تحتفل الولايات المتحدة يوم الثلاثاء بعيد ميلادها المقترن بنجاح الأميركيين في ثورة استقلالهم عن التاج البريطاني، في الرابع من يوليو بالعام 1776، بقيادة جورج واشنطن وبدعمٍ من جيش فرنسي قاده الجنرال لافاييت. ويترافق الاحتفال بهذه المناسبة مع شروخات وأزمات عميقة يعاني منها الآن المجتمع الأميركي. فهناك ازدهارٌ لظاهرة التسلّح الفردي في عدّة ولايات أميركية، ولممارسات عُنفية مختلفة الأسباب والأنواع. وقد بدأت الجماعات العنصرية تنتعش من جديد ضدّ الأميركيين الأفارقة، وهي عنصرية حاقدة تشمل الآن المسلمين والمهاجرين من أميركا الوسطى واللاتينية. وما حدث ويحدث من ممارساتٍ مشينة ضدّ المهاجرين غير القانونيين وأطفالهم لأمرٌ معيب لكلّ مواطنٍ أميركي يُدرك في كينونة نفسه أنّه هو أيضاً ينحدر من عائلة مهاجرة، وربما من أشخاص ساهموا في قتل أصحاب الأرض الأصوليين الذين اُطلق عليهم اسم “الهنود الحمر”!.
أميركا معنية الآن بوقف “الإزدواجية” في سياساتها الخارجية وبالعودة إلى خلاصات تجربتها في الثورة والاستقلال وبناء الأمّة الأميركية. فكيف يجوز لمن كانوا هم أصلاً من أتباع الجنسيات البريطانية والأوروبية أن يثوروا بانتفاضاتٍ مسلّحة على جيش التاج البريطاني فقط لأنّهم سكّان مستعمراتٍ تدفع الضرائب ولا تتمثّل في البرلمان البريطاني ولا تقرّر أمورها بنفسها، بينما تقف الإدارت الأميركية ضدّ حقّ الشعب الفلسطيني بتحرير أرضه وبمقاومة المحتلّ الإسرائيلي الإستيطاني؟!. الأميركيون الثائرون ضدّ التاج البريطاني كان يحقّ لهم عشيّة ثورتهم إتلاف حمولة باخرة الشاي البريطانية (من هنا جاءت تسمية “حزب الشاي”) وبمقاطعة البضائع القادمة من بريطانيا، بينما الكونغرس الأميركي ووزارات أميركية تُعاقب الآن من يقاطعون البضائع الإسرائيلية!.
الإدارات الأميركية بحاجةٍ إلى تفسير سياساتها خلال حقبة جمال عبد الناصر في مصر الخمسينات والستّينات من القرن الماضي، حينما كانت تعترض على دعم ناصر لشعب الجزائر في ثورته ضدّ الاحتلال الفرنسي ولشعب عدن ضدّ الاحتلال البريطاني وللشعب الفلسطيني ضدّ الغاصب المحتلّ الإسرائيلي، بينما لم تنجح الثورة الأميركية من دون دعم الفرنسيين والجنرال لافايت. أيضاً ما قامت به الولايات المتّحدة من تدخّلٍ عسكري في المستعمرات البريطانية في كندا لمساعدة الراغبين بالاستقلال عن التاج البريطاني!.
أميركا تمرّ الآن في محنة جديدة فيها مزيج من رواسب الماضي ومن المخاوف على المستقبل ومن سوء إدارة الحاضر. فأميركا تحتاج لوقفةٍ مع نفسها لمراجعة ما ساد من سياسات أوصلتها إلى منعطفٍ خطير يهدّد أمنها ووحدتها. فهناك ازدهارٌ لظاهرة التسلّح الفردي في معظم الولايات الأميركية، ولممارسات عُنفية مختلفة الأسباب والأنواع، كان أخطرها طبعًا في مطلع العام 2021 اقتحام مبنى الكونغرس من جماعات مؤيّدة لترامب ولكن لديها أجنداتها الخاصّة أيضًا. وهذه الجماعات العنصرية الحاقدة على الأميركيين الأفارقة وعلى المسلمين وعلى المهاجرين من أميركا الوسطى واللاتينية، لن تتنازل عن أجنداتها رغم رحيل ترامب من “البيت الأبيض”!.
