صادفني ذات مرّة سؤال، لو أُعطيت لك قوة خارقة ماذا كنت ستختار؟
ومن الإجابات التي استوقفتني لأحدهم:
“أتمنى أن اقرأ ما يفكر به الآخرون”.
عظيم ما تمنيت يا هذا، لا بل ثقيل ليصعب على إنسان تحمله. لعل نيتك كانت أن تكشف ما يضمره لك الآخرون من حب أو مكائد، ولكن غاب عن بالك جلل ما ستراه مما يفكر به المظلومون، والمتألمون، والمنكسرون، والخائبون…
أو ستتحمل أن ترى أفكار طفل متألم شُرِخَ قلبه وفتت. وقد عاش ألم الفقد واليتم والفزع من مستقبله والتيه بعد فقد أمه أو أبيه.
ألَدَيك الجلد أن تسمع أفكار عجوز عاجز مريض فقد زوجته، وانكمش علی نفسه ونام ليلته وحيداً مع وحشته ورعبه من أيامه الأخيرة.
ألَديك الصبر على أن تسمع انكسار شاب بصراعه مع مرض عضال وبأيامه المثقلة بالخوف والألم والمصير المبهم.
أو أب نام أطفاله جياعاً من قلة الحال والحيلة.
او أمّ طفل من ذوي الاحتياجات الخاصة اقنومة الحزن والسكوت وقد اثقلها الضياع وعيون الناس وهمساتهم.
وتطول اللائحة يا عزيزي فكل منا يمشي على الأرض سراً مكتوماً، نخفي خلف ملامحنا آلام وبؤس عظيم وتعاسة في كهف مظلم في دواخلنا. فواحدنا لا طاقة له على تحمل أفكاره، همومه وعذاباته. فما يحدث مع كل منا كثير على عمر واحد.
فدعك من أمانيك هذه في حمل عبء قراءة ما يفكر به الآخرون فقد صدق من قال:
“لو تسنّى لنا جمع آلام الناس في كتلة واحدة وقذفها نحو السماء، لأطفات نور الشمس”.