تبقى مشكلة التوحّد أحد اهم التحديات التي تواجه الأطباء في الأسرة التي يكون من بين افرادها طفل مصاب بمتلازمة التوحد، إذ تحتاج إلى خبرات خاصة واكتساب مهارات التعاطي مع المتوحّد والقبول به ودعمه..
من هنا تمس الحاجة للطبيب المتخصص لتفسير هذه الحالة؛ أسبابها إن كانت معروفة وأعراضها الفردية التي تختلف بين مصاب وآخر..
وتبقى “صعوبة وصف حالة التوحّد مستمرّة ويشترك في تشخيصها متخصّصون كثر”، لأن “التوحّد لا علاج له فأسبابه حتى الآن ما زالت مجهولة…”. وهناك “فروق فردية في حالات التوحّد فالمرأة المتوحّدة تختلف حالتها عن حالة شاب متوحّد…”، لكن “الدمج الاجتماعي قد يساعد في تعديل سلوك المتوحّد واستئناف حياته”..
هذا ما يراه الدكتور المصري عبد العزيز شعلان، المتخصص في التوحّد، في حوار صحافي، مع منصة حرمون، حيث استضافه الزميل عمر ابو خير.. حوار حافل بالمعلومات العلمية.. جدير بالقراءة والاستفسار والمشاركة..
تنسيق وحوار عمر أبو خير
*هناك فرق بين كلمة المرض أو متلازمة أو الاضطراب؟ ما هو التوحّد؟ ولماذا تمّ وصفه باضطراب؟
- لنجب عن هذا السؤال بسؤال آخر! هل للسكري علاج؟ إن سألت شخصاً عادياً فيجيب: “نعم! توجد الحقن ومضخات الأنسولين، ويمكن للمرء عيش حياته وكأنه شخص طبيعيّ!”.
أما إن سألت طبيبا فيجيب: “ليس بعد، العلاج التام يعني معالجة المرض بأكمله وليس أعراضه فحسب، يجب أن نجعل بنكرياس المريض يفرز الأنسولين”.
أكره تشبيه التوحّد بالأمراض الجسدية (لأنه مختلف عنها تماماً)، لكن لنقل أن السكري والتوحّد يتشابهان في هذه النقطة.
أول سؤال يطرحه الآباء عند تشخيص طفلهم هو: “أيمكن علاج التوحد؟ “فيجيبهم الأطباء: “لا، ليس بعد”.
ثم يذهب الأب/الأم إلى الإنترنت ليجد أخباراً عن “أناس تعالجوا من التوحد”. وهنا نجم مشكلات:
*المشكلة الأولى هنا هي فرق في تحديد معنى علاج:
- للعامة: “لا أرى التوحّد على التصرفات الخارجية”.
- للمختصين: “لا يوجد التوحّد في الدماغ”.
*المشكلة الثانية هي وصف التوحد بكلمة “مرض” وليس “اضطراباً نمائياً عصبياً”، فمرض كلمة خاطئة وتحمل في طياتها فكرة “العلاج”.
*المشكلة الثالثة هي أن مجال اضطراب طيف التوحد واسع جداً، فبينما يمكن لامرأة متوحّدة أن تتعلم الكلام وتظهر قناع كونها طبيعيّة وتعيش طوال حياتها دون أن تعرف أصلاً أنها متوحّدة، قد لا يستطيع شاب متوحّد تعلم الكتابة والكلام ربما. لكل متوحّد قدرات مختلفة، فهم بشر مختلفون.
*لنعد للسكري لوهلة:
- تكلمت عن وجهة نظر العامة والأطباء، لكن ألاحظت أنني لم أتكلم عن وجهة نظر مريض السكري؟
- كيف يشعر هو؟ أيحس أنه قد تعالج تماماً لمجرد أن مضخة متصلة بجسده تحدّد نسبة هرمون ما في دمه يومياً؟
*المشكلة الرابعة وهي الأهم: “ما رأي المتوحدين في موضوع العلاج؟”.
