هاني سليمان الحلبي*
الزمان: أيلول 2017.
الموضوع خبر من حركة فلسطين حرة وتصريح لرئيسها حول فلسطين الحبيبة. وحركة فلسطين حرة لمع اسمها مع تسيير قافلة كسر الحصار عن غزة في ربيع العام 2010، التي سيّرتها من الشاطئ التركي وأدّت لاستشهاد بعض المشاركين. الرحمة لأرواحهم. واعتقال الباقين وأفرج عنهم لاحقاً بعد تحقيقات ووساطات دولية.
استأذنتُ إدارة الجريدة التي أعمل فيها لنشره، وأرسلت الصفحة إليها للاطلاع، واملي ان احصل اشتراكاً من الحركة للجريدة. لم يتحقق لاحقاً.
هكذا تعرّفت إلى رفيقة سنوات مليئة بالجهد والود والوفاء. وهي من أنبل من تعرّفت إليهم في حياتي ولم أرهم قط. ونادراً ما يصلني صوتهم بالغلط. آسفين او معتذرين او مهنئين او معزين.. لكنهم في كل ظرف وحال هم لصقاء القلب. وهي زهرة من باقة غمرت العقدين الأخيرين من حياتي، كأهلي وأسرتي فاكتمل بها دفء الحضور. فاديا، ولفة، سارة، لميس، ميساء، ناريمان، عدي، عمر، ربى، هيا، سهام، قائد، أمل، هبة، دعاء، ذكاء.. وغيرهم كثير.. وأنتهز كل فرصة ممكنة لأكرّمهم بلا ابتذال ولا هدر.
عندما مرضتْ والدتي، قبل وفاتها بأشهر، بين العامين 2018 و2019، وضعت الزميلات برنامجاً لسدّ غيابي، لأني لم أتمكن من الاهتمام بمنصة حرمون التي كانت أكملت عقدها الأول حينذاك، بحيث يبقى العمل عليها 24 ساعة في اليوم بلا انقطاع. هذه الحماسة والجدية أوصلت حرمون لتكون في المرتبة 200 ألف عالمياً، لكن بعد حصول معركة سيف القدس وبروزنا سلاحاً مواجهة فتاكاً بوجه العدو وصواريخه على أطفالنا وشيوخنا ونسائنا، حوربنا حتى تراجعنا خلال نصف شهر إلى مرتبة 5 ملايين عالمياً وبعدها تقريباً اختفينا بحساباتهم، لكننا ما زلنا هنا باقون على صدورهم..
كنتُ ألبي مَن يهتف بي غوثاً ونجدة. كان يقارب محصولي الشهري منذ 12 عاماً حوالى ألفي دولار بينهما هو الآن لا يتعدى الأربعين دولاراً. وأحياناً أستبق الغوث والاستنجاد.. لكن بعد أنا مات أهلي جوعاً في الشام والعراق ولبنان، ومُدّدت أطرافهم على الصليب، تمنيت كجبران لو أكون كسرة خبز في فم جائع ليسدّ رمقه بي، أو سنبلة في حقول حوران لتقيت طائراً عاف الغناء في بلادي أو وردة في مروج حمص وحلب لترفّ فوقها فراشات الجمال أو شجرة لترتاح في فيئها ربّات الحجال ليبقى للدهشة مكان في سوريانا..
والآن الرغيف يتدحرج أمامنا جميعاً ونحن جياع بكرامة وموجوعون بإباء نكاد نتساقط تساقط النسور فوق الذرى ولا نستسلم وعيوننا في الشمس شموخاً كأسرانا الميامين في فلسطين. حسبي قدوة الشيخ حسن من جنين الذي اعتقله الاحتلال حوالى خمسين سنة شاباً مقاوماً قبل احتلال بلاده – بلادنا وأفرج عنه غريباً بين اهله الذين ماتوا جميعاً أوائل الثمانينيات، فترحّم على غربة زنزانة السجن لشدة قسوة غربة الحرية في قاووش كيان الاحتلال. ومات غريباً ليُديننا جميعاً بلا استثناء. عندما نتواطأ لأجل الخبز والراتب على بلادنا المقدسة. لروحك أيها البهيّ الحسن رحمات الخلق المناضلين أجمعين.
