إعداد وتنسيق هاني سليمان الحلبي:
عقدت ندوة حرمون الثقافية فعالية ملتقى حرمون الإبداعي الأول، عبر غوغل ميت، حضره 13 شاعراً وكاتباً ألقوا قصائدهم ونصوصهم.
وافتتح ناشر منصة حرمون مدير ندوة حرمون الثقافية الكاتب الإعلامي هانس سليمان الحلبي المتلقى الإبداعي، وقال:
“السلام عليكم أينما كنتم.
هو الأدبُ رحمُ لقاءٍ والشعرُ لُحمةُ لمّة، تلمّ الشملَ وتجمع الأسماعَ في تعدّد القارات والدول والأوطان والجنسيات بلغة توحّدُنا، لغةِ الجمال والورد والودّ العذب.
أرادت إدارةُ منصة حرمون أن تطلقَ مبادرةً فصليّة وربما تغدو شهرية، أسمتها ملتقى حرمون الإبداعيّ الأول، في هذا اليوم المبارك، لمناسبة بدء الربيع الطلق والسمح، وعيدي الطفل غداً في 20 آذار والأم في 21 منه، وتعرفون أنه كان عيدٌ للخصب المقدس عند قدماء بلاد الرافدين الجليلين دجلة والفرات. يليه رأس السنة في أول نيسان من كل عام باسم أكيتو. وهو أقدم مناسبة عيد للبشرية على الإطلاق. وأن تطلق أمتنا من العراق الحبيب ثقافة الفرح والاحتفال والعيد، هو فتحٌ روحيّ ونفسيّ لا يُقاس بثمن في عصر يتفنن فيه أعداؤنا باغتيال الطفولة في العامرية وسورية ولبنان وفلسطين والأمومة والرجولة وهدم الأوابد لنبقى فراغاً صفصفاً لا روحَ فينا ولا تاريخ ولا حضارة ولا إنسان يبني ويعمّر ويكتب روحَه شعراً ونثراً وحبراً.
أردناه ملتقى للحرية والحبّ والطفل والأمومة، من دون طقوس شرطة على القلب والعقل، من قلم رقيب أحمر أو أسود، يشطب هذا ويمحو ذاك، ويبدل هذه بتلك، وأقدسُ الحريات قاطبة حرية التعبير عن قيمنا، وكيف نحميها من الإرهاب والقتل والاستهداف.
أرحّب بكم بالشعراء والكتاب المشاركين في ملتقى حرمون الإبداعي الأول جميعاً: الشاعر العراقي حازم عجيل عبيد المتروكي، الدكتور خلف بن أحمد زنان الزهراني، الدكتور سرجون فايز كرم، الدكتورة خلود عبدالنبي ياسين، الدكتورة غصون زيتون، الدكتورة مليكة الطاهر بقاح، هنيبعل كرم، مارينا سلوم، علي جبار محمد شوي الجادري، حيدر عبد الجليل حبيب/ المعروف بحيدر الهاشمي، فريدة مساعدية، لمياء عمرون، بشير علي الجواد، فاطمة اسماعيل..”.
ثم قدّم الشعراء والكتاب تباعاً وفق الترتيب الوارد أعلاه.
وهنا ثبت بمعظم القصائد والنصوص التي ألقيت ووصلت منصة حرمون:
مشاركة الشاعر حازم المتروكي*
1
نوارسُ المغيب
يقينُهمْ كالرواسي لا تميـــــدُ… إذا
هبتْ رياحٌ سقـاها الشـكُّ والقلقُ
الصانعــونَ حياة الأرجـــــوانِ لنا
شماءَ يعبقُ مـــن أردانِها الألــقُ
حكايةُ الطينِ سرٌّ فــــي جسومهمُ
من فاضلِ الطينةِ العصماءِ قد خُلِقوا
كم عانقوا شغفاً جرحَ العراقِ هوىً
فضمهمْ فَرِحـــــــــاً للقلبِ .. فأتلقوا
نوارسُ الخيرِ حتى فـــي.. قلوبِهمُ
فاضَ البياضُ وفي أغساقِنا اندلقوا
كـــــانَ العراقُ فراتاً ينتمونَ لــهُ
وماؤهُ بحر عشقٍ فيه قد غَرِقوا
ودجلةُ الخيرِ أنثى كــــم تميسُ إذا
جاؤا إليها وتدري كم لها عشقوا
العاشقونَ وصــــارَ الموتُ قِبلتَهمْ
حبُّ العراقِ لهُ نارٌ بها احترقـــــوا
سفرُ البواسلِ لم تحوِ صحائفُـــهُ
قصّاً ولو ومضة قد شابها الفَرَقُ
كانوا الضياءَ الذي أعطى لنا أملاً
من بعد ما أسودّ في أحداقِنا النَفَقُ
مرّوا نسائمَ عطرٍ فــــي حدائقِنا
فواحةً نــــثَّ من أطرافِها العبقُ
كواكبُ السَحَرِ المكتظّ ….أخيلـةَ
كم كان يُشرِقُ من أشعاعِها الفَلَقُ
التاركونَ على رملِ العراقِ خُطىً
تروي لنا قصصاً من عزمِها الطُرُقُ
الله يا وطناً كــــــــم فيك أرملة
لم يحفظْ الفجرُ نجواها ولا الشفقُ
الله يــــــا وطنَ الأيتامِ تتركُهمْ
لعاصفِ الريحِ رفقاً إنهم وَرَقُ
أليسَ يا وطني في ملحِ خبزتِنا
من شارةٍ تُرتجى يوما فننعتِقُ
أمـــــا علِمتَ بأفراخٍ.. وقبَّـــرَةٍ
كم كانَ يعبثُ في أحلامِها النَزَقُ
الحالمونَ مرايا الأرضِ تعرفُهمْ
حلمُ الربيعِ الذي أزرى بهِ الودَقُ