كثير من المتوحدين الذين يصفهم الناس بأنهم قد “عولجوا” يعيشون ضغوطاً نفسية كبيرة لإظهار قناع “طبيعي” على وجوههم يومياً، فهم يمنعون أنفسهم عمداً من القفز أو الرفرفة باليدين (وهي تصرّفات تهدّئ المتوحدين) ويحاولون النظر إلى عيون من حولهم عند التواصل مع أن تركيزهم قد يكون أكبر إن لم ينظروا.
لماذا؟ لأن مجتمعهم ببساطة لن يتقبّلهم إن قاموا بتصرّفات: “توحدية”، فقد يطردون من أعمالهم، أو يؤخذ منهم أطفالهم… تصير تلك الضغوط النفسيّة أقل الضررين. أعولج هؤلاء حقا؟ ماذا عن متوحّد لا يستطيع الكلام مهما حاول، لكنه وجد مركزاً متفهماً وعائلة مساندة وعملاً لا يحتاج فيه للكلام وحياة سعيدة يمضي فيها بوتيرة تناسبه… ألم يعالج هذا حقاً؟
هكذا لا توجد طريقة لتغيير عقل المتوحّد لجعله عقلاً ليس متوحداً. فسبب التوحّد أصلاً ليس معروفاً.
*ما هي الأعراض الظاهرة أو الواضحة والتي تشير إلى أن الطفل مصاب بالتوحّد؟
– تصرُّف المتوحّد بشكل طبيعيّ في الحياة العادية لا يعني أنه عولج من التوحد.
وللعلم التوحد في حد ذاته ليس نفسياً كالاكتئاب، بل اضطراب عصبيّ يؤثر على تفسير المعلومات المرسلة من الحواس في الدماغ.
لكن بما أن المتوحّد يعيش في مجتمع قد لا يعلم كيفية مراعاته، فكثيراً ما نجد المتوحدين مصابين بالاكتئاب واضطرابات التوتر وغيرها، وبالتالي تظهر عليهم أعراض سيكوسوماتيّة (نفس – جسديّة).
أكثر الأعراض وضوحاً هي النمطية والتكرارية وعدم التواصل البصري او الاجتماعي، بالإضافة الى بعض اللزمات الحركيّة مثل الرفرفة.
*قبل اكتشاف التوحّد عند الطفل ماذا يجب على الوالدين فعله عند ظهور بعض التغيّرات أو التصرفات في سلوكه وما هي آلية التقصّي عن المرض؟
– عرض الطفل لأخصائي نفسي وأخصائي تخاطب وطبيب نفسية وعصبية وطبيب أطفال، حيث ان التشخيص يشترك فيه أطباء هذه التخصصات كلها.
*كيف يتم تشخيص اضطراب التوحّد وما الأساليب أو الطرق المتبعة في ذلك؟
– يتم التقييم عن طريق بعض الاختبارات مثل كارز او جليام وأحياناً فاينلاند للسلوك التكيفيّ وإذا كان مصاحباً للاضطراب فرط حركة يتم عمل اختبار كونرز، وذلك عن طريق أخصائيّ نفسيّ أو أخصائيّ تربية خاصة.
*ما هي الطرق المثلى للتعامل مع الأطفال المصابين بالتوحّد؟
– أفضل الطرق بعد عملية التقييم يتم اتباع أحد البرامج والتي تتبع مبادئ تعديل السلوك مثل برنامج البورتاج أو الصن رايز او الايبولز.
*نرى في بعض الأحيان أطفالاً مصابين بالتوحّد، ومع ذلك يكونون أذكياء مثلاً في مادة الرياضيات وغيرها كيف نفسّر ذلك؟
– هذه متلازمة اسبرجر والتي تكون القدرات العقلية فوق العاديّة.
*هل من الممكن لمصابي التوحّد ممارسة حياتهم بشكل طبيعي أو يتجاوزوا هذا الاضطراب بعد بلوغهم سناً معينة؟
– نعم، ولكن هناك فروق فردية، ولكن يمكن القول إنه بعد التأهيل والتدريب والدمج الاجتماعيّ يمكن للتوحّدي أن يمارس حياته، ولكن ليس كل التوحّديين.