– الاحتفال النوعي الذي نظمته المقاومة بدعوة من العلاقات الإعلامية في حزب الله واللقاء الإعلامي الوطني بمناسبة عيد المقاومة والتحرير سوف يبقى موضوع دراسة وتمحيص وتدقيق في دوائر القيادة في كيان الاحتلال، بعيداً عن الضجيج الذي سوف يحاول إثارته بعض اللبنانيين عبر محاولة زج المناورة في لعبة الزواريب اللبنانية، التي أتقنت المقاومة منذ نشأتها النأي بنفسها عنها، والالتزام بالبقاء درعاً وحصناً لحماية لبنان بوجه تحديات الاحتلال وعدوانيته، لتكون سنداً وحامياً لكل اللبنانيين ليمارسوا حياتهم الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، من مخالفيها ومؤيديها على السواء، بما في ذلك ممارسة البعض لهذا الحق في تصعيد خطابه المناوئ للمقاومة.
– العنوان الأول الذي سوف يتوقف أمامه قادة الكيان، أن المناورة التي تضمنت تنظيم نماذج رمزية عن أعمال قتالية، ليست عرضاً لأسلحة، بل لمشاة البر في المقاومة وفي طليعتهم وحدات النخبة من قوة الرضوان، تحت عناوين تكتيكية واضحة من تسمياتها في المناورة، عبور الجدار، اقتحام مستعمرة، أسر جنود، تجاوز الشريط، هي إعلان الانتقال في رسم سقف المواجهة، من اعتبار التوازن الناري أساساً والعبور إلى الجليل فرضية، الى جعل هذا العبور أساساً، والدعم الناري عنصر إسناد لهذا الهدف.
– العنوان الثاني تقديم نماذج عن تقدم نخبة المقاومة على جيش الاحتلال بخطوات في تكتيكات حروب مشاة البر، ومنها خصوصاً عامل الوقت، فكل عملية تكتيكية من العمليات التي نفذتها وحدات المقاومة الرمزية كانت مرسومة بطريقة تقول إنها عندما تكون في ظروف حرب طبيعية فلن تتجاوز بضع دقائق، والسقف هو خمس دقائق. هكذا كانت علمية الأسر وعملية اقتحام مستعمرة وعملية اختراق الجدار، والوقت كان حاضراً أيضاً في بلوغ المدى صفر بين نهاية القصف المدفعي والصاروخي التمهيدي لكل عملية وبين تقدّم مشاة البر، بينما يقع هذا المدى الزمني بين هاتين الخطوتين العسكريتين في أي هجوم لدى أفضل الجيوش، بين دقيقتين وسبع دقائق، وقد شاهدنا المشاة يتقدّمون ويقتحمون بينما القصف التمهيدي مستمر ومتواصل بدقة متناهية على بعد أمتار من المهاجمين، وكان هذا مصدراً للإبهار، والإبهار ملازم لتجربة المقاومة منذ النشأة وهو أحد أسلحتها في الحرب النفسية.
– يعرف قادة الكيان أن الإعلاميين والقادة السياسيين الذين احتشدوا لمتابعة المناورة، على بُعد مرمى حجر من حدود لبنان مع فلسطين المحتلة. وهذا يعني أن المقاومة ليست آبهة بكيف سوف يتصرّف الكيان وجيشه تجاه هذا الاحتشاد الذي كان قادة عسكريون وسياسيون كبار من المقاومة في طليعته، بل إن المقاومة واثقة أن الكيان سوف يتصرف كما يجب أن يتصرف كل مردوع تجاه هذا الحدث. وبالتوازي شاهد قادة الاحتلال العسكريون والأمنيون كيف أن هؤلاء الذين تابعوا المناورة كانوا عسكرياً جزءاً منها، لوجودهم على مسافة مئتي متر من خط النار، وهي مسافة محرّمة في المناورات، ولذلك تكون المراقبة من مسافة كيلومتر على الأقل في حالات مشابهة لاستخدام النيران ويزوّد المتابعة بمناظير يتابعون من خلالها، وكانت القذائف الصاروخية الثقيلة تسقط على مسافة خمسمئة متر من الحضور، وليس فقط على مسافة أمتار من المقاتلين المشاركين في العمليات التكتيكية، وهذا يعني أن المقاومة أرادت أن تقول إنها واثقة من دقة نيرانها ورماتها، والقناصة بعض مهم منهم، وأن رماة مدفعيتها وصواريخها قناصة مهرة أيضاً، وأن التدريبات قد انتهت، والثقة مطلقة لحد اليقين، بالجاهزيّة لنقل المشهد من الرمزية إلى المعركة الفعلية.
– لقد حشدت المقاومة أكثر من ألف من مقاتلي نخبتها وعشرات الضباط القادة في هذا العرض، لمعارك رمزية عنوانها الميداني اقتحام مستعمرة وتدمير مئة متر من الجدار وأسر جندي، ويستطيع قادة الكيان تخيّل معنى مئة عملية مشابهة يوم العبور، ولكن تحت نيران أسلحة مختلفة وطائرات مسيّرة مختلفة، وآليات عبور مختلفة، وفي ظل تساقط حمم الصواريخ الدقيقة على عمق الكيان، في كل مرة يريد قادتها التحدث عن حرب على جبهات متعددة، أو عن تهديد لبنان بالحرب، أو تهديد المقاومة بتغيير موازين الردع، وفوق كل ذلك عندما تفكر بالعبث بضوابط وضع القدس والمسجد الأقصى، وقد صار ثابتاً في حسابات المقاومة، أنه من الخطوط الحمراء التي يشكل تجاوزها مصدر خطر لحرب إقليمية، أظهرت المواجهات السابقة أن احتمال تحرّك كل الجبهات خلالها أمر مؤكد.
– تأتي رسالة المقاومة على خلفية المتغيرات الجارية في المنطقة، لتمنح هذه التحولات فرصة أن يقرأها الآخرون بصورة صحيحة، فالانفراجات والتهدئة مصطلحات تطال النزاعات البينية في البيئة التي تشكل السند الطبيعيّ لشعب فلسطين ومزقتها الألاعيب الغربية وربيعها، وفتاوى الفتن المذهبية، وهلوسات التطبيع، وهذه الانفراجات وهذه التهدئة إعلان إغلاق لهذه النوافذ التي كان يدخل منها الريح الأسود، أما المواجهة مع كيان الاحتلال فلا علاقة لها بمعادلات التهدئة، بل الجهوزية والاستعداد للمزيد من مراكمة القوة، في رسالة واضحة لشعب فلسطين عنوانها، لستم وحدكم.