– كانت معركة ثأر الأحرار آخر المواجهات بين محور المقاومة وكيان الاحتلال، وربما كانت آخر محاولات جيش الاحتلال لاستعادة زمام المبادرة، والتصرف كطرف يصنع قرار الحرب ويملك له خطة بداية، ولا يستجيب لمفرداته من موقع ردّ الفعل، كما في المواجهات التي سبقت، والتي كانت معركة سيف القدس أبهى تجلياتها حيث البداية بقرار من المقاومة. وقد تمّت هذه المحاولة تحت مظلة أميركيّة وفّرتها زيارة مستشار الأمن القومي الأميركي جاك سوليفان الى تل أبيب غاضباً من الاندفاعة السعودية نحو سورية بعكس الرغبات الأميركية، والإعراب عن حاجة أميركيّة لفرملة صعود محور المقاومة لإعادة ضبط إيقاع أداء حلفاء واشنطن المتمرّدين على سياساتها، واعتبار عملية عسكرية ناجحة ينفذها جيش الاحتلال مدخلاً لتحقيق هذا الهدف، أسوة بما كانت عليه حرب تموز عام 2006، لكن على حجم أصغر ونطاق أضيق، لكنها محاولة لم يكتب لها النجاح رغم ما قيل عن مساعدة لوجستية واستخبارية قدّمتها واشنطن لتل أبيب في عملية اغتيال قادة الجهاد الإسلامي، وكان سبب الفشل في تكامل أركان محور المقاومة وتساندهم على خلفية نجاح حركة الجهاد في احتواء الضربة وتداعياتها، وإثبات قدرة سلاح الصواريخ على التعافي السريع وتجاوز آثار الضربة القاسية.
– منذ معركة ثأر الأحرار يحمل مشهد المنطقة مجموعة من العناصر المتفرّقة لمفردات المواجهة مع كيان الاحتلال، لكن استعراضها ورصفها معاً يقدّم صورة مختلفة، أشدّ وضوحاً، مضمونها أن محور المقاومة يعمل وفق خطة، من ضمنها العمليات المتلاحقة في أنحاء الضفة ضد جنود الاحتلال والمستوطنين، وتثبيت قدرة المقاومة في جنين ونابلس على الصمود، ورفع تدريجي لتظهير هذه القدرة، مرّة بالعبوات الناسفة المفاجئة التي تسبّبت بشلل قدرة المدرعات والآليات على التحرّك، وإصابتها بخسائر جسيمة، ومرة بظهور سلاح الصواريخ وقدرته على استهداف المستوطنات القريبة، وبدء ظهور مصطلح مستوطنات غلاف جنين، أسوة بمستوطنات غلاف غزة، والمقارنة بين غزة وجنين تعود لخبراء الكيان تعليقاً على ظهور العبوات، ومثلها المقارنة بين جنين وجنوب لبنان، وفي الحالتين مقارنة نحو التحرير، وتقارير جيش الاحتلال تتحدّث عن توقع ظهور سلاح المسيّرات في مواجهات مقبلة في الضفة الغربية، بعد حديثها عن تفكيك مصنع للطائرات المسيّرة في رام الله.
– على جبهة المقاومة في لبنان منذ معركة ثأر الأحرار أيضاً، التي أعلنت المقاومة خلالها أنها لن تتردد بالقيام بخطوة او بخطوات تفرضها الضرورة، كما قال الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، والخطوات المتلاحقة تقول إن ساحة الكلام لجيش الاحتلال، عبر التهديد بشن حرب متعددة الجبهات، والتلويح بضربات مؤلمة، بينما الأفعال للمقاومة، عبر مناورة العبور والرسائل التي حملتها، والمواجهات الشعبية على طول خط الحدود في مواجهات جرافات جيش الاحتلال، وصولاً لزرع خيام ثابتة للمقاومة في منطقة ومزارع شبعا ورفض إزالتها وما تسبّبت به لحكومة الكيان من إرباك، وتأتي السيطرة على طائرة مسيّرة لجيش الاحتلال التي أعلن عنها الإعلام الحربي مفردة إضافية في سياق واحد، ضربات متلاحقة على الرأس تمنع التركيز وتصيب بالتشوّش والتشتت والارتباك. والسؤال الذي يطرح داخل الكيان، لماذا التذكير مجدداً بقدرة المقاومة في مجال سلاح الدفاع الجوي، بينما تذكير في مكان آخر برمزيّة سلاح الصواريخ، بالتوازي مع تذكير في جبهتي لبنان وسورية والجولان والداخل المحتل عام 1948، بسلاح الحضور الشعبيّ لبيئات لم تكن تقليدياً من ساحات عمل المقاومة، وهل سوف يستمرّ هذا المنحى التصاعديّ، فيظهر صاروخ أشدّ تطوراً في الضفة يصل الى عمق الأراضي المحتلة عام 1948، وهل سوف تخرج طائرة مسيّرة من جنين تقصف في منشأة عسكرية حيوية في تل أبيب، وهل سوف يتم تفعيل الدفاع الجوي للمقاومة في لبنان لإسقاط طائرة حربية خلال غارة تستهدف سورية، وهل سوف يحمل العمل الشعبي عبر الحدود تحوّلات نوعية مقلقة يصعب وضعها تحت السيطرة أسوة بما سبق وجرى عام 2011 على حدود الجولان المحتل؟
– الأكيد أن انتقال المبادرة في المواجهة الاستراتيجية بين المقاومة وكيان الاحتلال لصالح المقاومة يتأكد كعلامة على التحول الاستراتيجي الأبرز في هذه المواجهة، وأن هذا التحول سوف يحمل الكثير من الوقائع الجديدة في الأيام المقبلة، وأن أي حماقة او تهور من جانب الكيان سوف يتسبّب بتسريع روزنامة هذا التحوّل، وربما بخروجه عن السيطرة.