فاطمة حسين اسماعيل*
يقول لي ابني: لما لا يسمحون لنا أن ننامَ في المدرسة؟
أُجيبُه: لأن مكانَ النوم هو البيت والسرير وليس المدرسة؟
يرُدّ: ولِمَ أدرس وأكتب في البيت؟ أوَليسَ هذا العمل مكانَه المدرسة؟
أجده سؤالاً منطقياً ومشروعاً.
هذا الحوار يتداولُه الأطفالُ على سبيل النُكتة.
لكن كرأي شخصيّ أوافقُهم الرأي وبشدة، فلطالما استفزتني المفكرة المدرسيّة، واعتبرتُها دائماً كيسَ إسمنت ثقيلاً جداً يوضع بين يدي الطفل ويُطلَب منه أن يتحمَّل عِبأه. خاصة في المراحل العمريّةِ الصغيرة وأخُصُّ بالذكر تلاميذ رياض الأطفال والحلقة الأولى.
هناك مشكلة حقيقية في المناهج اللبنانية بكثافتها بالكثير من الكفايات والأهداف، وتراكم المعلومات فيها. إضافة إلى تعدّد وتشعّب المواد ودروسها. ومعظمها لا يتنساب مع قدرات الأطفال ولا يراعي حاجاتهم.
وما يزيد الطين بلة تلك المفكِّرة المدرسيَّة اللئيمة. وكأنِّي أرى منافسة بين المعلِّمين وتسابقاً من يحدد واجبات أكثر للمنزل. ونماذج أخرى منهم كأنهم اتَّخذوا الطفل ندَّاً لهم. وآخرون تسمعهم يردَّدون “لمَ لا؟ فليدرسوا في البيت جيداً”، غير آخذين بعين الاعتبار المساواة بين الأطفال في ما يخصّ شروط التحصيل المدرسيّ بما فيها الفروق الفردية بينهم. فبعضهم يبقى حتى موعد وقت نومه يدرس وبمشقَّة تنهكه وتنهك ذويه. بحيث تجعل من الأهل شرطيّاً يسهرُ على تنفيذها بشتّى الطرق المتاحة بما فيها الضرب أحياناً، وتلقائياً يتحول الطّفل إلى خبيرٍ في المراوغة والاستفزاز (وللأسف يكرَهُ المدرسة والعلم والمعلِّم…).
على الرغم من الوضع الصعب للمناهج التعليمية الضاغطة، إلا أن ذلك لا يبرر إثقال كاهل الطفل بمفكرة مدرسية مكثفة. بل أرى لزاماً على إدارات المدارس ومعلميها التوقف عن الاختلاس من وقت الطفل في المنزل. وإطلاق سراحه بعد يوم شاقّ ومضنٍ في المدرسة.
أن يفسحوا له المجال لرؤية ضوء النهار خاصة في أيام الشتاء القصيرة جداً، ولممارسة أنشطة موازية أخرى حتماً سيتعلم منها الكثير في تنمية مهاراته الحياتية الوظيفية، كالرياضة، واللعب مع الأصدقاء، واكتشاف العالم المحيط به بكل تفاصيله المادية، والمعنوية، والاجتماعية وبناء خبرات سيحتاجها لتكوين شخصيته وصقلها لاحقاً…
وأن يتذكروا دائماً أن حياة هذا الطفل لا تقتصر على المدرسة الأكاديمية. فالحياة هي أعظم المدارس للتنمية الذاتية فليتركوا له متسعاً من الوقت ليكتشفها ويتعلم في براحها بعيداً عن ضغوط الدرس والمدرسة.
هذه الواحبات المنزلية يجب أن تلغى لتلاميذ رياض الأطفال. وترشيدها كثيراً وبشكل دقيق جداً لمرحلة الحلقة الأولى، ثم يتم التدرج في زيادتها في الحلقات الأخرى، شريطة ان تكون مفيدة ومتناسبة مع حاجات الطفل، ومع سنه، ومستواه التعليمي. وأن تراعي ترك مساحة له للعب والراحة والتواصل مع الآخرين.
و للحديث تتمة…
*مربية.