نبيه البرجي*
هل حقاً أن حزب الله يدفع البلاد بكلتا يديه، الى تلك الحال من الهلهلة السياسية والاقتصادية والمالية، لينقضّ في لحظة ما على السلطة، والحلول محل الطبقة السياسية في ادارة الدولة. ادارة الدولة أم ادارة… الجحيم؟
ما حملنا على إثارة السؤال ما يتردّد وراء الضوء حول السيناريوات التي تعدّها جهات سياسية وروحية، بالتنسيق مع مراجع خارجية، وصولاً الى اللحظة التي تتيح، وبرؤية عرجاء لسياق الأحداث، إحداث تغيير في الصيغة (صيغة الطائف)، باتجاه إقامة كانتونات أو دويلات طائفية تحظى بدعم خارجي.
المعلومات إياها تتحدث عن اتصالات حساسة بين قوى داخلية وشخصيات لبنانية (أميركية) على علاقة مباشرة مع اللوبي اليهودي (الايباك) الذي له رؤيته للبنان، وهي الرؤية التي تتماهى مع «الرؤية الاسرائيلية”.
“الموساد» كبديل عن الخيار العسكري، لطالما خطط لتنفيذ عمليات اغتيال تفضي الى انفجارات طائفية، الأمر الذي ألمت أجهزة لبنانية بتفاصيله وحالت دون وقوعه.
البداية في برمجة شائعات (يتم تلقفها غرائزياً) حول خطة الحزب بحمولته الايديولوجية والعسكرية لفرض نظام بديل، مستفيداً من الفوضى الدولية الراهنة، دون أي اعتبار لكون اتفاق بكين بين السعودية وإيران، في الطريق الى إنتاج معادلات وعلاقات جديدة في الشرق الأوسط.
أي قراءة بانورامية للمشهد الفسيفسائي في لبنان تؤكد أن اي قوة أو طائفة، تحاول التفرّد بالسلطة (وعلى الطريقة «الداعشية») انما تلقي بنفسها في النيران.
لا شك في أن حزب الله، وقد مضى نحو ثلاثة عقود على ظهوره، بلغ ذروة النضوج السياسي، وان كنا عند موقفنا بأن مشاركته في السلطة أثار أسئلة الكثيرين الذين يدركون الى أي مدى كرّست هذه السلطة فيدرالية المافيات. تلك المجازفة بالذات أعطت خصوم (بل أعداء) الحزب ورقة اضافية للحديث عن صفقة غير معلنة، تتيح له اقامة دولة داخل الدولة أو فوق الدولة…
مناصرون للحزب يقولون إن لديه مبرراته ليكون جزءأ من الشرعية الدستورية للدولة، لعلمه كم تلعب الرياح الخارجية في رؤوس أهل السياسة، والى أي مدى تستوطن «ثقافة القناصل» في وعي ولا وعي مقامات سياسية وروحية تأخذ بذلك المبدأ الهش، ان لم يكن المبدأ الكاريكاتوري «قوة لبنان في ضعفه!”.
الباحثون في السيناريوات، وكلها آيلة الى الفشل، وقد ترسّخت على الأرض معادلة توازن الرعب، يغفلون عن قصد التماهي التاريخي والعضوي، بين وجود الحزب والجنوب اللبناني.
متى تعاملت الدولة مع تلك المنطقة كجزء منها، ولم تتركها مسرحاً «للاسرائيليين» في غاراتهم البرية على بعض القرى، قبل أن تسلّم مفاتيح الجنوب الى ياسر عرفات (اتفاق القاهرة عام 1969)، لتنتقل عام 1982 الى آرييل شارون، الذي أكد ان «عملية سلام الجليل» تتوخى تدمير الآلة العسكرية لمنظمة التحرير الفلسطينية؟
هذا ما حصل فعلاً، ورحل عرفات مع رجاله، قبل أن يطل علينا ثانية بوجهه البهي من طرابلس بغضّ نظر «اسرائيلي»، ليتم ترحيله أيضاً بمؤازرة سورية.
لن نسأل ثانية لماذا بقي «الاسرائيليون» عقدين من الزمن في الجنوب؟ لن نسأل ايضاً أين كانت الدولة طوال تلك المدة؟ وهل أطلقت رصاصة واحدة على مَن كان يقتلون الجنوبيين وينكلون بهم، ويهدمون منازلهم، ويحرقون حقولهم، ويزجون بكل من يرفع رأسه في معتقل الخيام الذي فاق بوحشيته وحشية المعسكرات النازية؟
لكن السؤال الجوهري هو كيف لدولة الفساد (والخراب) أن تحمي حفنة تراب من أرض لبنان، اذا كان الجيش بكفاءاته البشرية المميّزة، يحصل على قوته اليومي من الخارج؟
وكيف للأميركيين الذين ينظرون الى الشرق الأوسط من عيون «الحاخامات» أن يساعدوا لبنان على بناء جيش يمتلك الحد الأدنى (وما دون الأدنى) من التوازن مع البربرية الجاثمة على حدودنا؟
لا مجال لأي قوة داخلية أن تفكر بالاستيلاء على السلطة، أو بفرض نظام أحاديّ البعد. مشكلتنا ليست في التعليب الطائفي والتعبئة الطائفية فحسب، هي في القفز البهلواني فوق الحقيقة وفوق الواقع.
حتى سراويل القناصل (قناصل القرن التاسع عشر) لم تعد تتسع لمن يفكرون بلغة الغيتو لا بلغة الدولة…
*كاتب محلل من لبنان.
(المصدر: جريدة الديار)