زكية سكاف النزق*
المعرفة هي الوعي والإلمام بخبايا الأمور وإدراك دلالاتها، وفهم الحقائق وسبر أغوارها. إنها مرشدة المرء ومرجعه لتكوين نظرة موضوعية يتبناها لإبداء رأيٍ معلّلٍ أو اتخاذ قرارٍ صائب، ولتحدّي التصوّرات الواهية والاعتقادات العقيمة التي تُعيق كل تقدّم، فما “المعرفة إلا محرّك التقدم”[1]. هي طاقة للذهن المدبّر الواعي. ويقول أنطون سعاده عنها: “… المعرفة سلاح وعدة”.[2]
المعرفة ليست بعيدة المنال، إذ يمكن الاستحواذ عليها من خلال تحصيل المعلومات والدرس والاستقصاء والتعمّق بطبيعة الأشياء أو إجراء الاختبارات الشخصية، وكذلك عبر الاطلاع على أبحاث الآخرين ونتائج تجاربهم.
تتّسم المعرفةُ بمميزات جمّة، منها: منح المرء قدرة على تغيير ما من شأنه عرقلةُ أي تطور باكتساب واستنباط معارف حديثة تواكب احتياجات المجتمع؛ توفّرُها للجميع لأنها ليست حصرًا على شخص معين أو فئة محددة؛ القضاء على الجهل وتحرير النفوس من قيود وأمراض اجتماعية رائجة؛ إثارة الاهتمام لدى المُقبلين إليها لتقبُّلِ الأفكار الحضارية الراقيّة نابذين تلك الجامدة.
لا تزال بعض الأفكار والعقائد المتشددة، للأسف، تجتاح مجتمعنا، وتتغلغل في أذهان أبنائه مسببّة تقوقُعهم وانقساماتهم، حيث يتمسك كل منهم بمعتقداته رافضًا مناقشة آراءٍ معارضة له. بل قد يذهب أحيانًا إلى أبعد من ذلك، فيفرض قناعاته عنوة على الآخرين.
لكن من ناحية أخرى، هناك حركات مناقضة لها تتضمن مبادئ نهضوية تهدف إلى توعية أبناء المجتمع، وتفاعلهم معًا بتعاضد لبلوغ غاياتهم. ومن أبرز هذه الأفكار، الفكر القومي الاجتماعي الرامي إلى بناء الإنسان الجديد ومدّه بالمناقب وقيم الوجدان القومي، والساعي إلى توسيع آفاقه بفهم عميق للأهداف السامية فيشكل قوة قادرة على الإنجاز والتطوير. وفي هذا الإطار يقول سعاده: “يجب علينا أن نفهم هدفنا فهماً صحيحاً لنكون قوة فاعلة محققة…”[3].
إننا نحتاج إلى هذا الفكر القومي الاجتماعي لتشييد مجتمع راقٍ “وهذا لا يتم إلا بالدرس المنظم والوعي الصحيح”[4]، مما يتحتم علينا نشره بسعة إلى كل الفئات العمرية، ذكورًا وإناثًا. ويمكننا اعتماد سُبل عدة للوصول إلى هذه الغاية، وأهمها:
Ø زيادة الاهتمام بالأحداث والشباب والتقرّب منهم بالأساليب التي تجذبهم، وتلقينهم المفاهيم القومية الجيدة التي تزرع فيهم الفضائل والخصال البديعة، وترشدهم إلى طريق الحق والخير، حينها يصعب توغّل الاعتقادات الرجعية في أذهانهم.
Ø تعزيز اللقاءات والاجتماعات الثقافية، لما لها من أهميّة في تفعيل التفاعل الاجتماعي وإنعاش الروح القومية بين الأفراد.
Ø تكثيف الندوات الثقافية والتقنية التي تجمع أبناء الوطن في كل أصقاع العالم، مما يساعد في تلاقيهم وإحياء الشعور القومي بينهم، لا سيّما عندما تكون مشاكل مجتمعنا وهموم شعبه محورها.
Ø ترويج الأفكار التربوية الداعمة للفكر القومي، وحث الأدباء والمفكرين الوطنيين على الاستفاضة في إنتاجها.
Ø توسيع انتشار دور النشر التي تقوم بطباعة كتب الفكر القومي الاجتماعي، وتشجيعها على إصدار هذه النوعية من الكتب.
ختامّاً، للمعرفة تأثير جوهري على وعي المرء، فهي لا تنقذه من الجهالة والرعونة والتصرفات الهوجاء فحسب، بل أيضًا تقود إلى نُضجه واكتماله وتيقّظه لينفتح على كل جديد ومتحضّر.