تغريبةُ العشقِ سرٌّ كان يسكنُهمْ
أخفوهُ لكن بهِ قد باحتْ الحَدَقُ
غذّاهمُ وطنٌ مـــــن ملحِ طينتهِ
وحين ناداهمُ من حضنهِ أنبثقوا
كانَ العراقُ حروفـاً يلثغون بها
وكيف لا وهي أولى أحرفٍ نطقوا
تسابقوا للردى مـــا كانَ أولُهمْ
حِازَ السباقَ ولكن كلهم سبقوا
2
سيّدُ الضوء
سلامٌ أيّها الوطنُ المضيءُ
بكَ الآمالُ والحضنُ الدفيءُ
بكَ الأيامُ كم دارتْ رحَاها
وكدّرَ روضَكَ الزمنُ القميءُ
فكم قد ديسَ صدرُكَ من قريبٍ
وأوغرَ صدرَهُ مرضٌ خَبيءُ
وفاحَ بأرضِكَ الخضراءِ قيحٌ
وراحَ على جنانِكَ كم يقيءُ
فتأريخُ الظـــــــلاميينَ فينا
بما لم يحصَ من وجعٍ مليءُ
فأسرابُ الحمائمِ كيف يُنسى
جحيمُ الحربِ واللحْمُ الهَريءُ
سليلو نَـــوْحَ قبـــــّرةٍ تُناغي
وليداً لفّــــــهُ الزمنُ الرديءُ
وتقعدُ فـــوقَ سكينٍ تمادى
عليكَ بحدّهِ الكفُّ الجريءُ
وأنتَ برغمِ أزمنةٍ عجافٍ
على مَن عضّه سَغَبٌ تفيءُ
حواليــــكَ المنائرُ مقمراتٌ
وعيشكَ رغمَ مخمصةٍ هنيءُ
توالـى فيكَ ضدانٌ فيأسٌ
مشاعٌ بعدهُ أملٌ يجيءُ
فصبحُكَ باسلٌ والليلُ طاغٍ
وعفوكُ شاسعٌ وبكَ المسيءُ
عراقيــــــون بالحبِّ اتحدنا
ويُلعنُ بيننا القولُ البذيءُ
فلا نهجُ التطرفِ مبتغانا
به بعضٌ لبعضٍ قد نُسيءُ
سلامٌ أيها الزاكي كطفلٍ
بـرئٍ ضمّـهُ وطنٌ بريءُ
ستُشرِقُ في رحابِكَ ألفُ شمسٍ
ويُجلى الروعُ والليلُ البطيءُ
*شاعر عراقي.
***
مشاركة الدكتور خلف الزهراني*:
1
رسالةٌ إلى كوكبنا الحزين..
رعبٌ وإغلاقٌ يُذيبُ حَشاكا
يا كَوكباً تَشكو؛ فَمَا أبكاكا؟
أَوَلستَ مَن تَعلو بكلِّ حضارةٍ
وتُظنُّ أنَّكَ قَد بَلغتَ مَداكا
ماذا جَرى للطائراتِ وسربِها؟
ماذا جَرى للحاملاتِ هناكا؟
ماذا دَهاكَ فكلُّ أرضِكَ تَشتكي؟
أَلَماً وجرحاً يَستبيحُ حِماكا
يا كوكباً ما كنتَ تسمعُ حكمةً
إلَّا وكنتَ الضاحِكَ الأفَّاكا
ما كنتَ تَسمعُ غيرَ صوتِكَ داعياً
ولكلِّ نُصحٍ كم أدرتَ قفاكا
يا كوكباً إنِّي بغَيرِ شَمَاتَةٍ
لَأَراكَ في حَالٍ تُبِيْنُ أَساكا
يا كوكباً عَرَفَ الحضارةَ كلَّها
أَعَجزتَ عَن مَصْلٍ يُزيلُ عَناكا
يا كوكباً مَلَأَ الأسَى أركانَهُ
هَلَّا رجعتَ لِتَستبينَ هُداكا
أَوَمَا سَئمتَ الظلمَ في أَحوالِهِ
أَوَمَا سَمِعتَ ببائسٍ ناداكا؟!
كم عاشَ يَلتَحِفُ السماءَ بقَهرِهِ
مِن ظُلمِ هذا أو تَخاذُلِ ذاكا
خُذْ حَقَّهُ يا كوكبي وارأفْ بِهِ
لِيَعودَ ثَغرُكَ باسِماً ضَحَّاكا
***
خلف
***
مشاركة الدكتور سرجون فايز كرم*
ثلاثة أناشيد تحت نافذة ماروشكا
1-
ما هو الوطن يا ماروشكا..
غير حدود الجدران والغرف
التي تطوّقني:
غرفة للحنين
وغرفة للّعناتِ المكتومةِ في جوارير الذّاكرة،
غرفة للأمان
وغرفة للأسيد؟
محاطًا بهواء يُنقّي ذرّاته كجدّة تُنقّي عدسًا
ويدعكها طابة أمام أنفاسي أسأل:
ما هو الوطن
غير الشّكل المتكوّر في مذاق الزّعتر والمشمش
والتّين والزّيتون
غير مزاج الهزّال الأصفر
حين ننظر إلى نيسان من على قمّة جبل الجليد؟
صليبًا مقيّداً تحت سماء تنخل مشيمتها فوقي
وما انتبهت أنني ما ولدت بعد
أسأل:
ما هو الوطنُ يا ماروشكا
لعاهرٍ قدّيس يحمل سراجه داخل واقٍ ذكريّ
منفوخ بحجم أمنيات مذنّب يُصلّي أن يزداد هذا الفضاء فضاء
في هذه المجرّة الممتدّة من حدود كوكب النّور
إلى مجاهل كوكب الزّناة؟
2-
كلّ شيء أمانة
إلا أنا يا ماروشكا
تصُبّينني حطبًا على كتبكِ التي قرأتها
عن رامبو وهولدرلين وبورخيس وأوشو
ولن تنفعَكِ بعد الآن
لأنّ القرن الألفين والتّاسعَ والتّسعين قد انبلج.
أنا ماسونيّ يا ماروشكا
من أولئك الذين تتّهمينهم أنّهم يحكمون الكون
من بيت نملة وبخيط عنكبوت
بينما هم عراة مثلك تحت مطر القدر
يخصِفون من ورق الأكاسيا
على عورة جراحهم
ويلعقونها مثل طفل ذاق سكّرًا.
قومي ندفن العالمَ كما يليق بالميّتين
ونصنع من أثاثه موقدًا
نمارسُ الحبّ فيه.
3-
إنّها النّهاية… لأنّ لي مشكلةً شخصيّة قديمة مع العالم يا ماروشكا.
