عقدت ندوة حرمون الثقافية حلقة جديدة من سلسلة محاضراتها وندواتها الأسبوعية مساء الجمعة 24 شباط الحالي، وكانت محاضرة للدكتور ميلاد السبعلي عبر غوغل ميت.
حضر المحاضرة عن بُعد إلى الدكتور السبعلي وناشر منصة حرمون ومدير ندوة حرمون الكاتب الإعلامي هاني سليمان الحلبي، وزير المصالحة الوطنية في سورية سابقاً الدكتور علي حيدر، رئيسة الملتقى الدولية ورئيس لجنته العلمية في الجزائر الدكتورة زفوارن سامية، رئيس اكاديمية الإمارات الدولية الدكتور الشيخ أمين نعيم آل درويش – الإمارات، الدكتورة مليكة الطاهر بقاح – الجزائر، الدكتور عزمي منصور – الأردن، الدكتورة حدوش وردية – الجزائر، الدكتورة جمانة حسين عساف – لبنان، الدكتورة امينة حميدي – المغرب، الكاتبة والشاعرة فيروز مخول، الناشطة رودينة حاطوم سيف الدين، الناشطة سارة الأطرش – ليبيا، المستشار الاقتصادي دريد الشاكر العنزي – العراق، الأستاذ فادي خوري – كندا، الخبير الجغرافي سيزار قيصر – لبنان، المهندس وسيم الحسن – سورية، المدير التقني عبدالإله الهويدي – ألمانيا، الناشطة البيئية ابتسام أبو سلهب – لبنان، الناشطة بهيرة الحلبي – بريطانيا، والكثير من المتابعين..
الحلبي
وقدّم المحاضر وأدار الحوار بعد المحاضرة ناشر منصة حرمون فقال مفتتحاً “اليوم نلتقي بندوة هامة أيضاً بعد ندوات زالزال الشمال السوري بعنوان “ثقافة النهوض بعد الزلازل التجربة الياباتنية نموذجاً” مع المحاضر الدكتور ميلاد السبعلي.
وما أحوجنا في حراك الزلازل الطبيعية والتي على قسوتها أقل ضرراً من حراك الزلازل السياسية والاقتصادية والنفسية والأخلاقية التي تتخبّط بها أمتنا منذ مئات السنين ولما تنهض منها بعد.
والنهوض هو خروج تام من حالة التخبط والبلبلة والاضطراب والتشوش والتفتت والتفرقة والفتنة إلى الوضوح واليقين والاتجاه اتجاهاً بانياً وعمرانياً ونهضوياً لتخطط العقول وتبني السواعد وتتجمّع القبضات في اتجاه الحياة.
وحرمون منصة إلكترونية تقاتل الباطل والفساد والتفكك منذ حوالى 14 عاماً بإمكانات ذاتية وعزوتها إيمان إن قال للجبال أن تنتقل فتنتقل. وهو مركز أبحاث ومجلة محكمة وندوة ثقافية أسبوعية وأكاديمية تدريب ومنصة أخبار.
محاضرتنا اليوم مع الدكتور ميلاد السبعلي. والدكتور ميلاد السبعلي أحد الإمكانيات المبدعة في بلادنا والعالم العربي والعالم.. “.
وأشار الحلبي إلى سيرة المحاضر السبعلي الراقية علمياً وفكرياً ودعاه لتقديم المحاضرة.