إنّ مستقبل أميركا ووحدة مجتمعها ودورها العالمي هي قضايا مرهونة الآن بالوقفة الأميركية مع النفس على المستوين الشعبي والسياسي. فحجم الانقسامات في المجتمع الأميركي هو أكبر من مسألة خلاف بين حزبين. فهي انقسامات شاملة لمقوّمات الأمّة الأميركية بكل أبعادها الثقافية والعرقية والدينية.
أيضاً، فإنّ “واشنطن” كانت طيلة قرنٍ من الزمن طرَفٌ مباشر ومتدخّل في معظم القضايا والأزمات الدولية، وهي كانت في مطلع القرن الحالي الصانع للأوضاع العربية الراهنة، فهي بعدما ألغت في حقبة التسعينات مرجعية الأمم المتحدة للصراع العربي/الإسرائيلي وجعلت من نفسها المرجعية والحَكم، قامت واشنطن أيضًا في العام 2003 باحتلال العراق وبتغيير مصيره الوطني والسياسي تبعًا لذلك الاحتلال. وكانت واشنطن أيضًا، في العام 2010، وراء الاتفاق الذي أدّى إلى الاستفتاء على انفصال جنوب السودان عن شماله. كما كانت واشنطن طرفًا مباشرًا في ما حدث ويحدث في المنطقة العربية من حروبٍ إسرائيلية على لبنان والأراضي الفلسطينية، ومن تطوّرات سياسية وأمنية جذرية حدثت وتحدث في عدّة بلدانٍ عربية منذ اندلاع الانتفاضات الشعبية في مطلع العام 2011، والتي أفرزت فيما بعد الحرب على إرهاب “داعش”، الذي هو “إسلامي” في فضاء الإعلام، و”عربي” في الممارسات على الأرض!.
وقبل كلّ هذه القضايا المعاصرة، كانت واشنطن عرّاب الاتفاقات والمعاهدات التي حصلت بين مصر والأردن ومنظمّة التحرير مع إسرائيل، والضامن لاستمرار الحكومات والظروف التي تدعم هذه المعاهدات، والضاغط على كل الأطراف العربية لفرض التطبيع مع إسرائيل قبل انسحابها من الأراضي العربية المحتلة، وقبل قيام الدولة الفلسطينية المستقلة، وقبل الحلّ العادل لقضية اللاجئين الفلسطينيين!.
لكن بغضِّ النظر عن “الباطنية” التي تقف وراء المواقف المزدوجة للإدارات الأميركية، والتفسيرات السليمة لأسبابها، فإنَّ مشكلة أميركا في المنطقة العربية تحديداً ما زالت تتأزَّم حصيلة “ازدواجية” المواقف الأميركية في مسألة الصراع العربي/ الصهيوني. فحينما تعتدي إسرائيل على العرب والفلسطينيين، تجد واشنطن الأعذار المناسبة لهذا السلوك الإرهابي الصهيوني، لكن حينما يقاتل العرب والفلسطينيون جيش الاحتلال الإسرائيلي فإنَّ أميركا تتبنَّى فوراً مقولة إسرائيل بأنَّ مقاومة الاحتلال هي من الأعمال الإرهابية!.
وما زالت واشنطن تكرّر مطالبة السلطة الفلسطينية باتخاذ “كافَّة الإجراءات” لوقف العنف من جانب من يقاومون الاحتلال، بينما ترفض واشنطن اعتبار ما تقوم به إسرائيل إرهاباً أو مسؤولاً في الحدِّ الأدنى عن استمرار أعمال العنف في المناطق الفلسطينية المحتلة. فواشنطن تدعم التسميات الإسرائيلية التي جاءت في اتفاقيات أوسلو وما بعدها، بأنَّ الجيش الإسرائيلي يقوم بإعادة انتشار داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، ممَّا يعطي لإسرائيل “أحقيَّة” العودة إلى المناطق التي انسحبت منها كلّما أرادت ذلك.