أقول لك:
إنّ السّماء التي تندفع من عينيكِ
مثل طائرة نفّاثة تخرِق جدار العمى
وتقصف مدينة الشّيطان الذي ينتعل أحذية الأطفال
ويلبِس قناع العالم
– أمس رأيته في منامي
واقفًا في غرفة أمامي
وخلفي ملاكي الحارسُ مهرولاً لينقضّ بخنجرٍ عليه –
أقول لك: إنّ السّماء التي تندفع من عينيك
في أحكام اللّغة لا خبرَ لها
يتمّم جملة مفيدة يفهمها العالم الذي أذكره للمرّة الثّالثة هنا
والذي ينزلق الهوينا من ركبتيك نحو الهاوية.
إنّها النّهاية… إذ لا همّ لي الآن
سوى أن أجمع الجمل البطيئة والسّريعة التي كتبها الشّعراء
بعد أن ترجّلوا عن صهوات جياد الملوك
وأطلق عليها من مسدّس الرّصاص في معسكر من معسكرات
الحرب العالميّة الثّانية أو تنظيم الدّولة الإسلاميّة
وأدير ظهري…
لأنّ الإنسان كائن عُصابيّ،
نَسّاء،
ممثّل
ومهرّج همجيّ.
تذكّري كلامي هذا يا ماروشكا
كي تكوني كائنة فضائيّة
في الرّؤية
ونبيًّا يضع الكتاب من محبرة
يملؤها بلُعابِه.
***
ملاحظة أولى: اليوم غادرت من ثقب في عتبة البيت حفرته نملة كي تجهض بيوضها
كَوْني لم أعد قادرًا على التّأرجح بين الدّخول والخروج مثل لاعب سيرك فوق الصّراط المستقيم.
ملاحظة ثانية: المفتاح تركته لك على تويج زهرتي الوحيدة
فاقرئي عليه سرّي: بهٍ أهٍ لهٌ حيٌّ
فيُفتحَ الباب
وتدخلي
وتجديني
وتسأليني
قبل أن تفقِديني.
2
نحن هنا
أيها العالمُ الوحشيُّ!
ما أخبارُ السّياسةِ
والاقتصادِ النّوويّ في صحفِ أوروبا؟
هل مِن أحدٍ هناك يذكرُنا؟
سعيدٌ أنت؟!
سعداء نحن؛ انتهتِ السنونُ
ونحنُ مشغولونَ بحكِّ مؤخّراتنا
بفولوكلورِنا السّياسيّ!
سعيدٌ أنت؟
سعداءُ نحنُ بهذا الخراب،
نحن، على كلّ حالٍ، لا دمارَ في العالم يؤذينا،
فالكلابُ التي هنا تطاردُنا،
تنهشُ أقدامَنا،
تشربُ الدّماء،
تتسلّقُ موتَنا
على جذعِ نبتةِ الفاصولياءِ في أحلامِ أطفالنا…
الكلابُ التي هنا… مِن صُنعنا،
والذُّباب…
أساطينُ الحربِ والنّواحِ والعواء،
لا هم يرحلون يا اللهُ إلى الموتِ
ولا حجارةُ المكانِ
تعيدُ البناء،
سمعتُ يومًا يتيمًا على رصيفٍ
يحدّثُ حبّةَ ترمسٍ:
“رأيتُ ما لا يُرى:
نبيٌّ يردَّ إلى الأمّة نعلَيه،
يختارُ الحَفاء
كي لا يكلّمَ في المهدِ أحدا…
كنّا في رؤاهُ كسوسِ الخشبِ في باب القيامةِ
نسعى،
وفي المنامِ، رأيتُني أصلحُ قفلَ البابِ
بحربةٍ،
والمفتاحُ سنبلةٌ مقصوفةٌ في كوبِ “كابوتشينو”
ومرايا
تُرجِعُ الكلابَ إلى موتِنا،
تصنعُ شيئًا يليق بالصّمت الأبديّ،
تشيّعُ الآتي من عمرنا بلباقةِ قبلةٍ،
الكلابُ الكلاب…”.
وهناك أيضًا، دمدَمَ اللّهاثَ في الزّوايا:
“سيأتي زمانٌ
تسقطُ فيه أساطينُ الليل
والعنكبوتُ تغزلُ خيوطَها
على أبوابِ الكلابِ، الكلاب التي هنا…
الكلاب الكلاب…
3
عزرا العربيّ
أمّتي حزامٌ ناسفٌ…
نصفُه مجرمٌ
ونصفُه حجر.
الكلاب التي أرادت أن تنام
أنشأت حزباً وقالت: هكذا أمرني ربّي….
لفلفت الحضارة في جريدة… حشتها في مخدّة
وتوسّدت فراش “ثرثر فلان عن فلان،
عن فلان”،
أطفأت الأنوار وأغرقت العالم في الظلام.
ما أرى لا يراه غيري…
أقطن غرفة الشيطان
بلا أفيون…
ونساء
وخطايا.
أكتب سفرًا للتوحيد
وآخر للشرك
يُحيلان الوصايا
شظايا.
أشعل نورًا وأطفئ
مكّة وأورشليم
والإرهابيّ إبراهيم.
*شاعر لبناني وأكاديمي يعمل في المانيا.
***
مشاركة الدكتورة الشاعرة مليكة الطاهر بقاح:
أحبّ الناس إلى قلبي أخي
كان يغض طرفه عن عثراتي
ويسعى لأكون آية الحُسنِ
يسمح بحبه طوفان سيئاتي
يلاطفني ويداريني وردة
معه أفوح فرحاً لكل الجهات
وينصحني برفق وتحنان
بدأبه يتهذّب طبعي وزلاتي
أيا أخاً توطّن شغاف قلبي
انتزعتْك غصباً منّا المنيات
نأيت عن دنيانا راحلاً أبداً
وحزن غيابك طاف بالعبرات
كيف بعدَك أعيش وحيدة
وكنت لروحي الروح والحياة
يا حبيباً توارى خلف الزمان
وارتدى تُربَ الردى والرفات
***
كيف أشكو آسايَ وحالي
وبات ما في قلبي باري
وخاطري مكسور الجناح
ودربي بعدَك مسدود الجدار
وهم قلبي يكاد يصعقني
ودمعي على خدي نهر جاري
يا توأم فؤادي قصمتَ ظهري
وكيف هول غيابك المريع أداري؟
همساتك في أذاني تسكنها
وظل دربك الوضاء مساري
بكائي أعماني وشوقك قاتلي
كيف أراك يا نوراً بعمى أبصاري
وصرت أطوف بين الوجوه أينك
يعلو طيفك بموج ويغيب الصاري
ألمي لا ينتهي وجرحي لا يبرأ
وعويلي سلسال وضياعي إطاري
بالأمس كنت لولبَ جمعتنا
ها قد غدوت كطبشور غباري
وبحثت عنك في الأماكن كلها
وفي مواقيت الزمان الناري
أيا قبراً بارداً رفقاً بجمالنا
فجمالنا البستان وخير الثمار
طوّقه حباً وازرعه ورداً
وفوّحه ريحان وديان وصحاري
هو العزيز المؤنس بلقياه
وحين غاب صامت الأرض والمدار
وساد فراغ مهول في وجودنا
واندكت الروح واندثرت أسراري
*شاعرة وأكاديمية جامعية من الجزائر.
