د. عصام نعمان*
كان لافتاً ما كشفته وسائل الإعلام والمواقع الالكترونية الإسرائيلية منتصفَ الاسبوع الماضي حول إجتماع ترأسه رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ضمّ وزير الحرب، ورئيس هيئة الاركان العامة، ورئيس الموساد، ورئيس مجلس الأمن القومي، ورئيس شعبة الإستخبارات العسكرية، ورئيس قسم العمليات العسكرية، كما قادة عدد من الوحدات ذات الصلة في الجيش الإسرائيلي.
إجتماع رفيع على هذا المستوى لنخبة القيادات العسكرية ما كان ليكُشف النقاب عنه اعلامياً لولا موافقة القيادة السياسية والعسكرية العليا في كيان العدو لأسباب ذات طبيعة استراتيجية عليا.
ماذا تراه يكون الدافع والغرض ؟ هل هو للتهويل ام للتهديد الفعلي ؟
يتضح مما اورده تقرير القناة 12التلفزيونية وموقع N 12 الألكتروني (2023/2/22) أن نتنياهو أجرى خلال الأسابيع الأخيرة 5 نقاشات سريّة بشأن مواجهة ايران، إتخذت خلالها قرارات برفع إستعدادات الكيان بصورة كبيرة وعلى كل المستويات لتنفيذ هجومٍ على منشآت ايران النووية.
لفتت القناة 12 الى ان إجتماع نخبة القيادات العسكرية جاء على خلفية تقارير تفيد بأن ايران رفعت تخصيب اليورانيوم الى مستوى 84 في المئة، وفي حال وصولها الى 90 في المئة، وهو المستوى المطلوب لتصنيع قنبلة نووية من دون قيام “اسرائيل” بأي نشاط عسكري مضاد، فإن ذلك يعني تقبّلها حقيقة ان ايران تمتلك قدرات لبناء قنبلة نووية ما يُعتبر خطاً احمر بالنسبة لكيان العدو.
في سياق متصل، أشارت القناة التلفزيونية ذاتها الى ان “اسرائيل” نقلت خلال الأيام الأخيرة رسائل الى كلٍّ من “حماس” وحزب الله فحواها ان وجود وضع سياسي داخلي متفجر في الكيان لا يعني ان “اسرائيل” غير مستعدة عسكرياً لأي نشاط مضاد سواء في قطاع غزة او لبنان او ايران بل هي ستردّ بصورةٍ غير معهودة.
الى ذلك، كان الجنرال تامير هايمن، رئيس معهد دراسات الأمن القومي في كيان العدو قد كشف لموقع N 12(2023/2/21) ان وجود يورانيوم مخصّب لدى ايران على درجة 84 في المئة هو بمثابة جرس إنذار للجميع بأن الإستراتيجيا الإسرائيلية بشأن كل ما له علاقة بمواجهة برنامج ايران النووي قد فشلت. لذا يدعو هايمن الى “دفن الإتفاق النووي والمباشرة بإعداد تهديد عسكري موثوق بالتعاون مع الجيش الاميركي، وتركيز وسائل معينة (؟) في “اسرائيل”، ومواصلة التدريبات المشتركة المهمة لأن الإستمرار بالطريقة الحالية يمكن ان يؤدي في نهاية المطاف الى قنبلة نووية ايرانية”.
مئير بن شبات، الرئيس الأسبق لمجلس الامن القومي، يشاطر الجنرال هايمن رأيه بضرورة إعلان موت الإتفاق النووي. ففي تصريح لصحيفة “يسرائيل هيوم” (2023/2/21) دعا زعماء الغرب الى إتخاذ قرار بالعودة الى الفرض الكامل للعقوبات، وإضافة الحرس الثوري الإيراني الى قائمة “الإرهاب”، وإعتماد تهديد عسكري موثوق به حيال ايران.
يبدو ان الولايات المتحدة على علم بمضمون المناقشات الدائرة في الكيان الصهيوني حول ما يواجهه من تحديات وأخطار بدليل ان وسائل الإعلام نقلت عن السفير الاميركي في “اسرائيل” توماس نيدس توصيةً وجهها الى المسؤولين الإسرائيليين محورها الوضع الحالي في الضفة الغربية من حيث أنها على حافة الإنفجار، وان القدس الشرقية تشتعل، والبرنامج النووي الإيراني يتعاظم، وان من الأفضل إشراك المجتمع الدولي في معالجة هذه الموضوعات.
عن أيّ موضوعات يريد السفير الاميركي إشراك المجتمع الدولي في معالجتها ؟ طبعاً، هو لا يريد ولا “اسرائيل” تريد إشراك المجتمع الدولي في معالجة تداعيات هجمات قوات الإحتلال الإسرائيلي على مخيم جنين التي خلّفت عشرات الضحايا بين شهيد وجريح ومتضرر، ولا على البلدة القديمة في نابلس التي خلّفت عشرة شهداء وعشرات الجرحى والمتضررين، وليس على الفتيان والأطفال في حي سلوان في القدس الشرقية، ولا غارات الطيران الحربي الإسرائيلي على قطاع غزة التي خلّفت أضراراً وتخريباً.
