قدّمت “فرقة الكندي” مع الشيخ حامد داود و”دراویش دمشق”، على مدرجات “باخوس” في قلعة بعلبك، حفل إنشاد صوفي لامس الذات التوّاقة إلى الرحمة الإلهية، وذلك ضمن فعاليات مهرجانات بعلبك الدولية. في أمسية أرادتها اللجنة المنظّمة للمهرجان تحية إلى روح الموسيقي والملحن الفرنسي جوليان جلال الدين فايس، مؤسس الفرقة في حلب قبل نحو 40 عاماً، والذي أحيا حفلتين في بعلبك.
وأشار المهندس حماد ياغي باسم “لجنة مهرجانات بعلبك الدولية” في مستهلّ الحفل، الى أن “المبدع جوليان فايس أسس فرقة الكندي في العام 1983، وقد لقب نفسه منذ ذلك الحين جوليان جلال الدين فايس، واطلق هذه التسمية على الفرقة تكريماً وتيمناً بالفيلسوف العظيم وعالم الرياضيات والمنظِّر الموسيقي أبي يوسف الكندي، وبعد وفاه الفنان فايس عام 2015 استأنفت الفرقة مسيرتها الفنية بإدارة عازف الرق والإيقاع الاسكندراني عادل شمس الدين الذي حول النواة الاساسية للفرقة الأصلية فتشكلت فرقة جديدة ضمت الشيخ حامد داوود منشد الترانيم الصوفية الدمشقية من سورية، خديجة العفريت على القانون من تونس، زياد القاضي أمين على الناي من دمشق، محمد القادري دلال على العود من حلب، وانضم إلى الفرقة أيضاً المنشد ضياء داوود ومنشدون آخرون وثلاثة دراويش من الجامع الأموي في دمشق، ويحلّ هذا العام مطرب حلب الشهير عمر سرميني ضيفاً على هذه الأمسية”.
المحطة الأولى مع رفع الآذان وكأنك في رحاب المسجد الكبير في دمشق العتيقة، تلتها وصلة “حجاز” فصدحت في هياكل القلعة الصلاة الإبراهيميّة، وتردّد في أرجاء المكان اسم الجلالة الذي يسمو على المكان والزمان.
واختار الفنان حامد سليمان داوود في حفل إنشاده الصوفي باقة من قصائد وكلمات معبّرة بروحانيتها ومناجاتها وألحانها، متكئاً على ركيزتين، الأولى رصيد ورثه عن والده الذي تتلمذ على يد الموسيقار سعيد فرحات، المؤسس لرابطة المنشدين في دمشق بالتعاون مع عمالقة الإنشاد الديني والصوفي، إضافة إلى الركيزة الثانية المتعلّقة بعذوبة وصفاء ورونق خامة صوت المنشد، الحالم بالتقرّب إلى الله سبحانه، وهو الذي لطالما أكد أنّ “النفس البشرية تتوق على الدوام لكل ما هو أصيل وعريق”.
وتوالت الفقرات المترافقة مع الآهات وترديد عبارات الإعجاب والثناء بما قدّمته الفرقة من نتاجها: “إن جبرتم كسر قلبي”، “يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به سواك”، وصلاة وتسليم على الحبيب المصطفى، للفصل عن عزف إفرادي على آلة “قانون” وتريّة، تلتها مدائح وموشحات: “بحمدك يا إلهي بدأت قولي، أتيناك بالفقر يا ذا الغنى، صلاتنا على النبي الهاشميّ وطه النبي”.
وتخلل وصلة “سيكا” عزف إفرادي على “العود” والابتهالات والمدائح النبوية: “إلهي يا إله الكون، طلع البدر علينا، الصلاة على المظلل بالغمامة، وصلى الله على محمد”.
والختام مع وصلة “الرصد” ومن موسيقاها العزف على “الناي”، مع باقة من الأناشيد والمدائح، منها: “مالك الملك في يديك قيادي، المدد، ويا إمام الرسل يا سندي”.
