فاطمة حسين إسماعيل*
كائنٌ غريبٌ بدأَتْ معالمُهُ الغريبة وغير المألوفة تتكشَّف في المنزل، يُحدِثُ زَوبعةً حيثما حلّ. فدُرَفُ خزائن مفتوحة، ودُروجٌ مسحوبة، وأبوابٌ لا توصَد. صوتٌ غريبٌ أجَشّ، وملامحُ بارزةٌ مريبة. فوضى هُنا وصراخٌ هناك، تذمُّرٌ مستمرّ فلا مشاعر تُفْهَم ولا انفعالات. نقدٌ، معارضة، ورفضٌ دائم. يُجادلُ في أمورٍ تافهة. ويتورّط غالباً بالمشاكل. بليدٌ خمول، متوارٍ دائماً عن الأنظار، قليل الظهور.
# إنَّهُ الطِّفل الذي بلغَ سِنَّ المراهقة. #
يتذمَّر الأهل من هذا الوضعِ المستجِّد فيعيشوا القلقَ والخوف، خاصةً عندما يلاحظوا أنّه لم يَعُد منخرطاً بالأسرة، جُلّ وقتِهِ مُنسحب، منعزل، ومنفرداً بنفسه.
وما يزيد من مخاوفهم أنه في غالبية المواقف يحاول التحرر من سلطتهم والتمرُّد على ثوابتِهم، رغباتهم، وآرائهم إذ يعتبر ذلك استخفافاً لا يُطاق بقدراته العقلية. فيتصرفُ بعنفٍ وعنادٍ وعصبيّة. وهذه من أكثر المظاهر التي يصادفونها معه وغالباً لا يتقبّلونها. إمّا لعدم تقبّل أي تمرد على سلطتهم. أو يعتبروا أن تربيتهم باءت بالفشل فيُحبَطوا وينعكس ذلك على تعاملهم معه.
في ظلِّ كل هذه التغييرات يقف الأهل مكتوفي الأيدي. لا يعرفون سبيلاً للتعامل معه.
فلو دقَّقنا بما يمرُّ به الطفل خلال هذه المرحلة من اضطرابات نفسيَّة وتغييّرات جسدية، ينبغي أخذ الأمور بالكثير من التروِّي والوعي والهدوء. باعتبار كل ذلك ضمن السِّياق الطبيعي لنموّ هذا الطفل. والوقت كفيلٌ بتبديل كل هذا الحال.
فالتغييرات البيولوجيّة، الجسديّة، والنفسيّة المتسارعة تسبّب له قلقاً وإرباكاً. فمهاراته الحركيّة تُصبح غير دقيقة، وبالتالي نراهُ كثير التَعثُّر. كما تسبب له الخمول والملل والتراخي، وهذا ما يجعل الأهل يصوبون إصبع الاتِّهام للطفل بأنه فاشلٌ عديمُ المسؤولية، لا منفعة منه بشيء. أضف إلى إحساسِه بحالاتٍ من الحُزن والألم التي لا يعرف لها سبباً. ما يَزيدُ من عُزلته وانسحابه الاجتماعي.
يعيش المراهق صراعاً بين رغبته في التحرر من سيطرة أهله والميل إلى الاستقلالية والاعتماد على النفس. وفي الوقت نفسه حاجته لهم لكونهم مصدر الأمن والأمان والطمانينة، والحاجات المادية.
كما يعيش صراعاً من نوع آخر بين مخلفات الطفولة، ومتطلبات الرجولة /الأنوثة.
واللآئحة تطول عن مظاهرِ هذه المرحلة الدَّقيقة والتي يُمكن أن تُختصر بجملٍ واحدة (هي مرحلةُ نموٍّ بركانيّ للجسم فزيولوجيّاً، هرمونيّاً، كيماويّاً، ذهنيّاً وانفعاليّاً، من الداخل والخارج في آن معاً.
أيُّها الأهلُ الأحبة خفِّفوا عنكم، فمرحلة المراهقة تعني الرَّهق أي الاقتراب من النضج والرشد. ونضع تحت كلمة الاقتراب خط أحمر عريض. فهو لم يصل بعد، فلا تعاملوه معاملة الناضج الشاب، بتحميله ما لا طاقة له عليه.
شجِّعوه على طرح مشكلتهِ ومناقشتها ولا تسفِّهوا آرائه. فلا تكون آراؤكم وعاداتكم إسقاطاً عليهم دون أيِّ شرح أو نقاش. أسِرِّوا له بالملاحظات ولا تنصحوه على الملأ. ولا تعاملوه معاملة النَّد. كونوا أذناً صاغية، وعقلاً متقبّلاً، وقلباً حاضناً.
ابنوا بينكم جسر صداقة لتبادُل الخواطر، ونقل الخبرات، والنُصح. استخدموا أسلوبَ التشجيع والثناء. امنحوه الكثير من الحب والعطف، واعطوه مساحة وهامشاً من الحرية ضمن ضوابط الدين والمجتمع.
تقبّلوا طفلكم المراهق بكافة تناقضاته، وانفعالاته، وصراعاته الداخليَّة والخارجيَّة في هذه المرحلة التي هي مرحلة تحولات حاسمة في عمره. لتطوير عادات اجتماعيّة وعاطفيّة مهمّة للسلامة النفسيّة والمحافظة عليها. فأنتم المسؤولون أولاْ وأخيراً.
*مربية وكاتبة من لبنان.