سوء الغذاء، سوء الرعاية، ركام الهموم، سوء الإضاءة، قلة المحصول، كثرة التعب لتحصيل الرمق، هول الأمراض التي تنهش الجسد والروح والنفس، مهما تمكن جسد من الصمود لكنه يبدأ بالذبول والتلاشي وجعاً وأنيناً. اللهم نسألك السلام لكل خلقك، الكفار منهم بك قبل المؤمنين بك، لأنك أرحم الراحمين وأدرى بالعالمين منهم بهم.
اشتدّت الحاجة لعلاج، فكانت وسيطاً سيدة السوسن، الأرومة العربية من بني شيبان، عندما سألتْها رئيسة مؤسسة معطاء من فلسطين كيف نساعد أهلنا المصابين بالزلزال. وأنا أقبّلك بين عينيك أيها الزازل لأنك بتصديعك الأرض تحتنا رحمتنا. غربلت فينا القمح والزؤوان فكشفت الجميع وأسقطت الأقنعة. كشفت نبل بعض أهل فلسطين وبعض أهل لبنان وبعض اهل العراق الذين يقاتلون وحدهم على جبهة الباطل ليل نهار بدمائهم وأسراهم وشهدائهم. ففي فلسطين تخلّت النساء عن مهورهن لعيني حلب، لأن أهلها أشد حاجة من بناتهن المحصنات. وعندما تمسّ الحاجة للزيت يصبح محرّماً على الجامع. جامعنا الشام، قدس عروبتنا، ودمشق سوريانا إن فرّطنا بها فرّطنا دفعة واحدة ببغداد وبيروت وعمان والكويت والقاهرة والقدس والجزائر وطرابلس، دبي، الدوحة، مسقط، والخرطوم، وصنعاء وغيرها من حبات اللؤلؤ العربية.
فأشارت السوسن إلى القامة فاديا التي تعاني ما تعاني الباشقات في هوج العاصير. الفحوص التي عجزت عنها، الأدوية التي لم تقدر على شرائها.
وفاديا المراسل الحربي المقاتل على خنادق اليرموك ودشم الجبهات، برجولة منصورية (نسبة لقريتها المنصورة قريتها الأصلية في قضاء صفد من جليل فلسطين)، بوجه مسوخ هذا العصر الإرهابيين الذي يكفّرون عباد الله فيستقدمون قيامته بالذبح ويلغون يوم الحساب بجهلهم. وهو بميقات معلوم.
وفاديا التي لا تنام ليل نهار، نسترحم الله بها وعليها، ان يمنّ على جسدها بالعافية وعلى أسرتها بالبركة وعلى من حولها بالسلام، لنستحقّ البركة والعافية والسلام.. استحقت الدعم ممن هم أجدر منا به لندعمهم بمؤونة البيوت وفرش الأثاث ومصروف الجيوب ودماء الشرايين وضوء العيون.. كله قليل لهم.
أخبرتني أنها تلقت التزاماً بعلاجها من مؤسسة فلسطينية كريمة تقودها بطلة جهاد وقامة فكر، تبقى هي وأمثالها عزوتها في حرب الوجود القومي.
هي حربنا المقدسة وأمثال هذه القامات هن ملائكتنا المجندة للانتصار بعون الله، انتصاراً نهائياً لا قيام للباطل بعده في كل سورية الطبيعية والعالم العربي.
للأمل كل الشكر، للسوسن كل الامتنان وللفداء كل الصحة.
*ناشر حرمون، كاتب ومدرب من لبنان.