محمد شريف نصور
باحث في الشؤون الصهيونية
نصف قرن من الزمن واللّاءات السورية في وجه سياسات الهيمنة والعدوان الأميركية لازالت مستمرة، بل ثابتة ولن تتغير في ظل هيمنة العقل الصهيوني وسيطرته على السياسات الخارجية للولايات المتحدة الأميركية، منذ عام 1973 بوجود اليهودي الصهيوني هنري كيسنجر على رأس وزارة الخارجية الأميركية، وصولاً الى تصريحات اليهودي الصهيوني انتوني بلينكن في 9/6/2023 وما بينهما، تجاه المنطقة العربية خصوصاً، لاّن الوقائع والأحداث أثبت ان الولايات المتحدة الأميركية تُنفّذ السياسات الصهيونية الإسرائيلية في المنطقة العربية، القائمة على الاحتلال والتوسع والعدوان وفرض هيمنتها على الدول العربية، وكل سياساتها الخارجية والعسكرية والإقتصادية هي في خدمة ومصلحة الكيان الصهيوني أو ما يسمى بدولة (اسرائيل).
واللّاءات السورية الثابتة والتي لم تتغير هي خاصة بسورية، ولا علاقة لها باللّاءات العربية التي تبناها مؤتمر القمة العربية في الخرطوم 29 آب عام 1967 والتي تحولت إلى نعم بعد أن تم تفريغها من مضامينها وخضعت الى متغيرات كثيرة ورضخت الى المطالب الصهيونية التي نفذتها وأدارتها وهندستها وزارة الخارجية الأميركية من توقيع إتفاقية كامب ديفيد بتاريخ 17 ايلول عام 1978 بين الرئيس المصري انور السادات ورئيس الكيان الصهيوني مناحيم بيغن بحضور ومباركة الرئيس الأميركي جيمي كارتر.
ثم إتفاقية أوسلو بين الكيان الصهيوني ومنظمة التحرير الفلسطينية في 13 أيلول من العام 1993 بتوقيع ياسر عرفات، ورئيس وزارء الكيان الصهيوني اسحق رابين وحضور الرئيس الأميركي بيل كلينتون ثم اتفاق وادي عربة بتاريخ 26 تشرين اول بين الملك حسين بن أبيه ملك الاردن ورئيس حكومة الكيان الصهيوني برئاسة اسحق رابين بحضور الرئيس الأميركي بيل كلينتون..
وجميع تلك الاتفاقيات او المعاهدات رفضتها سورية ؛ لانها تجد فيها انتقاصاً من سيادة الدول العربية الموقعة لمصلحة الكيان الصهيوني (اسرائيل).
ولم تتمكن الولايات المتحدة الأميركية رغم كل الضغوطات التي مارستها على الجمهورية العربية السورية بقيادة الرئيس الراحل حافظ الأسد ترهيباً او ترغيباً أن تحقق أي تحولٍ او إختراقٍ أو مكسبٍ، لمصلحة الكيان الصهيوني أو ما يسمى دولة (إسرائيل ) لأن سورية حتى الآن لم تعترف بـ(إسرائيل).
ولا زالت الجمهورية العربية السورية ثابتة على مواقفها حتى الآن من الكيان الصهيوني وممارساته العدوانية والاحتلالية والعنصرية، (لأن الصراع مع إسرائيل صراع وجود لا صراع حدود).
فكانت الحرب الإره*ا*بية العدوانية الكونية على سورية في آذار عام 2011
لضرب سورية وتدميرها وتقسيمها بقيادة الولايات المتحدة الأميركية وأدواتها الغربية والعربية لتنفيذ المشروع الصهيوني وتحقيق حلمه ومصالحة بالهيمنة والسيطرة على الوطن العربي كاملاً وليس فقط الحلم التوراتي المزعوم (حدودك يا إسرائيل من الفرات الى النيل ).
لكن اللًاءات السورية كانت بقيادة السيد الرئيس بشار الأسد وتضحيات وانتصارات الجيش العربي السوري وصمود أبناء سورية المخلصين ألأوفياء، كانت اللًات الخاصة بنا أقوى وأشد وأكثر ثباتاً وتمسكاً بالسيادة والوحدة الوطنية،وتحرير الأراضي المحتلة، واستعادة الحقوق المغتصبة.