وقد أجادت فرقة “الكندي” خلال أمسيتها الدمشقيّة والحلبية بامتياز، في أدائها الممتع لفن الإنشاد والموشحات والذِكر والابتهالات الدينية، بمرافقة آلات موسيقية تضبط النغمات وطبقات الصوت، ولا تكتمل المشهدية إلا برقصة “المولوية” التي هي بدورها من أساليب الطرق الصوفية التي ترنو إلى التّقرب من الله، والسمو بالروح والوجدان.
وكانت لجنة مهرجانات بعلبك الدولية قد افتتحت موسمها لهذا الصيف بحفل “باليه” على مدرجات معبد جوبيتر في قلعة بعلبك، للراقص الإيطالي المولد والعالمي الانتماء بفنه الراقي روبرتو بول، بحضور رسمي وديبلوماسي وفني لافت، حيث تحلق حول رئيسة لجنة المهرجانات نايلة دي فريج، تقدّمهم وزير الثقافة في حكومة تصريف الأعمال القاضي محمد وسام المرتضى وزير السياحة وليد نصار ممثلاً بجويل حجار، النائب ينال صلح، محافظ بعلبك الهرمل بشير خضر.
وفي أمسية تخللتها تسع لوحات “باليه” على أنغام روائع الموسيقى المختارة من مؤلفات كبار الموسيقيين أمثال استور بيازولا، لود فيج مينكوس، ويم مرتنز، سيزار بوجني، أزيو بوسو، كميل سان ساين، فرانك سيناترا، أليساندرو، ومجموعة فناني walkSound.
أما الكوريغرافيا فهي لكل من: ماسيميليانو فولبيني، ماريوس بيتيبا، باتريك دي بانا، ميشيل فوكين، تويلا ثارب. وصمم الرقصات كلود برومانشوف، فيليب كراتز، وماورو بغونزيتي.
وكانت البداية مع النجم الراقص روبرتو بول في اللوحة الأولى ALMA PORTENA وشاركته في قسمها الثاني الراقصة آنا تسيغانكوفا، ورافقهما عازف الكمان اليساندرو كوارتا.
وكرّت سبحة مشهدية “الباليه” الساحر مع “دون كيشوت” والفنانين ليودميلا كونوفالوفا وبختيار أدامزان.
والعرض الثالث تحت عنوان “الجامح” مع الثنائي روبرتو بول وترافيس كلاوس نايت.
وأدى لوحة “أزميرالدا” الفنانان يولاندا كوريا، وريكاردو كاستيلانوس.
وقد تألق روبرتو بول منفرداً بلوحة تحت عنوان “في عينيك السوداوين”.
ونالت الراقصة ليود ميلا كونوفالوفا إعجاب وحماس الجمهور، بتجيسدها “البجعة” العصيَّة على الموت.
وأدّى رقصة “جِناح سيناترا” الثنائي روبرتو بول وآنا تسيغانكوفا.
وقدّم الفنانان كاسيا فنغوشيا، وترافيس كلوزين كنايت رقصة ثنائية تحت عنوان: “أنا” بدا فيها تأثير الأتمتة التي تكاد تحول الإنسان المعاصر إلى ما يشبه “الروبوت”.
وتجلى الختام بإيداع من توقيع الراقص العالمي روبرتو بول، ورافقه عزفاً على آلة “سولو كمان” الموسيقي اليساندرو كوارتا، في لوحة “الكرة” التي تحاكي الكرة الارضية التي حاورها بلغة جسده، وأنهى المشهدية برفعها عالياً فوق هامته، مع مؤثرات صوتية رائعة لمصمم الإضاءة فاليريو تيبيري.
الفنان روبرتو بال الذي حرص على اختيار أصدقائه الراقصين بعناية، وُسِمَت مشاركته في مهرجان بعلبك ببصمة ماسيّة في سجله الفني، لا تعادلها كل الجوائز التي حصدها على كبريات مسارح العالم، وسيبقى يحنّ إلى مشاركات أخرى على مدرجات بعلبك.