تعاني العديد من النساء في مختلف أنحاء العالم من ظاهرة العنف بغض النظر عن الأسباب التي تقف وراء استفحاله في عديد الأوساط، خاصة الوسط الأسري، وذلك رغم المحاولات الحثيثة التي بذلها المجتمع الدولي ومنظمات حقوق الإنسان في هذا الإطار سعيا منهم لتقليص حجم الظاهرة، من خلال الحرص على صرامة السياسة الجنائية وتشديد العقوبات لمحاربة ظاهرة العنف الزوجي بمختلف صوره لاسيما الاقتصادي منه. وهو نفس المنحى الذي سار عليه المشرع الجزائري في محاولة منه لتجسيد هذا المسعى بدءا من تأكيده على حماية الأسرة في الدستور، وكذا التعديلات التي مست القوانين العادية على غرار قانوني الأسرة والعقوبات بدليل الأحكام التي خصها لهذا الموضوع،
والتي من شأنها تعزيز الحماية للزوجة، وإعطاء أريحية وضمانات أوفر للتصدي للظاهرة والتقليل من انعكاساتها الخطيرة على الأسرة والمجتمع، ومع ذلك يبقى من الضروري الدعوة إلى تكاتف جهود المجتمع المدني لأجل التوعية بخطورة الظاهرة، خاصة وأن انتشار العنف الزوجي الاقتصادي في المجتمعات الإسلامية يصاحبه عجز الزوجة عن التبليغ عنه قضائيا لاعتبارات عديدة تحول دون ذلك.
يعرّف العنف الاقتصادي على أنه: التسبب أو محاولة التسبب في جعل شخص تابعًا (أو معتمدًا على) شخص آخر، عن طريق التحكم في قدر حصوله/ها على الموارد والأنشطة الاقتصادية. وبحسب تعريف نظرة للدراسات النسوية، فيشمل العنف الاقتصادي على: حرمان النساء من التصرف في الموارد اقتصادياً أو المساهمة في اتخاذ القرارات المالية التي تهمها وتؤثر في مستقبلها والتي تجعلها معتمدة كلياً على غيرها. وتشمل الحرمان من التصرف في ممتلكاتها أو الأنفاق على حاجاتها الأساسية أو حرمانها من الميراث أو التملك وتعريضها لاستغلال اقتصادي العنف الاقتصادي يحدث عندما يحرم الفرد شريكه الحميم من الوصول إلى الموارد المالية، عادة كشكل من أشكال الإساءة أو السيطرة أو لعزلها أو لفرض عواقب سلبية أخرى على رفاهيتها.
أشكال العنف الاقتصادي
عادة ما يستخدم العنف الاقتصادي كشكل من أشكال التحكم ومنع المرأة من أن تكون مستقلة اقتصاديًا، وهو جزء من نمط واسع للعنف الأسري، والذي يمكن أن يتضمن عنف لفظي و نفسي و جسدي و جنسي.
ويتضمن العنف الاقتصادي عدة مظاهر، من بينها:
منع الزوجة من الحصول على الموارد الاقتصادية، عن طريق منعها من العمل أو الحفاظ على وظيفتها
منع الزوجة من التعليم أو إكمال دراستها.
صرف أموال أو راتب الزوجة بدون رضاها.
أخذ ممتلكات الزوجة ضد رغبتها، أو إتلافها.
استغلال النساء الريفيات بإشراكهم للعمل في الأسرة وفي الأرض دون أجر.
استغلال النساء في العمل المنزلي ورعاية الأطفال والخدمات الأخرى المتعلقة بالأسرة بدون أجر.
استخدام العنف الجسدي أو التهديد لإجبار الزوجة على إعطاء الزوج أموالها.
التحكم بحرية الزوجة في الاتصال أو الحركة أو التسوق.
التهديد بطرد الزوجة والأولاد من المنزل.
استغلال سوء الحالة الاقتصادية للزوجة.
اختبار النساء للعنف الاقتصادي، واستمرارهن في ذلك سرعان ما يَنتُج عنه تهميش دورهن مُجتمعيًا، ومُساهمتهن اقتصاديًا، بالإضافة لانتهاك حقوقهن العمالية ورفع نسب البطالة النسائية. كل ذلك يُرافقه الكثير من المشكلات المجتمعية والنفسية، سواء للمرأة المُعَنَّفَة أو أطفالها، خصوصًا أن قبول المرأة الوضع عادةً ما ينتج عنه تمادي المُعَنّف بالقسوة، وممارسته أشكالاً أخرى من العنف تجاهها.
وهو ما يُحبط باقي أفراد الأسرة، ويُحَوِّلهم لأفراد مُنسحقين أو عنيفين، بل أن بعض الأبناء يشعرون بالنقمة تجاه الأم لتحمُّلها الإهانة وتركهم يعيشون في بيئة مريضة، فيتحول الذكور منهم لنسخة من الأب العنيف، والفتيات لجيل جديد من المقهورات.