***
مشاركة الكاتبة الدكتورة خلود عبدالنبي ياسين*
1
وقفة
أقف هنا في زاويتي المفضّلة، أغزل شالًا لكتف التّلال البعيدة بضوء عيني، لأستميل بصره نحو هذا المكان..
بعيدة أنا عن متناول النّصّ، وبعيدة كلّ البعد عن القصيدة، لكنّي قريبة من القلب، أسكن أقاصيه، وأعمّر الرّوح بضحكات مسروقة من الزّمن.
اسمي يُشبه سرب فراغ بين رصاصتين طائشتين، أخبّئ لغتي في حجر أمّي وأهرب، كي أعود..
أهرب لأقشّر معه وجه اللّيل، وأنتظر طلوع الشّمس، لتُلقي علينا القبض، ألمّع الكون وجماله في قلب أحدهم من دون ترخيص، وأهرب أيضًا، لمخالفتي للقوانين..
أحتسي قهوتي من الأرصفة المفتوحة، ثمّ أفصّل من قماش اللّيل الأرق أكمامًا طويلة جدًّا تصلح لعناق دافئ يمحو لعنة الشّوق، وأطحن صمت ظلّي، فأختبئ خلف نظراتي الّتي لا أستعملها، حين أكون مجرّدة من السّلاح، وفي كامل وعيي..
بعدها أقرّر استبدال القهوة بعدّة نصوص لم تُكتب، فأخرِج الأفكار من رأسي تِباعًا وعلى توقيت المزاج. كم تزعجني الأفكار الكثيفة حين تخرج على شكل صداع!!
..أمشي وأمشي مع أناي، وأُنهي نهاري كطفلة صغيرة، تبكي قبل النّوم ولا يراها غير اللّه، وتدعوه بدموعها أن تموت غيرتها من النّصّوص غير المقروءة وغير المكتوبة قبل انبلاج الفجر، وترشّ في وجه الشّمس صباحًا ما تبقّى من أحاديث عالقة، وأمنيات طفوليّة عابقة، فيضحك النّهار لفقراء العالم ومساكينه ولو لمرّة واحدة..
2
أنا!
أخبرتك ذات يوم أنّي
من نسل القادمات من الماء
الواردات إليه
أمدّد قمصان الغائبين
تحت الشّمس
وأترك عيني للرّيح
ليجفّ ملحها..
أنزع أحلامي قبل النّوم
أرتّب صوتي قبل الحديث
أغذّيه بمربّى التّوت البرّي
ثمّ ألتفت يمينًا وشمالًا
أنتظرك
وأكمل حديثي مع نفسي..
فأتخيّل من يشكّل طيني بين يديْه
ومن يغمس عسل عيوني في عينيْه
ومن يرتشف كلماتي
كمن لا يُدرك خاتمته
ويكون بقربي
خارج القدر
خارج النّصّ..
كرجل بلع روحه هاربًا من الجميع..
رجل كلّما سعى للغياب
مسحتُ له غبار المدى
بتلويحة..
كي يعود..
فيقول لي حقيقة واحدة
الحبّ: هو أنتِ
لأنّك.. امرأة
والأخريات.. نساء
فأكمل صناعة السلّة من أغصان الشّجر الغريب
وأجمع فاكهة الحبّ فيها
فنلتهم الحُبّ بقشرته..
وأرمي في هذا النّهر أمنيتي
كي لا يمسك بها سواه..
#مجرى_اللّيطاني
3
لي
لي عين واسعة
تتقن النّظر إلى العالم
من ثقب قلب
وجرح عميق عمق الوجد
لي بقايا ورد خبّأتها في دفتري السّرّيّ
كتعويذة غير مفهومة تقيني من الحسد
ولي نصيب من الغبطة
تجعل أصابعي تنقر على النّوافذ
كلما مرّ عاشقان يضحكان قرب البحر
لي مفردة غريبة
دسستها في جيب حبيب من دون أن ينتبه
ولي حقيبة سفر جاهزة
للهروب نحو المطارات البعيدة
ولي أغنية..
يردّدها حارس المحطّة بعد أن يغلق أبواب غرفته..
ويحصي غنائم أضاعها ركّاب القطار بداعي العشق..
لي اسم لا يتقن لفظه إلّا من يعرف تفخيم الحروف
ونسب يمتدّ جذره إلى البحر البعيد.. البعيد
لي ما لك من هذا العمر
أرق.. وقلق.. وحبّ.. ولوعة..
وجع.. وحيرة.. وانتظار.. فاحتضار..
ولي حياة في قلب ما
في جذوع شرايين مثقلة بالأنين
في زمان ما
مع حبيب..
سيعيدني الحنين إلى حنايا روحه
والتّاريخ لا يهمّ..
*مربية وشاعرة من لبنان.
***
مشاركة الدكتورة الشاعرة غصون زيتون قيس:
1
سرد من علو شاهق..
بين صفير الحياة.. وضجيج الوقت…
يتراءى لي الأمل مضطجعا..
ليت للأخضر مكان !..
تفوح الأساطير من ذاكرتي..
أغادر نفسي لأعود…
بِحَيرة جديدة يبدأ الحلم…
كالحةٌ وجوه الصبر…
هل نصمد معاً؟
يشاغب الجنون في أذني !..
أمارس التفاصيل..
لتسقط مني الوحدة…
كعود ثقاب لا يحترق !
#Ghosoun_Zaitoun
2
ولأن الأمومة هي خلق المنتظر وانتظار المتوقع…
يأبى رحمي الفكري أن يلد نفسه!..
