثوري ضد المستعمر الفرنسي منذ الغزو الفرنسي، حتى الثورة السورية الكبرى ثم الى ما بعد ذلك وحتى مجزرة مجلس النواب عام 1945. صالح العلي اولا ثم ابراهيم هنانو ثم الثورة السورية الكبرى ثم هنا وهنك وهنالك وصولا الى مجزرة مجلس النواب عام 1945. هل لدينا خارطة دم جغرافية تاريخية؟
اما الاقتراح فهو التالي. كل الشكر لندوة حرمون وللدكتور هاني الحلبي.. ان اوان ان تاخذ دمشق زمام المبادرة في انشاء هيئة خاصة بمئوية الثورة السورية الكبرى، متعاونة في ذلك مع هيئات سورية ولبنانية واردنية وفلسطينية، بل ومتعاونة ايضا مع هيئات دولية اهمها الروسية. لن ننسى تعاطف لينين مع الثورة السورية. اقترب موعد المئوية. حي على خير العمل.
* ورقة كتبت بدعوة من “ندوة حرمون الثقافية”.
في دمشق – 19 اذار 2023.
تحقيق أرشيف سلطان باشا الأطرش وأهم الاستنتاجات منه
د. ريم منصور سلطان الأطرش*
(باحثة وروائية وأستاذة جامعية سورية)
في البداية، أشكر لكم حضوركم، كما أشكر الأستاذ هاني الحلبي ومنصة حرمون ولجنة مئوية الثورة السورية الكبرى على تنظيم هذه الندوة. الرحمة لروح القائد العام سلطان الأطرش ورفاقه في الكفاح. الرحمة لشهداء أمتنا في سورية وفلسطين والوطن العربي.
العمل على تحقيق الأرشيف
بدأتُ بالتحضير الأولي لهذا البحث منذ صيف العام 1997 بطلب وإلحاح من أبي منصور سلطان الأطرش، وقد ساعدتني في ذلك خبرتي في مجال التوثيق والتصنيف التي اكتسبتُها من عملي التأسيسي في مكتبة الأسد الوطنية بين عامَيْ 1984 و1991… ففي الحياة لا شيء يذهب هباء، وكلّ أمر يتقنه المرء، لا بدّ أن يفيده في يوم من الأيام.
أما المراحل التي قمتُ بها منذ البداية، فهي:
- قمتُ بتنظيف الوثائق من بعض الحشرات والأوساخ والغبار العالق بها!
- قمتُ بتصوير الوثائق بتقنية الـ Scan (الناسوخ) لحفظها على الحاسوب، ثم بطباعة محتوياتها عليه.
- قمتُ بتدقيق الطباعة وتصحيحها والتعليق على الوثائق وتحقيقها.
- العديد من الوثائق، وخاصة قبل ثلاثينيات القرن العشرين، مؤرَّخة هجرياً، فقمتُ بوضع التاريخ الميلادي، بين معقوفتين، إلى جانب التاريخ الهجري، اعتماداً على: كتاب التوفيقات الإلهامية بالسنين الإفرنكية والقبطية، تأليف اللواء محمد مختار باشا، دراسة وتحقيق وتكملة الدكتور محمد عمارة، [بيروت]، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ط. 1، 1980.
- أما بالنسبة للوثائق غير المؤرَّخة هجرياً أو ميلادياً، فقد كنتُ أحدّد سياقها التاريخي بالاعتماد على مضمونها وعلى المراجع التي بين يديّ؛ ومن هنا، كنتُ أقوم بتحديد الشهر والسنة تقريبياً، أو السنة فقط، ثم أضع التاريخ التقريبيّ بين معقوفتين.
- بحثتُ في المراجع التي بين يديّ عن الأسماء الحقيقيّة لبعض الأسماء الحركية للثوار والرجال الوطنيين السوريين ووضعتها بين معقوفتين أيضاً.
- في بعض الأحيان، كنتُ أستطيع التعرّف إلى الشخص ذي الاسم الحركي من المقارنة بين خطّه في وثيقة وقّع عليها باسمه الصريح وأخرى وقّع عليها باسمه الحركي، فأصل إلى شخصيته الحقيقية.
- سأورد هنا بعض الأمثلة على الأسماء الحركية:
– سلطان باشا الأطرش، لقبه الحقيقي (أبو طلال) و: الأخ الأكبر – السيد الخضر – سليم.
– رشيد طليع، اسمه الحركي محمد الطرابلسي.
– شكري بك القوتلي، له ثلاثة أسماء حركية: أبو شاكر – شكري – الصالحاني.
– فوزي القاوقجي، اسمه الحركي فوزي أفندي الطرابلسي.
– عادل العظمة، اسمه الحركي عدنان (ويوقّع بحرف ع).
– عبد القادر آغا سكر، اسمه الحركي الصارخ المكتوم.
– أسعد كنج، من مجدل شمس، لقبه واسمه الحركي أبو صالح.
- حرصاً من الثوار والرجال الوطنيين على سرّية أمورهم في مراسلاتهم وخاصة مع القائد العام للثورة السورية الكبرى، فقد قاموا باستخدام شيفرة وجدتُ حلّها في كتاب: الرعيل العربي الأول: حياة وأوراق نبيه وعادل العظمة، د. خيرية قاسمية، لندن، دار رياض الريس، 1991، الصفحة 173. الشيفرة هي شيفرة جمعية (العربية الفتاة) التي تمّ استخدامها منذ العام 1919.
- قمتُ بالترتيب التاريخي التسلسلي وإعطاء رقم لكل وثيقة.
- ثمّة استخدام للهجة العاميّة في جبل العرب ضمن الوثائق، مثل: العرضي = الجنود؛ العراضي = عدة زمر من الجنود؛ الجرود = المحاربون؛ الزهاب = المؤونة والذخيرة والعتاد؛ سوكرة = تأمين (من الفرنسية sécurité)؛ فرش رزق = استباحة الأرزاق.
- اضطررتُ إلى إضافة التنقيط في طباعة الوثائق، غير المستخدم في معظم الوثائق الأصلية، كي تصبح مفهومة عند قراءتها. عدد الوثائق حوالى الألف.
- قمتُ باختيار الصور المناسبة لهذا البحث من أرشيفَيْ جدّي وأبي.
- قمتُ بإعداد كشاف تحليلي توثيقي، وهو فهرس أعلام مرتّبة فيه الأسماء ألفبائياً تبعاً للكنية، ويحوي كل اسم على أرقام الوثائق التي ظهر فيها، كذلك يحوي على بعض رؤوس الموضوعات الهامة؛ إضافة إلى ملخّص توثيقي عن محتوى هذه الوثائق، وإلى سنة ميلاد هؤلاء الأعلام ووفاتهم، ما أمكنني إيجادها، مع أسمائهم الحركية. تمّ تصنيف هذا الكشاف تاريخياً. كما نصحتني صديقتي أليسار خوري بإعداد كشاف ألفبائي آخر بالموضوعات العامّة والأعلام، لمساعدة الباحثين على الوصول إلى الوثائق بسهولة.
- لقد تمّ إحراق الكثير من الوثائق وتمّت سرقة الكثير منها أيضاً من دار سلطان الأطرش في القريّا خلال حملة العقيد أديب الشيشكلي على جبل العرب في شتاء العام 1954؛ إذ إن الأوامر أُعطيت للجيش السوري آنذاك باقتحام الدار وسرقة ما يحلو لبعض أصحاب النفوس الضعيفة ووضع متفجرات في مضافته التاريخية وتكسير وتخريب المكتبة والأثاث وبيت المؤونة، رغم أن سلطان الأطرش رفض مواجهة الجيش السوري بالسلاح، قائلاً: “هؤلاء أبنائي، وأنا لا أقف في مواجهتهم!”. وفضّل الذهاب إلى الأردن في ذلك الوقت، سيراً على الأقدام في الثلوج، وهو خيار مُرّ، على مواجهة “أبنائه” بالسلاح، وهو الخيار الأمرّ! رغم خطر الموت المحدق به وبمَنْ معه، آنذاك، فقد رفض دخول الأراضي الأردنية في سيارة يرفرف عليها العَلَم البريطاني، ما اضطرّ المسؤولين في شرقي الأردن إلى إرسال سيارة أخرى رُفِع عليها العَلَم الأردني. لقد كان ذلك درساً وطنياً لكلّ أبناء جبل العرب، خاصةً، و سورية، عامةً، في ألا نرفع السلاح بوجه بعضنا بعضاً وألا نلجأ إلى الأجنبي مهما كانت ظروفنا صعبة. كما أنه، وبعد عودته إلى سورية، بعد تخلّي الشيشكلي عن الحُكم، ومن ثم، بعد مقتل الشيشكلي في البرازيل، قال سلطان الأطرش مقولته الشهيرة: “أنا لم يعد لي علاقة بالشيشكلي مذ تخلّى عن الحكم وأنا لا أحبّذ الثأر ويجب علينا جميعاً ألا نشمت في الموت”. من الإنصاف أن أذكر أن جنوداً سوريين، لا بأس بعددهم، قد رفضوا تنفيذ الأوامر بالدخول إلى دار سلطان الأطرش ليعيثوا فيها فساداً، فلم يساهموا في هذه الجريمة النكراء.
***
بعد ربع قرن من العمل، صدر الأرشيف في خمسة أجزاء، في بيروت، دار أبعاد، 2022، بعنوان:
“المذكرات الحقيقيّة لـِ سلطان باشا الأطرش القائد العام للثورة السورية الكبرى
وثائق من أوراقه ١٩١٠-١٩٨٩”.
الجزء الأول: ما قبل الانتفاضة الأولى والانتفاضة الأولى: 1910 – 1924 والمعارك الأساسية في الثورة السورية الكبرى 1925.
الجزء الثاني: الثورة السورية الكبرى: المعارك الأساسية وأواخر المعارك: 1926 – 1927.
الجزء الثالث: الثورة السورية الكبرى: المنفى: 1928 – 1930.
الجزء الرابع: المنفى والعودة للوطن: 1931 – 1938.