فالمعايير العربية لكيفية رؤية التغيير الحقيقي بالسياسة الأميركية يتطلَّب من واشنطن أن تعود بسياستها إلى ما كانت عليه في حقبة الخمسينات من القرن الماضي، أيام العدوان الثلاثي (البريطاني والفرنسي والإسرائيلي) على مصر بعد تأميم قناة السويس، حيث كانت السياسة الأميركية (والمصالح الأميركية) ترفض العدوان على مصر وترفض احتلال سيناء والقناة مهما كانت الأعذار التي رفعها المعتدون، كما تفهَّمت واشنطن آنذاك حقَّ الشعب المصري بالمقاومة للاحتلال، والدعم العربي الكبير لهذه المقاومة.
أمَّا بعد حرب عام 1967، فقد تزاوجت المواقف الأميركية مع المواقف الإسرائيلية بحيث أصبح من الصعب الفصل بينهما في كثيرٍ من المحطات الزمنية على مدار أكثر من خمسين عاماً.
وأصبح زواج المواقف الأميركية والإسرائيلية هو مصدر “الازدواجية” في السياسة الأميركية بالمنطقة: مفهومٌ ومبرّرٌ أميركياً ما تقوم به إسرائيل، ومرفوضٌ ومدانٌ أميركياً ما تقوم به قوى المقاومة العربية! وحصيلة ذلك: كلّ أنواع الدعم الأميركي لإسرائيل مقابل عقوباتٍ وضغوطاتٍ على المقاومين العرب.
وما لم تدرك واشنطن أنَّ جذور أزمتها و”صورتها المشوَّهة” في المنطقة العربية تعود أولاً لهذا “الزواج الأميركي الإسرائيلي” منذ حقبة الستينات، فإنَّ كلَّ سياساتها تجاه القضية الفلسطينية، ستزيد الأزمة تأزّماً والنار اشتعالاً.
فجذور أزمة أميركا مع المنطقة لا ترتبط بحالةٍ دينية أو ثقافية، ولا أيضاً بطبيعة أنظمة أو حكومات، ولا هي حتما من إفرازات حركاتٍ أصولية هنا أو هناك .. وربَّما مشكلة أميركا أنَّها تدرك ذلك جيداً، لكنَّها تريد أن تقنع العرب بأنَّ مشكلتهم هي مع أنفسهم، فتريح واشنطن نفسها من عناء هموم “الانفصال المؤقت” عن الزوج الإسرائيلي وتجعل الحال العربي بعضه يمزِّق بعضاً !!
ولكي لا تتوه مراكب الوهم العربي كلَّما صدرت تصريحات شكلية إيجابية عن مسؤولين أميركيين بشأن “الدولة الفلسطينية”، فإنَّ وضع المعايير هنا يصبح كالبوصلة التي تحدّد الاتجاه الصحيح:
1- هل ستقبل واشنطن بالحدِّ الأدنى فيما نصَّت عليه الشرعية الدولية من رفض احتلال الأرض بالقوة، ومن حقّ الشعوب الخاضعة للاحتلال بمقاومة المحتل؟
2- هل تعتبر واشنطن أصلاً الأراضي العربية التي جرى احتلالها عام 1967 هي أراضٍ عربية محتلة أم أنَّ واشنطن تأخذ بالادّعاء الصهيوني في اعتبارها (خاصَّةً القدس ومناطق عدة من الضفة والجولان) “أراضٍ إسرائيلية محرَّرة” ؟!
3- هل تقبل واشنطن أن تكون الأمم المتحدة هي المرجعية الدولية أم تريد الانفراد بتحديد مفاهيم الصراع العربي/الإسرائيلي وبوضع جدولة أميركية لكيفية إنهاء هذا الصراع بغضِّ النظر عن اعتبارات الحقِّ والباطل، وعن التمييز الصحيح بين الظالم والمظلوم ؟!
هنا تقع الملامة أيضاً على من قَبِلَ من العرب بمرجعية واشنطن وحدها لمعالجة الصراع العربي الإسرائيلي، في وقتٍ لم تميِّز فيه واشنطن نفسها عن السياسة الإسرائيلية، خاصّةً لجهة كيفية رؤية الأراضي المحتلة ومدى حقّ الشعب الخاضع للاحتلال بأن يقاوم هذا الاحتلال ..