قد یصعب إدراك الانتهاك الاقتصادي؛ وذلك حیث إنة یمكن أن یتطور ببطء وقد یبدأ بسلوك یوحي في البدایة بالحمایة والاهتمام، على سبیل المثال، من خلال عرضھ الاعتناء بجمیع الموارد المالیة أو تشجیعك على عدم العمل حت ى تتمكنین من رعایة الأطفال.
وقد یتطور أیضا الی ً الإفراط في الإنفاق أو مراكمة الدیون باسمك أو من خلال الحسابات المشتركة ببطء وقد لا یكون واضحا في البدایة. وتتعرض بعض النساء للانتھاك الاقتصادي لسنوات عدیدة، ویمكن أن یستمر تعرضھن للانتھاك الاقتصادي بعد الانفصال.
“لم أدرك أن الانتھاك الاقتصادي كان یحدث معي… لقد كنت شدیدة التركیز على محاولة حمایة نفسي من الأذى الجسدي والحفاظ على سلامة عائلتي لدرجة أنني لم أدرك ذلك الانتھاك الاقتصادي وحجمھ إلا بعد انفصالي.”
وفقًا للأمم المتحدة، يشير العنف القائم على النوع الاجتماعي إلى كل فعل يُرتكب ضد إرادة الشخص وعلى أساس نوعه الاجتماعي. ويشير أيضا إلى تهديدات العنف والإكراه التي يمكن أن تكون جسدية أو عاطفية أو نفسية أو جنسية. النساء في جميع أنحاء العالم يتعرضن للعنف القائم على النوع الاجتماعي؛ ووفقًا للجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، فإن 60٪ من النساء المتزوجات أو اللواتي كن متزوجات واللواتي تتراوح أعمارهن بين 18 و64 عامًا تعرضن للعنف على أيدي أفراد جيش الاحتلال أو المستوطنين الإسرائيليين، كما أن 27٪ -من نفس الفئة- يتعرضن على الأقل لشكل واحد من أشكال العنف.
وبما أن العنف القائم على النوع الاجتماعي يؤثر على حياة النساء والفتيات، فهو أحد موضوعات العمل الأساسية للجمعية. ويرتبط هذا الموضوع ارتباطًا مباشرًا بهدفنا الاستراتيجي الثاني أي القضاء على التمييز ضد النساء والفتيات من خلال مناهضة العنف المبني على النوع الاجتماعي في المجتمع الفلسطيني وتعزيز سلامتة النساء وأمنهن وفقاً للقوانين والاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان.
وعليه تقدم جمعية المرأة العاملة الدعم لأصحاب الحق – من النساء والرجال والشباب والمنظمات المحلية والدولية؛ بالإضافة إلى الأخصائيين/ات الاجتماعيين/ات والمسؤولين الحكوميين والغير حكومين. وتُعتبر جمعية المرأة العاملة سباقة في المشاريع التي تزود النساء والفتيات بالمعرفة حول حقوقهن وسبل الحماية والمساواة بين الجنسين. كما تقدم الجمعية أيضًا خدمات نفسية اجتماعية وقانونية للنساء اللواتي تتعرضن للعنف والناجيات من العنف المبني على النوع الجتماعي.
من ناحية أخرى فإن جمعية المرأة العاملة هي خبيرة معتمدة من GenCap في مجال تعزيز المساواة بين الجنسين في الأعمال الإنسانية، وتوفير التدريب لكل من أصحاب الحقوق والقائمين بالواجبات. وأخيراً، تشارك الجمعية في الحملات التي تناصر وتضغط من أجل أطر وتشريعات وسياسات وإجراءات تحمي المرأة وتساهم في القضاء على التمييز والعنف ضد النساء والفتيات محلياً وإقيلميا وعالمياً.
نتيجة العنف الاقتصادي الواقع على النساء، تزداد أهمية التمكين الاقتصادي، والطلب النسوي له بسبب الوضع الاقتصادي السيئ الذي يعيشه قطاع غزة وارتفاع نسب الفقر والبطالة، حيث إن النساء أصبحن يدركن أن تحسين الوضع الاقتصادي يساهم في تخفيف نسب العنف، ويعتبر أداة ووسيلة للخروج من الفقر الذي يتسبب في حالات العنف.
تقدم مجموعة مؤسسات نسوية برامج التمكين الاقتصادي ضمن الخدمات المتكاملة التي تحتاجها النساء اللواتي تعرضن للعنف القائم على النوع الاجتماعي، وتتركز المؤسسات النسوية العاملة في التمكين الاقتصادي وفق دليل مسارات إحالة حالات العنف المبني على النوع الاجتماعي بغزة في أربع مؤسسات رئيسة قدمت مجموعة مشاريع لتمكين النساء اقتصاديًا، وهي:
جمعية عايشه: قدمت مجموعة مشاريع لعدد من المستفيدات خلال آخر عامين من برنامج التمكين الاقتصادي 2019 حتى 2021 بحدود 350 مستفيدة من حيث الاستفادة من: التدريب المهني في العديد من المجالات، التدريب على إدارة المشاريع الصغيرة، الاستفادة من تمويل المشاريع الصغيرة، التشغيل المؤقت.
