أحمد مساعد حسين*
في ظل انقسام يمني يمكن تحديده في أربع كتل كبيرة أو أكثر وهي:
1– انصار الله الذين يسيطرون على العاصمة صنعاء ومجمل المحافظات ذات الكثافة السكانية.
2– الشرعية بمجلسي الرئاسة والوزراء والإنتقالي المتحالف معها يسيطرون بصورة متفاوتة على عدن وبعض المحافظات التي يتحكم في موانئها ومطاراتها وجزرها والتحالف السعودي الإماراتي وبعض المحافظات لا تخضع لها وتعيش اوضاعاً غير طبيعية.
3– الاحزاب والقوى الجنوبية والشمالية الكثيرة، والتي تعيش في شمال الوطن وجنوبه وأوضاعها متناقضة ولا يجمعها جامع عدا بعض المصالح إن وجدت للبعض من التحالف أو من غيره وهو يخالف بينها أكثر من أن يوحدها، وهي قوة إذا توحدت كبيرة ومؤثرة ولها تجارب في الإدارة والحكم، ولكنها ممزقة وموزعة الارتباطات في صنعاء وعدن والخارج.
4– الكتله الشعبية الصامتة التي يتصدرها كبار العلماء والحكماء والمثقفين وتشاركهم الأغلبية الساحقة من أبناء الشعب من شخصيات اجتماعية واقتصادية ومهنية وأفراد ذكور وإناث وهي صاحبة المصلحة الحقيقية في السلام والحياة الحرة الكريمة الخالية من الاستبداد والظلم الداخلي والخارجي. هذه التركيبة اليمنية القائمة اليوم تتشكل بهذه الصورة، فكيف يمكنها أن تستقبل فرص السلام المشروعة وتناقشها القوى الدولية والإقليمية مع عدد من مسؤولي صنعاء وعدن كل منهم على حدة في محاولة لجمع المتناقضات دون حلها والخروج من اليمن وترك أبنائه في هذا الوضع لينفجر الصراع بينهم وهي ستكون عوناً وداعماً لصراع لم ينته بعد ولم تضع ضوابط ومداميك وثوابت لتكون قاعدة صلبة لسلام دائم لليمن الموحد الفدرالي.
(والحل كما أشوف واستخلص مما يقوله الوضع ومن تجربة مريرة عمرها حوالي ستين سنة)…. + 12 سنة جديدة منها 3 سنوات تمهيدية و9 سنوات حروب خلال هذه السنوات الطويلة خاض اليمنيين صراع وقتال وخلافات واتفاقات ومعارك قتلوا فيها رؤساء خمسة وسجن رئيس واحد ونفي أربعة، ورؤساء ورؤساء وزراء ووزراء وقادة عسكريين ومدنيين بالمئات وآلاف الضباط والجنود والمدنيين ونشوب حربين بين الشطرين وحروب كثيرة في كل شطر على حدة وكانت خسائرها فادحة في الأرواح والممتلكات والأفدح ما خلفته من شروخ عميقة في صفوف الشعب وعمقت العصبية والقروية والكراهية وألحقت بالنسيج الاجتماعي شرخاً عميقاً لا زالت آثاره قائمة وزادت من هذه الظواهر الحرب الأخيرة.
وانتقلنا من هذه التجربة المريرة التي لا يجوز لي شطب ما تحقق خلالها من تحولات اجتماعية واقتصادية كبيرة، ولكنني بصدد تشخيص الجوانب السلبية للفترة الماضية. وعند الحديث عن الأحداث التي أصبح عمرها اليوم أكثر من 12 سنة ثلاث منها تمهيدية لما بعدها وتسع سنوات حروب أكلت الأخضر واليابس وكانت خسائرها البشرية والمادية أضعاف مما جرى خلال الستين السنة الماضية، فقد قتل رئيس واختفى رئيس آخر فقط رغم الخسائر البشرية الهائلة وتدمير البنية التحتية وانتشر الجوع والفقر وتراجع اليمن إلى الخلف مئات السنين في كل ميادين الحياة.
وانطلاقاً من هذه التجربة المريرة والواقع البائس فإن الحلول يجب ان تضمن الحد الأدنى من البقاء والاستمرار وتبدأ في تقديري بالخطوات التالية:
1– وقف جميع وسائل الإعلام الموججة للصراع والكراهية والتشكيك والحرب والمناطقية والطائفية والعصبية، وعلى العكس من ذلك لا بد أن ترفع شعارات الدعوة للسلام والحرية والكرامة والأخوة والمحبة والعدالة والنظام والقانون للجميع.
