أسامة المهتار**
في السنة الماضية صدر كتابان عن الحزب السوري القومي الاجتماعي باللغة الإنجليزية. الأول بعنوان “بحثاً عن سورية الكبرى”، In Search of Greater Syria ، بقلم كريستوفر سلمون، Christopher Solomon . والثاني بعنوان “نهوض سورية الكبرى وسقوطها”، بقلم كارل يونكر،Carl Yonker .
والكتابان يتعلقان بدراسة تاريخ الحزب السوري القومي السياسي وسياساته. الكاتب الأول أميركي من أصول سوريّة، إذ يقول في مقدمة الكتاب إن فرعاً من عائلته هاجر إلى الولايات المتحدة سنة 1907 من قرية صغيرة بين طرطوس وحمص، وإن ثمة قرابة بعيدة تربطه ببعض أعضاء الحزب. يعمل كريستوفر سلمون في مؤسسة استشارية متخصصة بشؤون الدفاع في واشنطن العاصمة. أما الكاتب الثاني، فهو أستاذ محاضر في جامعة تل أبيب، قسم الدراسات العربية والإسلامية حيث تتركز دراساته على القومية السورية والقومية العربية والإسلام الشيعي. ”البحث عن سورية الكبرى”.
الكتابان يسردان تاريخ الحزب بإسهاب وبكثير من التفاصيل التي تصل في كتاب سلمون إلى انتخابات 2020. لن ندخل في عرض تفاصيل المضمون، بل سوف نركز في هذا المقال على السبب الذي حدا بكل منهما لكتابة الكتاب، والنتائج التي خلصا إليها كل على حدة. ففي ذلك عبر مهمة. ولن نعلق على آراء يونكر حول ما حدث منذ عودة سعاده سنة 1947، ولحين اغتياله، ولا عن اغتيال المالكي، فكل منهما يحتاج لبحث منفصل.
يتفق الكاتبان إن الحزب السوري القومي هو واحد من أقدم الأحزاب في المشرق، وإن تاريخه غامض، ويستغربان عدم قيام الباحثين بوضع الدراسات عنه. ويعزوان ذلك، في شكل عام، إلى كونه لم يتمكن من تحقيق أي من أهدافه الكبرى بعد مضي أكثر من ثمانين سنة على تأسيسه. وفي المقابل يستغربان قدرته على الصمود طوال هذه السنين، ويعترفان بتأثيره على عدد من الأحزاب والمنظمات سواء لناحية ولادتها، مثل الكتائب والنجادة اللذين أسسهما الفرنسيون لمناوأته، أو حزب البعث العربي الاشتراكي، الذي – بالرغم من الخصومة العقائدية والسياسية معه – أخذ بالكثير من مفاهيمه في صياغة بعض سياساته.
يركز سلمون على الدور الذي يمكن للحزب أن يلعبه في المستقبل، فيقول في مقدمة كتابه:
“مع أن الحزب السوري القومي الاجتماعي لا يزال صغيراً كحركة سياسية في المشرق، إلا أنه يقدم موضوعاً مفيداً لدراسةِ حالةٍ ترصد مسار المنطقة. إذا ضعف النظام السوري أو إذا أزيل بالكامل، فسيكون من الضروري رصد الحزب السوري القومي الاجتماعي كعامل مهم في إعادة ترتيب المنطقة التي ستلي انهيار الفرع السوري من حزب البعث العربي الاشتراكي. أما إذا تمكن الرئيس بشّار الأسد من توطيد سلطته، فمن المتوقع ان يكافئ الحزب على موقفه خلال الحرب. ولكن، إذا بالغ الحزب في تقدير قوته، فمن المتوقع ان يعاقب على ذلك وأن يتعرض للاضطهاد”.
أما يونكر، فإنه يركز في آخر ثلاث صفحات من الكتاب على العوامل التي أدت إلى فشل الحزب، فيقول تحت عنوان: “حركة محبطة، إلى أين من هنا؟ ما يلي:
“إن قصة الحزب السوري القومي الاجتماعي هي قصة طموحٍ مُحبَطٍ وغير محقق. فإذا ما حكمنا على الحزب وفق غايته يبدو فشله في أن يصبح حركة شعبية عامة، وأن يمتلك قوة سياسية معتبرة ودائمة، وأن يحدث التغييرات الاجتماعية والسياسية التي يريدها، واضحاً لأي باحث”. بعد ذلك يقوم الكاتب بتعداد أسباب عدم نجاح الحزب، والتي نختصرها بالعناوين التالية:
القومية السورية الصارمة التي ينادي بها الحزب لم تلق قبولاً عاماً. كذلك لم تلق دعوته لتغيير البنى السياسية – الاجتماعية القائمة قبولاً، بل كتّلت القوى التي تقوم عليها هذه البنى ضده. ففي لبنان لقيت الدعوات العروبية واللبنانية قبولاً أكثر لدى الطائفتين السنية والمارونية. وفي الشام لقيت الدعوة العروبية نجاحاً أكبر لدى الأكثرية السنية فيما تمكن الحزب من استقطاب قوى من الأقليات الأرثوذكسية والدرزية والشيعية (في لبنان والشام).
