د.عادل عامر*
يعتبر موضوع القيم ودورها الاجتماعي وكذا التطرق إلى أهم العوامل المؤثرة فيها، وتركيز الاهتمام على أهمية ووظائف القيم ودورها في الوقاية من المشكلات الاجتماعية والنفسية. لأن القيم هي بمثابة “الميثاق الأخلاقي” لأي مجتمع من المجتمعات أو أي نظام من الأنظمة الاجتماعية، إذ على أساسها تحدد الأسس والمعايير وتقام العلاقات…الخ.
والقيم هي ضرورة اجتماعية ملحة لترابط وتماسك أفراد المجتمع وانضباطهم وتنظيمهم، كما أنها وسيلة للتقارب والتفاعل بين الأفراد خاصة في المجتمعات الإسلامية.
لأنها تستند على مبادئ وتعاليم الدين الإسلامي الذي يحث على القيم المحمودة ويدين القيم المذمومة وغير الأخلاقية التي تساهم بشكل أو آخر في إفساد وانحراف الأفراد وخاصة الشباب منهم. أن الصفات التي تقود المجتمعات، ويُقَيَّم بها الأفراد، وبها يتميز مجتمع عن مجتمع آخر، من ناحية تقدمه أو تأخره، هي الصفات المجتمعية العامة، وليست الصفات الخاصة للفرد.
ومن هنا، فإن مقياس التقدم للمجتمعات إنما ينبعث من نوعية الصفات العامة المجتمعية، وليس من الصفات الشخصية الفردية لأفرادها.
إن الفرد ما هو إلا صنيعة مجتمعه. يمكن هنا أن نضرب مثلا بسيطا لتوضيح هذه الحقيقة. احترام الوقت، وحب إتقان العمل، قيمتان عاليتان، لهما فضل كبير في تقدم المجتمعات في الغرب والشرق الأقصى. نجد مثلا، أن الفرد في اليابان، أو في دول الغرب الصناعي يحافظ على تلك القيمتين، ويكاد يعدهما غاية في ذاتهما؛ تجده دقيقا في مواعيده،
كما تجده من جهة أخرى، يتقن ويتفانى ويخلص في أداء عمله. من ناحية أخرى، تجد أن الفرد الشرقي، والعربي منه بالذات، على تفاوت بين الأقطار العربية، لا يشكل احترام الوقت عنده أي قيمة، لا من ناحية الدقة في المواعيد،
ولا من ناحية استغلاله؛ كما تجده من جهة أخرى، لا يتقن أعماله الموكلة إليه، خاصة عندما يكون موظفا أو أجيرا، سواء في قطاع عام أو خاص، وتراه يتهرب من الدوام نفسه، ويتصنع الأعذار تلو الأعذار للتأخر عن الحضور للعمل، أو للغياب التام، وهكذا.
هنا، عندما نريد أن نقيم أسباب تقدم وتأخر ذينك المجتمعين، لا نعزو تقدم المجتمعات الغربية، ومجتمعات الشرق الأقصى، إلى تفوق الطبائع البيولوجية لأفرادهما؛ وبالمثل، لا نعزو تأخر المجتمعات الشرقية إلى انحطاط طبائع أفرادها البيولوجية؛
بل يجب أن نعزو ذلك إلى الفرق في نوعية القيم المجتمعية التي غرسها كل مجتمع في نفوس أفراد. وباختصار، الفرق يكمن في الثقافة المجتمعية، التي تدعم الإتقان والجد واحترام الوقت هناك، وتدعم عكسها، من سوء الإنتاج، والكسل، وعدم احترام الوقت هنا.
لم تتقدم دول الغرب والشرق الأقصى لأن أفرادهما ولدوا محبين للعمل، محافظين على الوقت، كما لم تتأخر دول الشرق لأن أفرادها ولدوا كارهين لإنجاز الأعمال بكفاءة، غير محافظين على الوقت؛ بل إن الإنسان هنا هو الإنسان هناك، والفرق يكمن في نوعية البنية الثقافية المجتمعية التي تسير الفرد هنا وهناك. مما لا شك فيه أن أهم مقومات تحقيق مشروع التنمية المستدامة في أي مجتمع وفي الوطن العربي والإسلامي بالذات هو التسلح بالقيم الأخلاقية الصحيحة والإيجابية النابعة من التعاليم الدينية السمحة لبناء اقتصاد إسلامي أساسه الواقع العقائدي والإيماني لهذه الأمة،
والذي يجب أن يترجم إلى سلوكيات فردية وجماعية تخدم بفعالية حاجاتها وتستجيب لطموحات الأفراد والمجتمع على حد سواء.
