ناصر قنديل
- يُلاحَق حاكم المصرف المركزي رياض سلامة بدعاوى أوروبية وادعاء لبناني بتهم الاختلاس والفساد وتبييض الأموال، وهي جرائم جنائية شخصية تتصل بسوء الأمانة وانتهاك القوانين وصرف النفوذ، لكن مضبطة اتهام الشعب اللبناني التي لم يحرّكها أحد أكبر بكثير.
- خلال عقدين كاملين، بعدما استنفد رياض سلامة خلال التسعينيات من القرن الماضي الاعتماد على رفع الفوائد على سندات الخزينة بالليرات اللبنانيّة لتثبيت سعر الصرف، رغم ما يعنيه ذلك من تجميد الدورة الاقتصاديّة بفعل الفوائد المرتفعة، لجأ رياض سلامة إلى الاستدانة بالدولار لتحقيق الهدف ذاته وهو تثبيت سعر صرف الليرة اللبنانية، وأنفق خلال عقدين سبعين مليار دولار على هذا الهدف، هي ليست أموال المصرف المركزي ولا أموال الدولة اللبنانية، ولا أموال المصارف، بل أموال المودعين.
- لعب رياض سلامة وأصحاب المصارف لعبة يكشف التحقيق الأوروبي الجانب الأسوأ فيها، وهي لعبة تخريب الاقتصاد وتجميده بسلم فوائد مرتفع لا يحتمله الاستثمار، ونقل الودائع الى مصرف لبنان واستخدامها لتثبيت سعر الصرف حتى تلاشت؛ وكان حاكم المصرف وأصحاب المصارف يتقاسمون عائدات الفوائد وينقلونها إلى الخارج، كما يقول التحقيق الأوروبي.
- عندما تلاشت الودائع بدأت المرحلة الثانية من الجريمة وهي إخفاء الجثة وأدوات الجريمة، عبر لعبة صيرفة وضخّ الدولارات الآتية من الاغتراب عبرها، بعد أن يشتريها مصرف لبنان بالليرات المطبوعة بلا تفويض ولا تشريع، فتمّت تصفية حقوق أغلب المودعين عبر بيعهم دولاراتهم بربع السعر، مرغمين.
- قام حاكم المصرف برشوة اللبنانيين خلال المرحلة الأولى من الجريمة بجعلهم يتمتعون بسعر صرف منخفض للدولار، ثم قام برشوتهم في المرحلة الثانية بكذبة الدعم التي قامت عملياً على تمويل التجار بالدولار على سعر 1500 ليرة مؤقتاً لتجريع اللبنانيين الارتفاع التدريجي لسعر الصرف، وهو قاد المرحلة الأولى بقوة الاستيلاء على الودائع واستخدامها خلسة، ويقود المرحلة الثانية بورقة طباعة الأوراق النقدية والسطو على التحويلات الخارجية بشرائها عبر العملات الورقية المطبوعة، خلسة أيضاً.
- الجريمة الثالثة الممتدّة منذ بدأت الملاحقات القضائية الأوروبية هي حرب يشنها الحاكم والمصارف بالتكافل والتضامن وتوزيع الأدوار، لرفع الدولار بطريقة جنونية، وهذا ما يجري منذ شهرين بتسجيل الانتقال من سعر الـ 40 ألف ليرة الى ثلاثة أضعاف السعر تقريباً، على أبواب الـ 120 الف ليرة، عبر لعبة صيرفة وإضراب المصارف وطباعة الأوراق النقدية وضخ المطبوع منها.
لم يعد ممكناً إنقاذ سلامة ولا لفلفة قضيته، والأفضل للحكومة كفّ يده انسجاماً مع الادعاء القضائي اللبناني عليه بجرم الاختلاس وسوء الأمانة، وليس صحيحاً أنه لا يمكن التوافق على بديل له، وقد كان اسم المرشح الرئاسي الحالي الذي لا حظوظ له جهاد أزعور مطروحاً في أيام حكومة الرئيس دياب ويلقى القبول، وهو ليس محسوباً على قوى المقاومة، ومقرّب من المؤسسات المالية الدولية ومن فريق 14 آذار سياسياً، لكنه وأي مرشح آخر سواه سيكون مضطراً أن يحقق إنجازاً مالياً كي يتمكن من التطلع لدور سياسيّ، وهذا بذاته يكفي في الظروف الراهنة، وأي خيار سيئ هو خيار جيد بالمقارنة مع بقاء رياض سلامة.