الجزء الخامس: ما قبل الاستقلال وما بعد الاستقلال: 1940 – 1989.
الملاحق: ملحق وثائق الحسابات والإعانات؛ ملحق الكشاف التحليلي التوثيقي في نهاية كل جزء؛ كشاف بالموضوعات العامّة، وهو مرتَّب ألفبائياً، ومقسَّم لكلّ جزء من الكتاب على حدة؛ ملحق لخريطة معارك الثورة السورية الكبرى وتوسّعها إلى الأراضي السورية واللبنانية؛ ملحق الصور؛ ملحق البيبليوغرافية.
***
في إحدى هذه الوثائق التي وجدتُها في مكانَيْن مختلفَيْن، فضممتُ الجزءين إلى بعضهما، ورقمها 770، كتب سلطان باشا الأطرش، جدّي لأبي، خواطر في العام 1961:
” قالوا إننا قطفنا ثمرة جهادنا، ثمرة تلك الشجرة التي جدلنا ترابها بدمانا. كلا، إنّ هذه الثمرة لم تعقد بعدُ؛ إنّ جهادنا لا يزال في دور الزهرة ولم يصبح بعدُ ثمرة، لأننا لا نريد قطفها ونحن مشتركون كلّنا كعرب[1].
أبناء الثورة وصغار الصحراء، هكذا نذرنا أنفسنا لنكون قرابين تضحّي على مذبح العروبة. لن تثمر ما دامت أغصانها متلبّسة بالحشرات الفتّاكة… لن تثمر حتى يتعالى صوت فلسطين بالحرية وأنْ يزول شبح المطامع عن العراق ومصر وشرقي الأردن. فبعد ذا، يا حبذا ثمراً ناضجاً شهيّاً، رمزاً لأجيال حملوا مشعل الحضارة، ولن يخبو نوره بعد الآن”.
أمام هذا الكلام الجميل والمعبّر، آليتُ على نفسي في كلّ حياتي، أنا حفيدته، ألّا أُقدِم على أمر لا يرضى عنه؛ لذلك، فلن أستطيع هنا أن أكون حيادية… فأنا أولاً مع المقاومة ضد الاستعمار بكلّ أشكاله… وأنا مع فلسطين حتى النخاع، وضد المعسكر الذي يقف مع الكيان الصهيوني… فأنا أعشق هذا الإنسان الذي كتب تلك الكلمات وهو في سنه الثالثة والسبعين، ولن أسير إلّا على نهجه.
أهم الاستنتاجات من تحقيق أرشيف سلطان باشا الأطرش
هذا الإنسان الذي أدرك مبكراً مطامع الاستعمار في بلادنا العربية، وساهم بزخم في الثورة العربية الكبرى 1916 – 1918 وكان له ولرفاقه من بني معروف شرف دخول دمشق ورفع العَلَم العربي على سراياها قبل الجيش الفيصلي وجيش اللّنبي البريطاني بيومين[2]، رفض بإصرار أيّ منصب سياسي في الحكومة الوطنية؛ كما أنه فعل الشيء ذاته بعد استقلال سورية عن فرنسا في العام 1946 فرفض كلّ المناصب السياسية التي عرضها عليه أهل الحكم في دمشق ورفض بالقدر ذاته أيّ مقابل مادي. لم يكنْ يقول للسياسيين إلّا أمراً وحيداً هو: “لا تفرّطوا في استقلال البلاد الذي دفعنا أرواحنا ثمناً رخيصاً له”، إذ أنه كان دائم التوجّس من المطامع الاستعمارية التي تأخذ ألف لبوس ولبوس. وها هي مقتطفات من وصيته السياسية، وهو الثائر الوحيد في سورية الذي ترك مثل تلك الوصية، تشهد على ذلك:
مقتطفات من وصية سلطان باشا الأطرش
بسم الله الرحمن الرحيم
إخواني وأبنائي العرب،
(…).
واعلموا أن وحدة العرب هي المنعة والقوة وأنها حلم الأجيال وطريق الخلاص. واعلموا أن ما أُخِذَ بالسيف، بالسيف يُؤخَذ، وأن الإيمان أقوى من كل سلاح، وأن كأس الحنظل في العز أشهى من ماء الحياة مع الذل وأن الإيمان يُشحَن بالصبر ويُحفَظ بالعدل ويُعَزّز باليقين ويُقوّى بالجهاد.
(…).
واعلموا أن التقوى لله والحب للأرض وأن الحق منتصر وأن الشرف بالحفاظ على الخُلُق، وأن الاعتزاز بالحرية والفخر بالكرامة وأن النهوض بالعلم والعمل، وأن الأمن بالعدل وأن بالتعاون قوة.
(…).
سلطان الأطرش
***
لم يتخلَّ في حياته كلها عن الشعار الثورة السورية الكبرى، وبقي ثابتاً على إيمانه بهذا الشعار والذي شكّل صفعة في وجه المستعمِر الفرنسي المدَّعي للعَلمانية زوراً وبهتاناً، فكانتْ العبارة الذهبية “الدين لله والوطن للجميع” رفضاً لتقسيم البلاد على أساس طائفي.
كان موقفه من العِلم ثابتاً أيضاً، فهو يقدّسه وقد سعى في المنفى، بكل ما أوتي من إمكانات، إلى أن يتعلّم أبناء الثوار وبناتهم وأن يتمّ بناء مدرسة لهم في الصحراء، في المنفى؛ كما أنه تبرّع بقطعة أرض لبناء مدرسة في بلدته القريّا في ما بعد.
كان سلطان الأطرش يعتبر أن الثورة السورية الكبرى قد دامت اثني عشر عاماً، من العام 1925 وحتى العام 1937 [3]، وذلك لأن رفضه تسليم السلاح هو ورفاقه الثوار، يعني استمرار المقاومة وعدم الاستسلام للاستعمار. كما أنّ السياسيين كانوا دوماً يراسلونه لأخذ رأيه في أثناء فترة المنفى 1927 – 1937 التي دامت عشر سنوات؛ إضافة إلى أنه تمّ انعقاد مؤتمر الصحراء برئاسته في تشرين الأول / أكتوبر من العام 1929 وتمّ خلاله اتخاذ قرارات هامة، وقد حضره وطنيّون كثر، وكان لهذه القرارات الأثر الأكبر على استمرار المفاوضات السياسيّة مع ممثّلين عن الانتداب الفرنسي من أجل تحقيق الاستقلال والجلاء. في مرحلة المنفى، كان يدعو إلى توحيد الكلمة وإذابة الشخصيات والأحزاب في سبيل المصلحة العامة “لإنجاح القضية السورية التي هي نواة الوحدة العربية”، وهذا يعتَبَر وعياً واضحاً لأهمية تحقيق الوحدة بين العرب.
لقد قاوم خلال هذه الفترة إغراءات هائلة ولم يَحِدْ قيد أنملة عن أهدافه وأهداف ثورته، رغم كل ما قاساه من شظف العيش ومن التشرّد، مع عائلته ورفاقه وعائلاتهم!
من الأهمية بمكان أن أذكر أنّ المقاومة في جبل العرب كانت مستمرّة: فمنذ مناهضة الأتراك، وبالذات حملة سامي باشا الفاروقي في أواخر العام 1910، إذ وقف ذوقان مصطفى الأطرش، والد سلطان، مع ابنه وآخرين من الجبل لمقاومة هذه الحملة الغاشمة، ودفع حياته ثمناً لذلك الموقف، إذ شنقه الأتراك في المرجة في دمشق في الخامس من شهر آذار/ مارس من العام 1911؛ فكان الشهيد العربي الأول الذي سبق شهداء 6 أيار/ مايو 1916، وذلك حسب رأي الأديبة السورية ناديا خوست في روايتها (حب في بلاد الشام) المنشورة في أواخر تسعينيات القرن العشرين في دمشق في اتحاد الكتّاب العرب؛ إلى إيواء سلطان الأطرش للعرب الفارّين من الجيش التركي في داره، إذ خصّص لهم غرفتين بشكل دائم[4] ؛ ثم إلى انضمام سلطان الأطرش إلى الثورة العربية الكبرى 1916 – 1918، إذ كان لخيّالة جبل العرب وفرسانه بقيادته الفضل في فتح دمشق ورفع العلم العربي في سمائها، على سراي الحكومة، بعد انتصارهم في معركة تلول المانع على الأتراك والألمان، ولهذا السبب منحه الشريف حسين لقب باشا، أي رتبة عسكرية في الجيش العربي، تقابل أميرالاي؛ إلى الذهاب لنجدة وزير الحربية يوسف العظمة في 24 تموز / يوليو 1920، ووصول فرسان جبل العرب وعلى رأسهم سلطان الأطرش إلى بلدة براق، إلى الجنوب من دمشق، حيث جاءهم نبأ استشهاده؛ آنئذٍ، قال سلطان كلمته الشهيرة: “خسارة معركة واحدة لا تعني خسارة حربنا ضد المستعمِر”. لقد أثبت يوسف العظمة باستشهاده أن الاستعمار “لا يمكن له أن يمرّ إلّا على أجسادنا”، ولا يمكن لنا تسليم البلاد دون مقاومة، وهو الذي رسم خطة عسكرية مُحكَمة، لكنه تعرّض لخيانة بعضهم!! ثمّ إلى رغبة سلطان باشا الأطرش بتنظيم المقاومة في جبل العرب تحت راية الشرعية في سورية، لهذا السبب دعا الملك فيصل الأول للاستقرار في جبل العرب بدلاً من الرحيل إلى أوروبا، في العام 1920. لكنّ الملك أجاب رسول سلطان إليه آنذاك قائلاً: “فات الأوان”![5]
ثمّ إلى الانتفاضة الأولى في تموز/ يوليو من العام 1922 من أجل تحرير الثائر أدهم خنجر الذي اتهمّه الفرنسيون بمحاولة اغتيال غورو؛ وقد تمّ الحكم بالإعدام على سلطان من الفرنسيين بسبب معركة تل الحديد التي قتل فيها الثوار، بقيادة سلطان باشا، الكابتن بوكسان وثلاثة جنود آخرين، وأسروا أربعة، بعد تحطيم مصفّحتَين للفرنسيين. وفي هذه المعركة الشهيرة، أنشد الشاعر القروي، في المهجر، قصيدته الشهيرة سلطان باشا الأطرش والطَنْك (الدبابة): ويا لكَ أطرشاً لمّ دُعينا // لثأرٍ، كنتَ أَسمَعَنا جميعا.
