عقدت ندوة حرمون الثقافية محاضرة بعنوان “العقلية الأخلاقية عند الفيلسوف أنطون سعاده” للدكتور المحاضر ادمون ملحم، ظهر الأحد 5 مارس/آذار الحالي، وحضرتها باقة من المهتمين والمهتمات.
الحلبي
ورحب ناشر منصة حرمون ومدير ندوة حرمون الثقافية بالدكتور ملحم والمشاركين بقوله:
“أرحب بكم جميعاً في ندوة جديدة من ندوات حرمون الثقافية.
اليوم نلتقي بندوة هامة أيضاً بعد ندوات ملتقيين علميين عن الثورة السورية الكبرى، والثالث في 24 هذا الشهر بذكرى رحيل القائد العام للثورة السورية الكبرى سلطان الأطرش، وندوة عن كمال جنبلاط مفكرا وشاعرا عرفانيا، وندوة عن نحو خطة تنموية للهلال الخصيب، وعن ازمة لبنان انهيارية او عارضة والحل تسووي او جذري، وندوات زالزال الشمال السوري وثقافة النهوض بعد الزلازل التجربة اليابانية نموذجاً، وإدارة الغضب والضغوط النفسية، اليوم ندوتنا بعنوان العقلية الأخلاقية عند الفيلسوف انطون سعاده مع المحاضر الدكتور ادمون ملحم.
وحاجتنا ماسة في حراك الزلازل الطبيعية والزلازل السياسية والاقتصادية والنفسية إلى عقلية اخلاقية جديدة بنظرة جديدة قاصدة فاهمة إلى الحياة والكون والإنسان، الإنسان الفرد والإنسان المجتمع. نظرة انطلقت من سؤال عارف في فضاء المعرفة لتستجلي غوامض هويتنا وشخصيتنا التاريخية، وتعيد تشكيلها بفلسفة تزداد رسوخاً وجلاء في نفوس الناس، عابرة اللغات والقارات والمجتمعات لتصبح أبجدية الحضور وكلمة سر العبور من التفسخ والاضطراب والشك والفرقة إلى وحدة اليقين والمعرفة والعمل الواضح المؤمن اننا حقاً نستطيع، إن اطلعنا وآمنا واقتنعنا نعي وننهض.
وحرمون منصة إلكترونية تقاتل الباطل والفساد والتفكك منذ حوالى 14 عاماً بإمكانات ذاتية وعزوتها إيمان إن قال للجبال ان تنتقل فتنقتل. وهو مركز أبحاث ومجلة محكمة وندوة ثقافية أسبوعية وأكاديمية تدريب ومنصة أخبار.
وعرّف عن الدكتور المحاضر فقال:
“والدكتور ادمون ملحم أستاذ جامعي وباحث اكاديمي من لبنان.
مقيم في ملبورن – استراليا منذ 1982
تابع دراساته الأكاديمية في جامعة ملبورن.
انتمى إلى الحزب السوري القومي الاجتماعي عام 1975 وتحمل عدة مسؤوليات حزبية.
حالياً، هو رئيس الندوة الثقافية المركزية في الحزب السوري القومي الاجتماعي
ونائب الرئيس في مؤسسة سعاده للثقافة
كاتب وباحث متخصص في علم السياسة والدراسات الشرق أوسطية.
– من الجامعة اللبنانية: ليسانس في علم الإجتماع – 1982
– ومن جامعة ملبورن:
– الجدارة في الدراسات الشرق أوسطية – 1989
– ديبلوم في التربية Graduate Diploma in Education
– دكتوراه في الفلسفة – علوم سياسية – 1996
نُشِرَ له العديد من الدراسات والمقالات باللغتين الإنكليزية والعربية في مجلات دورية وصحف يومية في الوطن وفي المغترباـت.
شارك في العديد من المؤتمرات والندوات الثقافية وألقى العديد من المحاضرات في الشأن القومي في ملبورن وسيدني.
من مؤلفاته:
1- The Road to Revolution, Melbourne, 2006.
2- Antun Sa’adeh: National Philosopher – An Introduction to his philosophical thought, Dar Fikr, Beirut, 2010.
3- The Social Nationalist Economy, Dar Fikr, Beirut, 2010.
4- Syrian Women: Their struggle in society and their empowerment through the Syrian Social Nationalist Party, Edmond Melhem, Melbourne, 2018.
