من يتابع الإعلام (الإسرائيلي) وتصريحات المسؤولين في حكومة الاحتلال يشعر وكأنّ الحرب على الأبواب، وفي أجواء حرارتها المرتفعة، حيناً على غزة وحيناً على الشام وحيناً ثالثاً على لبنان، ولكن في أكثر الأحيان على إيران الذي تروّج (إسرائيل) أنه قاب قوسين أو أدنى من امتلاكها للقنبلة الذرية التي تمثل تهديداً وجودياً لها، وذلك برغم إصرار طهران على أنّ مشروعها لن يصل الى تلك المرحلة بناء على فتوى المرشد. آخر هذه التصريحات النارية كان أول أمس، وعلى لسان رئيس الحكومة في جلسة البرلمان (الكنيست) التي قال فيها إنه أبلغ الإدارة الأميركية برساله تقول إنّ حكومتة لن تلتزم بأيّ اتفاق تعقده واشنطن مع طهران وإنّ من حق (إسرائيل) اتخاذ ما يلزم من إجراءات لحماية نفسها، و(إسرائيل) – والقول لا يزال لنتنياهو – ترى في إيران القوة الجديدة التي ورثت العالم العربي في عداء دولته، وإنّ 90% من مشاكلهم الأمنية مصدرها إيران وأذرعها التي تمثل تهديداً وجودياً.
في جانب ثانٍ من المشهد، فالإدارة الأميركية تخوض حروبها التي أصبحت تتجاوز في أهميتها حربها مع إيران، حربها مع روسيا على الأرض الأوكرانية ومع الصين في بحر الصين الجنوبي وتايوان، وبناء عليه بأنها تحتاج الى تهدئة مستوى اشتباكها في جبهات عديدة، ومنها جبهة إيران، لذلك أصبح حوارها مع إيران ضرورة سواء حول الملف النووي أو حول غيره إنْ استطاعت، وهي حاجة أميركية ملحّة أكثر منها حاجة إيرانية. فقد فشلت أساليبها عبر ما يزيد عن أربعة عقود في تطويع إيران ولم تُجْدِها سياسة الحصار بقدر ما أفادت إيران التي اضطرت الى تحديث وتطوير حاجاتها، بسبب ذلك الحصار، ومع مستجدّات وباء كورونا ثم الحرب الروسية الأوكرانية. وهذا ما كان على رأس اهتمامات السلطان العُماني في زياراته لطهران بتكليف من واشنطن، كما في الحوارات الجارية في فيينا برعاية وكالة الطاقة الذرية.
في جانب ثالث من المشهد تُبدي إيران ارتياحاً لافتاً لوضعها برغم مناخات الحرب التي تحاول (إسرائيل) نفثها بالجو، ولا يبدو أنها تلقي لها بالاً او اهتماماً. فالرئيس الإيراني المطمئن والمرتاح يقوم بزيارة طويلة نسبياً الى ثلاث دول في أميركا اللاتينية ويستقبل بحفاوة ويوقع مع حكوماتها عشرات الاتفاقيات في مجالات شتى. إيران اليوم ليست إيران الأمس التي كانت تتوق لتوقيع الاتفاق النووي الذي كان سيخرجها من الحصار وبعض أزماتها، لكن الحصار اليوم أصبح كلامياً ونظرياً وتمّ تجاوزه عملياً إن بسبب الحرب الروسية الأوكرانية وارتفاع أسعار النفط والغاز وإن بسبب تبادلاتها التجارية التي لم يعد كثير منها يعتمد على الدولار، كما في المصالحة مع السعودية التي يبدو أنها تتجاوز السياسة للاقتصاد والتنمية وتنسيق السياسات النفطيّة، وقد عرقلت هذه المصالحة شيئاً من اندفاع دولة الإمارات والبحرين في مسارات التطبيع مع (إسرائيل)، أما اتفاقياتها الاقتصادية مع الصين فقد قاربت 450 مليار دولار. تجربة العراق وليبيا ماثلة في العقل السياسي الإيراني، وبالتالي لن تقدم إيران على تحطيم إنجازاتها النووية من أجل الحصول على شهادة حسن سلوك من واشنطن والغرب تجعلها منزوعة القوة وتكون نهاياتها على غرار العراق وليبيا.
هل تريد (إسرائيل) الحرب؟ الجواب نعم، فهي جيش يملك دولة ولا دولة تملك جيشاً، لكنها تدرك تمام الإدراك انّ أيام انتصاراتها السريعة والمضمونة قد ولّت إلى غير رجعة، وهي وإنْ كانت تملك أسلحة تدمير وفتك متفوّقة تجعلها قادرة ربما على توجيه الضربة الأولى والمؤلمة إلا أنها تدرك أنها لا تستطيع احتمال ما سيجري في اليوم التالي الذي سيكون أكثر إيلاماً لها. ما يبدو أنّ (إسرائيل) حتى الآن تريد نشر أجواء الحرب لتحصل على أثمان من حلفائها أكثر مما تريد الحرب حقيقة. تريد تحسين العلاقات المتردّية بين رئيس حكومتها والإدارة الديمقراطية في واشنطن، وتريد مزيداً من الدعم المالي والعسكري وتطوير القبة الحديدية، وتريد غطاء سياسياً دولياً لعدوانها على القدس ومقدّساتها وعلى الضفة الغربية التي تلتهمها استيطاناً ومصادرة وكان أول مظاهر دفع واشنطن لبعض الثمن عندما أعلنت حكومة الاحتلال عن بناء 4570 وحدة إسكان استيطانية على أراضي الضفة الغربية، وجاء الردّ الأميركي باهتاً، واشنطن تشعر بالامتعاض حسب البيان الرسمي الصادر من واشنطن، أنها أجواء حرب وليست الحرب التي لا يستطيع أحد أن يجزم إن كانت ستقع أم لا…
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*سياسيّ فلسطينيّ مقيم في الكفير ـ جنين ـ فلسطين المحتلة.
(البناء)