د.عمر شبلي*
قرأتُ وما زلتُ معجباً بما قرأت: أن هرقل ملك الروم ظلَّ يحمل حلمه المكسور بعدما خرج مدحوراً من سورية العربية، سورية الغساسنة المسيحية العربية الإنسانية على يد خالد بن الوليد سيف الله المسلول في معركة اليرموك، معركة الاسترجاع.
نعم ظل هرقل يحلم بالعودة الى سورية العربية، وحاول استغلال الخلاف بين علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان في المرحلة الأخيرة من الحكم الراشديّ، وراح يستعمل دهاءه وأحلامه المدحورة، وقتها كتب إلى معاوية بن أبي سفيان:
علمت أنك على خلاف مع علي بن أبي طالب وأعرف أن الحرب مستمرة بينكم، فإنْ شئتَ أمددتُكَ بجيش من عندي أوله عندك في بلاد الشام وآخره في منابت الزيتون (يقصد بلاد الروم).
وصل رسول هرقل إلى معاوية وناوله كتاب هرقل، فقرأه معاوية، ودون أن ينظر إلى وجه رسول هرقل راح يكتب جواباً على رسالة هرقل، وجاء في رسالة معاوية الجوابية ما يلي:
“أمّا بعد،
لقد قرأتُ كتابك وأنا أقول لك: إنني سأنخرط جندياً مطيعاً في جيش علي بن أبي طالب، وسنوافيك معاً بجيش أوله في منابت الزيتون وآخره في دمشق. وقد أُعذر من أنذر”.
نحن نعلم ما تركته حرب صفين من ويلات على الطرفين ونعلم أن معاوية له غايات أبعد في السياسة، ولكن الرائع في موقفه أنه رفض التعامل مع العدو لينصره على قريبه. نعم لقد كانت سياسة معاوية تقوم على الدنيا وغاياتها والوصول إلى ما يبتغيه. ولكن أصالته حالت بينه وبين الاستعانة بالعدو.
نعم، يخطئ من يظن أن معاوية كان عديم الأخلاق، ومراسلاته مع الإمام علي في نهج البلاغة واضحة المعالم. إن الأصالة يجب أن تعيدنا الى شرف هذه الأمة فقد كان معاوية يعترف بفضل الإمام علي وسموِّه كما نرى في نهج البلاغة، وكان الإمام علي يقول في بني أمية: “هم أبعدُنا رأياً وأمنعُنا لما وراء ظهورهم”، وقبله قال الرسول يوم فتح مكة: “من دخل دار أبي سفيان فهو آمن”.
والإمام علي بن أبي طالب لا يحتاج إلى شهادة لتبيان عظمته وفضله الأعلى في الذود عن رسالة السماء.
أصالة الانتماء تعصم الإنسان عن الخيانة.