ف ولادة النفس تشبه انبثاق الكون الأول!…
ولأنني جرم صغير انطوى العالم الأكبر بكل موجاته وجيناته وجناته بي…
فأنا أم بلا لقب الأمومة واصطفاف الدم في سلالاتي!..
أنا أم بلا عواطف التصنيف والتقسيم والتفضيل!…
أنا أم بلا الكلمات المهترئة والحروف التي صدأت وبلا الأفواه التي لا تنضح الا بالعدم!….
ربما…
يأتي ذلك الوقت الذي أتقن فيه أمومة نفسي…
وأحضنها وأقبلها وأقول لها… سامحيني!..
#عبثيات
3
القصيدة..
تنام باكرا…
لا ترتفع حرارتها صيفا.. ولا ترقص تحت المطر…
لا يصيبها أرق الحيارى ولا ألم العشاق…
تغادر متى شاءت وتعود حين يصيبها الحنين..
هي حرة متى خلعت ثوب القافية وعبرت بحور الشعر…
لا بد للقصائد أن تكتب نفسها.. لتكون نفسها!
#القصيدة
#Ghosoun_Zaitoun
4
أبواب العبث
باب الخوف…
ما نفتحه بأفواهنا..
يجلب لنا الهلاك !…
باب الأمل..
أعانق الماضي..
فأتقيّأ انتمائي !
باب الحكمة…
أختفي خلف روحي…
ليصلبني الصبر !
باب الغضب…
أصرخ بأعلى صمتي..
ليتني فكرة !
باب القوة…
أتهيأ للعتمة..
لأنني نور خالص !
باب الصمت..
متى كنتُ حرة؟
…..
باب التمرد..
……..
أحرقت قوافلَ من أهازيج !
باب الشعر..
أنا القصيدة…
لذا لا أرتدي القوافي !
#أبواب_العبث
***
مشاركة الشاعر علي جبار محمد شوي الجادري*
1
عبيد الرب
سَأكْفرُ بِربّكُم الذي بهِ تُؤمِنُون
سَأكْفرُ بكلِّ أرْبَابِكُمْ المَتَعْدّدةِ
التي سَمَحتْ لَكُمْ بسَفْك الدِمَاءِ
وسَرقةْ الشعوبَ بوضْحِ النَهارِ
وتَسيّدَ العواهر بأسماءَ عدّةٍ
يَا مَنْ جَعَلْتُمْ مِنْ أجْسَادِ الضَحَايا سُلّما
لِقَعْرِ جَهنّم
لطم وصرَاخٌ وعَويْلٌ
هذا مَا وَرِثَه المُنْتَخبونَ السذّج
مَنْ بصْمَتِهم
يومَ الزحفِ
إلى صناديق الخيبة والذلة
بَعْدَما فَرحوا وصفقوا طرباً
ساعة الحقد والتملقِ الأكبرِ
يوم باعوا كلّ ما يملكونَ بسعرٍ بخسٍ
أصحابُ القلوبِ البليدةِ
بقارورةِ كوكاكولا
وضحكةٍ منافقةٍ
من الرب الجديد
بعدها يَأسوا من طرقِ الأبواب
وعضوا نَواجذهم ندما
وكفروا بكلِّ الأربابِ كذباً
بصمتِ الجبناءِ
هربوا
إلى المسبحةِ وسجادة الصلاةِ
وهم على يقينٍ
بأن اللهَ لا يستجيب دعاءَ
مَنْ خذلوا الأوطانَ
واعتنقوا الكذبةَ الكبرى
وأسموها حكمةَ دينٍ
راحوا…
2
حَفيدةُ عشتار
في آخر الليلِ
تَهمس في أذني
بصوتٍ دافئٍ
لا تكثرْ من القبلاتِ
فالأمراءَ عبيدُ النساءِ
وأنتَ المجنونُ
بلثمِ النهدِ
حدّ الثمالةِ
حدّ الخرافةِ
كي تشرك بالإلهِ
إلهاً آخرَ
وتجعل الشفاهَ بيت عبادةِ
وترسم على جسدي
المعابدَ والمآذنَ والأوثانَ
تختلقُ الأعذار
لممارسةِ الطقوسِ
على فراش اللذة
ما بين الذرة والذرة
تحرقُ أصابعَ البخورِ
تصعد روحي
تبعد مسافات
تقتربُ من الرعشةِ
في آخر الليلِ
أثر البرد
أثر الحر
وفي الليلِ العاري توصلني
لتحدّي الموج الأهوج
سأركبه
وإن ارتفع الطود
حتى أصل لبرّ الأمان
فجنوني يضاهي
جنونك بالحبّ
لممارسة الطقوس الوثنية
اسمعني همسات البوحِ
لآلهة الخصبِ والنماءِ
لدى الإغريق
والفراعنة القدماء
أدعوني
عشتار
أفروديت
ايزيس
فينوس
أتيك بكلّ آيات الجمال
لنمارس
ترنيمة الآباء والأجداد
حد الفجر
ونكون عبيداً
3
يا أمنا العذراءْ
اتلي علينا… سورة الغفران
كي تُفتحَ الأبوابُ اللامرئيّة
للزقورة
لنبتدئ الصلاة
لتوقف الدمَ الباردَ
وينقشعُ الغيمُ الأسودُ
ولنقرأ كلَّ الترانيمِ القَديمةِ
في الزمنِ الغابرِ
لتنزلَ روحُ الرب
تتلقى هذا القربان
الملتقم الثدي بفيه
واللحم الممزوج
بطعم الكبريت
مطحونٌ برماد أسود
فما زالت ميدوزا فينا*
تنفث من سم الحيّات
أكواماً وحشرجة سكرى
وسط الرحم
موت أحمر
ويمضي فينا الزمن المرّ
فوق مأساة الضجة.
*شاعر عراقي.
***
مشاركة الشاعر هنيبعل فايز كرم*
1
وحدَه الحبّ يا وطني مهجَّرٌ!
سأرحلُ كما وُلِدتُ،
قائدًا حالمًا،
ثائرًا مقتولا،
أرفعُ في ظهرِ البحرِ قبضتي
أتحسّسُ الرّيحَ لأعرفَ
من أيّة جهةٍ تهبُّ…
علاماتُ السّاعةِ أعرفُها:
ذئابٌ تنهشُ ذئابا،
رأسُ نبيٍّ على خشبٍ تدلّى…
أدركْنا يا سيّدَ الزّمان!
