طلال مرتضى*
قبل الإيغال عميقاً في التفاصيل الدلالية لأعمال الفنانة النمساوية فيرونيكا تيفينباخر الفنية، يستقرئ الواقف أمام لوحتها وعلى غير دراسة مسبقة، انحيازها التام لسلطة اللون الأحمر، هذا بغض النظر عن الاشارات اللونية التي تومئ إليها فكرة اللوحة بعينها.
هذا الانحياز الذي بات مفضوحاً، وقد تأتى كقاسم مشترك بين كل لوحة وأخرى من أعمالها لعلها تدرك مغبة الانجرار وراء هذا التيار، لهذا كان تعمدت في بناء لوحتها، على طريقة المعمار الهندسي، وهي وسيلة تساعدها على حد الانعكاسات اللونية الصاخبة، من خلال الطبقات المتتالية، تلك فعالية انتهجتها الفنانة لترويض الأحمر الذي يعد أساس لوحتها، بعدما تقوم بإشباع مسام القماش منه، بعد تفكيك من شدة سطوعه الأولي بمساهمة الزيت، لتبدأ بعدها بتمديد طبقات لونية أخرى تتكون من ألوان مختلفة. ومع هذا كله وعلى الرغم من كل المحاولات تلك، بقي الأحمر هو المهيمن الأكبر على مساحة اللوحة، ليبقى كما تضاد دلالاته ليس فقط عنيد الحضور بل، أساس متين يحدّ من تمادي الالوان الأخرى والتي لا يتعدى وجودها على المساحة الكلية، كحضور الضيف الخفيف، الذي يعرف تماماً أن فعاليته ليست اكثر من حدث طارئ. هذا الحدث يشكل طبقة لونية أخرى، وغالباً ما يلاحظه رائي اللوحة أو قارئها، بأنه عبارة عن بؤر متصلة منفصلة من خلال خيوط متشابكة فيما بينها، شكل طبقة نسيجية مهترئة تجعل من انعكاس اللون الأحمر أقل حدة، ولكن وبالمطلق لا تلقي حضوره، على عكسها تماماً، فإن عملية التفاعل القرائي معها تبقى في محيطها، وهو ما يفسّر أن عملية تشكيل هذه البؤر على جسم اللوحة، لم يكن تشكيلاً إشباعياً، انما عابر، نتج عن لطشات سريعة، لعل الفنانة أرادت من خلالها تشتيت ذهنية قارئ لوحتها، كي لا يصل إلى المفاتيح المخبوءة للونها المحبب والذي تدون من خلاله كل انفعالاتها.
وكخلاصة سريعة، مما لا شك فيه، وعلى الرغم من سطوة الأحمر الفادحة في لوحة فيرونيكا تيفينباخر، إلا أن توزيع الكتل اللونية على المساحة الكلية للوحة متزن، هذا بعيداً عن سهولة الإمساك بخيط قرائي متفلت، يؤدي في نهاية المطاف لفك أكواد اللوحة، خيط يعبر من خلاله القارئ نحو مواطئ الدهشة.
*كاتب عربي/ فيينا