في هذا السياق، نتسأل من خلال هذا المقال عن المحددات الفعلية لمنظومة القيم الأخلاقية التي يمكن أن تسود في المجتمعات العربية والإسلامية اليوم، والتي يمكن أن نواجه بها أثار العولمة والغزو الثقافي المفرط-لاسيما عند الناشئة-بطريقة موضوعية وفعالة،
لذلك تسعى کليات التربية إلى المحافظة على مقومات الشخصية الوطنية في إطار من الانفتاح على معالم الثقافات والحضارات الأخرى،
مما قد يُلقي مزيدًا من المسئوليات على کليات التربية والتي ينبغي أن تُعنى بتحمل مسئولياتها وتبعاتها في إكساب طلابها المعارف والمهارات والقيم الاجتماعية التي تُسهم بشکل کبير وفاعل في تنمية شخصية معلمي المستقبل بمنهجية شاملة ومتکاملة ومتوازنة،
من خلال إثراء بيئات التعلم الجامعية بالقدوة والنموذج الصالح وتحسين الممارسات الحقيقية للقيم الاجتماعية في المواقف الاجتماعية المتنوعة
من خلال سلوكيات القيادة الجامعية الواعية وممارسات أعضاء هيئة التدريس، وممارسة الأنشطة الترويحية والاجتماعية القادرة على تحسين قدرات طلاب کليات التربية على التواصل الاجتماعي، والمشارکة الفاعلة في تطوير وتنمية المجتمع وممارسة العمل الخيري والعمل التطوعي النافع،
مما قد يُسهم بشکل واضح في تحسين ممارسات معلمي المستقبل الاجتماعية والتربوية والتدريسية والتنموية والإرشادية
ومن ثم جودة العملية التعليمية وجودة الحياة؛ ولذا فإن البحث يستهدف الکشف عن أهم القيم الاجتماعية المقترحة التي يمکن تنميتها لدى طلاب کليات التربية لمواجهة أهم المتغيرات المجتمعية الراهنة.
تُعد القيم عنصرا رئيسي في ثقافة أي مجتمع، كما أن لها دوراً محورياً في توجيه سلوك الإنسان وضبطه وتحريك دوافعه نحو الأفعال والسلوكيات التي يؤديها في الوسـط الاجتماعي الذي يعيش فيـه ويتنقـل بـين ربوعه؛ ولذلك فإن منظومة القـيم فـي أي مجتمع تُسهم بشكل كبير وفاعل فـي بنـاء شخـصية الإنـسان فـي أبعادهـا الثقافيـة والاجتماعية والمعرفية والحضارية والفكرية.
وبناء على ذلك فإن كـل فـرد فـي المجتمع معني باكتساب وتمثل منظومة فاعلة للقيم قادرة على تنظـيم حياتـه وتطويرهـا وجعلها ذات معنى وغاية، على أن يتم ذلـك في ضوء ثقافة المجتمع ومعتقداتـه؛ ولـذلك يزداد الاهتمام ببناء وتنمية القيم الاجتماعية في وجدان وعقول الأفراد والطـلاب، لأن تمثل منظومة القيم الاجتماعية يدعم تماسك المجتمع وترابطه ويسهم في توحيد آمالـه وآلامه وتنظيم أداءات أفـراده الاجتماعيـة والتربوية والاقتصادية حاضر ا ومـستقبلًا، وتعد القيم الاجتماعية كذلك جزءا أساسـيا من منظومة القيم السامية التي تتكون مـن خلال ثقافة المجتمع وعقائده، ولذلك فهـي تُكتسب خلال عمليـات التربيـة والتعلـيم والتنشئة الاجتماعية وغيرها؛ كما أنها تُمثل معايير واضحة للحكـم علـى سـلوكيات ومواقف الآخرين.
