الدكتور نسيم الخوري
لا ثورة ولا بطّيخ ولا تغيير في لبنان إذن. المزيد من تكديس التاريخ الوسخ الدموي الطائفي والكلام الممجوج الذي يعيد نفسه يجنّن ولا يُفيد ؟؟؟
ليس سوى هولاكويين يتجددون ويقيمون في كلّ زاوية يتمترسون لخلع جدران بقايا لبنان وشعبه مجدداً نحو جبال القمامة التي غطّت وجه البحيرة السوداء المتوسطة أمامنا !
يومها شعرنا بالهزّات والزلازل الآتية فسارعنا سيراً على الأقدام من جحيمكم الطائفي بصيغة الجمع إلى كلّ نعيمٍ في الأرض ولو كان النعيم قيادة الشاحنات وبيع السخافات لدى قمامات الشعوب والدول الراقية الإنسانية الأخرى؟
نشعر وكأننا نمضع بؤس السبيعينيات أي ال1972 عندما نشبت بين اللبنانيين والفلسطينيين أو في الثمانينيات عندما سقطت العملة إلى الحضيص وتحول الناس إلى أغنان على أبواب المصارف والمستشفيات؟؟؟
خلعتم أبواب المؤسسات تمهيداً لخلع أبواب الوطن وسجن الكرام والأوادم في زوايا فقرهم بدلاً من المجرمين فيها!
هولاكويون رموز “حقارة الفساد والسرقات، ساقطون و”كبار”…جمعوا في قبضاتهم التي أسقطوها على الحبر واللسان فعلين: القطع والبتر حتى عدم الهمس والموت ولو بحلمٍ لولادة منتظرة جديدة لكنّها المستحيلة كما يظهر هذه المرّة.
ما بالكم تعيدوننا خمسين سنة إلى الوراء ولا حلّ ولا همّ لنا سوى في استعادة الكتابات والأحاديث الكثيرة والظروف العامة المجرمة التي تدخلنا مجدداً للتذكير بكوارث التاريخ الذي يجترّ مواطنيه؟
لماذا؟
ألأن الجحيم اللبناني الذي تحتضنونه اعتاد اختزان كل الجمر وكل الجنون وكل الخرائب بما يتجاوز التاريخ الأسود للبشرية كلها وللدول التي لم تخلع الثياب السوداء؟
أتذكرون وأذكّركم مثلاً وبهدوء قادتني الصدفة لأفلش تاريخكم وأقرأه بعناية وخوفٍ اليوم في ال2023.
أقرأ كمثال نص الكتاب المفتوح المسيحي الماروني. أرسله رئيس حزب الكتائب الشيخ بيار الجميل رحمه الله إلى وزير خارجية أميركا هنري كيسنجر في 16 كانون الأوّل 1973 حول قضية فلسطين وفيه كتب مثلاً: ” لبنان بنى مصيره ووجوده على طبيعة الإنسانية وطبيعة المنطقة فيما كان بناء إسرائيل على القاعدة العنصرية والدينية … وعلى طبيعةٍ أخرى ولهذا السبب كان لبنان من العالم العربي وصميمه، وبقيت إسرائيل عضواً غريباً وستبقى كذلك” (الجزء الأول، ملامح الأزمة وانفجارها والدور الفلسطيني والدور المحلي”، ص 26-31) لماذا تعكّرون وتكرعون مواطنينا قشّة لفّة من لبنان؟؟؟
أنصح كلّ من يتمكّن، وخصوصاً من السياسيين والزعماء والنواب والوزراء والإعلاميين واسالتذة الجامعات، أن ينقل ويكتب ويجتهد ويقرأ في “سلسلة الوثائق الأساسية للأزمة اللبنانية 1973…”.
يا للهول كيف يبدو مستقبل لبنان واللبنتانيين!
أرجو أن يقرأ كلّ لبناني، كما أقرأ اليوم أنا للإتعاظ والفهم والروية، أن يقرأ نص برقية الدكتور نبيل شعث مدير عام التخطيط في منظمة التحرير الفلسطينية إلى بيار الجميل ( 15/2/1974 ص 32) تعليقاً على رسالة الجميل إلى كيسينجر هذا نصها:
“الشيخ بيار الجميل
تحية طيبة وبعد
بعد مطالعة خطابكم الموجه إلى وزير خارجية أميركا، أُعجب الأخ القائد العام ياسر عرفات بمحتويات الخطاب وأمر بطبعه وتوزيعه على جميع الكوادر والقوات المسلحة. ونحن إذ ننتهز هذه المناسبة لارسال نسخة لكم من الكتاب المذكور كما تمّ طبعه وتوزيعه، نتقدّم لكم باسم الأخ ياسر عرفات وباسم مركز التخطيط بأحر تحياتنا آملين أن نسهر جميعاً على طريق حلّ المسألة الفلسطينية على أساس الدولة الديمقراطية الموحّدة على كل التراب الفلسطيني وحل المشكلة من جذورها”.
أيّتها الإعلاميات والإعلاميون وكتّاب المواقع والمذيعات والمذيعون في الإذاعات والشاشات:
أتذكّر هنا رئيس جمهورية صديق كان قائداً للجيش في لبنان ، قال لي بأنّه تسلّم ملفّاً سرّيّاً كاملاً عن مصادر تمويل الصحف والمجلات ومحطات التلفزة والإذاعات ولو يُكشف عن مضمونه لثار الشعب اللبناني الذي لن يبقَ لديه، في ضوء وقائع هذا الملف، سوى الهجرة النهائية وترك لبنان”. تعالوا نهاجر جميعاً سيراً على الأقدام. لن تهاجروا ولن تبلغوا حرف الثاء من الثورة.
أصحّح لفخامته بأنّ معظم الباقين من الناس تركوا لبنان ويُقيمون في الآلام بعدما هجروا الإعلام والسياسة والوطن يلحسون أصابعم ويقتلون نساءهم وأولادهم وينتحرون ولو بعصا أو بالسقوط من السطوح.
*مفكر وباحث لبناني
حرمون