السبعلي
بدأ الدكتور المحاضر ميلاد السبعلي محاضرته القيمة بقوله “تشير الخرائط المرفقة التي نشرتها الواشنطن بوست والنيويورك تايمز، إلى أن مركز الهزة الأخيرة وامتدادها كان في قلب كيليكيا، جنوب جبال طوروس، وامتدادها هو في المدى الطبيعي لكيليكيا، أي الاسكندرون والشمال السوري بأكمله، بينما لم تتأثر كثيراً المناطق التركية شمال جبال طوروس. والمعروف أن منطقة كيليكيا كانت مقرّرة أن تكون جزءاً من سورية الواقعة تحت السيطرة الفرنسية في مؤتمر سيفر في 1920، قبل أن يخوض أتاتورك حربه التي أسماها حرب الاستقلال، واستعاد كيليكيا وثبت السيطرة التركية عليها في معاهدة لوزان في 1923. كما أن الاسكندرون بقيت ضمن سورية تحت الانتداب الفرنسي، حتى عام 1939 عندما أهدتها فرنسا لتركيا كرشوة حتى لا تدخل الحرب العالمية الثانية الى جانب ألمانيا النازية، بعد أن كانت دخلت الحرب العالمية الأولى الى جانب ألمانيا. وبعد ذلك قام الاتراك بتتريك المنطقتين، واستبدلوا اسم اقليم الإسكندرون باسم إقليم هاتاي، الذي يضم مدينة انطاكية، إحدى العواصم السورية التاريخية، والتي انطلقت منها المسيحية الى الغرب”.
وتابع: “خلال إقامتي لحوالي خمس سنوات في اليابان، تعلمت كيف أن الهزات الأرضية مسألة متكررة وتشكل جزءاً من الثقافة والميثولوجيا اليابانية، وحيث الهزات الكبرى مسألة متوقعة، وكان أشهرها في القرن الماضي هزة طوكيو في 1923، التي راح ضحيتها 100 ألف شخص، وهزة كوبي في 1995 التي نتج عنها 6000 ضحية (خلال فترة إقامتي)، والهزة الأخيرة والتسونامي في توهوكو شمال شرق طوكيو في 2011 الذي نتج عنها أكثر من 15,600 ضحية”.
وإذ قال السبعلي: “ينظر العالم بإعجاب الى الشعب الياباني الذي يحافظ على رباطة جأشه وهدوئه وأخلاقه بعد كل هزّة، حيث تصطف الطوابير الطويلة للمساعدة ونيل الغذاء، دون تفرقة بين غني وفقير، وبين من له واسطة ومن هو مُعدَم. ويواجه الشعب الياباني هذه المصائب بصلابة وصبر وتقبّل ورضا، حيث تنتفي حوادث السرقة والأنانيات والمماحكات، ويتعاون اليابانيون على دفن موتاهم ومساعدة واحتضان من بقي حياً، والعمل المضني لإعادة البناء والنهوض مجدداً”، لفت إلى أن “عند التعمّق في الثقافة والميثولوجيا اليابانية، لفهم هذا السلوك الراقي الذي يصنفه الباحثون الغربيون بأنه نوع من الفلسفة الرواقية، نجد تفسيرات وأسساً عجيبة. فالميثولوجيا اليابانية تعيد الهزات الى سمكة عملاقة محبوسة تحت الجزر اليابانية، تسمّى Namazu، يحرسها الإله Kashima ويمنعها من الحركة. لكنها تغافله من وقت لآخر وتنفض ذنبها فتنتج هزات أرضية كبيرة. وتفسر الثقافة اليابانية أن هذه الهزات عادة ما تكون اعتراضاً على سيطرة الحياة المادية ومظاهرها على المجتمع، أو على تمركز الثروة في أيدي أقلية من الشعب، فتأتي الهزات لتعيد التوزيع العادل للثروة من خلال مساواة الجميع بآثارها. وهذا ما يساعد الشعب على تقبّل هذه الهزات والتعامل مع نتائجها بصبر وشجاعة، وتضامن وتعاون ورقي”. واستدرك “غير أن الأهم من ذلك، هو الروح التي نشأت لدى الشعب الياباني على مرّ السنين والقرون والهزات المتكرّرة، أي الروح المصممة على إعادة النهوض. ويتجلى ذلك في التربية الشعبية على المحاولات المتكررة للنهوض. ومن أكثر الكلمات التي تسمعها في الأزمات هي ganbatte، أي دعوة الآخرين للمزيد من التحمّل. وثمّة مثل شعبي يقول “نسقط سبع مرات وننهض ثمانية”. وقبل استسلام اليابان المدمَّرة في نهاية الحرب العالمية الثانية، خاطب الامبراطور الشعب الياباني طالباً منه تحمل ما لا يحتمل ومعاناة ما لا يمكن معاناته من أجل النهوض مجدداً. وهذا ما حدث رغم الهزيمة والمهانة والاحتلال والدمار الشامل”.