لقد عرف سلطان متأخراً خدعة الفرنسيين بعدم التزامهم بإطلاق سراح أدهم خنجر، الذين وعدوا بإطلاقه مُقسِمين بشرف أمتهم، إلا أنهم حالَ فكّ الحصار عن قلعة السويداء، قامت الطائرات الفرنسية بقصف سلطان ورفاقه وقصف بيته. وبعد عام على تلك الحادثة، رفض التعويض الفرنسي عن هدم بيته، كما رفض إعادة بناء ذاك البيت، قائلاً: “البيت الذي لم يستطع حماية أدهم خنجر لا يستحق أن يُبنى من جديد”؛ إلى الثورة السورية الكبرى، التي انطلقت في تموز / يوليو من العام 1925 ودامت فيها المعارك الشرسة لسنتين، أفنى فيها أربعمئة ثائر من جبل العرب حملة ميشو في معركة المزرعة الشهيرة في أوائل آب / أغسطس من العام 1925، وكان قوام تلك الحملة حوالى ثلاثة عشر ألفاً من جنود وضباط فرنسيين! لكن المقاومة، برفض الاستسلام للعدو وبرفض تسليم السلاح، استمرّت عشر سنوات، حفلت بالمقاومة السياسية ضد الفرنسيين في سبيل إرساء قواعد الاستقلال والتحرّر؛ إلى دعم قضايا العرب الكبرى بعد الاستقلال وعلى رأسها قضية فلسطين والقدس والجولان.
لقد آمَنَتْ غالبية الشعب العربي بضرورة مقاومة الاستعمار بكلّ أشكاله، فانضمّ عرب من غير السوريين إلى صفوف الثورة السورية الكبرى، ومنهم على سبيل المثال الأمير عز الدين الجزائري الذي حارب الفرنسيين في ريف دمشق واستشهد في 19 أيار / مايو 1927 في وادي بسيمة؛ وباستشهاده وضع نقطة النهاية لامتداد الثورة إلى دمشق وغوطتها[6].
أما الزعيم الوطني المصري سعد زغلول، فقد أرسل بياناً إلى الثوار السوريين بقيادة سلطان باشا الأطرش يحضّهم فيه على الاستمرار في الثورة ويؤيّد استقلال سورية؛ وهذا يؤكّد وحدة الهدف والمصير بين سورية ومصر[7].
كانت ثمة علاقة بين الثورة السورية الكبرى وثورة الأمير عبد الكريم الخطابي في ريف المغرب الأقصى، إذ ساهمت ثورة الريف المغربي ضد الاستعمار الفرنسي بتخفيف الضغط عن الثورة السورية، الذي ازداد بعد اضطرار الخطابي إلى الاستسلام للفرنسيين. إضافة إلى أن معظم المغاربة الذين تجنّدوا، مُجبرين، في الجيش الفرنسي، وجاؤوا إلى سورية لمحاربة ثوارها، عادوا وانضموا إلى صفوف الثورة السورية وقاتلوا الاستعمار الفرنسي وجيشه على الأرض السورية، وخاصة بعد معركة المزرعة في أوائل آب / أغسطس من العام 1925.
انطلقت الثورة السورية الكبرى في الثلث الأخير من شهر تموز / يوليو من العام 1925، إلّا أنها لفتت نظر العالم أجمع بعد معركة المزرعة في أوائل آب / أغسطس من العام ذاته، فقامت الدنيا ولم تقعد، وبدأ الأوروبيون يرسلون صحافيين من ألمانيا وغيرها من البلدان الأوروبية إلى سورية، إلى جبل العرب بالتحديد للوقوف على حقيقة ما جرى، كما بدأ الوطنيون السوريون واللبنانيون أيضاً، آنئذٍ فقط، بالاهتمام بما يجري! ذلك لأن أربعمئة فقط من ثوار بني معروف استطاعوا إفناء حملة الجنرال ميشو عن بكرة أبيها، وهي الحملة التي كان تعدادها حوالى ثلاثة عشر ألفاً: هذا ما جاء على لسان أحد الجنود المغاربة، المشارك في حملة ميشو، وقد وقع في الأسر، وأكّده للقائد العام للثورة السورية سلطان باشا الأطرش شخصياً [8].
صدر بيان القائد العام الشهير، “إلى السلاح” في 23 آب / أغسطس من العام 1925، الذي تمّ التأكيد فيه على أن الهدف الأول للثورة هو توحيد سورية ساحلاً وداخلاً، وهذا معناه رفض التقسيم على أساس طائفي ومذهبي، والهدف الثاني هو الاستقلال التام؛ وتمّ رفع شعار الثورة “الدين لله والوطن للجميع“[9].
من المهم التأكيد أيضاً على أن القائد العام للثورة السورية الكبرى قد قرّر إعداد حملة كبيرة إلى إقليم البلّان ولبنان، وإعداد حملة أخرى لنجدة الثوار في غوطة دمشق وتسيير حملة ثالثة إلى حوران[10]. إضافة إلى امتداد الثورة شمالاً بقيادة فوزي القاوقجي الذي كان دوماً يطلب السلاح والرجال من سلطان باشا الأطرش والجبل[11]. لقد قيل وكُتِب الكثير عن أن ” ثورة الشمال” بقيادة القاوقجي جاءت لتخفيف الضغط عن الجبل، إلا أن الواقع، ومن خلال الوثائق التي بين أيدينا، هي أنها زادت الضغط عليه، فالمحاربون الدروز الأشدّاء مع عتادهم كانوا دوماً مطلوبين لمساندة الثوار في الشمال كي لا تنهار قواهم[12].
في أثناء التحضير للمعارك، كان القائد العام للثورة يضع الخطط العسكرية بالتشاور مع القادة الميدانيين كي تلائم جغرافية المنطقة التي تجري فيها تلك المعارك، وحسب تمركز قوات العدو وتعدادها وحجم ذخيرتها[13]. كما أنه كان ينسّق بشكل دائم مع القادة الذين يرسلهم في حملات خارج الجبل، وكانت مسؤوليته تأمين الذخيرة والعتاد[14].
اتبع الثوار تنظيماً لافتاً وجيداً من أجل الانضمام إلى صفوف الثورة، وذلك بسوق ربع عدد رجال كل قرية مشاركة فيها، مصطحبين معهم إعاشتهم الكافية لمدة خدمتهم التي تعيّنها القيادة العامة والمجلس الوطني العام للثورة. ثم تنتهي هذه المدة، فيناوب الربع الثاني من رجال القرية، ويعود إليها رجال الربع الأول؛ وهكذا، يجري التبادل في المواقع بين الثوار، ويقوم مَنْ بقي في القرية بأعمالها الزراعية عن الجميع لتأمين معيشة أهلها [15].
كان ثمة وعي كبير لدى القيادة العامة للثورة لحساسية المسألة الدينية والطائفية في بلادنا، لذلك، ومنذ البداية، تمّ رفع شعار الثورة “الدين لله والوطن للجميع”. وقد تمّ الجهر به عالياً، خاصة حين توجّهت الحملة إلى إقليم البلّان وراشيا وحاصبيا في لبنان، كي لا تُستَغَلّ المسألة الطائفية ضد الثورة، وهذا ما فعلتْه فرنسا بالطبع. لقد أكدت بيانات القيادة العامة على حيادية الثورة تجاه المسيحيين، بشكل لا لبس فيه[16].
في قسمه الأول، (الدين لله)، نجد حياد الثورة السورية واضحاً على الصعيد الدينيّ، وهذا الحياد ضمان لعدم التحيّز، وتالياً، فالثورة قد احترمت جميع الأديان وأقصت التعصّب. وهكذا، فإن الإنسان يستطيع التماهي في الوطن، إذ يجد نفسه على قدم المساواة مع الآخرين مهما تكن معتقداته الروحية؛ وبهذا، يتحقق القسم الثاني من شعار الثورة السورية الكبرى، وهو (الوطن للجميع).
يقول سلطان الأطرش بوضوح تام، في إحدى رسائله إلى أخيه زيد، نائب القائد العام للثورة، وقائد حملة إقليم البلّان: “حافظوا على المسيحيين وإياكم أن تجعلوا أحداً يأتيهم بسوء. أمّنوهم على أنفسهم وحياتهم وأموالهم وامنعوا التعديات عنهم لأننا كلّنا أبناء وطن واحد وكلّنا عرب سوريون على حد سواء”[17].
نجد في ذلك وعياً عظيماً من القائد العام للثورة بأن لبنان وسورية بلد واحد، وبأن مواطني هذا الوطن الواحد لا فرق بينهم مطلقاً، وبأن فرنسا تكذب حين تدّعي حماية الأقليات، وخاصة المسيحيين!
من المهمّ التأكيد على أن تفاوض السياسيين السوريين مع سلطة الانتداب الفرنسي كان يعتمد على صمود الثوار على الأرض. لا شك في أن السياسة لها أهمية كبيرة، غير أن الثورة السورية الكبرى التي فاجأت الجميع، من سياسيين وطنيين سوريين ولبنانيين وفرنسيين وأوروبيين، قد أخذت تفرض حضورها، خاصة بعد معركة المزرعة: كان جميع الوطنيين مضطرين دوماً للرجوع، في تحرّكاتهم ومفاوضاتهم، إلى مشورة القائد العام للثورة، سلطان باشا الأطرش[18]، الذي كان يستمزج رأي الثوار ليخرج برأي يمثّل الجميع.