5- Antun Sa’adeh: A Man Ahead of his Time – To be published soon سيصدر قريباً
6- الحب السوري المدرحي، دار فكر، بيروت، 2017
7- المدرسة الرواقية – في فلسفة زينون الرواقي – قيد النشر.
ملحم
تناول الدكتور ملحم عنوان “العقلية الأخلاقية الجديدة عند الفيلسوف انطون سعاده”، منطلقاً من مفهوم الأخلاق عند سقراط، أرسطو، أفلاطون، واستطرد بعض الشي حول مفهومها عند زينون الرواقي.
وقال إن الرواقية فلسفة أخلاقية – تربوية، عملية، نادت بالحياة الروحية – الأخلاقية الفاضلة للتخلص من الشقاء واعتبرت أن الفضيلة تؤدي إلى السعادة القائمة على ضبط النفس والاكتفاء بالذات وتغليب العقل على دوافع الشهوة والأهواء، أي الحياة بمقتضى العقل وقوانينه واعتبار الأخلاق أنها الفعل العقلاني وليس اتباع الانفعالات والمشاعر والشهوات التي تشكل أعراضاً للجهل. فالفضيلة هي نتاج الإرادة الواعية المعتمدة على العقل. والفضيلة هي تاج الأعمال وهي الخير الأعظم. لذلك نادت بالفضيلة والحياة الروحية – الأخلاقية الفاضلة للتخلص من الشقاء. ورأت الرواقية أن الخير يجب أن يكون الغاية المنشودة لجميع المواطنين في المدينة الكونية.
وعرّج المحاضر على مفهوم روسو للأخلاق، الذي اعتبر الصدق والصراحة هما أساسيان في أخلاقيات روسو. فبالضمير يميّز الإنسان الخير من الشر ولا يخطئ. لولا الضمير لما أحسّ الإنسان بأي تفوّق على الحيوان.
وبلغ الدكتور ملحم سؤاله الجوهري “ما هي الأخلاق؟”.
وأجاب عنه: في أبسط تعريفاتها، الأخلاق هي منظومة المبادئ الأخلاقية التي تؤثر على حَيَواتِ الناس وطريقة اتخاذ قراراتهم. وتهتم الأخلاق بما هو صالحٌ للفرد وللمجتمع على حدٍّ سواء. فعندما يُفكر الإنسان “بشكل أخلاقي”؛ فهذا يعني التفكير في شيء يتجاوز ذاته. فالأخلاق تعنى بمصالح الآخرين، ومصالح المجتمع، و”المصلحة القصوى”، ألخ.. قد يُعرّف علم الأخلاق بأنه ذلك الفرع الفلسفي الذي يهتم بشخصية الإنسان وسلوكه. ولقد قيل في تعليل نشأة الأخلاق إنها لمصلحة اجتماعية. لتيسير العلاقات بين الأفراد في المجتمع والتنسيق بين رغباتهم المختلفة.
وفصل بين الأخلاق والمناقب والمثالب بقوله:
1- الأخلاق هي أعمال الإنسان التي توصف بالحُسن أو القبح. ولغوياً، الأخلاق جمع خُلُق. والخُلُق صفة راسخة في النفس تصدر عنها الأفعال بسهولة من غير روية وتكلّف [تصنّع]، فيقال: تخلّق بأخلاقه تطبّع بطباعه.
2- وغالباً، تستعمل كلمة الأخلاق مع المناقب أو كمرادف لها. والمناقب هي ما عُرف به الإنسان من الخصال الحميدة والأخلاق الجميلة. ولغوياً، هي جمع المَنْقَبَة التي تعني المفخرة والفعل الكريم، فيقال: نَاقَبَ رِفَاقَهُ: فَاخَرَهُمْ بِالْمَنَاقِبِ، أَيْ بِالأَخْلاَقِ وَالْخِصَالِ الْحَمِيدَةِ. والمناقب هي نقيض المَثالِب.
3- مثالِبُ أو مَثْلَبات: جمع مَثلبة؛ والمَثْلبَة هي عَيْب ومنقصة، عكسها مَنْقَبة. فيقال: ما عرفت في فلانٍ مَثْلَبة. فالكذب مثلبة مخجلة. وعَمَلٌ ثِلْبٌ: يعني َعمَلٌ مَعِيبٌ. وأَظْهَرَ مَثَالِبَهُ: أَظْهَرَ عُيُوبَهُ.
وأشار إلى أخلاق فساد البيئة التي تبدو سماتها بـ: بيئة فاسدة منحطّة الأخلاق ينتشر فيها فساد عظيم قتّال، اتجاهات متضاربة القبائح والرذائل، وبيئة مريضة يعجُّ فيها الفساد والضلال وذهاب الثقة..