النهضة اليابانية
ورأى الدكتور الباحث ميلاد السبعلي أن “امتداد لجهد قومي للحاق بركب الغرب بدأ في نهاية القرن التاسع عشر. حيث عرفت البلاد الدستور القومي على غرار الدستور الذي أدخله بسمارك في ألمانيا سنة 1889، وفُرض التعليم الإجباري عام 1872، وتم “بناء جيش عصري، وإحداث تغيير جذري في قوى الإنتاج وعلاقاته، والحفاظ على الهوية اليابانية”.
“فالأفكار التنويرية في فترة الميجي حرصت على تطوير القاعدة الاقتصادية والتكنولوجية، وبالمقابل حصّنت الشعب من التغريب والتفكك القيمي” فكان شعار النهضة الجديد: “التكنيك غربي، أما الروح فيابانية”.
وظهرت “الكوكوتاي” بوصفها أيديولوجية قومية متشددة، تجلت في تماهي الأمة والعائلة والدولة. والإمبراطور هو رمز وحدة اليابانيين (…) وذم كل أشكال الدعوة إلى الطائفية أو التجزئة أو التناحر داخل المجتمع (…) وحق التعلم حق مقدس للجميع.
وكذلك سمو مفهوم اليابان على الولاءات الجزئية الأخرى في المجتمع.
“مثلاً عندما سئل إمبراطور اليابان عن أهم أسباب تقدم دولته في هذا الوقت القصير قال: بدأنا من حيث انتهى الآخرون، وتعلمنا من أخطائهم وأعطينا المعلم حصانة الدبلوماسي وراتب الوزير”.
ففي هذه المرحلة اعتمدت النهضة العلمية باليابان على ثلاثة أسس رئيسة، النحو الآتي:
1- الاستعانة بالعلماء والمعلمين الأوروبيين، ودعوة الخبراء الفنيين من كل الدول المتقدمة.
2- ترجمة الكتب إلى اللغة اليابانية، وإنشاء المدارس الحديثة، ومن أهم الكتب المترجمة: مؤلفات جان جاك روسو وهيوم وتولستوي وغيرهم من كبار المفكرين العالميين الذين ساعدت أفكارهم في زيادة وعي اليابانيين بأحوال العالم.
3- إرسال البعثات إلى الدول الأوروبية المتقدّمة من أجل العلوم الحديثة”.
تقديس قيم الجماعة
واستطرد المحاضر مدعماً ما ذهب إليه بقوله “إن أعظم اكتشافات اليابان هو الإنسان ذاته (…) فجوهر التجربة اليابانيّة هو الارتكاز على الإنسان (…) واليابانيون جماعة منتجة ظلت منذ فجر تاريخها تشترط لاستمرارها وتفوّقها وتقدّمها أن: كل يد ينبغي أن تعمل.
وهنا يبرز عامل التخطيط للتنمية وتنفيذها وفقاً لإطار القيم والتقاليد اليابانية، والتي تتضح فيما يمكن أن نسميه نموذج الساموراي الذي يبني بإخلاص قيم فلسفة «البوشيدو»، والتي تعني حرفياً «طريق المحارب».
ويتمثل أحد أبرز قيم «البوشيدو» في الانضباط والاقتصاد في الإنفاق والولاء والتأكيد الشديد على الشرف إلى الحدّ الذي يدفع المحارب لاختيار الموت إذا لم يكن قادراً على ممارسة واجبه الأخلاقي تجاه المجتمع. وفي هذا السياق، يلاحظ أن اليابانيين يعبّرون بفخر شديد عن يابانيتهم، كما أن لديهم إيماناً لا حدود له بقدرتهم على النجاح.
وحدث التصنيع السريع في اليابان برعاية الدولة المركزية القوية، والتي تقوم على مبدأ التدخل الحاسم في النشاط الاقتصادي لتحقيق مصالح الدولة العليا.