هذه اللًاءات الوطنية السورية المقاومة، شكلت هزيمة للسياسات الخارجية العدائية للولايات المتحدة الأميركية ومشروعها الصهيوني منذ أن حاول تجاوزها وتطويعها وترويضها وتسويفها داهية الدبلوماسية الأميركية وزير خارجيتها وثعلبها، اليهودي الصهيوني هنري كيسنجر الذي عبّر عن عجزه وهزيمته وفشل سياساته ومرواغاته أمام ثبات ومصداقية ومبدئية الرئيس الراحل حافظ الأسد عندما جاء الى سورية بعد إنتصارات حرب تشرين التحريرية عام 1973 ليخوض جولاته المكوكية بعد حرب الإستنزاف في العام 1974 للحصول على موافقة عقد اتفاقية صلح أو استسلام مع الكيان الصهيوني ( اسرائيل). لكن هذا لم يتحقق، وفشلت جميع محاولاته وأساليبه أمام ذكاء وجبروت وثبات ووطنية ومبدئية الرئيس الراحل حافظ الأسد.
وقد إعترف هنري كيسنجر وزير الخارجية الأميركية السابق بهذا الفشل الذي أسماه هزيمة وقهر، في تصريح لصحيفة نيويورك الأميركية،
“ان حافظ الأسد هو الشخص الوحيد في العالم الذي هزمني وقهرني”.
وقال كيسنجر في حديث لمجلة نيوزويك الأميركية بعد وفاة القائد المؤسس لسورية الرئيس الراحل حافظ الاسد في 20 حزيران من العام 2000.
تناول فيها موقف القائد المؤسس من التوقيع على معاهدة السلام المزعومة ( كامب ديفيد ) عام 1978 بانه اتصل بالرئيس حافظ الأسد
وقال له :
“ليس امامك خيار الآن، وعليك ان تفعل الشيء نفسه الذي فعله السادات “.
فردّ الأسد قائلاً..
“انت مخطئ، لقد فشلتم في فيتنام، وسوف تبيعون تايوان،.. وسنظل باقون عندما تبيعون (إسرائيل)”.
تلكم هي اللّاءت الوطنية القومية المبدئية لسورية الأسد التي إستمرت وحافظت على نقائها وازدادت قوة ومناعة في وجه كل التحديات والويلات والحروب التي صنعها الغرب والصهيونية العالمية تجاه سورية لثنيها وتراجعها عن مواقفها المبدئية والثابتة في الصراع العربي الإسرائيلي.
كما اعترف كيسنجر بالتخطيط للحرب الكونية العدوانية على سورية فيما يسمى ( الربيع العربي ) ورضوخ سورية لتوقيع اتفاقيات استسلام واذعان مع الكيان الصهيوني (اسرائيل).
بعد ضربها وتقسيمها وتدمير قوتها الحصينة من الداخل بالإعتماد على الخونة والعملاء والحركات المرتبطة بالمشروع الصهيوني وبخاصة حركة ( الإخوان المسلمين) وقدّم كيسنجر اقتراحاته وحلوله لأجهزة الإستخبارات الأميركية والغربية الدائرة في الفلك الصهيوني، وقال بالنسبة لسورية ( فإن الحل يكمن في إختراقها من الداخل، واضاف كيسنجر “لقد اعتقدنا ان الرئيس حافظ الأسد قد نفى جميع الأغبياء خارج بلاده، لكن لحسن الحظ مايزال هناك الكثير منهم ويمكن الإعتماد عليهم”.