وتُعنى التربية الحديثة بتنمية الأفراد تنمية شاملة ومتكاملة ومتوازنة في الجوانب الروحية والجسمية والاجتماعيـة والعقليـة والانفعالية والمعرفيـة وغيرهـا، كمـا أن العملية التعليمية في حقيقتها تعتمد على بناء وتنمية القيم؛ لأنها تُؤسس الطلاب على بناء اختيارات وتفض يلات بين العلوم والمعارف والأخلاقيات والسلوكيات المتنوعة باختلاف المتغيرات التي تُتاح للطلاب فـي مراحـل التعليم المختلفة، مما قـد يـنعكس بـشكل واضح علـى احتـرام هـؤلاء الطـلاب للمعتقدات والضوابط والأعراف الاجتماعية والقوانين التي تحكم سلوكياتهم وتوجهـاتهم داخل مجـتمع هم؛ ولـذلك تظـل البـرامج التربوية والمناهج التعليمية في مرحلة تطوير مستمر في المدارس بغية تحـسين برامجهـا وتطوير مناهجها وطرائق التدريس المتبعـة فيها؛ لكي تتلاءم مـع طبيعـة المتغيـرات الاجتماعية والعلمية والاقتصادية والتكنولوجية المتسارعة، والتي تُؤدي بدورها إلـى زيـادة تشابك وتعقيد الصلات الاجتماعية والعلاقات القائمة بين أعضاء مجتمعات التعلم والعمـل ومواقف الحياة المتنوعة والتي يسعى الأفراد للتعامل معها جميعاً داخل المجتمع الواحد.
وبالرغم مـن بنـاء الفـرد وتـشكيله لمنظومته القيمية في المراحل التعليمية التـي تسبق الالتحاق ب الجامعة، غيـر أن مرحلـة الحياة الجامعية تُعد من أهم المراحل التعليمية في حياة الطالب، وخاصة من حيـث كـون الجامعة ذات دور محوري في تنمية طاقـات الطالب فكري وإبداعي واجتماعي وديني مـن خلال قدرة مرحلة الجامعة على تهيئة الفرص المناسبة والحقيقية لتكوين محيطه الاجتماعي وتحسين قدرته على تكوين صداقات جديـدة أكثر متانة، كما أنها تُعد مرحلة إعداد جيـدة للطالب لاكتساب بعـض مهـارات البحـث العلمي، فيما يعد تهيئة لمرحلـة الدراسـات العليا. كما أن مرحلة الجامعة يمكنها أن تقدم للطالب خبرات إنسانية وتـساعده فـي بنـاء اتجاهات وأنماط للحياة وتـساعده فـي حـل المشكلات واتخاذ القرارات الصحيحة، ومـن ثـم التكيـف الاجتمـاعي والنفـسي مـع المستجدات والأحداث التي تتسارع بـشكل كبير، مما يسهم بشكل كبير في تكوين معالم جديدة لواقعه الاجتماعي وفق فلسفته وقيمه ومعاييره الجديدة والمتنوعة التـي تحـاول تحقيق التناغم مع فلسفة المجتمع ومعتقداته.
وفي إطار التوسع الكبير في إنـشاء الجامعات إضافة إلى الإقبال الكثيف علـى الالتحاق بالجامعات وتحول بعض الجامعات والمعاهـد العليـا إلـى مـصادر للتـربح والاستثمار، مما أدى إلى تغيير واضح فـي نوعية التعليم ومخرجاته كما يتضح ذلك في جوانب الحياة وسوق العمل،
ومن هنا فـإن المرحلة الجامعية تُـؤدي دورا مهمـا فـي تحقيق التوازن في شخـصية الفـرد بـين متطلبات الشخصية الوطنية وبين الانفتـاح على ثقافات الآخرين من ناحيـة أخـرى، فالطالب الجامعي يعد جـزءاً أصـيلاً مـن المجتمع الذي يعيش فيه يتأثر به ويؤثر فيه من خلال تعرضه للكثير مـن المتغيـرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتربوية والتكنولوجية، فضلا عن الاهتمام المتزايد من طـلاب الجامعـات بوسـائل التواصل الاجتماعي المتنوعـة ووسـائل التكنولوجيا المتجددة والتي تُؤثر بشكل كبير في منظومة القيم لديهم إيجابا وسلبا.