2– وقف شامل وكامل لإطلاق النار في جميع الجبهات والمناطق وفي كل مكان.
3– الاعتراف المتبادل المتكافئ بين الفرقاء في الحكم اليوم ومع سائر القوى الحزبية والشعبية وأن يلتقوا في حوار موسع تحت إشراف أممي وإقليمي لتحديد خطوات الطريق لحل الأزمة اليمنية ووضع خطوات مدروسة للحل المستقبلي تضمن قيام دولة اتحاديه قوية ومهابة تتكون من ولايات متعددة حتى يمكن أن تصبح كل محافظة ولاية لها حكمها الداخلي وتتقاسم مع المركز الثروة والسلطة بموجب قانون عادل يكتبه رجال ذوو تجربة وخبرة وعلم يساعدهم خبراء من الدول ذوات الحكم الفيدرالي في العالم، وحتى ينتهي الصراع على السلطة والثروة بحيث تتوزع بين الولايات والمركز، وتنتهي السيطرة المركزي والمنطلقة من عدن وصنعاء في ما مضى.
4– عدم التفرد من أي تيار بالرأي مهما كانت قوته وترك اليمنيين والتفاوض مع الأجانب لتحقيق السلام، فهذه كارثة عظيمة لها توابعها الوخيمة من الخلافات والحروب الداخلية ومن يشجعون عليه سيقومون بتشجيعها وتمويلها على الإشتعال والإنتشار وأموالهم ستخدمهم ولكنها بين اليمنيين الذين سيقولون انسحبنا منهم وتركنا أمورهم لهم، ولكن هذه طبيعتهم يوكلون بعضهم عبر تاريخهم وستزرع العصابات في كل ركن وتمده بكل ما يمكن لمواصلة القتل والخلافات والتدمير ولسنوات قادمة يعلم الله بمداها، فهل يدرك ذلك اليوم من بيدهم الأمور والحل حسب عقولهم التي لم تفكر بمستقبل غير مصالحها في السلطة والثروة والتقاسم؟
5– هذه أفكار أسوقها لرجال يحكمون اليمن على كل ما فيه ويعانيه ويمزق مفاصله ويقصم ظهره ويشيب له الرضع والحكام يعتقدون أن أحداً أفضل من صاحبه وهم يعيشون في الوضعية نفسها من الفقر والتخلف والإهمال لكل شيء يخص المواطن والوطن.
6– وهذه النقطة الأخيرة للقوى الصامتة العريضة التي لا يهمها من يحكم ولكن يهمها تحقيق السلام والعدل والإعمار والعيش الكريم والحرية ولكي يقول الشعب كلمته في استفتاء عام على الدستور ومستقبل اليمن الفدرالي المكون من ولايات أو يختارون وحدة أو انفصالاً، ولكنهم يريدون دولة تعيد لهم الأمن والعدل وجميع الخدمات من معيشة ورواتب وكهرباء ومياه وطرقات ومطارات ومستشفيات ومدارس وجامعات ومعاهد ومدن وجميع الخدمات وهذه مهمات ملزمة للإخوة في الخليج وخاصة السعودية والإمارات حسب القوانين والأعراف الدولية بعد كل حرب.
وبعد ذلك ينتهي ان شاء الله القتل والتدمير وتتبعه التزامات قول وفعل وتوحيد كل القوى العسكرية التي يتسع لها الوطن من التشكيلات السياسية، إلا انه خلال الفترة المنصرمة اذا فحصنا وأعدنا الحساب سنرى بكل دقة التدمير والقتل والنزيف والجوع والمرض والشتات والحقد والكراهية والتمزيق الوطني بسبب هذا التدخل خلال السنوات العجاف التي أكلت الأخضر واليابس ودمرت كل شيء في كل أرض اليمن شمالها وجنوبها غربها وشرقها، هل بقي شيء لم يدمر؟ هل بقي أحد غير جائع؟ هل بقي من لا يشكو انقطاع خدمات الماء والكهرباء؟ هل بقي من لم يجد المداوي لأمراضه؟ هل بقي متعلم يريد مواصلة تعليمه ولم يستطع؟ هل وجدت أبواب أمام الناس للحياة الكريمة الآمنة في أنحاء الوطن…. اعتقد ان من حق الأطراف المتصارعة ان تختار الحلفاء والأصدقاء والشيء الذي يفرض عليهم ذلك طبيعة الحرب والملتزمات السياسية والعسكرية وأدواتها. وهذا أمر طبيعي تفرضه المرحلة والظروف، ولكن هل يجوز أن يستمر اليوم في ظروف جديدة تقوم على السلام؟ وعلى قوى السلام أن تقول لا لهذا العبث ويجب وقف الحرب ومد يد السلام بين المتحاربين وبأنه لا يحق لهم إيصال المواطن والوطن اليمني إلى ما وصل اليه حتى اليوم.
