تشير العلاقات السعودية – السورية إلى أن العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية بين المملكة العربية السعودية والجمهورية العربية السورية, البلدين المركزيين في الشرق الأوسط ما برحت متقلبة منذ زمن طويل بسبب الأحداث الكبرى في المنطقة. وقد تدهورت إثر الحرب الأخيرة، حيث قررت المملكة العربية السعودية آنذاك الى قطع علاقاتها الدبلوماسية مع سورية بعد أن قررت إغلاق سفارتها في دمشق عام ٢٠١٢.
ولكن لنسترجع لمحة تاريخية عن العلاقات بين البلدين لا شك في أنها كانت العلاقات بين البلدين تتسم بالاضطراب منذ نشوئها كدول عصرية، وتحديدًا ما بين الأربعينيات حتى الستينيات من القرن الماضي .
افتتحت بعثة سورية في المملكة العربية السعودية في عام 1941. ويقال إن الملك عبد العزيز آل سعود دافع عن استقلال سورية ولبنان من كل من السلالة الهاشمية والانتداب الفرنسي. وقابل الملك شكري القوتلي، الرئيس الأول لسورية المستقلة، في 17 شباط 1945 في الفيوم مصر، وكان كلا البلدين عضوين مؤسسين لجامعة الدول العربية التي أنشئت في عام 1945.
أيدت المملكة العربية السعودية الانقلاب الذي وقع في سورية على يد أديب الشيشكلي في كانون الأول 1950. ومع ذلك فإن السعودية وسورية كانتا في معسكرات متنافسة في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي نتيجة لسياسات زعيم مصر جمال عبد الناصر آنذاك والحرب الباردة. لقد دافعت سورية عن سياسات ناصر وكانت حليفة عربية رئيسية لاتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية، بيد أن المملكة العربية السعودية كانت من بين معارضي سياسات ناصر وكانت قريبة من الولايات المتحدة. وفي أعقاب حكم حزب البعث في سورية في عام 1963، أصبحت العلاقات الدبلوماسية متوترة مرة أخرى. وفي 23 شباط 1966، استولى فصيل يساري من حزب البعث، اسمه البعث الجديد، بقيادة صلاح جديد، على الحكومة، مما زاد من إلحاق الضرر بالعلاقات وأصبحت أكثر تعقيدًا .
أما من السبعينيات حتى الثمانينيات من القرن الماضي، وفي نهاية شباط 1970، أطيح بقيادات البعثيين الجدد، وأصبح الراحل حافظ الأسد حاكماً لسورية، وجرى فتح وتجديد المفاوضات الدبلوماسية بين البلدين، وبدأت العلاقات تزداد تحسناً.
وقبل ثلاثة أشهر من الهجمات المشتركة بين القوات المصرية والقوات السورية على القوات الإسرائيلية في سيناء ومرتفعات الجولان، زار الرئيس المصري محمد أنور السادات والرئيس السوري حافظ الأسد الملك فيصل في الرياض في آب 1973. وقد زار الملك فيصل بدوره دمشق في عام 1974 .
وقد أدى تحالف سورية مع إيران خلال الحرب العراقية الإيرانية مرة أخرى إلى توتر العلاقات اذ قام الرئيس السوري حافظ الأسد بزيارة هامة إلى الرياض في 22 كانون الأول 1981، وعندما أصبح فهد بن عبدالعزيز آل سعود حاكم المملكة العربية السعودية في عام 1982، أقام رابطاً خاصاً مع الأسد واستمرّ طوال حكمه. وفي 1989، دعا كلا البلدين بقوة إلى اتفاق الطائف الذي أعاد إرساء النظام السياسي في لبنان وإنهاء الحرب الأهلية.
ولكي لا نستطرد طويلًا في شرح تفاصيل العلاقات الثنائية بين البلدين لندخل من باب القمة العربية الأخيرة التي عُقدت في جدة برئاسة الامير محمد بن سلمان والتي اعتبرت هذه القمة بمثابة نقطة انطلاق لمسيرة نهضوية عربية وإسلامية، بمشاركة سورية بعد إعادة ترميم العلاقات الثنائية بين الجانبين. فلننطلق من كلام الأمير محمد بن سلمان في أحد المؤتمرات العربية حيث شدد على حلمه الذي يسعى الى تحقيقه بنقل منطقة الشرق الاوسط الى رحاب التقدم والتنمية والازدهار وقال حرفياً “أنا أعتقد ان أوروبا الجديدة هي الشرق الأوسط”.
المملكة العربية السعوديه سوف تكون مختلفة تمامًا في السنوات المقبلة في ظل حكم الأمير محمد بن سلمان، حيث نرى اليوم تغيرات جذرية في طريقة التعاطي وآلية الحكم إضافة الى المشاريع الاستثمارية الكبرى المستقبلية التي وضعها بن سلمان على خريطة التنفيذ بغية نقل المملكة الى طليعة الصدارة في قيادة العالم العربي، كما ويسعى الامير بن سلمان الى جعل منطقة الشرق الاوسط منطقة نموذجية في الإعمار والتنمية.
لذلك بدأ الأمير بن سلمان بالمرحلة الاولى والجديدة في تعزيز وتطوير التعاون الخليجي، خلال ترؤسه القمة الخليجية الـ ٤٣ والتي أسهمت في تعزيز العلاقات الاستراتيجية لمجلس التعاون الخليجي إقليميًا ودولياً وتسريع وتيرة مسيرته في المجالات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية والسياسية مرورًا بالعمل على ضرورة إيجاد حل عادل ودائم للقضية الفلسطينية وفق قرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية، إضافة الى تكريس الجهود الدولية الهادفة للوصول الى حل سياسي للنزاع في اليمن، لذلك فتح الأمير بن سلمان قنوات التواصل وإعادة ترتيب العلاقات مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية بغية الوصول الى تحقيق الهدف في إرساء دعائم الاستقرار والسلام داخل اليمن والمنطقة بشكل عام.
وفي وسط هذه الجولة من رؤية الامير بن سلمان وإستراتيجيته تجاه المنطقة نجد الرئيس الاسد صامدًا لا بل واضعًا كل إمكاناته من انتشال منطقة الشرق الاوسط من وحول الإرهاب والتطرف والاقتتال والدمار الى ربوع الأعمار والإنتاج. وهذا ما اكده الرئيس الاسد في كلمته امام قادة العرب في القمة العربية على ضرورة استغلال هذه الفرصة التاريخية لإنقاذ المنطقة العربية والاستغناء عن الغرب بتحقيق الاكتفاء الذاتي الذي تتمتع به دول المنطقة والخليج من موارد طبيعية وأدوات صمود وتحدّ، لذلك أعتقد ان “الكيميا” بين الامير بن سلمان والرئيس الاسد “ركبت” فيما يخص العلاقة بين الرجلين. وبالتالي تبيّن أن هنالك نقاطاً مشتركة وقوية لا بل تجانس بين رؤية الامير بن سلمان وطموحاته المستقبلية حول وضع المنطقة، وافكار الرئيس الاسد في صقل نقاط القوة الاقتصادية والاستراتيجية والامنية بين الدول العربية كافة.