في 25 تشرين الأول / أكتوبر من العام 1929، أي خلال فترة المنفى، انعقد في الحديثة في وادي السرحان
“مؤتمر الصحراء” الذي دعا إليه القائد العام للثورة السورية الكبرى، سلطان باشا الأطرش، وحضرتْه شخصيات وطنية من أحزاب وهيئات جاءت إلى وادي السرحان في الحجاز للمشاركة فيه؛ وقد خرج المؤتمر بقرارات هامة جداً كان لها الأثر الكبير في تطور الحياة السياسية في سورية تحت الانتداب الفرنسي، وفي المنحى الذي اتخذته الأحداث والمفاوضات في ما بعد، وصولاً إلى تحقيق الاستقلال التام عن فرنسا.
إن القائد العام للثورة السورية الكبرى والثوار في المنفى أصرّوا على أن يكون هذا المؤتمر بعيداً عن أي تأثير خارجي ومتمسكاً بمبادئ حقوق الإنسان، وأن تبقى سورية متمسكة بحقوقها المشروعة ووحدتها القومية الشاملة في سبيل تحرير الوطن من الاستعمار. في ختام هذا المؤتمر، تمّ إعلان قراراته المؤلّفة من ستة بنود، استنكر فيها الثوار المرابطون في الصحراء تعطيل أعمال الجمعية التأسيسية في سورية وتصريحات بونسو الذي تجاهل القضية الوطنية السورية؛ كما استنكر المؤتمر مقررات مؤتمر زيوريخ الصهيوني الباطلة واعتداءات اليهود على العرب، مطالباً وزارة العمال البريطانية بإلغاء وعد بلفور المشؤوم والاعتراف بحقوق العرب الوطنية وسيادتهم في بلادهم لضمان السلام العالمي وتشجيع العلاقات القائمة على علائق عصرية بين الشعوب، كما فعلت بريطانيا في مصر والعراق. كما شكر المؤتمر العرب في المهجر الذين يجاهدون بأموالهم في سبيل نصرة الوطن وتأييد الجهاد القومي المقدس. وتبقى هذه الأموال مهيّأة لأمر المؤتمر الوطني القادم الذي سيعقَد بدعوة من القائد العام، إضافة إلى مثابرة مراكز المهجر على إرسال المقدار الكافي من المال لإعاشة المجاهدين. وقد وقّع هذه القرارات عدة شخصيات وطنية سورية: القائد العام سلطان باشا الأطرش، عادل العظمة، الدكتور خالد الخطيب، سعيد العاص، سعيد عمون، محمد الأشمر، خليل بصلة، شكيب وهاب، عبد القادر آغا سكر وآخرون.
إذن، التبرعات للثورة من المغتربين العرب بشكل خاص هي التي غذّتها، كما أن سلطان الأطرش أنفق كلّ مدّخراته من الذهب وكذلك مدخرات زوجته، جدتي، من أجل الثورة[19].
من الأهمية بمكان أن يفهم القارئ مدى ارتباط المغتربين العرب في الأميركيتين وجدانياً بالثورة السورية الكبرى، ومدى تفاعلهم وتجاوبهم في إرسال المعونات من أموالهم الخاصة: مثل أعضاء حزب سوريا الجديدة وأعضاء العديد من الجمعيات الخيرية والنسائية. كذلك أتت المعونات من القدس بإشراف المفتي الحاج محمد أمين الحسيني، وهذا يعني ارتباط القضية السورية بالعرب أينما كانوا.
ثمة الكثير من الثوار الذين شاركوا في الثورة السورية الكبرى، عادوا وشاركوا في ثورة فلسطين ومنهم سعيد العاص 1936 ثم فوزي القاوقجي 1948.
كان سلطان باشا الأطرش والدكتور عبد الرحمن شهبندر على تواصل مستمرّ في كل شؤون الثورة، ولذلك، فمن الخطأ الفادح تقسيم المهام بين قائد عسكريّ (سلطان باشا الأطرش) وقائد سياسيّ (الدكتور عبد الرحمن شهبندر).
فسلطان كان يرسم الخطوط السياسية الأساسية للثورة، كما كانت لقراراته أهمية بالغة في تحديد وجهتها، إضافة إلى رسم الخطط العسكرية كما ذكرتُ سابقاً بالتشاور مع القادة الميدانيّين في كل منطقة؛ كما أن اقتراحات الدكتور شهبندر في ما يخصّ تولية المقدم الركن مصطفى وصفي السمان قائداً لجماعات الغوطة واتفاقه مع سلطان على ذلك، هي مساهمة عسكرية أيضاً[20].
حين لجأ الثوار إلى الأزرق، شمال الأردن، في ربيع العام 1927، كانت السلطات البريطانية تستمر في التضييق عليهم، وقد حاولت مراراً تجريدهم من السلاح وتهيئة الأسباب لتسليمهم إلى السلطات الفرنسية. إلّا أن الثوار بقيادة سلطان باشا الأطرش لم يفكّروا قط بالاستسلام، بل أعادوا تشكيل مجموعات صغيرة مقاتلة للإغارة على مراكز الجنود الفرنسيين المنتشرة في أنحاء جبل العرب. وفي تلك الفترة بالذات، أخذ الفرنسيون يروّجون الشائعات الكاذبة ضد الثورة بقولهم إن البريطانيين هم الذين كانوا يزوّدون الثوار بالأسلحة والذخيرة والخبرات العسكرية، رغم أن ممثّلي السلطات الفرنسية والبريطانية كانوا يضعون الخطط معاً لقمع الثورة وتسوية الأوضاع على الحدود السورية – الأردنية. لذلك، قامت القوات البريطانية بمحاصرة مصادر المياه في المنطقة كي لا يصل إليها الثوار، وبقي المجاهدون في شهر حزيران / يونيو من العام 1927 أكثر من ست وثلاثين ساعة دون ماء. وكان مَنْ يحاول منهم الحصول عليه للثوار يدفع دمه ثمناً لتلك المحاولة. هذا ينفي نفياً قاطعاً مزاعم الفرنسيين الكاذبة تلك[21].
أذكر هنا أن المعتمد البريطاني قابل سلطان باشا الأطرش في الأزرق لبحث أمر ترحيل الثوار الذين رفضوا إلقاء السلاح، وعلى رأسهم سلطان؛ وقد حاول هذا المعتمد إقناع سلطان بضرورة إنهاء الثورة دون قيد أو شرط، وعرض عليه السكنى في قصر خاص بإقامته في القدس، إضافة إلى راتب شهري مغرٍ مدى الحياة يضمن له العيش الهنيء على حساب المملكة البريطانية. غير أن سلطان أجابه: “إن سعادتنا هي في استقلال بلادنا ووحدتها وحرية شعبنا وجلاء القوات الأجنبية عن البلاد”[22]. ولم ينسَ البريطانيون خلال تلك المقابلة جلب أطايب الطعام والشراب معهم وفرشها أمام الثوار العطشى والجوعى، غير أن الثوار وبأمر من القائد العام لم يتقدّموا للمسها مطلقاً، فعادت مع المعتمد البريطاني وهي على حالها تماماً!
كما أن صديقتي أليسار خوري قامت بتوثيق وثائق الخارجية البريطانية، إبان الانتداب، في مكتبة الأسد الوطنية، ومن بينها وثيقة يعترف فيها القنصل البريطاني في المشرق لوزارة خارجيته أن سلطان باشا الأطرش رفض بعناد كبير التعاون مع بريطانيا رغم محاولة سلطاتها المتكررة والحثيثة تقديم الدعم له الذي رفضه تماماً؛ وقال: “سلطان الأطرش لا يمكن شراؤه”[23].
في العام 1930، أكّد سلطان الأطرش “عدم انتمائه إلى أيّ من حزبَيْ الشعب أو الاستقلال، إذ أنّ تصارع الأحزاب وجرائدها المأجورة قد أضرّ بالمنكوبين في صحراء وادي السرحان؛ كما أكّد على أن هذه الأحزاب لم تقف إلى جانب الثورة السورية إلا بعد أن انتصرت على الفرنسيين في معركتَيْ الكفر والمزرعة”[24].
لقد أكد سلطان باشا الأطرش على صموده مع رفاقه في الصحراء في سبيل قضية الأمة العربية وسورية إلى أن تأتي الحلول ويتمّ التحرير والاستقلال، وعلى ثبات موقف المجاهدين حتى استقلال الوطن وتحقيق أهداف القومية العربية وخيرها، وعلى أنه لا يخشى الموت في الصحراء ومتأكد يقيناً من استقلال سورية وتحرّرها في يوم لا بدّ قادم[25].
لقد أدرك سلطان باشا الأطرش أهمية الإعلام في القضية الوطنية السورية، فأرسل، في 15 تشرين الأول / أكتوبر من العام 1925، رسالة باللغتين العربية والإنكليزية إلى محرّر جريدة التيمس (TIMES)[26] البريطانية لإطلاع “الرأي العام في أوروبا على الأسباب الحقيقية للثورة السورية الكبرى التي يحاول الفرنسيون إخفاء حقائقها بقصد تضليل الرأي العام الأوروبي وخصوصاً فرنسا”. في هذه الرسالة، تمّ فضح تنكيل الفرنسيين بالأهالي من إلقاء للقنابل من الطيارات على النساء حول الآبار، اللواتي يقصدن جلب الماء إلى بيوتهن، إضافة إلى قتل الأطفال. أما الثوار، فقد احترموا جميع الأنظمة الدولية في معاملة الأسرى وإعادة النساء الفرنسيّات، نساء الضباط، اللواتي كنّ في السويداء إلى عائلاتهن.
إضافة إلى ما سبق، كان القائد العام للثورة السورية الكبرى متسامحاً مع بني وطنه، ففرّق بين مَنْ استسلم لأجل العمل في سبيل تأمين معيشة عائلته ومن ثمّ عاد للقتال في صفوف الثورة، وبين أولئك الذين باعوا ضمائرهم للعدو والذين صحّ عليهم حكم الثوار والشعب[27].
كان القائد العام للثورة السورية الكبرى يعي منذ العام 1916 أن ما يقوم به من جهاد هو في سبيل الأمة العربية ثم في سبيل سورية التي هي جزء لا يتجزأ منها. وذلك يثبت أن سلطان باشا يحمل رؤية عربية سورية شمولية لتحرير الوطن بعيداً عن النظرة المحليّة الضيقة.