وعن أسباب هذا الواقع الانحطاطيّ قال إن: ما تعرّضت له الأمة من حوادث تاريخية قاسية خلال عصور طويلة من الاستعمار والتقهقر والانحطاط بعامل فقد السيادة القومية. فسادَ الجهل والتضعضع والضياع والفقر والذل وغاب التفكير بالهناء العام وبخير المجموع ومصلحته، وتفكك أمتنا وعجزها نتيجةَ التآمرِ الغربيِ الإستعماريِ الذي قَطَّعَ أوصالَها في جريمةِ سايكس بيكو. وتسلّطِ الحكّامِ الرجعيينَ الإقطاعيينَ والوصوليينَ المنفصلينَ عن الشعبِ وهمومِه والمساهمينَ في استمرارِ الأوضاعِ الفاسدةِ وفي تكريسِ أمراضِ المجتمعِ وعاهاتِه..
وأضاف ملحم: هذه الحالة كانت أكبر نكبة أصيبت بها الأمة وأعدمت كل أمل بتوليد نهضة قومية صحيحة. فاليأس ساعد الفساد الأخلاقيّ مساعدة عظمى والفساد الأخلاقي قوّى اليأس ووطّد النفوس عليه. والاستسلام للخنوع أنشأ طائفة من المأجورين للإرادات الأجنبية يغذون الأفكار بسموم فقدان الثقة بمستقبل الأمة.
يقول سعاده: هذه هي الظروف السياسية والروحية التي وجدتني محاطاً بها عندما قررت وجوب إنقاذ الأمة بإنشاء الحزب السوري القومي والسعي لاكتشاف العناصر السليمة الضالة في فوضى هذه الظروف وتنظيمها في الحزب.
هكذا كان لا بد من إيجاد المؤسسات القومية الصالحة الحاضنة لعناصر الحياة في الأمة.
ونتيجة ما شاهده سعاده في أحوالنا الاجتماعيّة من انحدار أخلاقي وفوضى في المناقب ومن تهدّم نفسي وانعدام للقيم، قرّر الشروع بعملية الإنقاذ فأسس الحزب وأنشأ
المؤسسات القومية الصالحة لحمل المبادئ الجديدة.
لذلك شدّد سعاده على دور المؤسسات التربوية وعلى وجوب تربية الأحداث بالثقافة القومية الاجتماعية وعلى الاهتمام بنفسيتهم وتربيتهم بالفضائل السورية القومية الاجتماعية وبمناقبية النهضة وتلقينهم “أمثلة في الأخلاق”.
بتأسيس الحزب أحدث سعاده ثورة فكرية وروحية ومؤسسية واجتماعية. واعتبر
أن مسألة الأخلاقِ هي “من أهم مسائل النهوض القومي بعد تأسيس فكرة الأمة وبعد تعيين المقاصد الكبرى”. هكذا اوجد:
- الأساس المناقبي الجديد للأمة السورية الناهضة بالمبادئ الجديدة.
- أراد تأسيس الأخلاق القومية الجديدة ورفع مستوى الأمة إلى مرتبة الأمم الحيّة.
- ثورة فكرية – روحية – أخلاقية.
وتحدثت الدكتور ادمون ملحم عن العقلية الأخلاقية الجديدة التي قدمها سعاده بتعاليم الحزب السوري القومي الاجتماعي، بأنها تقوم على ركيزة أساسية متينة هي الأخلاق الجديدة التي نجدها في صلب العقيدة القومية الاجتماعية.
وهذه الحقيقة يؤكد عليها سعاده بقوله:
إن “العقلية الأخلاقية الجديدة التي نؤسسها لحياتنا بمبادئنا هي أثمن ما يقدمه الحزب السوري القومي الاجتماعي للأمة، لمقاصدها، ولأعمالها ولاتجاهها”.
ويبدو لنا جهان لحقيقة واحدة هي المبادئ المناقبية السامية: الأخلاق والعقيدة.
وفي مجمل كتاباته، يشدّد سعاده على مسألة الأخلاق الجديدة ويعتبرها شرطاً ضرورياً وأساسياً وقيمةً أساسية في الحياة، لنجاح أية مؤسسة او عملية إصلاحية او بنائية او أية خطة سياسية او حربية او إدارية أو إقتصادية، فالأخلاق يجب ان تشمل كل نواحي الحياة الاجتماعية وتؤثّر فيها.