إضافة إلى أن العامل المهم من عوامل النهوض الياباني: التأكيد على قيمة العمل وعلى روح الجماعة والفريق الواحد، الذي تتلاشى فيه الأنا، وتنعدم فيه الذات، وتعظم مصلحة المجتمع على كل المصالح الفردية والآنية، وهذا الجانب يتم تعزيزه وتقويته في نفوس الأطفال والصغار منذ خروجهم من بيوتهم معاً – كفريق واحد – لهم قائد محترم ومتواضع حتى يصلوا المدرسة، ويتخرجوا فيها إلى ساحات العمل وميادين التنمية، ومعهم تلك الروح التي تجعل من الياباني جندياً في معمله ومصنعه ووظيفته، يقدس عمله وينضبط في وقته ويحترم الأنظمة ويأنف من مخالفتها ولو في سرِّه.
ويرتبط التأكيد على العمل الجماعيّ بفكرة «الالتزامات»، التي لا بد من تحقيقها من أجل الحفاظ على التناغم والإنتاجیة المرتفعة في المجتمع. وتوجد «التزامات» معینة في كل مرحلة من مراحل حیاة الفرد.
فعلى سبيل المثال، تتضمن «التزامات» الطالب حضور الحصص المدرسیة كل یوم، والالتزام بقوانین المدرسة وتعلیمات المعلمین، وأن یدرس الطالب بجد، وأن یطیع القوانین، ویحقق الالتزامات في أي نشاط أو فعالیة یودّ الانضمام إليها.
أما بالنسبة للرجل أو المرأة العاملة، فمن المتوقع أن یكون مستوى الالتزام عالیاً وجدیاً حتى لو استدعى ذلك التضحیة برغباتهم واحتیاجاتهم من أجل مصلحة المجموعة العلیا (المؤسسة أو الشركة)، حتى لو نتج عن ذلك استغراق وقت أقل بكثیر مع العائلة والأصدقاء والاستمتاع بالهوايات والإجازات”.
اليابان والزلازل
وشدد السبعلي على أن “اليابان تشهد ما معدله 2000 زلزال كل عام تقريباً بمستويات متفاوتة، بعضها ذو إمكانية تدمير عالية للغاية. حيث تعرضت اليابان على سبيل المثال في الفترة ما بين 5 و14 فبراير (شباط) إلى ما لا يقل عن عشرة زلازل تراوحت قوتها ما بين 4.1 و5.8 درجة.
ويدير شبكة رصد ومراقبة الزلازل عالية الحساسية في اليابان المعهد الوطني لبحوث علوم الأرض والوقاية من الكوارث، ولها نحو 800 قاعدة في البلاد ونظام شبكة رصد بالأقمار الصناعية، كما يدير شبكة مراقبة قاع البحر المكونة من 150 قاعدة للزلازل والتسونامي على طول خندق اليابان، والتي تساهم أيضاً في الكشف عن مجموعة متنوعة من الزلازل المحتملة في اليابان.
واستنادا إلى المعلومات التي يتلقونها من هذه الشبكات، يقوم المسؤولون والعلماء اليابانيون بفحص خصائص ومميزات الأبنية والمنشآت بشكل عام، وأماكن التجمعات السكنية؛ لوضع سيناريوهات للتصدي للزلازل في الأماكن الأكثر عرضة للخطر.
وأطلقت وكالة الأرصاد الجوية اليابانية خدمة الإنذار المبكر بالزلازل في عام 2007 لتنبيه السكان باحتمالية وقوع هزة أرضية حتى يتمكنوا من الاستعداد بشكل مناسب لها.
والزلازل المتتالية ذات القوة التدميرية الكبيرة في المحيط الجغرافي لليابان دفعتها إلى تطوير استراتيجيتها وتقنياتها العلمية والتطبيقية في هذا المجال.
مثلا جامعة طوكيو أسست جمعية علم الزلازل ضمنها عام 1880 وهي من أوائل الجمعيات العلمية المختصة بالزلازل في العالم. تلاها تشكيل لجنة دراسة الزلازل عام 1892 بعد زلزال عام 1891 المدمر والذي أصاب منطقة ناغويا، كما تم إدخال التصميم المقاوم للزلازل للمباني في قانون البناء الحضري في اليابان عام 1924 بعد زلزال كانتو الكبير الذي أصاب طوكيو ويوكوهاما وغيرها من المناطق”.
