زهير فياض*
في عز أزمة سياسية اقتصادية اجتماعية خانقة يعيشها الكيان اللبناني ترقى إلى مستوى أزمة بنيوية تطال كل فلسفة وجوده كإطار سياسي حقوقي له مبرراته التاريخية، في عز كل هذه الفوضى معطوفة عليها مشتركات الصراع القومي ومجريات الأحداث الإقليمية والدولية، في خضم كل هذه الإشكاليات وفي توقيت مريب، يتم افتعال مشكلة التوقيت والساعة فإذ بها فتيل إشعال نار جديدة في هشيم التركيبة الغريبة العجيبة اللبنانية القابلة للاحتراق عند صبّ زيت الفتن الطائفية والمذهبية على نار التخلف المفاهيمي حول معنى “الدولة” و”الهوية” وإشكالية “الانتماء”… لندخل جدلاً عقيماً سطحياً تتداخل في سياقاته كل مؤثرات العقلية الفئوية المريضة والنفسية الروحية الطائفية والمذهبية العقيمة التي كانت سبباً أساسياً من أسباب كل أزماتنا البنيوية وتداعياتها في الاقتصاد والسياسة والثقافة والتربية والاجتماع الإنساني…
اذاً، تتكامل الأسباب والنتائج في التأكيد على هشاشة المرتكزات التي يقوم عليها بنياننا السياسي والثقافي والاجتماعي وتمظهراته في نظام سياسي طائفي مذهبي لم يشكل يوماً ضمانة لناسه، بل كان مولداً دائماً للأزمات عند كل مفترق ومحركاً يدفع إلى الخلف (الخلف الحضاري والخلف العلمي والخلف السياسي والخلف الثقافي والخلف الاقتصادي)، رغم أن الطاقات العلمية والقدرات البشرية فيه لو تم توظيفها في سياق استراتيجية “وطنية” حقيقية لحققت المعجزات…
فالعقل في بلادنا وفي لبنان تحديداً ليس عقلاً قاصراً، ولكن عندما يتم إشغاله بمسائل تفصيلية جانبية وفي سياق ضغوط اقتصادية ومعيشية يتم تعطيل كامل قدراته الإنتاجية على كل المستويات.
يوماً بعد يوم،. تتكشف هشاشة البنيان مما يعيد طرح الأسئلة الأساسية حول مشروعية الكيان في حد ذاته؟ وهذه مسألة جدية وعميقة لا يمكن التغاضي عنها والمرور عليها مرور الكرام!
توقيت تسريب الحديث إعلامياً حول التوقيت والساعة مريب، وهو ليس صدفة، وتفاعلات القرار وتداعياته ليست بريئة، وتدل ومع الأسف على قدرة هذا النظام العجائبي على تحويل الوعي الشعبي من مسائل تتعلق بالحياة والمعيشة والاقتصاد وتحسين مستويات الحياة ومعالجة قضايا الوجود الإنساني إلى مسائل تعيد شدّ العصب الطائفي والمذهبي… مما يُعيد ضخ أوكسيجين في جسم هذه البنية المهترئة، ولكن على نسق ثاني أكسيد كربون مذهبي طائفي مقيت مما يؤكد أننا لسنا أمام إشكالية ساعة توقيت إلى الأمام أو ساعة إلى الوراء… بل أمام أزمة بنيوية عميقة أخرجتنا أصلاً من كل سياقات الزمن والعصر والحداثة…
فهنيئا لكم ساعات توقيتكم التي تتحرك خارج عقارب الزمن….
*أستاذ جامعي. الأحد 26آذار 2023