بعضُ الخلِّ سمٌّ في الأفواه،
بعضُ الزّهرِ على الشّفاه سُبابْ…
أخٌ يذبحُ أخًا مات قبل يومينِ
من الأملِ،
وآخرُ
يدسُّ فكرةً في جيب فقيرٍ
مرمرهُ العذاب…
تقوَلُ حبيبتي: “لن أودّعكَ
قبل اكتمالِ قمرٍ أحمرَ في السّماء،
فاجرِ الآنَ إلى الطّواحينِ بسيفٍ أخرقَ!
أودّعكُ حين تكتملُ الرّؤيا…
وحين تصيرُ، سنرى الأثداءَ
تهزّ أمامَ جيوشٍ
كانت كالنّوارسِ تحرسُ البحرَ وتعلو…
وحدّهُ الحبُّ يا وطني مهجَّرٌ،
وحدَه الحبُّ… مهجَّرٌ يا وطني،
والباقي خراب…
2
قائدُ الفيلقِ الأخير
لمْ أُخلَقْ من عدمٍ…
وُلِدتُ من ترابٍ أعُدُّ النُّجوم،
مُرًّا كعلْقمٍ،
واقعيًّا كالحبِّ في جيوبِ الفقراء،
حالمًا كرصيفٍ يطيرُ،
وصاخبًا كسفينةٍ تجنُّ في ظهرِ البحرِ
فيقلبُها…
هكذا أنا
غيمةً غيمةً أُعِدُّ النّجومَ لعينَيكِ الجميلتَين،
والنّجومُ نعناعٌ وسكّرْ…
أحلامي
هذي الشّرفاتُ تدلّت وجوهًا فضيّةً
تغازِلُ الإسفلت في صدري
وأكثرْ…
أفتحُ للهواءِ رئةً،
أضمّدُ شهقةً
بينها والضّمادِ تفتَّقَ وطنٌ وأزهرْ…
تعالَي نَتْلُ الأمنياتِ لعامِ بعد الحربِ:
“فَلْتَمُتِ الجَرادةُ على شجرِ اللّغةِ والشّعر،
والعنكبوتُ على أفواهِ العبيد،
والقمرُ… لتسقطَ الذّئابُ
وتمطرَ الغيومُ حليبًا
وحِبرًا يكتبُ التّاريخَ من جديد”…
هل تسمعين…؟
وَرَقُ الخريفِ في يَدِي
موسيقى تلِدُ الرّياحَ من عصا
قائدٍ مرفوعةٍ إلى السّماء…
خطاهُ إيقاعُ جنادبِ الحقول،
صوتُه زمانٌ مضى
وجنديٌّ وقفَ في السّاعةِ الصّفرِ
يسألُ عنِ الرّفاق،
كانت وجوهُهم يابسةً لا تموت،
وقلوبُهم خضراءَ كالحبِّ
حينَ هوتِ الجبالُ
من فمِ السّماءِ نَيازكَ على عَباءَةِ اللّيل…
الآنَ… دعيني
أرحلُ إلى الأرضِ التي رحلتْ في عباءةِ جَدّي،
كلُّ شيٍ يعْصِرني في دمي:
القنديلُ المُطفَأ فوق الباب،
المفتاحُ المعلّقُ بالموتِ المؤجّلِ،
العرقُ فوقَ الجبينِ،
والنّساءُ اللّاتي يذْكُرْنَني بابتسامةٍ
تلدُ ألفَ جرحٍ…
كلُّها واقعيَّةٌ كنشرةِ الأخبار…!
لا، لمْ أُخلقْ من عدمٍ لتقولي:
“غريبٌ أنتَ!
يُغريكَ المَقهى، لا تُغريكَ النّساء!”،
بلْ تحتَ زيتونةٍ
جَمَعني النّحلُ من الصّعترِ البرّيّ…
دعيني أحبُّكِ كما أعرفُ،
أمسحُ يديَّ من أوهامِ القبائلِ،
أنتظرُ اشتعالَ الأرضِ كلِّها،
وَجْهي، ذاكَ المُدَمَّى، قائدُ الفيلقِ الأخير…
*شاعر ومربّ ومناضل من لبنان.
***
مشاركة الشاعر حيدر الهاشمي*
انتظار
في ليلة باردة
القمر يغازل النوافذ
النجوم تقف عند حافة الليل
تحرس مياه الأنهار
العصافير تتظاهر على الأسلاك
تحتج وتقول (لن تخيفنا أصوات المدافع)
الأطفال يلعبون الحرب
والأمهات يجمعن الرصاص
الشتاء بدمعة كبيرة، يأخذ غيمة من حزننا ويغادر.
تاركاً لنا المعاطف والذكريات
الفراشات تحوم حول الستائر
تحمل رائحة الأزهار
كم أمنية ماتت بين يديك
وكم من ابتسامة بريئة سرقها الغياب .
الطير الذي كان يغرّد في داخلي
خرج يبحث عنك.
أفتح الباب لنفسي
أسير وحدي، بين أعمدة الإنارة وأغاني الأشجار
أقف أمام القمر، أتنفس عميقاً
وأنت مثل رصاصة طائشة
تجتاز الحقول والبساتين
وتسكن القلب بهدوء.
*شاعر عراقي.
***
مشاركة الشاعرة د.لمياء عمرون*
زهايمر
ما أصعب ان تلتقي انت وحلمك وجهاً لوجه.. بعد فوات الأوان.
إنه يراك..
بعينين ثاقبتين يحمل ذراعيه… يفتحهما أن هلمّي ها قد وصلت.
يومئ برأسه أن تقدمي. لمَ تقفين عندك!! تحرّكي..
إنسجمي مع ما سعيتِ له منذ سنين..
لا يعلم أن الأوان قد تغير.. لم أعد تلك الحسناء التي تسمع أجراس خلخالها وهي آتية من بعيد.
خصلات شعرها تتناسب طولياً مع جسد ممشوق خاضع لها منذ بلوغها…
يقدس أنوثتها التي انفجرت فيه دون سابق إنذار.
مَن تراه يخبر هذا الحلم القابع أمامي أن ندبات الزمن عضّت بأنيابها على تقاسيم الجمال.
مَن سيواجهه بالحقيقة المحتمة.. أنني أصبحت أنسى تواريخ الأحداث السعيدة التي كانت زادي ومزوادي.
نسيت عناوين خواطري..