ووجودها شرط أساسيّ لنجاح أي نشاط إنساني – إنتاجي وشرط ضروري لبقاء المجتمع ونهوضه وارتقائه، وبدونها لا يمكن للأمة أن تنهض وتبني عظمتها.
وتناول المحاضر أهمية الأخلاق فلفت إلى سعاده في شرحه غاية الحزب أكد أهمية الأخلاق قائلاً:
“في رسالات وخطب ومحاضرات عديدة وجّهتها إلى القوميين الاجتماعيين أظهرت كم هو أساسيّ وضروريّ فهم العقلية الأخلاقية الجديدة التي تؤسسها تعاليم الحزب السوري القومي الاجتماعي”.
لأنه إذا لم نتمتع بأخلاقيّة متينة فيها صلابة العزيمة وشدة الإيمان وقوة الإرادة فلا يمكننا أن نحقق غايتنا النبيلة ولن نحصد إلا التشويش والإخفاق وخيبة الأمل.
واستند إلى صحة ما ذهب إليه بأن الأخلاق القومية الاجتماعية الجديدة هي من الأمور المشهورة عن الحزب السوري القومي الاجتماعي وعن أعضائه. فهي رأسماله الكبير وسلاحه الأمضى للتغيير والتقدم والسمو، وبدونها لا يمكن لهذا الحزب ان يحقق غايته السامية. لذلك يصف سعاده حزبه بحزب الأخلاق ويعتبره “حركة تجديدية في المناقب والأخلاق..” ويقول: “إنّ نهضتنا هي نهضة أخلاق ومناقب في الحياة قبل كل شيء آخر”.
كما يقول: “نحن جماعة أخلاق، لأنه لا يمكن أن يقوم عمل عام، أو فردي ويواجه الصعوبات، إلا إذا كان له أساس من الأخلاق. فنحن جماعة عمل وصراع، لأننا في حقيقتنا جماعة أخلاق”.
ويعتبر سعاده أن حزبه في حالة حرب مع أعداء الأمة الخارجيين والداخليين: الحزب كقوة مهاجمة بالمناقب القومية ضد أعداء الأمة كقوة مدافعة بالمثالب الفاسدة، بحيث يمثّل الحزب السوري القومي في هذه الحرب القوة المهاجمة، وسلاحه المناقب القومية التي ولّدها وبثّها في الشعب السوري ورفع مقدرته الروحية إلى درجة عالية جداً. وبهذا السلاح صار الحزب السوري القومي قوة عظيمة يحسب حسابها ويخشى فعلها متى ابتدأت تستخدم السلاح المادي. ويمثّل أعداء الأمة السورية الخارجيون والداخليون القوة المدافعة، وسلاحهم المثالب الأجنبية واللاقومية.
لتحقيق هذه القوة لا بد من إعادة تأهيل المجتمع السوري، فالنهضة القومية الاجتماعية جاءت بالمبادئ الأخلاقية الجديدة لإعادة تأهيل المجتمع السوري بسحق مثالبه الفاسدة وإحياء المناقب الجميلة وتحقيق حياة أجمل للأمة في عالم أجمل تسوده القيم الإنسانية والأخلاقية العليا.
وهذا يعني نتيجتين في الوقت نفسه:
إحياء المناقب: “الحركة السورية القومية الإجتماعية لم تنشأ لخدمة الموتى وإحياء المثالب، بل نشأت لإحياء المناقب الجميلة السامية، لتحيا أمة عظيمة بأجيالها المتجددة بالتعاليم الجديدة المحيية”.
سحق المثالب: إذا أردنا ان نحقق الحياة الجميلة الراقية، علينا أن نسحق المثالب الفاسدة في حياتنا ونُحيي المناقب الجميلة والأخلاق الصحيحة ونعمل بمبدأ الإخاء القومي وبمبدأ الحب الكلي لكل ما هو سامٍ وجميل.
وحصيلة الصراع بين الأخلاق الجديدة والمثالب اللاقومية السائدة تكون: إما بسحق المثالب وانتصار الأخلاق أو بسقوط الأخلاق وانتصار المثالب. وعلى هذه النتيجة تتوقف حياة الأمة وتقدمها. وما رجاء الأمة إلا بالأخلاق القومية.
لذلك يقول سعاده: “نحن في حرب دائمة وعراك شديد في كل مكان. وستستمرّ هذه الحرب حتى يكون النصر الأخير”.
