عُرِض مجسم فني للوردة الشامية في الحدائق الملكية الإيطالية تكريماً للحرف اليدوية السورية التراثية وضمن أيام “الوردة الشامية.. من سورية إلى تورينو” التي تنظمها المتاحف الملكية في تورينو والأمانة السورية للتنمية، بالتعاون مع منظمة “سانتاغاتا” لاقتصاد الثقافة.
ويهدف تصميم المجسم إلى الاحتفاء بالحرفيين السوريين وتقدير مهاراتهم الإبداعية، وإبراز جمال ودقة منتجاتهم التراثية، وقد اختيرت الوردة الشامية كعنصر مركزي للمجسم لما تحمله من أهمية في الثقافة السورية، حيث تجمع بين عنصري المرونة والجمال والترابط بين مختلف أشكال الفن والحرف التقليدية السورية التي صنع منها العمل.
واعتمد التصميم على ست حرف تقليدية عريقة، ليتيح لزائر الحدائق الملكية تأمل تفاصيله المصنوعة بدقة، واستخدم فيه مجموعةً من المواد والخصائص الفريدة لكل بتلة من بتلات الوردة الشامية، ما يعكس التميّز والإبداع الموجودين في الحرف اليدوية السورية.
وأول هذه الحرف التي صُنعت منها الوردة حرفة “الصدف” التي اشتهرت بها دمشق، وعمل شباب هذه الحرفة منذ القرن التاسع عشر إلى اليوم على تجديدها محافظين على أصالتها حتى أطلق عليها الأوروبيون اسم “دامسكينة”.
وخصصت الحرفة الثانية لـ “الحفر والنقش على النحاس”، وتعود هذه الحرفة إلى الألف الثاني قبل الميلاد وقد انتشرت في أغلب أرجاء سورية، حيث يوجد سوق للنحاسين في دمشق وحلب وحمص وحماة ودير الزور.
ونشأت أسواق النحاس منذ مئات السنين عندما كان السوريون يعتمدون على النحاس المصنّع والمحول إلى مستلزمات وأوان للمطبخ والموائد والبيوت وغيرها، وكان الحرفيون يستوردون صفائح النحاس من الخارج ويطرقونها في محالهم لصناعة مختلف أنواع الأواني النحاسية.
كما زين العمل حرفة “صناعة القش” وهي من أهم الصناعات التقليدية الجميلة التي تتوارثها الأجيال في الريف السوري، حيث كانت تحرص السيدات على تعليم بناتهن هذه الحرفة التي تؤمن لهن أدواتهن المنزلية الضرورية، بعد توافر موادها الأولية من القمح أو الشعير.
وحجزت حرفة “الزجاج التقليدي” حيزاً لها في مجسم الوردة الشامية، هذه الصناعة التي تعود إلى الفينيقيين في سورية، الذين عملوا على نقلها عبر البحر الأبيض المتوسط إلى أوروبا، وفي القرن التاسع قبل الميلاد ظهرت في سورية مراكز لصناعة الزجاج، وتم بعدها التوصل إلى عملية نفخ الزجاج في السواحل السورية وازدهرت في العصر الإسلامي وخاصة في دمشق، واستمرت يدوياً لتنتشر في جميع المحافظات.
وأدخل إلى حرفة “الزجاج التقليدي” الرسم على الزجاج، ويعود هذا العنصر الثقافي للقرن العاشر للميلاد، في حين اشتهرت حلب ودمشق وتحديداً في القرن الثالث عشر للميلاد بالزجاج الملون، أما الرسم على الزجاج فقد انتشر في مدن سورية منها دمشق وحلب والرقة، وتعتمد فقط على خبرة الرسام ودقته في رسم النقشات على الزجاج.
الحرفة الخامسة في هذا المجسم كانت حرفة “البروكار الدمشقي”، وتعود صناعته في دمشق إلى أكثر من خمسة قرون، ولها شهرة عالمية وهي عبارة عن نسيج من الحرير الطبيعي ومنه ما يدخل في نسجه خيوط دقيقة من الذهب أو الفضة على شكل الطيور والغزلان أو طقوس احتفالية أو رسوم أخرى، ويتم جلب خيوط الحرير من العديد من القرى في جبال الساحل السوري.
والحرفة الأخيرة خصصت لـ”الخط العربي” الذي يُعدّ من أهم وسائل التقدم والعمران، وهو من أدق الفنون وفيه تتجسّد عبقرية الزخرفة العربية التي قدمتها أيد مبدعة ممارسة لهذا الفن، واكبها ذهن متوقد بالابتكار والتجديد فيه، لتشكل لوحات فنية زخرفية في غاية الإتقان والجمال.
وقالت ريم صقر الخبيرة الاستشارية في الأمانة السورية للتنمية في تصريح للإعلام: “إنه من خلال هذا المزيج الانتقائي من الحرف، حرص الحرفيون السوريون على خلق نسيج متناغم من التقاليد التراثية السورية من خلال هذا العمل الفني الذي يؤكد مهارة الحرفيين، والتنوّع الثقافي السوري والتألق الفني المتضمن في كل حرفة”.
وأوضحت صقر أن رسالة العمل تتمثل في التذكير البصري بأهمية الحفاظ على هذه الحرف التقليدية المهدّدة بالانقراض، والترويج لها، وتشجيع الاهتمام المتجدد بأشكال الفن التقليدي، ودعم الحرفيين الذين يحافظون عليها، ما يضمن حفظها للأجيال القادمة.
وعن الفنانين المشاركين في تصميمه لفتت صقر إلى أن مصممي العمل اختاروا عدم الكشف عن أسمائهم بشكل متعمد، بهدف توجيه انتباه زوار المتحف إلى الحرفية الرائعة والفنية التي تتمتع بها المواهب السورية المبدعة، من خلال إخفاء الأضواء عن الهويات الفردية ليصبح العمل احتفالاً جماعياً بالمهارة الهائلة والإبداع الموجودين لدى الحرفيين السوريين في أي مكان وجدوا فيه.
وأشارت صقر إلى أن هذا العمل هو بمثابة تكريم للمواهب الاستثنائية وتفاني الحرفيين والحرفيات الذين دعموا هذه الحرف لأجيال متتالية من خلال إزالة التركيز على أسماء المصممين، والتركيز بشكل مباشر على جمال العمل والتراث الفني الغني الذي يمثله.