واليابان معروفة بأبنيتها المضادة للزلازل، حيث إن لديها قانونا يحدد خصائص معينة ينبغي أن تتوافر في المباني لمقاومة للزلازل، وقانوناً آخر يتعلق بناطحات السحاب والمباني الشاهقة، يؤكد على ضرورة وضع «عوازل زلزالية» تمتص طاقة الزلزال”.
الإجراءات التطبيقية لمواجهة زلزال
ولفت المحاضر الدكتور ميلاد السبعلي بأنه “عادة ما تجري المدارس والشركات اليابانية تدريبات للتعامل مع حالات الطوارئ في الأول من سبتمبر (أيلول)، الذكرى السنوية لزلزال 1923، والذي أصبح الآن معروفاً باسم «يوم الوقاية من الكوارث».
وكانت وزعت حكومة مدينة طوكيو كتيباً يحمل اسم «دعونا نستعد»، على جميع مواطنيها، يحدد كيفية استعداد الناس وتعاملهم مع الكوارث المختلفة.
وتضم مدينة طوكيو أكبر فريق إطفاء في العالم، تم تدريبه خصيصاً لمنع أنواع الحرائق السريعة التي تنتشر بعد الزلازل.
وتم تعزيز البنية التحتية لمترو طوكيو بشكل جيد للتعامل مع الزلازل، حيث تتوقف القطارات فوراً في حالة وقوع أي هزة قوية.
بالإضافة إلى إعادة تأهيل المباني التي بقيت قائمة بعد الزلزال بداية عبر التدعيم الهندسي والإنشائي ومن ثم التوجه لتقنيات البناء الحديثة في الأبنية التي يتم تشييدها بعد الزلزال والتي تستطيع مقاومة الزلازل المستقبلية.
وترتكز هذه التقنيات الحديثة بشكل رئيس على منطلق تبديد طاقة الزلزال عوضاً عن أن تصيب جدران الأبنية وتؤدي لتصدعها أو لتدميرها، ومن أهمها التقنيات التي تعتمد على الهياكل المعدنية وهي تقنية تم تطويرها في اليابان في نهاية الثمانينيات من القرن المنصرم واستخدمت في المباني للمرة الأولى ضمن هذه الدولة في أوائل التسعينيات من القرن الماضي.
وتختلف المواد التي تستخدم في بناء هذه الهياكل، فقد تكون من الفولاذ أو من الألمنيوم وقد أظهرت هذه الهياكل أداء جيداً في ظل الزلازل القوية واستمر تطوير هذه التقنيات لتصبح أكثر مرونة وأقدر على مقاومة الزلازل في أحدث الأبحاث التي جرت حولها في 2020. إضافة للتقنيات التي تعتمد على الهياكل المعدنية هناك تقنيات عزل قواعد المنشآت والمباني التي تساعد على إخماد طاقة الزلزال وتفادي تصدعات المباني الناجمة عنها.
وكان أشار الخبراء لشبكة «نيبون» اليابانية، إلى أنه لا توجد طريقة للتأكد من حدوث زلزال في وقت معين. ولكن فور بدء الزلزال، فإن معرفة ما إذا كان سيتطوّر إلى هزة أرضية هائلة في غضون ثوانٍ يمكن أن يساعد في إنقاذ الأرواح، وهذا ما تفعله خدمة الإنذار المبكر بالزلازل التي أطلقتها وكالة الأرصاد الجوية اليابانية في عام 2007. حيث أنفقت الحكومة اليابانية مليار دولار لبناء نظام إنذار زلزالي شهير عالمياً، يمكنه اكتشاف ذروة الزلزال قبل 80 ثانية من وصوله.
وهذه الميزة، خاصة في مدينة مثل طوكيو، ضرورية لمنح الناس الوقت اللازم لاتخاذ خطوات عاجلة، مثل الابتعاد عن النوافذ، وإغلاق أنابيب الغاز لتجنب خطر الانفجار”.