في ما يخصّ عنوان هذا البحث، وهو (المذكرات الحقيقية لسلطان باشا الأطرش)، أحبّ أن أعيد القارئ إلى التمهيد الذي كتبه منصور سلطان الأطرش في كتاب (أحداث الثورة كما سردها قائدها العام سلطان باشا الأطرش): “مذكرات سلطان باشا الأطرش” تعرّضت لمداخلات غير دقيقة عند تدوينها الأمر الذي حدا بالمرحوم سلطان الأطرش أن يستعيدها من صاحب مجلة بيروت المساء، بعد أن علم أن هذا الأخير قد اشتراها من السيدين صلاح مزهر ويوسف دبيسي… فبقيت هذه الصفحات التي دوّنها السيدان مزهر ودبيسي تنتقل منسوخة عن الصورة التي احتفظا بها تحت العنوان الذي اختاراه في بداية عملهما. ولذلك رأينا أن نبدل هذا العنوان بآخر أكثر مطابقة لما ورد في تلك المحاولة وهو “أحداث الثورة السورية الكبرى كما سردها قائدها العام سلطان باشا الأطرش”[28]. إن “مذكرات سلطان الأطرش” ما زالت مشروعاً يقوم على إعداده جماعة من الثقاة المقربين من آل بيته وبالاشتراك مع بعضهم البعض[29].
هذه الاعتبارات الضرورية أوجبت بعض التعديلات اللازمة بحيث يقتصر هذا السفر على ما رواه سلطان دون التأويلات التي لا لزوم لها ودون المقدمة الطويلة والإضافات التي تعبر عن رأي صاحبيها، ولم يقرأها سلطان وهي على كل الأحوال لا تتصل بالأحداث التي رواها. ولقد عمد المدوّنان إلى ذكر بعض أسماء المجاهدين في بعض المعارك ولم يذكروا أسماء كل من شارك في أكبر المعارك وأشرسها، الأمر الذي أثار غضبهم وغضب ذويهم. وقد تكون الغاية من ذكر البعض دون الآخرين تقوم على دوافع نفعية أو ميول تعصبية. لذا رأينا إسقاط تلك المقاطع، علماً أنه لم يتخلف أحد من أبناء جبل العرب عن اقتحام وطيس المعارك، وأدوا واجباتهم الوطنية إلا الذين في نفوسهم مرض وما أقلّهم.
منصور سلطان الأطرش، دمشق آذار 2006
التفّ الفقراء والفلاحون، (مرقّعو العبي، كما كان يلقّبهم سلطان الأطرش)، بفطرتهم حول هذه الثورة، وكذلك الوطنيون من السوريين والسياسيين الذين التحقوا بركبها، فتصدّوا للاحتلال بإيمان راسخ وبمقاومة صامدة وبعتاد قديم من مخلّفات الحرب العالمية الأولى ومن مخلّفات الجيش الفرنسي حين كان يهزَم أمامهم في المعارك.
أخيراً، أقول: لم تتغيّر أساليب الاستعمار بين القديم والحديث، في القرنين العشرين والحادي والعشرين، ما زال المحتل يطمع بنا وبأرضنا وثرواتنا لتحقيق مصالحه بصرف النظر عن مصالحنا وكرامتنا وحياتنا. فعلينا، نحن أيضاً، ألا نغيّر من إيماننا بأن المقاومة بشتى الأساليب مطلوبة وبأن العين تستطيع مقاومة المخرز إذا صحّ العزم وصدقت النيات.
فلنواجه َ المشاريع الاستعمارية الشريرة في فلسطين وفي قدسنا، لبّ الصراع العربي الصهيوني وأساسه، وفي الجولان، وفي العراق وسورية ومصر ولبنان واليمن وتونس والسودان، وفي كل أنحاء وطننا العربي بتحقيق الديمقراطية وحرية الإنسان وكرامته، وبرفع شعار الثورة السورية الكبرى، قولاً وفعلاً، “الدين لله والوطن للجميع”، وبإيقاد جذوتها كثالث ثورة عالميّة، بعد الفرنسية والبلشفية (حسب فلاديمير لوتسكي).
المصادر والمراجع:
[1] ليس كلّ العرب يؤمنون بوحدة النضال العربي مثل سلطان الأطرش؛ وهو هنا يأسف لحال هؤلاء. (المحقّقة).
[2] أحداث الثورة السورية الكبرى كما سردها قائدها العام سلطان باشا الأطرش، راجعها وصحّحها ومهّد لها منصور سلطان الأطرش، دمشق، دار طلاس، ط. 2، 2008، الصفحات من 49 إلى 53. (م.)
[3] استمِعْ إلى تسجيلات صوتية بصوت سلطان باشا الأطرش في موقعه على الإنترنت www.sultanalattrache.org (م.).
[4] صفحات مجهولة من تاريخ بلاد الشام (من ذكريات أحمد الخطيب)، منيف الخطيب، بيروت، دار النفائس، 2011، ص 69. (م.).
[5] أحداث الثورة السورية الكبرى كما سردها قائدها العام سلطان باشا الأطرش…، الصفحة 57. (م.)
[6] أحداث الثورة السورية الكبرى كما سردها قائدها العام سلطان باشا الأطرش…، الصفحات من 293 إلى 294. (م.).
[7] الوثيقة رقم 123، في، المذكرات الحقيقية لـِ سلطان باشا الأطرش القائد العام للثورة السورية الكبرى وثائق من أوراقه ١٩١٠-١٩٨٩، تحقيق د. ريم منصور سلطان الأطرش، بيروت، دار أبعاد، 2022. (م.).
[8] استمِعْ إلى تسجيلات صوتية عن معركة المزرعة بصوت سلطان باشا الأطرش في موقعه على الإنترنت www.sultanalattrache.org .(م.).
[9] أحداث الثورة السورية الكبرى كما سردها قائدها العام سلطان باشا الأطرش…، الصفحات من 109 إلى 127 ومن 131 إلى 132. في ما يخصّ معركة المزرعة: انظر أيضاً، مذكرات الدكتور عبد الرحمن شهبندر، طبعة دمشق، 1933، في الصفحتين 30 و 31. وثائق جديدة عن الثورة السورية، ظافر القاسمي، في الصفحتين 119 و120. (م.).
[10] أحداث الثورة السورية الكبرى كما سردها قائدها العام سلطان باشا الأطرش…، الصفحة 147. (م.).
[11] المرجع السابق، الصفحتان 211 و212. الوثيقة رقم 127، في، المذكرات الحقيقية لـِ سلطان باشا الأطرش القائد العام للثورة السورية الكبرى… (م.).
[12] انظر في هذا الصدد الوثائق التي تحمل الأرقام: 154 و166 و167، في، المذكرات الحقيقية لـِ سلطان باشا الأطرش القائد العام للثورة السورية الكبرى… انظر خريطة امتداد الثورة على أراضي سورية ولبنان في الملاحق وفي الإنترنت www.sultanalattrache.org .(م.).
[13] أحداث الثورة السورية الكبرى كما سردها قائدها العام سلطان باشا الأطرش…، الصفحة 268. (م.).
[14] الوثيقة رقم 117، في، المذكرات الحقيقية لـِ سلطان باشا الأطرش القائد العام للثورة السورية الكبرى… (م.).
[15] الوثيقة رقم 145، في، المذكرات الحقيقية لـِ سلطان باشا الأطرش القائد العام للثورة السورية الكبرى…(م.).
[16] الوثيقة رقم 93، في، المذكرات الحقيقية لـِ سلطان باشا الأطرش القائد العام للثورة السورية الكبرى… (م.).
[17] الوثيقة رقم 100، في، المذكرات الحقيقية لـِ سلطان باشا الأطرش القائد العام للثورة السورية الكبرى…(م.).
[18] انظر، على سبيل المثال، الوثيقة رقم 113، في، المذكرات الحقيقية لـِ سلطان باشا الأطرش القائد العام للثورة السورية الكبرى. (م.).
[19] أحداث الثورة السورية الكبرى كما سردها قائدها العام سلطان باشا الأطرش…، الصفحة 146. (م.).
[20] المرجع السابق، الصفحة 219. (م.).
[21] المرجع السابق، الصفحات من 295 إلى 301. (م.).
[22] المرجع السابق، الصفحتان 305 و306. (م.).
[23] انظر في أرشيف مكتبة الأسد الوطنية في دمشق Documents of the British Colonial about Syria
(1921 – 1944; 1947; 1949). (م.).
[24] انظر الوثيقة رقم 458، في، المذكرات الحقيقية لـِ سلطان باشا الأطرش القائد العام للثورة السورية الكبرى… (م.).
[25] انظر الوثائق، 525، 537، 553، في، المذكرات الحقيقية لـِ سلطان باشا الأطرش القائد العام للثورة السورية الكبرى…(م.).
[26] انظر الوثيقة رقم 76، في، المذكرات الحقيقية لـِ سلطان باشا الأطرش القائد العام للثورة السورية الكبرى… (م.).
[27] انظر الوثيقة 195، في، المذكرات الحقيقية لـِ سلطان باشا الأطرش القائد العام للثورة السورية الكبرى…(م.).
[28] ما زال بعض الكتّاب يصرّون على تسمية كتاب “أحداث الثورة…” بمذكرات سلطان الأطرش، قسم “السرد” وهذا أقلّ ما يقال عنه إنه تحريف للعنوان الذي اختاره منصور الأطرش، وتغيير لعنوان مرجع منشور وموضوع ضمن البيبليوغرافيا الخاصة بالثورة السورية الكبرى؛ إضافة إلى وقوفهم ضد الموقف الحاسم الذي اتخذه سلطان باشا الأطرش حين سحب كتاب مزهر والدبيسي الذي أضيفت عليه أمور غير دقيقة، وهذا ما دفعه لسحبه من التداول. (م.).
[29] يقصدني والدي، منصور سلطان الأطرش، هنا ويقصد نفسه، فقد عملتُ منذ العام 1997 على هذا المشروع بتكليف وإشراف شخصي منه. (م.).
