وقفتَ ببابِ عنقاءِ المعاني عروبيَّ الملامحِ واللسانِ
وقلتَ له كلاماً ليس يعلو عليه الشِّعرُ، كالسَّبْعِ المَثاني
أتعلمُ يا ابنَ شِبلي أنّ هذا وإنْ ملأ الجَنانَ من الجِنانِ
أضاعَ العُمرَ يسألُ باحتراقٍ أموراً فوقَها غَبشُ الدُّخانِ؟
فكيف يبيعُ تِبْرَ القولِ.. حتى يُمَكَّنَ من رخيصِ الصولجانِ!
أليسَ الشِعرُ أبقى من عُروشٍ وأجملَ من حِليٍّ أو غَوانِ
أليس الشِعرُ أعلى من رؤوسٍ وإنْ رُفِعَتْ على أَلَقِ السِنانِ؟
ويَمْثُلُ.. ثم يُعطي وهو أولى بِمَجدٍ ليس تبلغهُ الأماني
يُقَرِّضُ مادِحاً هذا، ويهجو.. ويلهثُ بينهم أبدَ الزمانِ
أبو تمّامَ يتبعُ بُحتريّاً ويُبْلى بالتسَّوِّلِ شاعرانِ..
أهذا الشِعرُ؟ حتى لو تسامى! وصار النّقْشَ في ماسِ الأواني
أيمدحُ شاعرٌ مَلِكاً! وهذا بعيدٌ عن صَهيلِكَ أو حِصاني
أكافورٌ أحقُّ بما تَغنّى؟ ليهجوَهُ بألوانِ القيانِ؟!
تأرجحَ صاحبُ الإيقاعِ حتى هوى مثلَ الطّنينِ على الخُوانِ
فبئسَ الشِعرُ إنْ لم يأتِ فَجْراً ويشعلْ ألفَ شمسٍ في البَنانِ
ونِعمَ الشِعرُ يسري مثلَ وَحْيٍ بِصَحنِ الجَمْرِ، مَعتوقَ اللسانِ
ولو جاعَ الدعيُّ لقلتُ: عُذراً.. ولكنْ زَلَّ قلبٌ في الهوانِ
أضاعَ جُمانَهُ المصقولَ وَهْماً.. فماتَ البَرقُ في سُحُبِ الجَبانِ
فمَنْ يَترسَّمِ الآمالَ رُخصاً فقد ضاعت به طرقُ التّداني
ولو رَمَت العروسُ حَياءَ ثَوبٍ وَشرَّعتِ الثّمارَ لكلِّ جانِ
لألقاها الخلائقُ دون هَمٍّ وإنْ يكُ تاجُها فوقَ الحِسانِ
وليس يليقُ بالأشعارِ إلا إذا شَهَقت كأنْصالِ اليَماني
وأَرْعَدَ حدُّها المخضوبُ سَيلاً وأنصَفَت الكليمَ إذا يُعاني
سُجِنتَ كما سُجِنتُ؛ وظلَّ شِعرٌ يُثيرُ الخيلَ في ساحِ التفاني
ألستَ بشاعرِ الكَرَزِ المُدَمّى وَضَوَّعَ حَقلُهُ غابَ المغاني
أتقبلُ أنْ تكونَ ببابِ “عَبدٍ” وأنتَ الحرفُ في شَفةِ الأغاني؟
أراكَ قضيتَ عُمرَكَ في جحيمٍ ولم تخسرْ خيولكَ في الرّهانِ
وَعُدتَ ضفيرةً للضوءِ فينا وكنتَ الكَشْفَ في حَدَقِ البيانِ
ظلَلتَ الجرحَ يَرعَفُ في قيودٍ فحطَّمها الفؤادُ الأرجواني
ولم تحفلْ بقضبانٍ تصادت.. وهل قلتَ: الزمانُ بها رَماني؟
أتيتُكَ من قِبابٍ قد أُبيحَتْ.. فكان رصاصُ كفّي تُرجُماني
وجئتُ لأرْزَةِ الفينيقِ غُصناً يشعُّ بزَيتِهِ من “عسقلانِ”
وأحملُ رِمشَ “حيفا” وهي تبكي على حَبَقِ الشهيدِ السِندياني
ووجهي بعضُ “يافا”، غيرَ أنّي أراهُ في البعيدِ ولا يَراني
ونِصْفي تاهَ في الدنيا، وصدري دَريئةُ مَن تَهيّأ للطِعانِ
وما للقدسِ قنطرةٌ وطيرٌ.. ودربُ مَسيحِها ألمٌ وَقانِ
ولا قمرٌ يُضَفْضِفُ في رؤاها لأنّ أَسيرَها عَارٍ وَعانِ
ولكنّي سأبقى في بلادٍ تُعيدُ حكايةَ السَبْعِ السِّمانِ
أردُّ عن السنابلِ ما اعتراها، من “النقبِ” البهيجِ إلى “الّلدانِ”
فليس لها سوى البركانِ نَشْراً يُعيدُ ربيعَها قبلَ الأوانِ..
لسانٌ واحدٌ في فِيكَ حبر أزاحَ الحَبْسَ وابنَ الطيلسانِ
لسانٌ عارِفٌ يكفي لنبقى على وَتَرِ المعارِجِ في الكمانِ
عَفَوتَ عن العقودِ السُودِ صَفْحاً وثمةَ ليلُ سجنٍ واليدانِ
تَدُقّانِ الحنينَ بلا صَغَارٍ وسامحتَ البَغيَّ الهرمِزاني
فهل لي أن أُسامحَ مَن تلقّى على قتلي التحيةَ والتهاني؟
تقولُ: بأنّ سجّاني سيمضي .. وأعلمُ أنّ وجهَ الموت فانِ
ولكنّ الذي حرقوا زهوري أشقائي.. وقد شقّوا رَّواني
وصافحَ أخوتي الأعداءَ ذُلاً فما لشتاءِ روحي من جِفانِ
لسان الغيب عدت به هديلاً وجسرا يُرتَجى للأصفهاني
ولم تَخنَس لصمتٍ في الزوايا ولم تَرْجُ الظلامَ الأفعواني
طيورُ اللّهِ تعرفُ كيف تغدو وتعرفُ قمحَها دونَ الزّوانِ
وتجعلنا نُحلِّقُ دون حدٍّ ونخلقُ بيْدَراً فوقَ المكانِ
وإنْ جُعنا ستُطعِمُنا دِماها فأجملُها طيورُ البيلَكانِ
أُحبُّ أبا المُحَسَّدِ يا ابن أمي وأربأُ أنْ يُطاوِلُه لساني
دُهِشتُ! فقد تفرّد في المرايا وراقص ماءَه في الخيزرانِ
وأرّخ مشهداً؛ مِلْحاً وشَهداً وَضجّ مُقَطَّراً بالعُنفوانِ
ولو أبقى القَصيدَ لِخافقيهِ وحَقِّكَ ما لهُ في الكونِ ثانِ
* ربما لا أستطيع الحضور والمشاركة بسبب عدم إصدار التأشيرة، للأسف الشديد، وعليه أتمنى أن تصل تحيتي لكم، وثمّة قصيدة مهداة لشاعرنا الفذ عمر شبلي.