أين أضع فنجان قهوتي؟.. أي الكراسي شاركتني سماع سمفونيتي؟
أتحت هذه الشجرة كنت أنظم أشعاري!؟
يخترق مسامعي صوت الضحكات.. في ليال السمر والجنون..
في أي زاوية كان يلتفّ الشمل؟
حنين قاسٍ لأقلامي ودفاتري..
إنها تناديني يتمزّق داخلي وأنا أسمع أنينها… هي تفتقدني..
لا أتذكر مكان وجودها.. ما دار بيننا عبر السنين لا تدركه الأيام
وخبئناه سوياً حتى لا يسترق الكون سمعه لتخاطرنا.
حقيبة يدي الصغيرة.. الأنيقة.. الشيك.. لطالما تهامسن المرموقات عنها في سهراتي الغابرة!!
إنها تضفي جمالاً فوق جمالي وعبقاً فوق حضوري.
أحذية الكعب العالي.. أحمر شفاهي.. زجاجة عطري.. صندوق مجوهراتي.. تفاصيلي الراقية.. كانت تختارني قبل أن أختارها..
هي تدرك ذوقي الرفيع وتدرك أنها لن تنال مني.
لا بد لها أن تكون لائقة بشموخ هامتي..
ذلك الحلم لا يعلم أنني لست أنا هي.. لست تلك الجامحة التي تقتلع أحلامها بشراسة من فم الحياة
لن يصدق ما أنا عليه لا يعلم أنني استغنيت عنه أنا لا أذكره؟
قصاصات الأوراق التي دوّنت عليها أمنياتي رميت مع كراكيبي دون علمي..
كيف للحياة أن تنسى بطلاً من أبطال مسرحها لقد كنت يوماً ما هناك. مع الكل.. أضحك.. أحلم.. أرقص.. أحب وأراوغ من أحب..
أنحت الصخر بكل يسر.. أمضي قدماً كلما أردت.. لا يجرؤ الاستسلام قرع أبوابي.. إنه يهابني..
يخشى جبروت شبابي..
تناسى الدهر وطأ أقدامي.. واختزل عقودا ترعرعت فيها هنا… نعم كنت موجودة متوهجة الحضور.
مَن سيخبره أنه تأخر وأنني أطلت الانتظار…
مقابلة مجانية حصرية بيني وبينه أصبحت بلا معنى الآن.
لقد كنت يوماً ما أقارع للوصول اليه.
أيها الحلم. عن ماذا تتكلم؟
أنا لا أقوى حتى على الوقوف لأحتفي بوقوفك أمامي.
جثتي المرمية على هذا الكرسي اللعين تكبلت بعد تلاشي عزمي واستماتة أطرافي.. بترت أحاسيسي.
الليل يساوي النهار والصمت يمتزج مع الضجيج دون نزاع.. والأمل لا يبالي مجالسة اليأس..
دموع الفرح ودموع الحزن تصبّ في مصب واحد.. عالمي موحد بسيط وأجوف يستوي السلام فيه مع الحرب والاهتمام باللامبالاة.. لا تضيّع وقتك سدى منتصباً أمام إمرأة تبخرت منذ الأزل.
إمضي فهناك الكثير أمامك.. دربك يعج بالمحتجين الذين يتصارعون لنيلك.. امضي..
امضي.. ولا يغرنك سباتي فالصراخ يتعالى بداخلي.. منذ نسيت أسماء اولادي وشامتي السوداء على خدي الايسر.. انت تعلم انك آخر أحلامي.
حبكت خطتك وأنا افترش سقمي وأصارع سكرات منيتي.. لم أغلق يوماً مملكة احلامي.. إنها تكبر بتعالي أنفاسي كل حين.. وصلت لآلاف قبلك. فالأمنيات لا تجرؤ أن تتجاهل قراراتي ووقع خطواتي.
أنت أمامي الآن لأنك تدرك جيداً من أنا !
امضي فأنا لا أندب أطلالي وإن تٱكلت هامتي.. ألم تسمع من قبل عن أبطال انتزعوا موتهم من خواتيمهم بجدارة!! وسلموا أرواحهم الثائرة بأيديهم للتأبين مع سبق الإصرار والترصد.
إنهم لا يهابون نقطة النهايات.
يبدأون بشجاعة وينتهون كذلك.. سأخبرك شيئاً… أترى تلك الغيمة سنمتطيها سوياً إنها تتسع لكلانا..
أأخبرك ما إسمها؟؟.. رافقني…
لقد باتت ملاذنا الوحيد.. عانقينا أيتها الغيمة.. فأنت لا تنكرين الجميل كنت قبل هذا أرسل لك آلاف الأحلام.. التي شكلت حناياها بعرق الجبين.
لن تخذلينا وكلانا وحيد الآن.
دفئك سينسينا جفاء السنين.. هلمي يا مخدعنا الآمن.
أيها الحلم نم هنيئا معي جنباً الى جنب فقليلون هم من في مقامك… مرحبا بك فكلانا يتربع على غيمة الحلم والنسيان.
2
لكِ أنتِ
لك انتِ
لم أجد كلمات تصف عبقها..
تلك الزهور التي تناثرت على وجدانها.. ارتمت على وجنتين بلون الحب.
لم تعد الصلاة تجدي.
ولا الطقوس تكفي.
ولا اليوڨا تهدئ وترقق قلبها العاشق.. العاشق للحياة. المحب للحب الدافئ للشوق.
كبلت كل السكارى وانتهت عند خدها أسرار العذارى.
ليست لأنها فارسة عصرها.. لا..
إنها أنثى متوجة منذ الأزل. شيدت عصورها منذ القدم وزرعت آلاف البساتين على صدرها.. إنّها تلك الأنثى..
خالقة الحب.. صانعة الورد.. ملكة الكون
إنها انت….
*شاعرة ومدربة من الجزائر.