مجاهدو الثورة السوريّة الكبرى في الأردن – الأزرق 1927
كمال الشوفاني*
(باحث ومترجم وكاتب سوري)
منذ أن ازدادت أوضاع الثوار تدهوراً، داخل الجبل وخارجه، لم يكن أمامهم إلا جعل واحة الأزرق مقراً جديداً لقيادة الثورة، وملجأً آمناً لنساء المجاهدين وأطفالهم، بالإضافة إلى المواشي التي تمكّنوا من نقلها معهم أثناء ترحيلهم إلى الواحة في صيف 1926، ثم في أعقاب نزوحهم من اللجاة والصفا في ربيع 1927. ورغم أن الفرنسيين قد بسطوا في تلك الأحيان سيطرتهم الكاملة على سائر أنحاء البلاد وغدا أحرارها مشتتين في بعض الأقطار العربية والأجنبية، فإن سلطان ورفاقه لم يفكروا بالاستسلام قط، ولا خارت لهم عزيمة في مواصلة النضال، بل أعادوا تنظيم صفوفهم وهم في الأزرق، وشكلوا مجموعات صغيرة مقاتلة لتغير كل منها، في مواعيد محددة على مراكز الجند الفرنسيّ المنتشرة في مختلف أنحاء الجبل، خصوصاً في الجنوب.
يقول القائد العام في مذكراته: “أثناء تلك الفترة أخذ الفرنسيون يروّجون الإشاعات الكاذبة ضدنا، وينشرون الدعايات المظللة للحطِّ من شأن ثورتنا الوطنية، بقولهم: إن الإنكليز هم الذين كانوا يموّلوننا ويمدوننا بالأسلحة والذخيرة والخبرات العسكرية!… مع أننا كنا على علم بالاجتماعات المتوالية التي كان ممثلو الدولتين المنتدبتين يعقدونها لوضع الخطط الكفيلة بقمع الثورة وتسوية الأمور المتعلقة بالحدود السورية – الأردنية!..”. (1)
وكانت السلطات البريطانية في شرق الأردن، بمحاولة منها لإعلان الحياد في الصراع الدائم في سورية، قد أذاعت في 20 أيلول 1925 بُعيد معركة المسيفرة بأيام، وبعد أن أعلنت الأحكام العرفية في الأزرق، البلاغ التالي:
“رعاية لقواعد الحياد التام بسبب حوادث سورية الحاضرة، لا يسمح لأي كان بأن يعبر الحدود الفاصلة بين شرق الأردن وسورية من بعد الغروب حتى الفجر، ويجوز في أثناء النهار عبور الحدود بشرط أن يقدَّم المار نفسه إلى أحد المراكز الآتية: في المفرق والرمثا إلى قائد فصيلة الجيش العربي في أم قيس إلى الحاكم”. (2)
وعندما نزح معظم الثوار وعائلاتهم إلى الأزرق، زادت الحكومة البريطانية تضييق الخناق عليهم، ووسّعت دائرة الحكم العرفي لتطال مناطق أخرى تحيط بالأزرق فكان البيان الآتي، الذي أذاعه القائد البريطاني في الأردن في 10 نيسان 1927:
“بما أن البلدان الواقعة حول الأزرق أصبحت بحالة قلق، أعلن لإشعار آخر أن المنطقة المبينة في ما يأتي هي خاضعة للحكم العرفي، وكل ما يخالف – ضمن حدود هذه المنطقة – أوامر السلطة العسكرية يعرّض نفسه للمحاكمة أمام مجلس عسكري، ويُجازى بالعقوبات التي تشير بها السلطات العسكرية. إن المنطقة المعلن فيها الحكم العرفي هي محاطة بخط بين المراكز الآتية: من تلول الرقيات – حمام الصرح – قصير عمرة – ومن آخر نقطة واقعة إلى جنوب قصير عمرة إلى طريق بغداد – وطول طريق بغداد إلى جبل كرما – شمالي غربي تلول اشهيبات – شمالي تخوم شرق الأردن الشمالية” (3).
لم تمضِ ثلاثة أيام على هذا البلاغ حتى أردفه القائدُ نفسُه بقرار ثانٍ منع فيه عملياً وجودَ المسلحين في المنطقة (أي الثوار) وطلب منهم مغادرة المنطقة وهذا نص البلاغ الذي عُمِّم في 13 نيسان 1927:
“حيث إن الأوامر الصادرة، التي تقضي بأن تستعمل منطقة الأزرق ملجأ للنساء والأولاد، ولغير المحاربين فقط، لا ملجأ أو مكاناً للحرب والقتال، لم تنفذ، لذلك أعلنت الحكم العرفي في الأزرق والمنطقةِ المجاورةِ له. وقد اتخذت الترتيبات لإرسال قوة من الجند لتنفيذ أوامري هذه: إن الأولاد والشيوخ مسموح لهم البقاء في الأزرق، على ألا يُسمح للرجال المسلّحين ومَن يرى قائدُ القوة بأن وجودَهم في المنطقة يهدد السلام في البلاد بالبقاء في تلك الآونة. ولذلك فإني آمر جميع هؤلاء مغادرة منطقة شرق الأردن”. (4)
حاول القائد العام تذليل تلك الصعوبات والمضايقات بتشكيل لجنة عليا من كبار الساسة ورفاق النضال، لإدارة شؤون المجاهدين والدفاع عن قضاياهم وتأمين سبل معيشتهم واستقرارهم في شرق الأردن. لكن أعاق ذلك الخلاف من جديد بين جماعتي حزب الشعب وحزب الاستقلال. والحقيقة كان هذا الخلاف مقتلاً للثورة منذ بدايتها حتى نهايتها، بل تعداها لمراحل لاحقة، طالت مناطق عدة في سورية، وعلى الخصوص جبل العرب، ولا مجال هنا للخوض في تفاصيل هذا الخلاف.
كان على الثوار من جهة ثانية عدم الخضوع والعودة بين الحين والآخر إلى أراضي الجبل بمجموعات مقاتلة لضرب مراكز العدو، تأكيداً بأن الثورة ما زالت قائمة في المنطقة، وأن الاستسلام النهائي بعيد المنال. ويذكر القائد العام في مذكراته أنه قاد عدداً من المجموعات المذكورة بنفسه. وفي هذا يقول: “وقد قدتُ عدداً من المجموعات المذكورة بنفسي، في أوائل حزيران عام 1927، ووصلت بها إلى قرية المغيِّر حيث نزلنا ضيوفاً عند حمد صعب، ثم انطلق رؤساءُ فصائلها إلى المواقع الفرنسية المحددة لهم، فأنزلوا بجنودها خسائر فادحة بالأرواح، وعادوا إلينا ببعض الغنائم. وكان في جملتهم السادة: زيد عامر، سعيد عز الدين، محمود كيوان، صياح وفضل الله الأطرش، وفرحان العبد الله. وهذا ما أثار قلق الفرنسيين والإنكليز على حد سواء”. (5)
لم ترقْ هذا التحركات للإنكليز، وهم شركاء فعليون للفرنسيين رغم كل ما يُشاع عكس ذلك، ولهذا سارع الكابتن كروب قائد منطقة الأزرق في إصدار بلاغ صارم يشير صراحة إلى طرد الثوار من منطقة الأزرق خلال مدة قصيرة وهذا نص البلاغ:
“قيادة القوات الجوية والبرية بالأزرق
منشور تحت الأحكام العرفية
رقم 15
“بما أن الشروط التي بموجبها تمكن مساعدة الموجودين في المنطقة العسكرية الآن الرجوع إلى أوطانهم قد أعلنت وأُذيعت، فإني أعلن هنا بأن جميع الذين ليسوا من شرق الأردن، والذين ليست لهم وسائط معيشة ظاهرة في الأزرق، يجب عليهم العودة لأوطانهم بدون تأخير، وعليه أعطوا مهلة 14 يوماً من تاريخ هذا الإعلان حتى يمكنهم تجهيز أنفسهم للرحيل. وبعد انتهاء هذه المدة كل شخص وجد مخالفاً لهذا الأمر يُطرد من المنطقة العسكرية.
17/6/1927 كروب كابتن، قائد منطقة الأزرق العسكرية ” (6)
لم يكترث الثوار لتلك الأوامر والبلاغات، بل واصلوا القيام بغارات أخرى موفقة على الجبل، كان في مقدمة المساهمين بها: حسين مرشد، كنج صلاح، محمود أبو يحيى، سعيد رزق، يحيى رزق، خزاعي الحلح، عزام قماش، سليم الدبيسي، محمد قاسم الدبيسي، حسين العطواني، بهاء الدين حمزة، رشيد الجرماني، محمد الفقيه، نجم عماشة وأسد عماشة وغيرهم. وكان حداؤهم المفضل، أثناء عودتهم من تلك الغارات الأبيات التي نظمها صياح الأطرش وعقّب عليها زيد وفضل الله الأطرش وهم في قرية الهوية قبل أشهر. وقد أصبحت هذه الأبيات من أشهر ما قيل من الشعر في تلك المرحلة خصوصاً بعد أن شدت ببعض منها المطربة أسمهان:
يا ديرتي مالك علينا لوم لا تعتبي لومك على من خان
حنا روينا سيوفنا من القوم ما نرخصك، مثل العفن، باثمان
لا بد ما تذهب ليالي الشوم واعتز صربة قادها سلطان
وإن ما تعدل حقنا المهضوم يا ديرتي ما حنّا لك سكان
عمد الفرنسيون في تلك الآونة إلى المزيد من التضييق على المجاهدين، فبدأوا بتسيير دوريات يومية إلى قلب البادية، بقصد مضايقة المجاهدين الذين كانوا يقيمون مع مواشيهم في وادي العاقب، على بعد ستين كيلو متراً إلى الشمال الغربي من واحة الأزرق. في حين أخذ الإنكليز يشددون المراقبة على الثوار في مختلف الطرق المؤدية إلى الأزرق، أو إلى أي مواقع أخرى يقيم فيها المجاهدون، ثم أنشأوا معسكراً كبيراً يقع إلى الغرب من “القياسة” لمواصلة عمليات حصارهم ومنعهم من الإقامة في الأزرق، فألقوا القبض على عبد الغفار الأطرش، علي ذوقان الأطرش، هايل جدعان الأطرش، شكيب وهاب، نجيب يحيى رزق، حمد معروف، فايز الدبيسي، وغيرهم.. وساقوهم إلى أحد سجون عمان، الواقع في “عين غزال” حيث أمضى بعضهم أربعة عشر يوماً، وبعضم الآخر نحو ثلاثة شهور.