كل هذا في اليابان.. ماذا عندنا؟
وقارن السبعلي بين تراثنا وتاريخنا وواقعنا والتاريخ والتراث والواقع الياباني، حيث في أساطيرنا القديمة وثقافتنا القومية، هناك قصص مشابهة مثل إعادة انبعاث الفينيق، وعودة أدونيس من العالم السفلي، وقيامة المسيح.. مع الاختلاف الكبير بيننا وبين اليابانيين في علاقة الفرد بالجماعة، حيث اليابانيون أفضل منا بكثير بالعمل الجماعي ومفاهيم التعاطف والتضامن والوحدة، وتفاني الفرد في سبيل المجتمع والمجموع.
الفرق الشاسع بين تعامل الإنسان العربي بشكل عام مع الغرب، وتعامل الإنسان الياباني معه، حيث إنه ترك القشور واهتمّ بالجوهر، فتمكّن من استيعاب العلوم الغربية من دون أن يؤدي ذلك إلى فقدان هويته والسقوط في التبعية”.
إن “اليابان وقف من الحضارة الغربية موقف التلميذ، ووقفنا منها موقف الزبون، إنه استورد منها الأفكار ونحن استوردنا الأشياء”.
هكذا قدّمت اليابان نموذجًا بالغ الدلالة بخصوص تجاوز منطق الاستهلاك التكنولوجي إلى الإبداع والإنتاج والريادة (…)
فالنموذج الياباني هو مؤشر على دور الإدارة والقدرة الذاتية في مواكبة التقدم وبناء نموذج فريد ومبدع وفق الشروط الثقافية والحضارية الخاصة”.
وخلص الدكتور المحاضر ميلاد السبعلي إلى “كم نحن اليوم بحاجة الى روح مماثلة لهذه الروح الصابرة الحكيمة الأخلاقية المقاتلة والمصرّة على النهوض المتجدد. فبرغم السقوط الأخلاقي المريع للديمقراطيات الغربية والتغاضي العربي عن تقديم الدعم لسورية خلال هذه الكارثة، وتركيزه على تركيا، بحجة الحصار وقانون قيصر والخصومة مع النظام ومن يدعمه من روسيا وإيران الى الصين، فإن الشام اليوم، حكومة وقيادة وشعباً، موالاة ومعارضة، هي بحاجة لتضميد الجراح ودفن الضحايا والصبر والصمود والتصميم على إعادة النهوض، مهما كانت الظروف المحلية والإقليمية والدولية.
إن أصوات استغاثة الأطفال والأهل المكلومين مشروعة. والنقص الهائل في المساعدات والقدرة على انتشال الناس من تحت الركام، وفي تقديم الخدمات الصحية والإسعافية وخدمات الإيواء والإطعام، والذي أثرت عليه الحرب المستمرة منذ سنوات طويلة، ووجود مناطق خارجة عن سيطرة الدولة، وقصور إمكانيات المؤسسات الحكومية عن القيام بواجباتها وفسادها وتخلّفها، والحصار المجحف والإهمال المتعمّد من قبل الغرب والعرب الذين يدورون في فلكه، كل ذلك، لا يجب أن يعني السقوط والاستجداء والاستسلام. بل ما هو مطلوب هو الصبر والصمود وتضميد الجراح بما توفر، والكثير من الأخلاق والرقي، والإرادة الفولاذية لإعادة النهوض مرة جديدة”.
وختم بتوجيه “أحرّ التعازي للضحايا وكل التعاطف والدعم للناجين، وللشعب الصامد، في الشمال السوري التاريخي، بصرف النظر عن الجنس، أو العرق، أو الهوية، أو الانتماء”.
مداخلات وأسئلة
وانطلقت المداخلات بداية من ترحيب مدير الندوة بسيادة وزير المصالحة الوطنية في سورية سابقاً الدكتور علي حيدر، الذي عقب على الترحيب بالثناء على الجهود الجميل والجبار في هذه الظروف القاسية التي تمر بها بلادنا، لافتاً إلى دقة الوصف أنه زلازل ليست طبيعية فقط، بل اقتصادية وسياسية واجتماعية واخلاقية، وانه مطلوب منا العمل بعزم وثبات وتوحيد القوى والأدمغة والسواعد للنهضة بالتحديات المحيقة بنا.
