د. منير سعيد مهنا*
إن العلاقة التي ينظمها المجتمع المحلي مع محيطة الإيكولوجي تعكس المنظومة الثقافية التي يحملها عن تصوراته للعالم ومعتقداته. فالثقافة تبنى على القيم وهي التي توجه التفكير وتعكس السلوكيات والمعنى المنتج للممارسات اليومية لدى الأفراد يعكسان مزيجاً من الفهم الموروث والقناعات الشخصية المتولدة عن المعرفة والخبرة والمصالح.
أولاً: قيمة البيئة الطبيعة لحرمون لدى السكان :
– تاريخياً فإن جبل حرمون يمتلك تراثه الغني من خلال حضوره التاريخي في كافة الثقافات التي مرّت عليه خلال ٤٠٠٠ عام. كل الشعوب استمدت من حضوره الطبيعي معنى لحضورها، فهو المتلألئ بسبب ثلوجه، وهو المقدس قبل المسيحية والإسلام وبعدهما، وهو جبل التجلي في المسيحية وجبل الشيخ الفاضل عند الموحدين الدروز الذين يشكلون اليوم غالبية السكان القاطنين في القرى والبلدات حول سفوحه من كل الجهات. الحسّ المكاني بطبيعة الجبل كان قديماً عالي الحضور وله المهابة والتقدير.
– راهناً، المعنى الطبيعيّ لجبل حرمون باقٍ ولكن من دون صلة قوية مع التراث وشبه منسيّ، ويكاد أن يكون الجبل بلا معنى ثقافي متصل بتاريخه الحضاري القديم.
السكان المحليّون يتعاطون مع الجبل بصفته بيئة طبيعة قاسية، المناخ المثلج والبارد خلال فصل الشتاء يعود لقربهم من الثلوج المتراكمة عليه، والمياه لا تصلهم منه بحكم قلة الينابيع على سفوحه الغربية بعكس ما هي عليه في سفوحه الشرقية.
الاتصال مع ثقافة الجبل سلبية في وعي السكان المحليين وتقتصر على المعيار النفعي منه.
– يمكن أن نبني على هذا التصوّر لدى السكان المحليين وعلاقتهم ببيئة حرمون الطبيعية النتائج الآتية :
* هناك ثلاث فئات من احتكاك السكان المحليين مع بيئة الجبل:
1- المنتفعون منه بشكل دائم (الرعاة، مربو النحل، الفلاحون الذي يملكون أراضي مزروعة وكروم عنب وأشجار مثمرة…) نسبتهم قليلة لا تتجاوز 10 % من السكان المحليين.
2- المنتفعون منه بشكل موسمي و/أو ظرفي (جامعو الأعشاب، الحطابون، هواة التنزه والمشي من السياح البيئيين، المتزلجون من الأجانب، الباحثون العلميون…) نسبتهم لا تتجاوز5 % من السكان.
3- غير المنتفعين، وهم غالبية السكان المحليين.
كما يمكن تصنيف المعارف المرتبطة بثقافة الجبل، وفقاً للآتي:
– معارف تقليدية في طور الانحسار ما زالت متوراثة لدى فئة قليلة من السكان.
– معارف حديثة في طور الإنبناء لدى فئة مهتمة من السكان بناءً على ما تقدمه الدراسات والأبحاث العلمية والتاريخية والتدريبات البيئية ذات الصلة.
بينما يغيب الاهتمام المعرفي عند بقية السكان حول بيئة وثقافة جبل حرمون.
ثانياً: بناء الوعي بهوية المكان :
إن حفظ التراث البيئي والثقافي لجبل حرمون يجب أن يرتبط بإعادة بناء الوعي بهوية المكان، إن البحث عن هوية جبل حرمون الآن بدأ يشهد اهتماماً ملحوظاً من الباحثين والبيئيين وبعض فئات السكان المحليين، ولكنه ما زال اهتماماً فردياً وغير مؤسسي.
كما أن الاهتمام المؤسسي الوطني والمحلي ليس على القدر المطلوب من العناية بسبب تشتت الرؤية وقلة الموارد البشرية المؤهلة لإدارة هذه الحالات وغياب الإمكانات المادية الداعمة للأنشطة ذات الصلة بالبيئة والتراث المحلي.
لذا، فإن العمل على بناء هوية متجددة لجبل حرمون تؤمن الاستمرارية لعلاقة اتصالية مستدامة بينه وبين السكان المحليين يمكن اعتبارها مدخلاً لحماية بيئته وتراثه. ويكون ذلك عبر الآتي :
– نشر الثقافة التاريخية والتوعية البيئية بين السكان المحليين عن أهمية جبل حرمون.
– ترشيد الممارسات والاستخدامات لموارد الجبل من أشجار ونباتات وحفظ الموائل الطبيعية.
– إعداد برامج لدعم الأنشطة البيئية والإعلامية وتوفير التمويل اللازم لها.
– التشبيك بين قوى المصالح المهتمة بحفظ التراث والبيئة من السكان المحليين وبين الجهات الأخرى من خارج المتحد المحلي لتزويدها بالخبرات والدراسات ووضعها في التداول بين السكان.
ولا بد في الختام من ضرورة التأكيد على ضرورة التوازن بين الاهتمام البيئي والمصالح الاقتصادية التي يمكن أن تهدد البيئة الطبيعية للجبل، ويمكن لأجل ذلك إنشاء “هيئة محلية” مختصة تضم أفراداً ومؤسسات محلية ووطنية لإشراك السكان في عملية التخطيط لمستقبل علاقتهم مع تراث وبيئة وهوية جبل حرمون.
*أستاذ جامعي وباحث.