وتكشَّفت أخيراً نيات الإنكليز الحقيقية تجاه الثوار والسوريين، وبطُلت أسطورة الوقوف على الحياد كما يدعون، فمعاهدة سايكس بيكو لا زالت قيد التنفيذ، وقد حضرت لجنة انكليزية فرنسية مشتركة إلى الأزرق لتعرض على الثوار المقررات النهائية التي اتخذت بشأنهم. كانت اللجنة مؤلفة من الكولونيل أرنو والقومندان كوستيليير عن الجانب الفرنسي، والكولونيل كوكس معتمد بريطانيا في عمان، والكولونيل سترافورد قائد سلاح الطيران الإنكليزي في الأزرق، عن الجانب الإنكليزي. أما المقرّرات فكانت:
- مَن أراد العودة من الثوار إلى الجبل، ينقل مع أفراد أسرته على نفقة اللجنة.
- مَن أراد البقاء منهم في الأردن، عليه أن ينتقل إلى عمان أو القرى المجاورة لها.
- مَن يُصرّ منهم على متابعة الثورة، عليه أن يغادر الأردن خلال مدة لا تتجاوز أربعة عشر يوماً.
ويبدو أن هذه المقررات كانت مرتكزة على اتفاقية سابقة معقودة بين الدولتين المتحالفتين في خريف عام 1926، وتنص على ما خلاصته:
- يتنازل الفرنسيون للإنكليز عن المنطقة الواقعة بين العانات وخربة عواد شمالاً، وحدود الأزرق جنوباً، والحدود السعودية – الأردنية شرقاً، وحدود قرية ذيبين الجنوبية غرباً.
- يعمل الإنكليز على طرد الثوار من منطقة الأزرق، لقاء ضمّهم للمنطقة المذكورة إلى الإمارة الأردنية الهاشمية.
ويمكننا القول إن هذا الاتفاق فصل نهائياً منطقة الأزرق ولواء عجلون بكامله عن لواء حوران، وبالتالي عن سورية، حيث كان جزءاً منه طيلة فترة الحكم العثماني؛ وكان يتألف لواء حوران من أقضية القنيطرة وسهل حوران وجبل حوران وعجلون. (7)
لقد انعكست نتائج هذه الاتفاقية سلباً على أبناء المنطقة، فتعرض مُلاكها من سكان المقرن الجنوبي إلى متاعب كثيرة في الانتقال إليها والعودة منها، أثناء زراعتها ورعاية مواشيهم فيها، واستمرّ الأمر على هذا الحال حتى ستينيات القرن العشرين حيث اغتُصبت منهم ومُنعوا من استغلالها نهائياً، بعد ترسيم الحدود بين الأردن وسورية وضم المنطقة نهائيا إلى الدولة الأردنية.
لم يكن من السهل على السلطة الإنكليزية تنفيذ شروط تلك الاتفاقية إلا بعد أن استخدمت قوة كبيرة مؤلفة من أربعة آلاف جندي، تساندها الآليات المدرعة والطائرات، لتطويق المجاهدين وعائلاتهم في الأزرق. ولما اشتدّ الحصار عليهم وطالت مدته، تعرّض الكثير منهم للجوع، وأصيب بعضهم بأمراض وأوبئة فتاكة.
حيال هذا الموقف، وحرصاً من القائد العام للثورة على حياة المجاهدين وأسرِهِم، أرسل رسالة إلى المعتمد البريطاني بعمان حملها إليه المجاهد نزال أبو شهيل من عشيرة الشنابلة، وقال فيها:
“إننا لم ندخل الأزرق بالقوة، وإنما بعد مفاوضة الحكومة الأردنية وموافقتها على ذلك، فإذا كنتم تصرون على ترحيلنا منها، فإننا مستعدون أن نلبي رغباتكم، شرط إعطائنا مهلة كافية نتمكن من خلالها من إتمام عملية نقل نسائنا وأطفالنا ومواشينا إلى مكان آخر مناسب”. (8)
أتصل بعد ذلك القائد العام بمكتبهم الدائم في عمان، وشرح لهم ما آلت إليه أخيراً أوضاعُهم في الأردن، فاتصلوا بدورهم ببعض الشخصيات العربية في القدس والقاهرة، وتم الاتفاق على انتداب السيد شكري القوتلي للذهاب في الحال إلى المملكة العربية السعودية من أجل التفاوض مع الملك عبد العزيز آل سعود، لقبولهم في بلاده لاجئين سياسيين.
اعتذر الملك بادئ ذي بدء عن قبول الطلب، لكنه عاد فأعلن موافقته، فأرسل برقية جاء فيها:
“قائد الثورة السورية سلطان الأطرش، أقبلوا على الرحب والسعة – عبد العزيز-“. (9)
في ذلك الصيف، عام 1927 أصدر المندوب السامي الفرنسي الجديد هنري بونصو عفواً عن الثوار وعاد منهم إلى الجبل حوالي ثلاثة آلاف نسمة، كان في جملتهم: عبد الغفار الأطرش، يوسف الأطرش، الأمير حسن الأطرش، متعب الأطرش، يوسف الأطرش، هايل الأطرش، علي فارس الأطرش، حمد على الأطرش، نجيب علي الأطرش، فضل الله الأطرش، عبد الكريم الأطرش، سلمان الأطرش، نايف الأطرش، هاني الأطرش، تركي الأطرش، سليمان الأطرش، طلال الأطرش، فارس الأطرش، زيد عامر، محمود كيوان، عزام قماش (الذي عاد من الجبل والتحق بالثوار ثانية)، مراد ومحمد وأبو الخير وسلمان وجميل وسليمان وهايل رضوان، حمود رفاعة، حسين ذبيان، سلمان أبو الفضل، محمود وسلامة الأشقر، سلمان مونس وأخوته، فارس مزهر، محمد جربوع، محمد الفقيه، نجيب صعب، إبراهيم حميدان وجدعان مزيد الدبيسي وغيرهم.
وجاء في مذكرات المجاهد صياح النبواني، في يوم 25 حزيران 1927، حول المجاهدين العائدين:
“لقد قنعت فرنسا، وسافر وفدها الذي جاء لمفاوضة المجاهدين بما سلّم من أبطال المجاهدين، فبذلك وبمساعدة من انكلترا المتقلبة، وبهذا التدبير الجهنمي الذي اتخذته بالأزرق قضت على الثورة قضاء نهائياً، إذ سلّم أكثر المجاهدين ومنهم الأبطال المشهود لهم بمواقفهم البطولية كسلمان بن حمد (الأطرش) ومحمود بك كيوان، وأقطاب السياسة كعبد الغفار باشا، ومتعب الأطرش والخلاف المفضوح بين حزب الشعب الذي يرأسه الأمير ميشيل لطف الله والدكتور عبد الرحمن الشهبندر، ونزيه المؤيد العظم، وفوزي البكري من جهة، وحزب الاستقلال ومنهم الأمير عادل أرسلان، شكري القوتلي، عادل العظمة والحاج أمين الحسيني، وكل حزب منهم يلقي مسؤولية فشل الثورة السياسيّ على الحزب الآخر ويدعي الإخلاص، ويرسل الوفود للبلاد العربية والجاليات العربية بأميركا، لتلقي الإعانات والأموال له دون غيره، وأن هذا الحزب هو الذي يتولى تمويل عائلات المجاهدين المساكين وإطعامهم، وبعبارة أصح (يشحذ على ظهرهم)”. (10)
ودّع هؤلاء بالدموع أخوتهم ورفاقهم الذين قرروا عدم الاستسلام لحكومة الانتداب، فغادروا الأزرق باتجاه “العْمِري” (نبع غزير، يبعد عن الحدود السعودية عدة كيلومترات – وهي حالياً بلدة صغيرة فيها منفذ حدودي بين السعودية والأردن).
عندما نزل الثوار في العمري، وعلم الإنكليز أن المملكة العربية السعودية قد وافقت على إقامتهم في ربوعها، أرسلوا وفداً برئاسة الكولونيل سترافورد للتفاوض معهم من أجل عودتهم إلى الأزرق!