وإذا كان مفهوماً هذا الدعم الأميركي المفتوح لإسرائيل طوال سنوات الحرب الباردة، فما هو مبرّره منذ مطلع التسعينات؟ وما هو مبرّر استعداء حتى من كانوا أصدقاء أميركا في المنطقة خلال فترة الحرب الباردة بحيث أصبحت شعوب المنطقة العربية الآن موحَّدة في مشاعرها السلبية ضدَّ أميركا وإسرائيل رغم ما هي عليه من تمزّق وصراعات على أمورٍ عديدةٍ أخرى.
فواشنطن تكون مرجعية مقبولة حينما تكون حيادية في سياستها ومواقفها لا داعمةً للمعتدي ضدَّ المعتدى عليه.
والتمايز الأميركي الإسرائيلي الحاصل الآن هو تمايز في كيفية رؤية ممارسات المستوطنين اليهود تحديداً، وليس في رؤية حقوق الشعب الفلسطيني. فلم يظهر بعد أيّ تباينٍ بين أميركا وإسرائيل حول جوهر القضايا المرتبطة بالصراع، ولا حول كيفية رؤية المقاومين للاحتلال الذين ما زالوا بنظر واشنطن وتل أبيب معاً من الجماعات “الإرهابية” .. ولا أعتقد أنَّ المرحلة القادمة ستشهد تناقضاً بين المواقف الأميركية والإسرائيلية حول جوهر هذه القضايا بالرغم من أنَّ الخلافات الشكلية ستطفو كثيراً على السطح من أجل إقناع العرب والفلسطينيين بنزاهة وعدالة الموقف الأميركي!.
وقد يكون أجدى للعرب، ما دامت الحلول لا تأتي إلا “معلّبةً” من الخارج!!، أن ينقلوا معركة “النموذج المطلوب” إلى داخل الساحة الأميركية، أي أن يطالبوا واشنطن بالعمل على تطبيق “النموذج الأميركي” نفسه في المنطقة العربية.
فالتجربة التاريخية للأمّة الأميركية فيها الكثير مما تحتاجه الآن الأمّة العربية. وقد أخذت الدول الأوروبية بالنموذجيِّ منها فعلاً حينما تحرّرت من المرحلة النازية/الفاشية، ثمّ حين بنت مجتمعاتٍ قائمةً على أنظمة دستورية ديمقراطية، واتّجهت إلى التعاون والتكامل والاتّحاد أملاً منها بالوصول إلى حالة “النموذج الأميركي”، كأمّة موحّدة قائمة على ولاياتٍ متعدّدة ونظام دستوريّ ديمقراطي يحفظ اتّحادها.
العرب، أكثر من الأوروبيين، هم الآن بحاجة إلى خلاصات التجربة التاريخية الأميركية. فالأمّة الأميركية لم تكن موجودة أصلاً كأمّة قبل قيام الاتّحاد الدستوري بين ولاياتها الثلاث عشرة التي شكّلت انطلاقة الولايات المتّحدة الأميركية. وإذا كان بعض العرب لا يقبلون بمنطق وجود (أمّة عربية) لأسباب إقليمية أو أممية، فليأخذوا العبرة من نشوء الأمّة الأمريكية وتحوّلها إلى أقوى وأعظم أمم العالم المعاصر.
لكن في التجربة “النموذجية” الأميركية محطّات وخلاصات وأولويات من المهمّ التوقّف عندها:
أولاً – مرحلة التحرّر: إذ قبل أن تكون “أمّة أميركية” كانت مستعمرات يُشرف عليها التاج البريطاني ويعيش فيها مزيجٌ من المهاجرين الأوروبيين، وخاصّة أتباع الإمبراطورية البريطانية الناطقين باللغة الإنجليزية. فكان التحرّر من التاج البريطاني هو البداية العملية لنشوء الأمّة الأميركية، حيث اختار المستوطنون في المستعمرات الاستقلال عن بريطانيا وخاضوا حرباً شرسة من أجل انتزاع حرّيتهم تحت شعار: (عش حرّاً أو مت). إذن الأساس في النموذج التاريخي الأميركي هو الحرّية بالتخلّص من الاحتلال ومن الهيمنة الخارجية، وبأنّ مقاومة الاحتلال من أجل الاستقلال هي حقّ مشروع لبناء أمّة حرّة.