وبناء على ذلك فإن التعلـيم الجـامعي يعد أحد الآليات المهمة التي تُسهم فـي بنـاء شخصية طلاب الجامعـات بـشكل متكامـل ومتوازن، والتي يسعى التعليم الجامعي خلالها إلى بناء وتنمية القيم فـي شخـصية طـلاب الجامعة من خلال مدخلات وعمليات التعلـيم المتنوعة، والتي يسع ى من خلالهـا أعـضاء هيئة التدريس بمـا لهـم مـن دور أسـاس ومحوري في المنظومـة التعليميـة إرشـادا وتدريسا وإشرافًا علـى ممارسـة الأنـشطة التربوية والترويحية المتنوعة؛
ولذا فـإن أداء أعضاء هيئة التدريس يعد عاملًا حاسما فـي إنجاح العملية التعليميـة وتحقيـق أهـدافها وبرامجها وأنشطتها التربوية بـشكل شـامل ومتكامل ومتوازن، كما أن المناهج الدراسـية في مرحلة الجامعة معنيـة كـذلك بتحقيـق التوازن في شخصية طلاب الجامعة وطـلاب كليات التربية خاصة.
وتسعى كليات التربية إلى المحافظـة على مقومات الشخصية الوطنية في إطار من الانفتاح على معالم الثقافـات والحـضارات الأخرى، مما يلقي مزيدا من المسئوليات على كليات التربية والمعنية بتحمل تبعاتهـا فـي إكساب طلابها المعارف والمهـارات والقـيم الاجتماعية التي تُسهم بشكل كبير وفاعل فـي تنمية شخصية معلمي المستقبل بمنهجية شاملة ومتكاملة ومتوازنة من خلال إثراء بيئات التعلم الجامعية بالقدوة والنموذج الصالح وتحسين الممارسات الحقيقية للقيم الاجتماعيـة فـي المواقف الاجتماعية المتنوعة مـن خـلال سلوكيات القيادة الجامعية الواعية وممارسات أعضاء هيئة التدريس وممارسة الأنـشطة الترويحية والاجتماعية القادرة على تحسين قدرات طلاب كليات التربية على التواصـل الاجتماعي والمشاركة الفاعلة فـي تطـوير وتنمية المجتمع وممارسة العمل التطـوعي والخيري النافع، مما يسهم بشكل واضح في تحسين ممارسات معلمي المستقبل الاجتماعية والتربوية والتدريسية والتنموية والإرشادية، مما يؤدي إلى جودة العملية التعليمية وجودة الحياة، وهذا ما يسعى البحث الحـالي إلـى تناوله ودراسته في الجوانب والأبعاد التالية.
تُعد دراسة القـيم الاجتماعيـة مـن الموضوعات المهمة في التربية والتعليم، لما لمنظومة القيم من دور مهم وإيجـابي فـي تمثل طلاب الجامعة للخبرات الاجتماعيـة والحياتية و صناعة مستقبلهم وتحقيق جـودة حياتهم الراهنة والمستقبلية، وتبدو الحاجـة ملحة إلى دراسة منظومة القيم الاجتماعيـة في ظل تنامي الظواهر الاجتماعية الغريبـة على طلاب الجامعة، حيث تتضاءل قـدرة الطــلاب علــى أداء الأدوار الاجتماعيــة المنوطة به، وخاصة مـع تنـامي ظهـور سلوكيات لا تتناسب مع طبيعة مجتمع الجامعة والحياة مثل ضعف القدرة على بنـاء حـوار هادف وبناء، وقلة احتـرام آراء الآخـرين، وتنامي التعصب للأفكار، واختلال منظومـة القيم، مما جعل بعض طلاب الجامعة عامـة وكليات التربية خاصة في حالة من ضـعف القدرة علـى القيـام بـأدوارهم الاجتماعيـة والتربوية والوطنية والدعوية والتنموية.
*مفكر وقانوني من مصر.