رفض الثوار عرض الإنكليز، وقال القائد العام لرئيس الوفد:
“لم تعد لنا رغبة بالعودة لأنكم لا تحترمون العهود، وسوف نقيم في الصحراء التي خرج منها أجدادُنا.. وسنجد فيها، بالإضافة إلى كرم الضيافة، مجالاً رحباً للتمتع بحريتنا الكاملة التي افتقدناها منذ أن انتدبتكم عصبة الأمم علينا”. (11)
مكث الثوار في العمري فترة قصيرة، ثم توجّهوا إلى غدير الحصيدات، فباتوا ليلة واحدة، وفي اليوم التالي توجهوا إلى النبك في وادي السرحان. ضمت القافلة من ثوار الجبل، حسب الترتيب الأبجدي للاسم الأول، المجاهدين السادة:
إبراهيم جربوع, إبراهيم الشوفي, إبراهيم الحمدان, إبراهيم الدبيسي, إبراهيم العطواني, إبراهيم المعاز, أبو أسعد الشوفي, أجود العكري, أجود أبو جابر, أحمد الحايك, أحمد بهاء الدين كرباج, أحمد كيوان, أسد الصحناوي, إسماعيل عماشة, أسعد البلعوس, أسعد الشوفي, أسعد حسون, إسماعيل أبو جابر, أنيس الأعور, أنيس كيوان, أنيس محرز, باير النجم, بشير كيوان, برجس عامر, توهان أبو لطيف, جابر أبو لطيف, جادو عامر, جاسر أبو لطيف, جميل الجباعي, جدعان وجديع مزيد الدبيسي, جدعان سليم الدبيسي, حسن الأعور, حسن أبو خير, حسني أبو زكي, حسين أبو سعد, حسن أبو مدّين, حسن الشعار, حسين أبو جابر, حسن صلاح, حسين الصفدي, حسن عامر, حسين العطواني, حسن عماشة, حسن كرباج, حسين مرشد, حسن الملحم, حمود أبو حمره, حمد أبو لطيف, حمد غيث, حمود أبو لطيف, حمد معروف, حمد الشوفي, حمزة محرز, خطار زاعور, خميس الحازمي, داود حماده, داود طربيه, داود المقت, درويش طربيه, ذياب الأوس, ذيب الحريشا, ذياب الحريشا, ذيب صلاح, زايد سعيد, زيد ذوقان الأطرش, زعل الأوس, زين الدين أبو عاصي, سعيد الأوس, سالم علي الدبيسي, سعود أبو لطيف, سعيد أبو قبلان, سعيد الأعور, سعيد جاد الله, سعيد رزق, سعيد سحينه, سعيد عز الدين, سعيد العفيف, سعيد المقت, سلامه الأطرش, سليم عبدي الأطرش, سليم الأوس, سلمان أبو شقرا, سلمان جوديه, سليمان حسون, سليم الحكيم, سليم الحلبي, سلامه الخطيب, سليم الدبيسي, سلمان زاعور, سلامه زهر الدين, سلمان سعيد, سليمان شرف, سليم شرف, سليم صافي, سليم صلاح, سلمان طربيه, سلمان عز الدين, سليمان العيسمي, سلامه فاعور, سلمان فهد, سلمان محرز, سلمان مسعود, سليم الملحم, سليمان نصر, ثاني البرق, شاني المنيف, شاهين عبيد, شبلي الحسين, شبلي رزق, شبلي عبيد, شحاذة نكد, شريف الشوفي, الشيخ صالح أبو عاصي, صالح عماد صبح بن الغبيني, صلاح صلاح, صياح النبواني, ضامن الحسين, طلال أبو حامد, عباس زاعور, عبد الكريم النجم الأطرش, ضامن أبو لطيف, عبد الكريم عامر, عبد الكريم عز الدين, عبد الكريم العك, عبد الغفار عز الدين, عبطان النجم, عجاج مراد, عزام قماش (الذي عاد من الجبل والتحق بالنازحين). عطا الله أبوسعيد, عقلة القطامي, علي ذوقان الأطرش, علي الحريشا, علي الحسين, علي رزق, علي سلّام, علي عبيد, علي عز الدين, علي كيوان, علي محرز, علي الملحم, عواد السعودي, غالب الحسين, فارس الأطرش, فارس أبو محمود, فارس أبو مغضب, فارس أبو نمر, فارس الغصيني, فارس مفرّج, فايز الحمصي, فايز ذياب الدبيسي, فرحان البلعوس, فرحان زيتونه, فرحان العبد الله, فندي الأعور, فضل الله الأطرش, فضل الله عماشه, فهد عماشه, فندي شلغين, فهد النجم الأطرش, فهد العبد الله, فواز حاطوم, فواز الشوفي, قاسم أبو خير, قاسم أبو صلاح، قاسم أبو عبيد, قاسم البلعوس, قاسم الحسنية, قاسم صالحة, قاسم كيوان, قاسم النبواني, قبلان الأطرش, كنج شلغين, كنج صلاح, متروك أبو يحيى, مثقال الحلبي, محمود أبو لطيف, محمود أبو يحيى, محمد أصلان, محمد ملاعب, محمد عز الدين, محمود عامر, محمود عواد, محمود قميح, محمود المعاز, محمود منذر, محمد النبواني, متعب الحمود الأطرش, مرعي حامد, مزيد الشاعر, مزيد سليم الدبيسي, مزيد عباس الدبيسي, مشاري الأطرش, مقبل البرق, ممدوح الأطرش, منصور الخازمي, مهنا الدبيسي, ناصر حمشو, نايف أبو لطيف, نايف الأعور, نجم البلعوس, نجم عماشة, نجم مراد, نجيب رزق, نجيب ملاعب, نزال أبو شهيل, عيسى النمر أصلان, نواف الأطرش, هاني الجوماني, هايل جدعان الأطرش, هايل سلام, هزاع العطواني, هلال عز الدين, وارد السودة, وهبة السقعان, يحيى رزق, يوسف البلعوس, يوسف حاطوم, يوسف العكري, يوسف الحمدان, يوسف حمد الدبيسي, يوسف الشوفي, يوسف شروف, ويوسف العيسمي…(226)
ومن مجاهدي لبنان والإقليم وعلى رأسهم الأمير عادل أرسلان:
إبراهيم حمزة, أحمد البثلوني, أحمد عبد الباقي, أسعد كنج أبو صالح, أمين حمزة, أمين مطر, توفيق شمس, توفيق صالحة, جميل أبو هرموش, حسين أبو رسلان, حسين أبو شقرا, حسيب ذبيان, حسين سويد, حسين العقيلي, حسين عزيزي, حسين محاسن, حمد سليمان, حمد صعب, خليل بدور, داود عبد الله, رشيد حماده, سعيد بوتين, سعيد بشير, سعيد الجردي, سعيد الغصيني, سعيد نايف صعب, سعيد نصر, سليم الأحمدية, سليم الشمعة, سليم عبد الصمد،
سليمان الأعور, سليمان محمود, شريف أبو رسلان, شكيب وهاب, عارف وهاب, عباس الحسنية, عباس الشباني, عباس عبد الصمد, عباس علامه, عباس غريزي, عبد الله أبو حسون, علي أبو هنا, علي البيروتي, فارس عبد الخالق, فريد الأحمدية, فندي الأحمدية, فندي أبو ياغي, فؤاد علامه, قاسم فخر الدين, مجيد غريزي, محمد أبو عاصي, محمد حماده, محمود علامه, محمد القلعاني, محمد ملاعب, محمود نصر, مصطفى بشير, معروف فدعه صعب, نايف عزام, نجيب الأعور, نجيب أبو حمزة, نعيم خطار, نمر الصفدي, يوسف بعذران, يوسف الشوفاني, يوسف قيس, ويوسف ملاعب.. (المجموع 67 مجاهدا ) (11).
أي أن عددهم جميعاً حوالي 293 مجاهداً، وعددهم الكامل مع أسرهم 1860 نفساً. (12)
وفي وادي السرحان بدأ الثوار حياة قاسية وعاشوا ظروفاً لا يطيقها بشر، في صحراء لا ماء فيها ولا شجر، لتستمرّ رحلتهم هذه عشر سنوات كاملة.
ملحق صور
في أرشيف مكتبة الكونغرس الأميركي مجموعة كبيرة من الصور للثوار في الأزرق، معظمها من زيارة لسكرتير القنصل الأميركي في القدس برفقة المجاهدَين عقلة القطامي وجبر الزغير، يمكن تحميلها على الرابط التالي: https://www.loc.gov(13)
هذه مجموعة من الصور للثوار في الأزرق:
القائد العام للثورة السورية الكبرى سلطان باشا الأطرش في خيمته في الأزرق 1927
القائد العام مع سكرتير القنصل الأميركي في القدس في معسكر الثوار في الأزرق 1927
القائد العام للثورة السورية الكبرى سلطان باشا الأطرش في الأزرق 1927
مجموعة من الثوار في الأزرق عام 1927 عرفنا منهم المجاهدين السادة:
جبر الزغير، صياح الحمود الأطرش، علي ذوقان الأطرش، عبد الكريم عامر، القائد العام سلطان باشا الأطرش، عقلة القطامي، حسين مرشد وعلي عبيد.
في خيمة القائد العام في الأزرق 1927
سكرتير القنصل الأميركي في القدس، جبر الزغير، سلطان باشا الأطرش، عقلة القطامي، علي ذوقان الأطرش، صياح الحمود الأطرش
القائد العام يتقدّم مجموعة من ثوار جبل العرب في الأزرق 1927
ثوار من جبل العرب في الأزرق 1927
المجاهد عقل القطامي أمام قصر الأزرق عام 1927
أحد الثوار الشباب في معسكر الثوار في الأزرق عام 1927
في الطريق من عمان إلى الأزرق لزيارة الثوار، جبر الزغير، سكرتير القنصل الأميركي في القدس وعقلة القطامي، 1927
من أوراق المجاهد صياح النبواني
المراجع والمصادر
- مذكرات سلطان باشا الأطرش، القائد العام للثورة السورية الكبرى، تقديم وتعليق، يوسف الدبيسي، صلاح مزهر، مركز الشرق الأوسط الثقافي، بيروت، ج. 4، ط. 1، بدون تاريخ ص. 125.
- سلطان باشا الأطرش، مسيرة قائد في تاريخ أمة، حسن أمين البعيني، منشورات لجنة الإعلام / الإدارة المدنية في الجبل، ط. 1، 1985، ص. 222-223.
- تاريخ الثورة السورية، محي الدين السفرجلاني، دار اليقظة العربية، 1961، ص. 491.
- مذكرات سلطان باشا الأطرش، ص. 127.
- المصدر نفسه، ص. 128.
- من وثائق المجاهد صياح النبواني.
- تاريخ لواء حوران الاجتماعي، د. فندي أبو فخر، دمشق، 1999، ص. 12.
- أحداث الثورة السورية الكبرى كما سردها قائدها العام سلطان باشا الأطرش، دار طلاس، ط. 1، 2007، ص. 306.
- مذكرات سلطان باشا الأطرش، ص. 137.
- مذكرات ووثائق المجاهد صياح النبواني، تقديم وتحقيق د. فندي أبو فخر، دار دلمون الجديدة، دمشق، 2022، ص. 92.
- مذكرات سلطان باشا الأطرش، ص. 138-141.
- الثورة السورية الكبرى على ضوء وثائق لم تنشر، سلامة عبيد، مطابع دار الغد، بيروت، 1971، ص. 26.
- https://www.loc.gov موقع مكتبة الكونغرس الإلكتروني.
(انتهى التقرير)