لقد كان كيسنجر ودوائر الاستخبارات المركزية والموساد الصهيوني يراهنون على عدد من الخونة والعملاء، أمثال عبد الحليم خدام، ورياض حجاب، ونعسان آغا ومعاذ الخطيب وغيرهم ممن باع وطنه وشارك التنظيمات الاره*ابية في خراب وتدمير وطنه، مقابل حفنة من الدولارات والوعود الكاذبة والفشل الذريع الذي انتهى بانتصار سورية بفضل صمود الشعب وتضحيات جيشه الأبي الحصن المنيع لسورية، وقيادة السيد الرئيس بشار الأسد الحكيمة في مواجهة هذه الحرب الكونية وكان الرئيس بشار الأسد شكل ولازال يشكل صمام الأمان الذي صان وحافظ ودافع عن مبادىء سورية ووحدتها الوطنية وسيادتها وعزتها وكرامتها، وحافظ على اللّاءات السورية الخاصة بها والتي تميزها عن الدول الأخرى، ب لاءات الرفض للتطبيع مع الكيان الصهيوني ولا للتقسيم ولا للتفريط بذرة تراب واحدة من أرض الوطن، ولا للتخلي عن السيادة ولا لتقسيم الشعب وبيعه في سوق النخاسة الدولية والجغرافية السياسية، وكل هذا تحقق ايضاً بفضل تلاحم والتفاف الشعب والجيش حول قيادة الرئيس بشار الأسد، وهذا مادفع كيسنجر في حديثه لصحيفة نيويورك..
بالاعتراف بقوة اللّاءات السورية وفشل سياسات الهيمنة والعدوان الصهيو غربي على سورية خلال الحرب الكونية…بالقول :
“أكثر ما أثار دهشتي هو محبة الشعب السوري للرئيس الأسد الأبن ووقوفهم معه “.
واليوم… وبعد اثني عشر عاماً من الحرب الكونية، على سورية، وفرض العقوبات وتشديد الحصار الإقتصادي على الشعب السوري وتعليق عضوية سورية في الجامعة العربية، والضغط على ملف اللاجئين السورين الذين تم تهجيرهم من ديارهم بقوة السلاح والإره*اب، والوعود الكاذبة من المنظمات الدولية الإنسانية أو الأممية، اليوم أدركت الانظمة العربية التي انخرطت في مشروع الحريق العربي، بأنها أخطأت بحق سورية، وارتكبت ابشع الأفعال تجاه دولة عربية شقيقة دافعت عن قضايا الأمة مجتمعة، وبأن الولايات المتحدة الأميركية اخطأت في كل حساباتها السياسية والعسكرية والاقتصادية تجاه سورية والدول العربية، بعد الصراعات والتحولات الدولية والأقليمية التي كان لها تداعيات خطيرة ولازالت بانتظار المزيد، من الحرب الروسية الاوكرانية الغربية، الاطلسية الى الصراع مع الصين بخصوص تايوان، الى ظهور المنظومات الأقتصادية العالمية الكبرى وظهور اقطاب عالمية جديدة وكبرى للتخلص من الهيمنة والغطرسة الأميركية، الى ماشهدته ولازالت تشهده منطقتنا العربية، حيث تتعاظم قوة المقاومة للمشروع الصهيوأميركي في فلسطين، واليمن، والسودان، اضافة الى ملفات اخرى.
كل هذه العوامل وغيرها دفعت المملكة السعودية وغيرها من انظمة دول الخليج وبعض الانظمة العربية الى ضرورة العودة عن قراراتهم ومواقفهم السابقة الخاطئة بحق سورية
فكانت دعوة المملكة العربية السعودية للجمهورية العربية السورية الى حضور مؤتمر القمة العربية 32 في جدة، بداية ومحاولة من بعض الانظمة العربية الخروج من تحت المظلة الكاملة للولايات المتحدة الأميركية وسياساتها القطبية الواحدة،باتجاه الانفتاح على تلك المتغيرات المحلية والاقليمية والعالمية وان المقاطعة التي فرضتها الأنظمة العربية طيلة اثني عشر عاما على سورية ولا زالت تفرضها الولايات المتحدة الأميركية على سورية، كلها لم تحقق لهم شيئا ولا مصلحة لا في الاستراتيجيا ولا في التكتيك.
