مي أحمد شهابي*
عاشت سلطة الكيان الصهيوني، ولا زالت تعيش أسوأ أيامها منذ بدء تاريخ إقامة الكيان عام 1948 ونتيجة لأسباب موضوعية تتعلق بإقامة هذا الكيان عبر طرد شعب من أرضه وتشريده والاستيلاء على دياره وممتلكاته، وارتكاب أبشع المجازر بحقه. تلك المجازر التي بات يعترف بها حتى كتاب تاريخ الكيان أنفسهم. واستمروا بمعاملة من تبقى منهم باعتبارهم مواطنين من الدرجة الثانية أو الثالثة. وهم محرومون من العديد من الحقوق القومية والسياسية وحتى الاقتصادية. ومنعت السكان الذين أجبروا على مغادرة مدنهم وبلداتهم وقراهم على العودة إليها. وحوّلتهم لاجئين في بلادهم. واستمرت حكومات الكيان في سياساتها العدوانية والقائمة على التوسع الاحتلالي والاستيطان في سياساتها هذه وعبر الحروب التي شنتها، ولا سيما حربها العدوانية في العام 1967.
وأكملت احتلال كامل أرض فلسطين التاريخية. وبحيث بات الملايين من الفلسطينيين يعيشون تحت رجس الاحتلال الصهيوني المترافق بأسوأ أشكال العنصرية والاضطهاد. وبالترافق مع المزيد من الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية عبر تصعيد الاستيطان في كل أنحاء الضفة المحتلة ومحاصرتها بالمستوطنات. وتحوّلت بموجبها الضفة الفلسطينية بكاملها إلى بانتوستانات مشابهة لتلك التي اعتمدها نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا والذي تهاوى مع تهاوي نظام الفصل العنصري بكامله في ذلك البلد الأفريقي. ودون أن ننسى أيضاً جدار الفصل العنصري الذي اعتمده أيضاً إمعاناً في محاصرة بلدات ومدن وقرى الضفة وعزل المدن عن أريافها. وصولاً إلى محاولة السيطرة على المقدسات الإسلامية والمسيحية. والتضييق على الممارسات الدينية بحرية إلى المحاولات المتعددة لاقتحامات المسجد الأقصى. والمترافقة كلها مع سياسات الاعتقالات والتي حولت الضفة بمجملها لمعتقل كبير، وغيرها وغيرها من السياسات العدوانية التي لم تقتصر على الشعب الفلسطيني بل طاولتها إلى العدوان على الدول العربية المجاورة واحتلال أجزاء من أراضيها، ولا زالت كما هو الحال في الجولان المحتل في سورية ومزارع شبعا في لبنان ومحاولات فرض الهوية الصهيونية على سكانها وإعلان ضم الجولان إلى دولة الكيان. وغير ذلك من السياسات العنصرية والتي أوصلت دولة الكيان نتيجة كل هذه السياسات إلى دولة على رأسها رئيس متهم بأكثر من 37 قضية فساد وتضم حزباً رئيسه محكوم بأكثر من قضية جنائية مرتبطة بالفساد وحزبين متهمين بالتطرف والفاشية. ليس من قبلنا بل من قبل حلفاء الكيان ونعني بهما (الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي) لدرجة أن الولايات المتحدة وبعد مضي أربعة أشهر على تشكيل الحكومة ترفض الإدارة الأميركية استقبال رئيسها وعدد من وزرائها نظراً لما سبق ذكره.
أما في الداخل الصهيوني، حيث بدأت نتائج تلك السياسات بالانعكاس على واقعه الاقتصادي والاجتماعي والوجودي. وهو ما أدى إلى انقلاب السحر على الساحر. وهو ما تجلى عبر أكبر حركة احتجاجية يشهدها الكيان منذ تأسيسه شارك بها مئات الألوف ومن مختلف القطاعات. ووصلت إلى مؤسسات الجيش والأمن والجامعات وشملت رفض الالتحاق بخدمات الاحتياط وعصيان العديد من الطياريين للمشاركة في العمليات العسكرية ورفضها. كما ورفض العديد من الجنود الخدمة في الضفة المحتلة وغيرها الكثير. صحيح أن عنوان الصراع هو (الاصلاحات القضائية) لكن في جوهرها صراع على الهوية. والأسباب التي أوصلت دولة الكيان إلى مرحلة يتحدث فيها قادة العدو من الخشية من الانزلاق لحرب أهلية. – نعم من حرب أهلية – . وبرزت العديد من الأصوات التي تتحدث عن جوهر الأسباب التي أوصلت دولة الكيان إلى هذا المستوى من الصراع الداخلي والعنصرية والفاشية إلى سياسات الكيان المتمثلة أساساً بالاحتلال وورفض الإقرار بحق الفلسطينيين بأرضهم وبحقهم في إقامة دولتهم. أي باختصار سياسة الاحتلال الصهيوني على مدى عمر الاحتلال ونشوء الكيان. صحيح أن هذا لم يجر الإقرار به على نحو واسع للأحزاب والكيانات الصهيونية. إلا أن هذا التحليل بات مطروحاً على نطاق واسع.
وبالعودة إلى الحكومة ورئيسها وفي مواجهة كل هذه الضغوط الجماهيرية والحزبية، حاول نتنياهو بشتى الوسائل لحرف الأنظار والهروب من الأزمة الداخلية عبر إعادة توجيه الأنظار إلى الخارج. أي إلى التهديد الخارجي علّ ذلك يخفف من أزمة الداخل العميقة والتي تهدد في حال استمرارها بهذا الزخم إلى إسقاط حكومته. كذلك أوعز إلى سموتريتش وبن غفير حليفيه في الحكومة بافتعال أزمة قديمة وجديدة عقب اقتحام وحشي للمسجد الأقصى والاعتداء على المصلين بوحشية لم يسبق لها مثيل وتكرار ذلك في بقية المتبقي من شهر رمضان الفضيل. وذلك بهدف استجلاب ردود أفعال فلسطينية، وبما يؤدي إلى وقف الاحتجاجات أو على الأقل الحد من تأثيرها.