ثانياً – مرحلة البناء الدستوري: صحيحٌ أنّ التحرّر من الهيمنة البريطانية صنع “أمّة أميركية”، لكنّه لم يكن كافياً ليصنع “أمّة عظيمة” قادرة على النموّ والاستمرار والتقدّم. وصحيحٌ أنّ الثوّار المستوطنين قد قاوموا معاً جنود التاج البريطاني، ونجحوا معاً في حرب الاستقلال الأميركي، واتّفقوا معاً على العيش المشترك على الأرض الجديدة في إطار اتحادي جمع ثلاث عشرة ولاية، لكن الصراعات سرعان ما ظهرت بين بعض الولايات، وجرى التنافس على الحدود والمياه والأراضي والثروات الطبيعية .. إلى أن حصل مؤتمر فيلادلفيا صيف عام 1787 الذي جمع بين الممثّلين المنتَخبين عن الولايات من أجل بحث الخلافات والحدّ من الصراعات، فإذا به كمؤتمر يتحوّل إلى “معجزة”، حسب الوصف التاريخي الأميركي، لأنّه أنتج الدستور الأميركي وما فيه من رؤى ثاقبة لكيفيّة الجمع بين الحفاظ على الاتّحاد وبين البناء الديمقراطي السليم. وقد أصبحت الأمّة الأميركية مؤلّفة من خمسين ولاية تمتدّ من المحيط الأطلسي إلى المحيط الهادي. وهي ولايات غير متساوية في المساحات وعدد السكّان والثروات، لكنّها متساوية بالحقوق والواجبات تحت مظلّة الدستور. ورغم النواقص الكثيرة – بمعيار الحاضر- بما كان عليه الدستور عند إقراره من حصر حق الانتخاب بالرجال ومالكي الأرض، لكنّه ترك المجال مفتوحاً للتطوّر مع مرور الزمن وحدوث المتغيّرات، حيث خضع الدستور لعدّة تعديلاتٍ ضمنت مشاركة المرأة والحقوق المدنية والحرّيات العامّة للأميركيين عموماً.
ثالثاً – مرحلة الدفاع عن وحدة الأمّة: لم يكن البناء الدستوري السليم وحده كافياً لضمان وحدة الأمّة الأميركية. فعلى الرغم من عدم وجود “مؤامرات خارجية” أو “أجهزة أمنية أجنبية”، فإنّ الاتّحاد الأميركي هدّده خطر انفصال الجنوب عن الشمال، وحصلت الحرب الأهلية الأميركية عام 1864. ولولا هذه الحرب لكانت أميركا الآن “أميركيات” متصارعة، ولانتهت “الأمّة الأميركية” وهي في المهد.
***
هذا هو “النموذج الأميركي” المطلوب وليست أميركا العنصرية أو أميركا العدوانية أو أميركا الأمبراطورية المهيمنة على مشارق الأرض ومغاربها.
فلِمَ يحقّ لأميركا ما لا يحقّ لغيرها؟. لِمَ تُحرّم واشنطن أيّة مقاومة للاحتلال، وهي عاصمة تحمل اسم من قاد معركة المقاومة والاستقلال ضدّ الهيمنة البريطانية؟!.
إنَّ العرب يريدون لأمَّتهم ما أراده الأميركيون للأمَّة الأميركية من تحرر من الاحتلال والهيمنة الأجنبية والتكامل بين ولاياتها حينما تحرّروا من الهيمنة البريطانية، وما فعله الأوروبيون بعد ذلك في قارّتهم المليئة بالصراعات الدموية التاريخية وبالتنوّع الديني والإثني والثقافي. العرب يريدون لأمَّتهم تكاملاً بين أوطان الأمَّة الواحدة وتطويرَ صيغ العمل العربي المشترك وصولاً إلى النموذج الاتّحادي الأوروبي، إنْ تعذَّر الوصول الآن إلى النموذج الفيدرالي الأميركي. العرب يريدون في أمَّتهم تثبيت وحدة الأوطان ووحدة المواطنين ورفض أيّة دعواتٍ انفصالية أو تقسيمية في أيّ بلدٍ عربي.
2 يوليو/تموز 2023
* مدير “مركز الحوار العربي” في واشنطن