وعرف ملحم الأخلاق القومية الاجتماعية، بأنها تعاليم غايتها النهوض بالأمة والسير بها إلى مراتب العز والتقدّم.
وأثبتنا أنه بالأخلاق الصحيحة والصراحة الكلية وبالإرادة الصراعيّة، بهذه الأمور تقوم الأمم وتنهض القوميات. وهذه نجدها في تعاليم سعاده وأقواله كلها.
لذلك يؤكد سعاده:
“إنّ نهضتنا ليست نهضة مظاهر رياء بل نهضة مناقب حياة جديدة تريد أن تسير بالأمة على جثث مثالب الحياة العتيقة إلى المجد”.
ويؤكد المحاضر ملحم أن دور الأخلاق هو الجسر بين النظرية والواقع او بين الوعي الممارسة.
ولكن ما هي غاية الأخلاق القومية؟ يسأل ومن ثم يجيب: هي تحقيق السعادة والمنفعة والخير لكل المجتمع، لكل الوجود القومي. إن غاية الأخلاق ومقياسها هما مصلحة الأمة وسعادتها وإقامة الحياة الجميلة، الحرّة، الراقية والعمل للخير القومي العام الذي “هو أجمل المثل العليا للحياة الإنسانية”.
بينما الأخلاق الرجعية غايتها الإبقاء على حياة القبح والذل والعبودية والخنوع. وهي الانحدار إلى حضيض المثالب النفسية التي تقتل العزائم الصحيحة والمطامح النبيلة والرغبات السامية في الشعب وتؤدي إلى تلاشي “المناقب السامية والمعاني الجميلة والمرامي الخطيرة”. أما الخلاق القومية فغايتها الخير العام وتحقيق حياة العز والحرية والمجد.
يقول سعاده، نحن “لا غايات عندنا متفرقة، بل غاية واحدة”، هي “خير الشعب وعزّه”. ويضيف “نحن لنا أخلاقنا ولنا مناقبنا التي ترتفع بنا إلى أعلى درجات السمو”.
وعرض لمعنى الواجب القومي، كنموذج للأخلاق القومية الاجتماعية فاعتبر الواجب القومي او الالتزام الأخلاقي في التصرفات والممارسات والأعمال من أهم دعائم الأخلاق القومية الجديدة وشرطاً من شروط تحقيق غاية الفلاح والعز لهذه الأمة. والحق يقال، إن أية أمة لا تبقى وترتقي إلا بأداء الواجب. فالواجب هو مبدأ أخلاقي بامتياز وهو عمل وطني صادق وصحيح. “وبقدر قيام الأفراد بواجبهم يقاس رقي الأمة”.
ونحن، كما أكّدَ سعاده “لم نتلكأ عن واجب لأن الواجب مبدأ أساسي من مبادئنا الأخلاقية”.
وخلص الدكتور ادمون ملحم إلى أن هناك صراعاً ضارياً بين عقليتين متناقضتين:
الأخلاق الرجعية وهي الضلال وفساد الحقيقة وانتشار القبائح والرذائل والمُثُل المنحطة والمثالب الهدّامة وركوب العار. وأسباب وجود هذه الأخلاق الرجعية تكمن في جهل المجتمع وتفككه وانحلال نظمه وانحطاط مستوى ثقافته وتهذيبه وتفشّي الفوضى والنزعة الفردية فيه، وذلك نتيجة خضوعه لسيطرة الاستعمار الأجنبي لأزمنة طويلة. وبين الأخلاق القومية التي هي الهدى وانتصار الحقيقة والسمو إلى العُلى بالقيم السامية والفضائل الجميلة. وهذه الأخلاق تنهض بتعاليم الوجدان القومي التي تقوّي الارتباط الاجتماعي والإخاء القومي وتوحّد الأفراد وتولّد المحبة والتعاون والتضامن بينهم وتدفعهم للقيام بأعمال يُعبِّرون من خلالها عن مصلحة المجموع وعن حق الأمة وخيرها.
وأجرى مقارنات بين الأخلاق الرجعية والأخلاق القومية وبين أخلاق من يحمل كلّا منهما.
ثم تحدث عن علاقة الأخلاق بالمسؤولية وتلازمهما.