الانتداب الفرنسي قمع الحزب، واستمرت في ذلك الحكومات المتعاقبة في كل من الشام ولبنان، وإن بدرجات مختلفة وفي ظروف تاريخية معينة.
إن التركيبة الطائفية اللبنانية وانعكاسها على الواقع السياسي تقوّض النظرة القومية في شكل عام، وتعيق من قدرة الحزب، خاصة في الانتخابات، من تحقيق مكاسب حتى في المناطق المؤيدة له. هذا الأمر سوف يزداد خاصة مع قيام تحدٍ جديد للحزب هو أنه تحول إلى حزب من أحزاب السلطة القائمة. فمع أنه لا يزال يدعو في خطاباته النارية إلى العلمانية والمقاومة، إلا أن أداءه، في الواقع، لا يختلف عن الأحزاب اللبنانية الأخرى لناحية عقد الصفقات والتضحية بالمبادئ في سبيل المحافظة على النفوذ الضعيف الذي يملك.
عدم قراءة الواقع السياسي بشكل سليم واتخاذ القرارات السيئة. من هذه موقف سعاده من الحكومة اللبنانية فور عودته من المنفى سنة 1947، وإعلانه ثورة عليها بعد سنتين، اغتيال العقيد المالكي في الشام سنة 1955، والانقلاب الفاشل في لبنان سنة 1961.
في غياب سعاده، انقسم الحزب حول عدد من القضايا تتراوح بين ما هو شخصي، سياسي، عقيدي ودستوري، خاصة الخلاف بين السلطتين التشريعية والتنفيذية.
بعد هذا السرد لنقاط الضعف التي يعاني منها الحزب، يطرح الكاتب سؤالاً مهماً: “هل يعني كل هذا أنه يجب تصنيف الحزب السوري القومي الاجتماعي بأنه “حركة فاشلة“؟ ويجيب على سؤاله بالقول:
“كما بيّنت هذه الدراسة، لا يكون جواب كهذا خاطئاً فقط، بل إنه يتغاضى عن الإنجازات التاريخية التي حققها الحزب في لبنان والشام. وأعظم هذه الإنجازات تشكيله حركة استطاعت اختراق الشقوق الاجتماعية والسياسية. ومع أن معظم أعضاء الحزب يأتون من شباب الطبقة الوسطى ومن الطلاب والتجار والمثقفين وذوي الاختصاص والموظفين، فإنه تمكن أيضاً من الوصول إلى الأرياف في كل من لبنان والشام. إن نظرة سريعة على لائحة كبار المثقفين والفنانين والسياسيين بين اللبنانيين والفلسطينيين والشوام، ترينا أنهم في فترة ما، خاصة أثناء وجود سعاده، انتموا إلى الحزب السوري القومي الاجتماعي. في الحيّز السياسي، تمكن الحزب من بناء شبكة من العلاقات، ولكنها كانت دائماً محفوفة بالعقبات ولم تمكنه من تطبيق برنامجه السياسي. بالرغم من ذلك، يمكن القول إن هذه العلاقات كانت ناجحة. لقد قدمت لحلفاء الحزب القوة التنظيمية والسياسية التي تحتاجها، وأتاحت للحزب حرية العمل والانتشار”.
أما خاتمة الكتاب، فهي جديرة بالاهتمام. إنها تشير إلى قوة الحزب الحقيقية: سعاده نفسه. ينهي الكاتب كتابه كما يلي:
“بالرغم من كل نقائصه، وتاريخه المليء بالطموحات المحبطة، وانشقاقاته المتزايدة، فإن الحزب السوري القومي الاجتماعي قد تمكن من البقاء كحركة سياسية منظمة. إن إرث سعاده، وأفكاره، لا يزالان عامل جذب واستقطاب لعدد صغير، ولكنه مهم، من اللبنانيين والشوام. كيف تمكّن تراث سعاده والحركة التي أسسها من إظهار هذا الثبات والمرونة بالرغم من كل الصعوبات الحادة، الداخلية والخارجية التي واجهها؟ بالفعل، كيف يمكن للحزب السوري القومي الاجتماعي، بالرغم من تاريخه المليء بالانشقاقات والإحباط، أن يستمر في مسيرته، دون ان يرتدع، في صراعه من أجل سورية الكبرى، خلف رايات الزوبعة الحمراء؟”.
* المصدر مجلة الفينيق، 26 مارس، 2023.
**باحث قومي من لبنان مقيم في كندا.
رابط المقال: