نشرت جريدة “الأخبار” حول استعدادات الطلاب للامتانات الرسمية تحقيقا جاء فيه:
قبل أقل من أسبوع على انطلاق الامتحانات الرّسمية لشهادة الثانوية العامة، في العاشر من الشّهر الجاري، قال 79% من تلامذة المدارس الرّسمية إنهم غير جاهزين للامتحان، فيما لم يبدُ طلاب المدارس الخاصة أفضل حالاً مع تأكيد 52% منهم عدم جهوزيتهم أيضاً.
النتائج التي توصلت إليها دراسة للمركز اللبناني للدراسات على عيّنة من تلامذة الرّسمي والخاص في مختلف المناطق كانت متوقعة في القطاع الرّسمي، بعدما استهلكت الإضرابات المطلبية للأساتذة 44% من العام الدراسي، أي 8 أسابيع تعليمية من أصل 18 أسبوعاً. ولكن، لماذا أكثر من نصف تلامذة القطاع الخاص غير حاضرين لإجراء الامتحان الرّسمي؟
يعيد الباحث الرئيسي في مركز الدراسات اللبنانية وجامعة كامبريدج محمد حمود الأمر إلى «الأعوام الدراسية السّابقة. فقد تعرقلت العملية التعليمية منذ عام 2019 لأسباب متعدّدة، منها جائحة كورونا، والوضع الاقتصادي والاجتماعي الذي تسبب بأزمات نزوح في السّنوات الثلاث الماضية؛ بدأت بنزوح من الخاص إلى الرّسمي في العام الدراسي 2020/2021، ثمّ هجرة معاكسة خلال السّنة الدراسية التالية، ما جعل التلامذة غير واثقين من مخزونهم العلمي».
ويلفت أساتذة استطلعتهم «الأخبار» إلى أن الخضوع للامتحان الرّسمي المقبل يعدّ التجربة الأولى لتلامذة لم يتقدموا لامتحانات البروفيه خلال العام الدراسي 2019/2020 بسبب جائحة كورونا. لذلك، يحسمون بـ«عدم استعداد تلامذة الشهادات الرّسمية للامتحان»، من دون ربط الأمر فقط بأحداث العام الدراسي الحالي وما شهده من إضرابات. فـ«التعليم عملية تراكمية، قُطّعت أوصالها خلال سنوات الأزمة». إذ إن أربع سنوات من دون تعليم منتظم أدّت إلى تراكم مجموعة ضخمة من الثغرات التعليميّة، يخشى الأساتذة تأثيرها الكبير خلال الامتحانات الرّسمية المزمع إجراؤها قريباً. و«زاد إلغاء شهادة البروفيه هذه السّنة المشهد سوءاً، فهناك تلامذة بروفيه لم يحضروا صفوفهم طوال السّنة، ولدينا اليوم في المرحلة الثانوية تلامذة مرفّعون تلقائياً من الصف الأول حتى العاشر»، ما يؤشّر لـ«مشكلة كبيرة على المستوى التعليمي السّنة المقبلة».
بالتالي، يتوقع الأساتذة «أن تكون نسبة النجاح عالية، والشهادة صورية»، إذ إن تخفيف نسبة النجاح عبر زيادة صعوبة الامتحانات «في الوضع الحالي، سيسبّب قلقاً لوزارة التربية هي في غنى عنه، ولا تريد تحمّل مسؤوليته».
أمام هذا المشهد، «لا تعويض حقيقياً للفاقد التعليمي، ولا خطط تربوية» يقول حمود، فـ«المشكلة سياسية ومالية بامتياز، ولا قرار بالمعالجة. وأشار إلى ما بيّنته الدراسة من استعداد 70% من التلامذة للالتحاق بالمدارس الصيفية لتعويض ما فاتهم، واصفاً هذه النّسبة بـ«الكبيرة والمفاجئة». وتعويض الفاقد التعليمي، «يتقاسمه التعليم الخصوصي، والمعاهد التدريسية الخاصة، والمنصات الالكترونية». إلا أنّ هذا التعليم طبقي أيضاً، إذ لا يستطيع أبناء الفقراء تحمّل كلفة التدريس الخصوصي بشكل عام، والذي تصل تكلفة الحصة فيه إلى 10 دولارات على الأقل. ومن يلجأ إلى المعاهد التدريسية لا يتابع منذ بداية العام بسبب التكاليف، بل بعد انتهاء العام الدراسي، ما يختصر دورها بالتحضير للامتحان الرّسمي عبر حلّ المطلوب والمكرّر من أسئلة الامتحانات الرّسمية.
75% من الأساتذة يخططون للسفر
انخفاض استعداد التلامذة للامتحانات يفقد عنصر المفاجأة عندما يُربط بالوضع العام للجهاز التعليمي. وفقاً لدراسات المركز، «73% من الأساتذة يواجهون مشكلة في دفع الفواتير بشكل عام. وتناهز قيمة فاتورتي الانترنت والكهرباء 139% من الدخل الشهري للأساتذة الذين يفكّر 73% منهم بترك قطاع التعليم، ويخطّط 75% منهم للسّفر بحثاً عن حياة أفضل». أمّا معدّل المدخول الشهري للمعلّمين هذه السّنة، فكان 131 دولاراً، فيما كلفة النقل للوصول إلى مراكز العمل تصل إلى 128 دولاراً.
كما أنّ مشكلة التلامذة لا تقتصر على سير العملية التعليميّة في المدارس، فالوضع الاقتصادي الضاغط على الأسر له تأثيرات سلبية أيضاً. «65% من الأهالي يلجأون إلى الاستدانة لتغطية نفقات تعليم أولادهم في المدارس الخاصة، و50% من الأهالي يفكرون بنقل أولادهم إلى المدرسة الرّسمية، ويواجه 92% منهم صعوبة في تغطية تكليف نقل أطفالهم إلى المدرسة». فيما تقلّص المدخول الشهري للأسرة اللبنانية بشكل كبير خلال سنوات الأزمة، ووصل معدله إلى 462 دولاراً شهرياً، مقابل 2355 دولاراً هو معدّل كلفة القسط المدرسي السّنوي للطفل الواحد في المدرسة الخاصة.