د. عصام نعمان**
نقل موقع “اكسيوس” الإخباري الاميركي منتصفَ الاسبوع الماضي عن مسؤول اسرائيلي (تَرَدَد انه بنيامين نتنياهو) ان “اسرائيل” أبلغت الولايات المتحدة ودولاً غربية عزمها ضرب ايران إذا خصّبت يورانيوم فوق مستوى 60 في المئة ، ونسب الموقع الى مسؤولين إسرائيليين أن تل ابيب طلبت من واشنطن تسريع تسليمها 4 ناقلات جوّية من طراز “كيه سي 46″، مشيرين الى ان “اسرائيل” في حاجة الى الناقلات الأربع للتزود بالوقود جواً إستعداداً لضربة محتملة ضد ايران.
صحيفة “يديعوت احرونوت” كانت قد تحدثت ، بالتزامن مع موقع “اكسيوس”، عن هجوم على “قاعدة الإمام” عليّ في بادية البوكمال السورية بريف دير الزور قرب الحدود مع العراق التي تتخذها فصائل قتالية مدعومة من اطراف محور المقاومة قاعدةً لها.
هل ان قصف “قاعدة الإمام عليّ بواسطة مسيّرة اسرائيلية (واخرى اميركية ) ، كما أكّد لاحقاً موقع “0404” العبري بترخيصٍ على ما يبدو من قيادة الجيش الإسرائيلي ، يشكّل عمليةً عسكرية تمهيدية وتحذيراً مقصودين من جانب كيان الإحتلال واميركا لإيران وسائر أطراف محور المقاومة ؟
لا يستبعد خبراء إستراتيجيون قريبون من قيادات المقاومة (حزب الله) في لبنان ذلك وإن كانوا يرجّحون انها مناورة من جانب نتنياهو للإيحاء الى واشنطن بأنه لن يتورّع عن شن الحرب على ايران ووضع ادارة الرئيس جو بايدن امام امر واقع اذا ما استمر هذا الاخير في الضغط عليه للتخفيف من إجراءات “إصلاح القضاء” التي تعارضها غالبية الإسرائيليين وتهدّد تداعياتها المتصاعدة في شوارع المدن بحرب اهلية بين اليهود أنفسهم.
الى ذلك ، ثمة من يعتقد بين المراقبين في بيروت ان تصعيد “اسرائيل” ما تسميه “معركة بين الحروب” بمثابرتها على قصف مواقع عسكرية للجيش السوري بدعوى انها تشتمل على قوات واجهزة عسكرية إيرانية بات يشي بتوسيع دائرة الإشتباك بين الكيان الصهيوني من جهة وكلٍّ من روسيا وايران من جهة اخرى. لماذا ؟ لأن الإعتداءات الإسرائيلية المتكررة تستهدف مواقع على مقربة من قواعد عسكرية روسية في غرب سوريا (محافظتي اللاذقية وطرطوس) كما في شمالها الشرقي (محافظة الحسكة) من جهة ، ومن جهة اخرى تستهدف ايضاً مواقع قرب مطاري دمشق وحلب بدعوى انها تنطوي على مستودعات لأسلحة ومعدّات عسكرية ايرانية ، بالإضافة الى تعطيل استقبال المطارين للمساعدات العينية المرسلة من شتى أنحاء العالم لإغاثة السوريين ضحايا الزلزال الذي ضرب مؤخراً شمال غرب البلاد .
فوق ذلك ، يتوقع بعض المراقبين ان تشكّل هذه العمليات الإستفزازية الإسرائيلية دافعاً لروسيا للقيام بترفيع تسليحها لسوريا بصواريخ دفاع جوي اكثر تطوراً وذلك لتمكينها من إحباط الغارات الجوية الإسرائيلية الامر الذي سيدفع الولايات المتحدة بدورها الى دعم “اسرائيل” بتفعيل وحدات من مقاتلي “داعش” بقصد توسيع إشتباكها مع الجيش السوري في أمكنة متفرقة من البلاد . ألم تقم بنقل مقاتلين من “داعش” الى محيط قاعدة التنف العسكرية الاميركية الواقعة في مثلث إلتقاء الحدود السورية-العراقية-الاردنية بعد قيام رئيس الهيئة المشتركة للجيوش الاميركية الجنرال مارك ميلي بزيارة هذه القاعدة مؤخراً عقب زيارته “اسرائيل” ؟
في المقابل ، ألا تشكّل هذه الواقعات والتطورات حافزاً لقيادات اطراف محور المقاومة للتفكير في مآل كل هذه الإعتداءات الإسرائيلية المتكررة وإقترانها بتحركات عدائية اميركية لافتة يمكن ان تتطور الى عمليات ميدانية أوسع مدى ضد سوريا في هذه المرحلة المضطربة ما يدفع القيادات السياسية والعسكرية في محور المقاومة الى إستباق هجمةٍ بل مغامرة اسرائيلية ضد ايران بالإستعداد لردّ الصاع صاعين لـِ “اسرائيل” عند اول هجمة نوعية تقوم بها ضد مواقع للجيش السوري او ضد المقاومة في لبنان ؟
مع عدم إستبعادي ، كما غيري من المتابعين والمراقبين ، قيام نتنياهو، المهجوس حالياً بالدفاع عن نفسه وعن مستقبل حياته السياسية ، بإرتكاب حماقة مدوّية في هذه المرحلة ، إلاّ انني أرجح مسارعة واشنطن الى لجمه لأسباب ثلاثة وازنة :
اولها ، تيقّن الدولة العميقة في الولايات المتحدة ، لاسيما جناحها العسكري ، من وجود تكافؤ في موازين القوى بين اميركا و”اسرائيل” وحلفائهما من جهة واطراف محور المقاومة وروسيا وحلفائهما من جهة اخرى في منطقة غرب آسيا الممتدة من شواطيء بحر قزوين شرقاً الى شواطيء البحر الابيض المتوسط غرباً .
ثانيها ، ان تصدّع بنية “اسرائيل” نتيجةَ الإنقسام والتظاهرات والإضطرابات الأمنية المتواصلة في الداخل ستدفع قيادة الجيش الإسرائيلي، غالباً ، الى لجم نتنياهو وبالتالي منعه من إستجرار الكيان الصهيوني الى حربٍ ضارية ومكلفة قد تعجّل في زواله.
ثالثها ، إن أرجحية عجز الولايات المتحدة و”اسرائيل” عن تدمير منشآت ايران النووية او إحتواء ثورتها التكنولوجية قد تتسبّب في إضعاف النفوذ الاميركي في غرب آسيا وتمكين كلِّ من روسيا وايران من تعميق حضورهما في دوله من جهة ، ومن جهة اخرى في فتح الإقليم إقتصادياً امام الصين ومشروعها الإقتصادي التوسعي المعروف بإسم “الحزام والطريق”.
لكل هذه الأسباب ، أرى ان موازين القوى المتكافئة لا تتيح امام القوى المتصارعة فرصةً لإندلاع حربٍ ضارية في غرب آسيا في الحاضر والمستقبل المنظور.
*نشرت في صحيفتي “القدس العربي” (لندن) و”البناء” (بيروت) تاريخ 2023/3/27
**نائب ووزير سابق لبناني.
issam.naaman@hotmail.com