مقدمة:
يعد القطاع المصرفي مكونًا مهمًا للاقتصاد العالمي، حيث يوفر الخدمات المالية الأساسية للأفراد والشركات والحكومات كما تعمل البنوك كوسطاء بين المدخرين والمقترضين، مما يسهل تدفق الأموال ويساهم في النمو الاقتصادي. كما توفر البنوك مجموعة من الخدمات، بما في ذلك تلقي الودائع، والإقراض، ومعالجة المدفوعات، وإدارة الاستثمار، الخ…
من جهة أخرى يلعب القطاع المصرفي في الاقتصادات الحديثة دورًا حيويًا في الوساطة المالية وتخصيص الائتمان والحفاظ على الاستقرار المالي ومع ذلك، فإن هذا القطاع ليس بمنأى عن الأزمات التي يمكن أن يكون لها عواقب وخيمة على الاقتصاد الأوسع.
كما أن القطاعات المصرفية حول العالم ليست بمنأى عن الأزمات المصرفية في فترات الضائقة المالية التي تعاني خلالها البنوك من خسائر كبيرة، مما يؤدي إلى تراجع الثقة، وتشديد الائتمان، وإمكانية فشل البنوك وهذا ما نشهده اليوم من الإخفاقات المصرفية التي تعاني منها كبريات البنوك والمصارف حول العالم مثل بنك وادي السيليكون SVB وبنك كريدي سويس Credit Suiss سيغنتشر بنك Signature Bank , سيلفرغيت بنك silvergate Bank , وهناك اكثر من 190 بنك حول العالم معرضة للإفلاس أو الدخول في أزمات سيولة عالية خلال العامين 2023م – 2024م
المسببات:
حيث يمكن أن تنجم هذه الأزمات والإخفاقات المالية عن عوامل مختلفة، منها:
• مخاطر الخسائر التي لم يتم تحقيقها Unrealized losses:
تشير الخسائر التي لم يتم تحقيقها في البنوك عادةً إلى الخسائر المحتملة التي لم يتم تحقيقها والناجمة عن عدم قيام البنوك ببيع أصل معين أو الاعتراف به أو الإبلاغ عنه في البيانات المالية. حيث يمكن أن تشمل هذه الأصول المالية على:
1. القروض المتعثرة: القروض المتعثرة أو التي أوشكت على التعثر، حيث لم يسدد المقترضين فوائد أو مدفوعات أساسية لفترة معينة، عادة ما تكون 90 يومًا أو أكثر.
2. التعرضات خارج الميزانية العمومية: الخصوم أو الأصول أو الترتيبات المالية الأخرى التي لا تظهر في الميزانية العمومية للبنك ولكنها قد تؤدي إلى خسائر مستقبلية مثل ارتباطات القروض والضمانات وعقود المشتقات.
3. خسائر السوق: الفرق بين القيمة السوقية والقيمة الدفترية لبعض الأدوات المالية، مثل الأوراق المالية أو المشتقات المالية إذا كانت القيمة السوقية أقل من القيمة الدفترية، فقد يواجه البنك خسائر محتملة عند بيع أو تسوية الأدوات.
4. مخاطر الائتمان: مخاطر الخسارة الناتجة عن عدم قدرة المقترضين على سداد القروض أو الوفاء بالالتزامات التعاقدية عندما لا تكون البنوك قد أدرجت جميع خسائر الائتمان المحتملة في بياناتها المالية.
5. مخاطر التشغيل: مخاطر الخسارة الناتجة عن عدم كفاية أو فشل العمليات الداخلية والأفراد والأنظمة أو من أحداث خارجية حيث يمكن أن يشمل ذلك الخسائر الناجمة عن الاحتيال والمخاطر القانونية وحوادث الأمن السيبراني.
6. مخاطر السيولة: قد تواجه البنوك صعوبة في الوفاء بالتزاماتها قصيرة الأجل بسبب السحب المفاجئ للأموال من قبل المودعين أو عدم القدرة الى الوصول إلى أسواق التمويل.