كل هذه الهجمات والمجازر التي نفذتها “اسرائيل” لم تكفِ نتنياهو الذي دعا بعد إجتماع لمجلس الوزراء الإسرائيلي اواخرّ الاسبوع الماضي الى “وجوب ضرب الإرهاب” (كذا) اي المقاومة، لأن “لدينا سياسة واضحة : ضرب الإرهاب بقوةٍ يدفع ثمنها من يسعون لمهاجمتنا”.
يبدو أن سياسة نتنياهو تقضي بتدفيع المقاومة ثمن ردّها هجمات قوات الإحتلال على مخيمات اللاجئين في الضفة الغربية وبيوت العرب في القدس الشرقية وتدميرها، وأنه من الممكن ايضاً ان تتطور الى حربٍ استباقية تشنّها “اسرائيل” على فصائل المقاومة في قطاع غزة والضفة الغربية وذلك في إطار ما يدعو اليه بعض جنرالاتها ووزرائها والنواب اليمينيين العنصريين الفاشيين بدعوى ان فصائل المقاومة في فلسطين المحتلة وقوات المقاومة في لبنان وكلاء معتمدون لدى ايران تُعدّهم لمباشرة حربٍ ضد “اسرائيل” عاجلاً او آجلاً.
لا تبدو ايران، ظاهراً على الأقل، في صدد شن حربٍ على “اسرائيل”، لكنها كانت أعلنت انها ستردّ الصاع صاعين عليها بعد قيامها قبل اسابيع معدودة بشنّ هجمةٍ صاروخية على موقع عسكري في أصفهان، اذ اعلنت طهران آنذاك انها ستردّ في الوقت المناسب على الإعتداء الصهيوني الغاشم. فهل تخطط “اسرائيل” لإنتهاز الردّ الإيراني المرتقب لشنِّ حرب واسعة تستهدف منشآت نووية في عمق ايران، كما مواقع تدعّي انها منشآت عسكرية لإيران في سوريا او لحزب الله في لبنان؟
الى ذلك، يقتضي ان نضع في الحسبان ان ايران تُدرك ما يدور في “اسرائيل” من مناقشات حول ما يجب ان تقوم به لمواجهة إحتمال تحوّلها دولةً نووية، وان من بين الخيارات المطروحة ضرورة إستباق هذا الخطر الداهم بضرب منشآت ايران النووية قبل ان يصبح في مقدورها تصنيع قنبلة نووية فيتعذر على “اسرائيل” مواجهتها بعد إمتلاكها سلاحاً نووياً.
ايران تُدرك انه من المحتمل ان تقوم “اسرائيل” بشن حربٍ إستباقية عليها ما يستوجب الإستعداد لمواجهتها. لا أدري كيف تستعد ايران لهذه المواجهة، ولكني أعلم انها اعتمدت دائماً نهج الرد بالمثل : إذا ضربها العدو في عمقها فإنها ستردّ عليه في العمق ايضاً. وعليه، اذا بادرت “اسرائيل” الى شن الحرب على ايران وحلفائها الذين تعتبرهم وكلاءها في لبنان وسوريا وفلسطين، فإن ايران وحلفاءها سيردّون الصاع صاعين. هكذا تشتعل الحرب وتمتد على مدى منطقة غرب آسيا برمتها من شواطيء البحر المتوسط غرباً الى شواطيء بحر قزوين شرقاً.
في هذه الحال، أليس من حقنا، بل من واجبنا، ان نتساءل عمّا يقتضي ان تقوم به اطراف محور المقاومة، كما الدول العربية، إستباقاً وإستدراكاً لما يمكن ان تخلّفه الحرب من تداعيات وأضرار وخسائر؟
أسمح لنفسي ان أقترح، في خطوط عريضة، أهم ما يقتضي القيام به على النحو الآتي :
- إشتراك اطراف محور المقاومة جميعاً في الحرب الدفاعية ضد “اسرائيل” عملاً بقاعدة وحدة الجبهات والساحات.
- وجوب مسارعة جامعة الدول العربية لرفع حال العزل والمقاطعة المفروضة على سوريا، وإعادتها تالياً الى الاسرة العربية.
(جـ) وجوب إتخاذ دول الجامعة قراراً بدعوة الولايات المتحدة الى فك الحصار ورفع العقوبات الإقتصادية عن سوريا.
(د) دعوة الامم المتحدة ومجلس الامن الدولي لإتخاذ قرارٍ بإلزام “اسرائيل” إنهاء إحتلالها للضفة الغربية من فلسطين وسحب قواتها وإزالة مستوطناتها منها.
(هـ) تفعيل احكام معاهدة الدفاع العربي المشترك بقدر ما تستطيع الدول العربية ذات الصلة فعله في هذا المجال.
(و) توفير الدعم السياسي والإقتصادي والمالي من الدول العربية الأعضاء في الجامعة لسوريا ولبنان، كما للفلسطينيين في حال تعرضهم لمفاعيل الحرب الإسرائيلية.
(ز) الإعلان عن كل هذه القرارات والمبادرات آنفة الذكر في إجتماع قمةٍ لرؤساء الدول العربية يُعقد في مقر جامعة الدول العربية في القاهرة.
هذا بعض ما يمكن عمله بلا إبطاء إزاء التحديات المصيرية الماثلة.
*وزير ونائب سابق من لبنان.
issam.naaman@hotmail.com