وقال إننا يمكننا التأكيد بما يسمى “مدرسة سعاده الأخلاقية”؛ فهذه المدرسة عنوانها الأخلاق الصحيحة التي تُمارس في كل شأن من شؤون المجتمع. وهي مدرسةٍ في الإرشاد الأسمى وفي المناقب. وفي هذه المدرسة يتمرّس القوميون الاجتماعيون بالقيم والمثل والمناقب الجديدة التي تصقل شخصيتهم وتسيطر على جميع أعمالهم ويلتزمون بالواجب القومي وبالمسلكية الأخلاقية التي تعني الجرأة واليقين والوضوح والصدق بأقوالهم وأفعالهم.
وشدد على أن سعاده كان مثلاً أخلاقياً يُحتذى وكان معلّماً بالقدوة وكان شعاره: “حارب الرذيلة حيثما التقيتها، لا تنفك عنها حتى تجهز عليها”. وعبّرَ سعاده عن تمسكه بالأخلاق القومية الاجتماعية قائلاً: “إني لا أفرح بكثرة إلا إذا كانت صحيحة المناقب والأخلاق القومية الاجتماعية”. وقال: إن القوميين الاجتماعيين مَدعُوّون إلى التمتع بمسلكية أخلاقية عالية تشددّ عليها تعاليم سعاده المناقبية وتصونها أنظمة الحزب وقوانينه. بحيث “إذا سارَ قومي اجتماعي على الطريقِ فيجب أن يعرف الناسُ بأن سورياً قومياً يسير”. وعرض لسمات البطولة والصدق والمحبة الضرورية في الأخلاق القومية الاجتماعية.
الخلاصة
انه منذ نشوء الحركة السورية القومية الإجتماعية كحركة منظمة للفكر والقول والأعمال، استيقظت النفسية السورية الأصلية وظهرت بمظهر قوة حقيقية مبدعة، قوة فاعلة تعتمد على نفسها ومواهبها وتصبو لتحقيق مقاصدها الكبرى وبلوغ مثل عليا جديدة. منذ ذلك الوقت بدأ الصراع بين عقليتين متناقضتين:
عقلية رجعية إتكالية مستسلمة تمثّلُ البيئة اللاقومية المريضة بمثالبها وانحطاط أخلاقها وانعدام مثلها وخطط تفكيرها الانحطاطي في قضايا الحزبيات الدينية والمصالح الخصوصية والسياسية القبلية والعائلية، وترمي إلى قتل الحياة السورية وطموحها
وعقلية أخلاقية جديدة تعبّر عن إرادة الحياة والخير الأسمى للمجتمع، عقلية تعتمد تفكيراً تقدمياً صحيحاً هو تفكير الحياة الجديدة والقضايا الصحيحة وتريد ان تشق للأمة طريقاً إلى قمم الحرية والعز وتثبت حقها في الحياة وأهليتها للتفوق وبلوغ الغايات السامية والمثل العليا التي تصبو إليها.
المعركة دائرة بين هاتين العقليتين وتفكيرهما. وعلى النتيجة التي ستسفر عنها هذه المعركة يتوقف مصير الأمة وأجيالها إلى العز والسعادة او إلى الذل والعبودية.
مداخلات وأسئلة
وسألت المحامية زكية النزق، الدكتور المحاضر عن أقوال متعلقة بالموضوع للفيلسوف سعاده، فأجاب طلبها وعرض لباقة من الأقوال القيمة في موضوع الأخلاق.
وعلقت الدكتورة حدوش وردية – أستاذة جامعية في حقوق الإنسان من الجزائر: “شكراً جزيلاً للأستاذ المحاضر. فعلاً محاضرة في قمة الأخلاق. نتمنى أن تتكرّر وفي الموضوع نفسه، لأنه يستحق الاهتمام، فما أحوجنا إليه بالتوفيق. وشكرا جزيلاً لمركز حرمون والأستاذ هاني لإتاحة فرصة الحضور لنا لمثل هذه المحاضرات القيّمة والنادرة”.
وتحدثت المشاركة ريما أبي خير.
ثم تحدث الدكتور ميلاد السبعلي عارضاً لموضوع الأخلاق عند سعاده، ولافتاً إلى أه صحيح التقاطع بين زينون وسعاده في موضوع الأخلاق، لكن سعاده تخطى برأيه زينون لأنه ربط الأخلاق بالتمرس بالنظام في إطار مؤسسي اجتماعي.
وكانت المداخلة الأخيرة للمشارك طنوس فرنسيس.
شهادات تكريم المحاضر والحضور
وأصدرت إدارة ندوة حرمون شهادات تكريم للدكتور المحاضر أدمون ملحم وشهادات حضور للمشاركين.