• اهتزاز الثقة في النظام المصرفي Shake-up of Confidence:
حيث تشير إلى حالة يتم فيها تقويض الثقة في استقرار وموثوقية المؤسسات المالية بشكل كبير كما يمكن أن يكون سبب فقدان الثقة هذا بسبب عوامل مختلفة، ويمكن أن تكون عواقبه بعيدة المدى، مما قد يؤدي إلى أزمة مالية أوسع نطاقا حيث تتضمن بعض العوامل الرئيسية التي يمكن أن تسهم في زعزعة الثقة في النظام المصرفي ما يلي:
1. فشل البنوك: يمكن أن يؤدي انهيار أو إفلاس بنك أو أكثر إلى تآكل الثقة في النظام المصرفي بأكمله، حيث قد يقلق المودعون والمستثمرون بشأن سلامة أموالهم واستقرار البنوك الأخرى.
2. مستويات عالية من القروض المتعثرة: عندما يكون لدى البنوك عدد كبير من القروض المتعثرة أو على وشك التخلف عن السداد، يمكن أن يشير ذلك إلى ممارسات الإقراض السيئة ويخلق شكوكًا حول الوضع المالي للبنك.
3. الفضائح المالية والاحتيال: يمكن لحالات سوء الإدارة أو الفساد أو الأنشطة الاحتيالية داخل البنوك أن تؤدي إلى فقدان الثقة في نزاهة وكفاءة القطاع المصرفي.
4. عدم استقرار الاقتصاد الكلي: يمكن أن تؤدي فترات الركود الاقتصادي أو التضخم المرتفع أو أزمات العملة إلى تقويض الثقة في النظام المصرفي، حيث يمكن أن تؤثر هذه العوامل سلبًا على ميزانيات البنوك وربحيتها.
5. الإخفاقات التنظيمية: يمكن أن يسهم عدم كفاية الرقابة أو التنظيم غير الفعال للقطاع المصرفي في فقدان الثقة، لأنه قد يشير إلى أن النظام غير محمي بشكل صحيح من المخاطر.
6. المخاطر النظامية: الترابط بين النظام المالي يعني أن المشاكل في مؤسسة ما يمكن أن تنتشر بسرعة إلى مؤسسات أخرى، مما يؤدي إلى تأثير العدوى وفقدان الثقة على نطاق أوسع.
• الحلول المقترحة Suggested Solutions:
يمكن أن يكون للأزمات المصرفية عواقب وخيمة على الاقتصاد الأوسع، مما يؤدي إلى ركود، وارتفاع معدلات البطالة، وانخفاض النمو الاقتصادي وغالبًا ما تتدخل الحكومات والبنوك المركزية أثناء الأزمات لاستعادة الاستقرار ومنع المزيد من العدوى حيث يمكن أن تشمل هذه التدخلات توفير دعم السيولة الطارئ، وإعادة رسملة البنوك، وتنفيذ الإصلاحات التنظيمية، وفي بعض الحالات، تأميم المؤسسات الفاشلة.
وللتخفيف من مخاطر الأزمات المصرفية، نقترح أن يقوم المنظمون والبنوك المركزية بتنفيذ تدابير مختلفة، بما في ذلك متطلبات كفاية رأس المال، واختبار الإجهاد، والسياسات الاحترازية الكلية والتي تهدف هذه الإجراءات إلى ضمان احتفاظ البنوك برؤوس أموال كافية، وإدارة المخاطر بشكل فعال، والمساهمة في الاستقرار المالي من خلال الاتي:
o إعادة النظر في التشريعات والقوانين ونظام الإشراف على البنوك للبنوك بأسرع وقت ممكن
o فصل البنوك الاستثمارية عن البنوك التجارية.
o إعادة النظر في أسس المحاسبة للمصارف من خلال اعتماد أسس أكثر عدالة وموضوعية من بينها أساس القيمة العادلة للمحافظ الائتمانية.
o استعادة الثقة، قد تحتاج الحكومات والبنوك المركزية إلى التدخل بإجراءات مثل توفير دعم السيولة، أو تنفيذ الإصلاحات التنظيمية، أو إعادة رسملة البنوك المتعثرة.
o الحفاظ على الشفافية والتواصل الواضح والإدارة الفعالة للمخاطر في المصارف
o من الضروري على البنوك مراقبة وإدارة الخسائر المحتملة والتي لم يتم تحقيقها للحفاظ على الاستقرار المالي وتقليل تأثيرها على الأداء المالي للقطاع المصرفي.
*الأمين العام السابق لجمعية المحاسبين القانونيين اليمنيين، خبير الاستدامة المالية