نظّمت الجمعية اللبنانية لعلم الاجتماع نشاطًا علميًا تفاعليًا لاستكشاف وضع العلوم الاجتماعية وتعليمها في كل من الجزائر ولبنان، بالشراكة مع المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في بيروت، ومركز “فاعلون” في الجزائر.
عقد اللقاء في فرع المركز العربي في بيروت، وتضمّن حلقة نقاشية بعنوان “تدريس العلوم الاجتماعية في العالم العربي – لبنان والجزائر أنموذجًا”، وشارك فيها عدد من أساتذة الجامعات والباحثين من لبنان والجزائر، من خلال أوراق بحثية، استعرضت واقع العلوم الاجتماعية في جامعات البلدين الوطنية، إضافة إلى تحديد المسار العام لدور المؤسّسات التعليمية التي تعنى بنقل المعارف في مجال العلوم الاجتماعية، ووظيفتها المرجوّة. وهدف اللقاء إلى تشكيل منصّة للحوار ولتبادل الخبرات، كما لتطوير الخطط القابلة للتنفيذ بين الطرفين، بغية النهوض بعلم الاجتماع في ظل التحدّيات القائمة.
افتتح الندوة الدكتور خالد زيادة، مدير المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في بيروت، مؤكّدًا على أهميتها التي تأتي بالتشارك مع الجمعية اللبنانية لعلم الاجتماع، في مبادرة أولى تهدف إلى تعزيز التعاون في إنتاج الأبحاث في العلوم الاجتماعية.
وعرّف زيادة في معرض حديثه بمنشورات المركز العربي، التي تشتمل على مروحة واسعة من الكتب التي تُعنى بالعلوم الاجتماعية والإنسانية، إضافة إلى الدوريات المحكّمة والمتميزّة التي تتناول مواضيع مختلفة في علم الاجتماع والعلوم الإنسانية والتاريخ والسياسة، وخصّ منها بالذكر دورية “تبين”، و”عمران”، و”سياسات عربية”، و”استشراف” و”حكامة”.
وألقى المشرف العام لمركز “فاعلون” كلمة افتتاحية مبتدئاً بإلقاء التحية من بلد المليون ونصف المليون شهيد، بلد الكفاح ضد الاستعمار والإمبريالية، وعرّف بمركز فاعلون وبرؤيته وفلسفته في العمل، مشيرًا إلى أنّه جاء كحاجة ملحّة نتيجة لتلبية حاجات الباحثين الشباب في الجزائر، من أجل إيجاد فضاء للنشاط خارج الأطر الأكاديمية التقليدية ـ والتي تتميّز نوعًا ما ببعض البيروقراطية الصلبة قليلاً والتي يصعب خلالها لكثير من الباحثين أن يتحرّروا من خلالها من أجل النهوض حسب بوطقطوقة. أمّا في ما خصّ رؤية مركز فاعلون، فتتمحور حول السعي لاستكمال النقائص الموجودة في الجامعات، من خلال التركيز على أربعة مسارات أساسية: البحث العلمي، والنشر العلمي المحكّم، وتكوين وتأهيل الباحثين الشباب وطلبة الدكتوراه، والتشبيك.
من جهته أعرب رئيس الجمعية اللبنانية لعلم الاجتماع الدكتور علي بزّي عن أهمية هذا اللقاء من منطلقه الشخصي كما المؤسّسيّ، لافتًا إلى أنّ الجمعية اللبنانية لعلم الاجتماع، هي مؤسّسة علمية ثقافية، تهدف إلى تحقيق النهوض بعلم الاجتماع، والإسهام في تطوير المعرفة العلمية في لبنان، وتشجيع البحث والباحثين في المجالات الاجتماعية المختلفة ـ والإسهام في فهم البناء الاجتماعي ودينامياته المختلفة، لا سيما في لبنان، من خلال الدراسات والأبحاث النظرية والتطبيقية. إضافة إلى العمل على تكريس علم الاجتماع في لبنان بصفته اختصاص ومهنة، يتمتعان بالاستقلالية والقدرة على فهم التحوّلات والقضايا التي تواجه المجتمع. مع التأكيد على إقامة صلات علمية ومهنية وثيقة بين علماء الاجتماع في لبنان والخارج ومع الهيئات العلمية المعنية في العلوم الاجتماعية والإنسانية الأخرى، بما يمكنهم من التفاعل الإيجابي والتعاون مع أقرانهم في المحيطين العربي والدولي.
كما أكّد دكتور بزي على أهمية الدور الذي يقوم به المركز العربي للأبحاث في مجال البحث، وما ينتجه من دراسات متميزّة في مجالات متنوّعة من العلوم الاجتماعية والإنسانية.