بل العكس، ان الشعب السوري ازداد تمسكاً واصراراً وقوة بلاءاته ومواقفه ووطنيته التي لم يتخلى عنها، وشاركت سورية بحضور مؤتمر القمة العربية دون ان تتنازل عن مواقفها ومبادئها وسيادتها الوطنية وحافظت على لاءاتها الرافضة للتطبيع مع الكيان الصهيوني او التخلي عن ذرة تراب واحدة والحفاظ على السيادة والوحدة الوطنية وعودة اللاجئين السوريين والإستمرار بمكافحة الإره *اب.
هذه ثوابت سورية الوطنية دفعت الولايات المتحدة الأميركية الى اتخاذ ذات المواقف العدائية بحق سورية، عندما حضر وزير خارجيتها الصهيوني اليهودي انتوني بلينكن الى الرياض وعقد اجتماعا مع وزراء دول مجلس التعاون الخليجي، يومي الثامن والتاسع من هذا الشهر السادس 8/6/2023 و9/6/2023 وعبّر عن عدم رضاه وانزعاج الولايات المتحدة الأميركية من حضور سورية وعودتها الى الجامعة العربية بكافة مؤسساتها وهي لم تننازل عن مواقفها الوطنية واللّاءات التي تمثل ثوابت سورية التي قالتها لكيسنجر ثم شولتز، ثم مادلين اولبرايت ثم كولن باول ثم كونداليسا رايس، ثم هيلاري كلينتون ثم جون كيري ثم سمعها هو ورئيسه بايدن، قال بلينكن عن عودة سورية للجامعه العربية :
“إن عودة سورية للجامعه العربية غير مستحقة”.
لكن الأهم ما تم التصريح به في هذا المؤتمر الصحفي الذي جمعه مع وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان في 9/6/2023 واعترف بكل وقاحة وعدوانية…
“لن نطبع مع الأسد ونظامه لأنه لم ينفذ ويحقق المطلوب منه “.
ان هذا التصريح العدواني لوزير الخارجية الأميركي بلينكن، امام العالم وبخاصة امام وزراء مجلس التعاون الخليجي يثبت بلا أدنى شك، وهم يعرفون هذا، ان ماحدث في سورية، عام 2011 لا علاقة له بكذبة ودعاية وتضليل مايسمى ثورة مزعومة أو حرية او مطالب شعبية، وإن كل ماحدث في سورية كما اعترفت به هيلاري كلينتون هو مؤامرة وعدوان وحرب على وجود سورية ومواقفها وثوابتها، وكان على وزراء خارجية مايسمى مجلس التعاون الخليجي لو كان لديهم احساس بعروبتهم وانتمائهم الى أمتهم او اوطناهم ان يعبّروا عن استنكارهم وتنديدهم لتصريحات بلينكن لأن ماحدث لسورية قد يحدث لأية دولة خليحية أذا رفضت المطالب الأميركية.
وتصريح بلينكن هو التصريح ذاته في مضمونه الذي قاله كيسنجر ثم ما قاله كولن باول عام 2003 عندما جاء الى دمشق وطلب من سورية الاسد تغيير مواقفها.
وهي المواقف ذاتها التي طلبها ولازال يطلبها كل وزراء خارجية دولة الاره*اب العالمية والعدوان والاحتلال، الولايات المتحدة الأميركية، وفي مقدمة هذه الطلبات ان تتنازل سورية عن سيادتها وقضاياها الوطنية والقومية والتخلي عن حقوق الشعب الفلسطيني وان توقّع اتفاقات ذليلة وناقصة مع الكيان الصهيوني، ولو ان سورية قامت بالتوقيع على أيّة اتفاقية مع مايسمى دولة ( اسرائيل ) لما حدث الذي حدث في سورية عام 2011 وحتى الان لو ان سورية توافق على طلبات الولايات المتحدة الأميركية، لا سمح الله، فان كل ما هو موجود على الجغرافية السورية لن يبقى موجوداً وستنتهي الحرب عليها وستصبح سوريا ( أفضل دولة ديموقراطية في العالم العربي على النمط الإميركي).
لكن سورية، شعباً وجيشاً وقيادة لن تتنازل عن مواقفها الوطنية والقومية الثابتة والمبدئية، وان الصراع مع الكيان الصهيوني ( اسرائيل ) هو صراع وجود لا صراع حدود..