جمعية حيدر عبد الشافي المجتمعية والصحية: قدمت عددًا من المشاريع الصغيرة التي تم منحها للسيدات خلال العام 2020 (47) مشروعًا، أما في العام 2021 فقدمت (73) مشروعًا.
مركز شؤون المرأة: يقدم خدمة التمكين الاقتصادي ضمن الخدمات المتكاملة التي تحتاجها النساء اللواتي تعرضن للعنف القائم على النوع الاجتماعي، وذلك كنوع من أنواع العلاج القائم وتحسين أوضاع النساء في قطاع غزة، والبرنامج يعمل وفق خطة واستراتيجية عمل.
قدم المركز خلال العام 2020 (21) مشروعًا، وتم تطوير (21) مشروعًا، إضافة إلى تقديم مساعدات مالية لـ (210) مشاريع، وذلك بسبب جائحة كورونا، في محاولة للمساهمة في صمود هذه المشاريع. وفي العام 2021 قدم منحًا لتأسيس (50) مشروعًا، استفادت منه نساء وشباب، وتطوير (80) مشروعًا قائمًا، وإنشاء (20) مشروعًا صديقًا للبيئة.
جمعية الثقافة والفكر الحر-مركز صحة المرأة البريج: بلغ عدد المشروعات الصغيرة المنفذة (30) في العامين 2020-2021، فيما بلغ عدد المشروعات متناهية الصغر (100) العام 2021، تم تنفيذ (50) مشروعًا منها.
إضافة إلى تلك المؤسسات، فإن غالبية المؤسسات النسوية العاملة في قطاع غزة، تعمل وفق منهجية إدارة الحالة التي تعتمد على تقديم خدمات متعددة القطاعات، بما فيها التمكين الاقتصادي، من خلال تقديم منح ضمن مشاريعها، أو من خلال إحالة الحالات للمؤسسات التي تقدم خدمات التمكين الاقتصادي.
تقع المشاريع الصغيرة التي ترأسها نساء تحت الاقتصاد غير المنظور، نظرًا لعدم حصولها على الشكل القانوني للعمل، وبناءً عليه لا يوجد عدد واضح محدد في أي من المرجعيات الأدبية أو الجهات الحكومية العاملة، يوضح عدد المشاريع الصغيرة التي ترأسها نساء، على الرغم من أهمية هذا القطاع من المشاريع.
ارتفاع العنف الاقتصادي الواقع على النساء بعد العدوان الأخير
عقب العدوان الإسرائيلي الأخير تضرر ما نسبته 90% من المشاريع الصغيرة النسائية من جراء جائحة كورونا؛ سواء بشكل جزئي أو بشكل كامل، وهو ما أدى إلى زيادة العنف الاقتصادي إلى ارتفاع نسب العنف وتراكمها في جوانب متعددة، فحين تتعرض النساء إلى انتكاسة اقتصادية يقع عليها:
عنف نفسي: نتيجة العدوان وما سببه من خوف ورعب لدى النساء، ما زاد من تردي حالتهن النفسية وحالة أسرهن وأطفالهن، حيث أعربت 90% من النساء عن سوء الحالة النفسية. كما أن العنف النفسي صاحبته أشكال أخرى من العنف، كالعنف اللفظي الذي تعرضن له أثناء العدوان.
كما ظهرت العديد من الأعراض النفسية كالقلق وفقدان الشهية والتفكير الزائد والتفكير السلبي والخوف والتوتر، كما ظهرت أعراض جسدية كالإرهاق والإعياء المستمر وفقدان القدرة على ممارسة الأنشطة اليومية بالشكل المعتاد أيضًا.
عنف اجتماعي: تزايدت قضايا عنف النساء من (العائلة الممتدة) أثناء العدوان، وبخاصة العائلات التي نزحت من بيوتها؛ فقد وصل عدد النازحين حوالي 40 ألف شخص، إضافة إلى خوف الأطفال والنساء المحجورين في غرف نتيجة القصف، أو في المدارس والصفوف؛ فلم تستطع النساء ممارسة حياتهن اليومية، نتيجة انعدام الخصوصية لهن في أماكن النزوح الجماعية، ما ضاعف خوفهن النفسي.
مما سبق نخلص إلى أن تردي الواقع الاقتصادي في قطاع غزة خلال العامين الماضيين، ومن ثم العدوان الأخير على قطاع غزة، أديا إلى إغلاق الكثير من المشاريع النسائية؛ سواء بشكل جزئي أو بشكل كامل، ما أثر على الحالة النفسية للنساء، بسبب فقدان مصدر دخلهن أو انخفاضه إضافة إلى ممارسة دورها داخل الأسرة والمجتمع، ما يفقدها ثقتها بنفسها ورغبتها في الحياة، ويظهر لديها مشاعر سلبية. كما أن استهداف المشاريع، وسوء الوضع الاقتصادي داخل الأسرة، يولدان خلافات ومشاكل تؤثر سلبًا على العلاقات الاجتماعية التي تنعكس على أساليب المعاملة بين الأزواج، أو داخل إطار العائلة، ما يتسبب بارتكاب مزيد من أنواع العنف المختلفة ضد النساء.