بناء على رغبة الجمعية اللبنانية لعلم الاجتماع ومركز فاعلون في الجزائر، في توثيق وتوطيد علاقات التنسيق والتعاون بينهما في مجالات التعليم والتكوين والبحث العلمي والدراسات والاستشارات وتنفيذ وتقويم المشاريع والبرامج المتعلّقة بمجال تخصصهما، وإدراكاً منهما لأهمية مثل هذا التعاون الذي يحقق منفعتهما، ويحقّق أهدافًا محلية ووطنية عامّة، وقعّ الطرفان اتفاقية تعاون تضمّنت أربعة عشر بندًا تمحورت حول التعاون والتنسيق بينهما.
بموجب هذه الاتفاقية يعمل الطرفان على المشاركة في التفكير والتخطيط والتحضير والإشراف على النشاطات والأعمال والاستراتيجيات التي من شأنها البحث العلمي في الجزائر ولبنان، كما يعملان على تبادل المعلومات والآراء، وكل ما من شأنه المساهمة في إنجاح هذا الأمر. ويشارك الطرفان في إجراء البحوث العلمية والمشاريع والبرامج المرتبطة بالمجالات المشتركة، وإصدار المطبوعات والدوريات، كما تبادل الكتب والمطبوعات والدوريات العلمية ونتائج البحوث ذات العلاقة بمجال عملهما، كما يتعاونان على تسهيل مهمّة الباحثين منهما لاستخدام المرافق العلمية الموجودة لديهما، حسب ما تسمح به قوانين وأنظمة وتعليمات كل طرف. ويسعى كل من الطرفين، إلى إيجاد تمويل للمؤتمرات والنشاطات العلمية المتعلقة بالقضايا ذات الاهتمام المشترك.
وقد رأس وأدار الجلسة الأولى الدكتور علي الموسوي من لبنان، وتمحورت حول تدريس العلوم الاجتماعية في الجزائر، وتضمّنت الجلسة عرض أوراق بحثية من كل من الدكتور مبروك بوطقطوقة بعنوان “60 سنة من تدريس العلوم الاجتماعية في الجزائر”، وقدّم الدكتور ساعد همّاش ورقته بعنوان “كرونولوجيا تدريس علم الاجتماع في الجزائر”. أعقبه الدكتور يمين رحايل من خلال ورقة بعنوان “رؤية نقدية عن تدريس المنهجية في العلوم الاجتماعية”، واختتمت الجلسة الأولى بكلمة للدكتور فؤاد نوار عن “تجربة التكوين في الأنثروبولوجيا والعلوم الاجتماعية في الجزائر”.
ورأس وأدار الجلسة الثانية الدكتور جيلالي المستاري من الجزائر، وتناولت تدريس العلوم الاجتماعية في لبنان، فركزت فيها عميدة معهد العلوم الاجتماعية في الجامعة اللبنانية الدكتورة مارلين حيدر على “البين – مناهجية في البرامج والتدريس الأكاديمي في معهد العلوم الاجتماعية”، بعدها قدّمت الدكتورة مها كيال “قراءة نقدية على المناهج في معهد العلوم الاجتماعية”. أمّا الدكتورة هلا عواضة فعنونت ورقتها بـ “جردة سوسيو تاريخية لمعهد العلوم الاجتماعية في الجامعة اللبنانية”، بعدها قدّم الدكتور فداء بو حيدر مداخلة بعنوان “العلوم الاجتماعية، مقاربات نظرية في بعض أزمات لبنان”، واختتمت الجلسة الثانية بمداخلة للدكتور علي بزي عن “تعليم الأنثروبولوجيا في لبنان ومعهد العلوم الاجتماعية بشكل خاص”.
في ختام الحلقة النقاشية، وضعت التوصيات بإجماع من المشاركين، وتضمّنت السعي لتنفيذ النقاط الآتية:
1- القيام بنشاطات من شأنها التطوير المعرفي، من خلال تبادل المعلومات والآراء وذلك عبر تشكيل لجنة مشتركة لمتابعة تنفيذ الخطط المقترحة والعمل على إشراك هيئات علمية من بلدان عربية.
2- الاتفاق على تبادل الخبرات اللازمة وإجراء الدراسات والأبحاث وتنظيم الندوات المشتركة حول القضايا ذات الاهتمام المشترك.
3- تبادل الدوريات العلمية والمطبوعات ونتائج البحوث ذات العلاقة في مجال العلوم الاجتماعية.
4- تعزيز القدرات البشرية ودعم البحث العلمي من خلال البحث عن مصادر تمويل مختلفة.
5- العمل على إعداد وتحضير نشاطات مشتركة من مؤتمرات وندوات حول قضايا تمسّ المجتمعات العربية.
تجدر الإشارة إلى أنّه جرى بث فعاليات اليوم التفاعلي مباشرة عبر منصّات وسائل التواصل الاجتماعي، الخاصة بالمركز العربي. واختتم اليوم التفاعلي بحفل غداء في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في بيروت.