إن اليوم يوم قوى السلام أن تقول للقوى المتحاربة أوقفوا الحرب وتحاوروا ومدوا أيديكم لبعضكم بالسلام والحوار والمصالحة وأن تقول للقوى الداعمة ارفعوا ايديكم عن اليمن واتركوهم يتحاورون بل وشجعوهم على ذلك إن كنتم صادقين واتركوا حججكم غير الصادقة بأن اليمنيين هم السبب والكارثة التي اوصلت اليمن وشعبه الى هذه الأوضاع المؤلمة، وما نحن إلا منفذون بطلبهم متناسين أنكم السبب الأول والأخير للتخريب والتدمير والقتل سواء عن قرب أو بعد. والرأي الهام اليوم بأن يتداعى رجال (القوى الصامتة) من رجال الفكر والثقافة والحكماء والشباب ممن لهم مواقف ضد ما يجري في الوطن او من الصامتين الذين يقفون في طوابير طويلة بصمت مميت ووطنهم يدمر وأهلهم يقتلون ويمرضون ويتضورون جوعاً ولا يجدون اي خدمات حيوية وضرورية للحياة ليشكلوا جبهة عريضة تقول كفى، وعلى كل القوى المتصارعة أن توقف العبث بأوامر الخارج وتراجع كل معتقداتها وشعاراتها التي تطلقها بإرادتها او بأوامر من داعميها، لا نحكم في ذلك حكما مطلقا ولكن نقول ان تكون الاولوية لقوى السلام لإنقاذ الوطن والمواطن وان تمد يد السلام لكل المتصارعين باعتبارهم يمنيين لهم كل ما لكل يمني في الحرية والكرامة والأمن والعدل ومكافحة كل المعاناة التي يعيشها الشعب والوطن وأن ترفع الشعارات والثوابت الوطنية المناسبة للمعركة الجديدة السلمية التي يجب ان تكون هدف قوى الوسط اليمني المدعو لخوض هذه المعركة السلمية التي هي اصعب من المواجهات والقتل والتدمير الذي جربه شعبنا اليمني خلال اكثر من عشر سنوات عجاف ذلك بأن المهمة الجديدة لهذه القوى السلمية رفع الشعار العظيم وهو وقف الحرب وقف الموت وقف التدمير رفع شعار بأن حياة الوطن وحياة المواطن فوق الجميع، وعلى كل القوى المتصارعة الدخول في حوار ينهى الحرب والمعاناة ويعيد للمواطن والوطن كرامته ولا بأس من تقاسم السلطة والثروة، وهذا مطلب وهدف ولكن يجب ان يكون ذلك عبر معايير وطنية تغطي حاجات المواطن وعبر اختيار أفضل الطرق والمخارج التي ترضي او تغطي مطالب الجميع في مشاركة واسعة للجميع.
وعندما يلوح السلام فمن الضروري التغيير في التحالفات والإمكانات الحربية واستخدام التحالفات والامكانات الاخرى التي تلائم الوضع الجديد وتخفيف الأفكار والشعارات إلى ما يناسب المرحلة الجديدة لأهمية لم شمل الجبهة الداخلية المفككة في صف واحد قبل ان نؤسس للصوت الواحد والطائفة الواحدة على طريق صراع جديد وطويل.
وهذه المهام هي هدف قوى السلام دون ان يكون لها هدف في سلطة وثروة عدا ما يخدم الناس كل الناس وينتهي الفساد بكل اشكاله وتنوعه، على بركة الله فليمض المؤمنون رجالات السلام في موكب يطوقه النور ويقضي على كل أنواع الكراهية والبغضاء والموت والدمار والتفتيت والتمزيق للوطن ومن أجل أن يبقى الوطن اليمني موحدا فدراليا، كل يحكم إقليمه أو محافظته وفق قانون ودستور جديد يوزع السلطة والثروة للجميع على المستويين المركزي والمحلي ويخدم في الأول والأخير مصلحة الشعب كل الشعب في وئام وسلام وحرية وكرامة وقانون ونظام وعدالة إجتماعية.
*كاتب يمني.