***
مشاركة الشاعر بشير علي الجواد*
1
لا أكتب الشعر يا صغيرتي
بل أرصف طريقاً قطنياً لقدميك العاجيتين
وأبتدع نسيما جديدا
يحمل عطرَكِ في حقيبة يده
ويحمل يدَكِ في حقيبة عطره
لا أكتب الشعر
ولكن أبتكر صوتاً لغيابك
و آخرَ لحضورك
أمارس ألعاب الخفة
لأوهم الناس بالقصيدة
وأُخرج من صدري حمام وجهك
2
وجهك نطفة الفرح الحقيقي
لينجب الف ضحك في طريقي
ويلبسه رذاذ السحر ضوءاً
كما لبس الأثير صلا الرحيق
لوجهك دهشتان ورمح صبح
بصدر الليل يجهش بالبريق
إلهي إن رفعت سماء قلبي
بلا عمد فراعِ اليوم ضيقي
طليق وجهها والفلك مرعى
وأعشق فكرة القمر الطليق
أيا وجها كزيتون عتيق
يضوع قداسة قد جفّ ريقي
به أبصرت أسرار ارتوائي
عتيق الثغر أعرَف بالعتيق
3
أمي
ملتوت وج الليل
بطحين القمر
ع كفوفها عم ينعجن إحساس
امي بتحكي ضو بتمتم سهر
امي إذا صوتا انكسر
بيوقع قمر عالناس
ولولا بتدعس عالحجر
بيحس حالو انباس
4
بدّي وقت
بدّي وقت ت لف جرحي ودخّنو
بدي وقت ت تلج روحي سخّنو
وخيط اللي بيني وبين أعصابي
كترة ما مرجحني هوا غيابي
رق وما في غير الشعر بيتَخْنو
بدي وقت ت جمع حروفي صدف
قلبي بحر عن سطح تنهيدي دلف
والموج وحش كبير
عالسطح عم بيخنّق عصافير
يترك أغاني مخزقة
مفتوح تمّ البير
ومسدود مزراب السطح بالزقزقة
بدي وقت خمّر أماني جداد
بشي قبو ما يلوحو الوقت
متروك
ما في ولا زر بدمعتو مفكوك
ل كانو قبل لاحن دموع ورطبو
وزغير كنت مفكر عيوني قبو
وكانو بعد ما تقطبو
والعمر هب وفلّت المكوك
5
نوبة وجه
حينما ينتابني وجهُك
يدنو إليّ الوحي
أشعر أنني أغفو بحضنِ الآلهة
وأشعر أنني صيفٌ عبوسٌ في دمي ضحكت أطفالُ الفاكهة
حينما يجتاحني صوتك
كخيلِ الضوءِ
أشعر أنَّها عادت
إبنةَ روحي التائهة
*شاعر من لبنان.
***
مشاركة الكاتبة المربية فاطمة حسين إسماعيل:*
1
فسيفساء أبي
للتوّ بدأت معاركي
العمرُ غفلة…
وكل ما مرّ كان لهوَ أطفالٍ في أزقة الحياة…
اليومَ أقفُ ضعيفةً أمام ورطةِ انزلاقي من العدمِ إلى هذهِ العبثية…
معركةُ الحياة الأقسى والأضرى. معركة مواجهة المرض، وواقعِ التقدّم بالعمر، وحقيقةِ الموت. والفقد، والقلق المستدام.
يُقال إن اللهَ قهرِ الإنسانَ بالموت… فماذا عن قهرِ المرض وجبروته… عن بأسهِ وهو يخسفُ بكَ كلَّ أرضٍ أمان تطؤُها…
يمتحنك بعزيزٍ، بحبيبٍ…
تعيشُ مع القلق والأرق كتوأمَين، يستبيحان الروح، ويقضَّان المضجع. ويُوهنان القوى.
تجربةٌ مريرةٌ، حزينةٌ، محبطةٌ، قاتلة.
آلمتني، نهشت أمني وأماني وسكينتي. ذرتها هباءَ في رحاب سماءِ قلقي التي لا تعرف حدودا. ولا تقف على فكرةٍ واحدةٍ مرعبة، بل تتسارع في تلافيف دماغي أفكارٌ وأفكارٌ مرعبة. تشي بفقدٍ جديد. وتهددُ بتجربة مرضٍ مؤلمةٍ وشيكة…
بتُّ لا أثق بلحظة فرح، او دقيقة استقرار، حيث يعود مارد القلق ويضرب بعُرض الحائط كل شيء، فيتشضّى الهدوء ويستحيل وحشةً وخوفا.
يومَ كان يُتعبني الحاضرُ السيئ ويقلقني المستقبلُ المجهولُ المبهمُ كنت أهرب للماضي البعيد علّني أجد فيه ما أكمل حياتي به. فتنتابني مشاعرُ مختلطةٌ بين السعادة والالم والشجون والحزن. لبراءة الطفولة، وجنونِ وطيشِ المراهقة، واندفاع الشباب. لفقد أصدقاءَ وتشتت شملِهم، واحتضانِ الثرى بعضَهم… لتغييرِ معالم الحارة. وفي كل تفصيل من ذاكرتي كان طيفُكَ حاضراً فيه يا نورَ عيني.
فأنا التي ينتابني حزن كئيب لتغيير حائط في حارتي القديمة، فكيف احتمالي لفقد من تمحورت بين حناياه طفولتي بالدلال والحنان، واحتضن طيشَ مراهقتي تقبَّلها واحتواها. وعُجنت أفكارُ شبابي بفكرِهِ وعقلِه ومعتقداته. وبخميرةِ حكمتِه وعقلانيته تبلورَت ونضجَت استعداداً للخوضِ في معتركِ الحياة ومواجهة ما يحيطُ بي من جهلٍ وتخلفٍ وتصنعٍ ورياء.
هذا الفقدُ الجلل أصابني في الصميم. أدمى قلبي. ولو أن الألم يُرى لرأيتم في ألمي فسيفساءَ حزينةً فريدةً تحكي قصةَ أبٍ اجتمعَ فيه أمانُ الأبْ، وحنانُ الأم، ولهفةُ الحبيب وصدقُ الصديق، والمثالُ الأعلى. حكمةُ الرصين، ووعي المثقف، وذوقَ ورهافةَ المحبّ للفن، وخفةُ ظل البشوش الضاحكِ المتفائلِ دائماً.
فقدُه كسرَ قلبي، وظهري، وعمري، وبسمتي.
بتُّ هائمةً على وجهي، ألملمُ أشتاتي وأجزائي بعد ان تبعثرت بغيابه.
*كاتبة ومربية.
اما الشاعرة مارينا إبراهيم سلوم فتحدثت بكلمة عفوية عابقة من القلب متوجهة إلى الشعراء والكتاب المشاركين بإعجابها بما سمعت ووعدت أنها ستكون مشاركة بقصائدها في الملتقيات المقبلة.