وداخل المستشار دريد العنزي من العراق الشقيق فعرض لكيفية التهيئة لما بعد الزلازل بالنقاط الآتية:
١.. إبعاد المتضررين من الموقع.
٢..رش المبيدات الحشرية والمواد المعقمة.
٣..وضع وسائل الإسعاف الاولية لمعالجة الطوارئ.
٤..تقسيم متوازن لفرق الإنقاذ بشكل كامل.
٥..تقسيم المناطق امنياً.
٦..العمل مع حيوانات متخصصة لكشف الأموات والأحياء.
٧..العمل أقرب إلى تنقيب الآثار في البداية.
٨..بعد مضي وقت معين يتوقع أن البقاء الضعيف جدا للأحياء,
٩..التعقيم المستمر لأي منطقة تم الكشف عليها.
١٠..قطع التيار الكهربائي والماء وفتح أنفاق للمجاري لكي يتم سحب الماء كلياً.
١١…العمل نهاراً أكثر.
١٢..الاستعانة بالخبرات الأجنبية قدر المستطاع.
١٤..تهيئة الأدوية والمستلزمات الطبية الفردية.
١٥..قناني الاوكسجين.
١٦..المستشفيات المتنقلة السريعة.
الدكتور عزمي منصور: بعد الشكر لإدارة ندوة حرمون الثقافية واهتمامها بطرح مواضيع هامة. وكذلك الشكر للسيد هاني الحلبي والشكر للد كتور ميلاد السبعلي وإضاءته على التجربة اليابانية.. فإنني أشاركه الرأي بأننا نعيش في بلداننا أزمة أخلاق ونوعاً من الأنانية. ولا شك في أن أزمة الأخلاق تفتح باباً للفساد. كما أن ثقافة الاستهلاك والبحث عن الربح السريع تفسح المجال للغش.. بالنسبة لموضوع الزلازل فإن التشريعات الأردنية اعتمدت منذ عام 2014 كود يتعلّق بالبناء المقاوم للزلازل. واعتمدت نقابة المهندسين ذلك. ولكن كما هي العادة هناك فرق بين التشريعات من حيث النص الجيّد وبين التطبيق أو التنفيذ. ففي معظم الحالات يكون التصميم على الورق جيداً بينما التنفيذ غير ذلك.. إما غشاً من المقاول أو فساداً في الإشراف على التنفيذ.. هذا من جهة ومن جهة أخرى هناك سوء تخطيط للمدن. فمن العشوائيات التي تفتقر لأبسط أمور السلامة العامة إلى المدن المليونية بمساحة ضيقة. وحتى إلى البناء في المسطحات الزراعية. كل ذلك يعكس سوءاً في تخطيط المدن، حتى أن بعض الأحياء في عمان ذات الطبيعة الجبلية تفتقر إلى شوارع ويتمّ الوصول إليها عبر أدراج طويلة. فلو تعرّضت لزلزال لا سمح الله، فستكون هناك صعوبة في عملية الإنقاذ.
واستفسرت الدكتور زفوان سامية من المحاضر عن قوله إن كيليكيا والإسكندرون هما أرض سورية، بينما هما ضمن حدود تركيا السياسية.
ووجهت الدكتورة أمينة حميدي من المغرب سؤالاً للمحاضر: لماذا يتم بناء وتأهيل المناطق المعرضة للزلازل؟ لماذا لا يتم اتباع سياسات وقائية لتفادي سقوط ضحايا؟ ما فائدة التكنولوجيا والدراسات العلمية اذا لم تكشف عن المناطق المعرضة اكثر من غيرها للزلازل وبالتالي تفادي السكن فيها؟
الدكتورة جمانة عساف قالت: شكراً للدكتور ميلاد الذي أحرص على متابعته للتعلم منه والشكر الجزيل لمنظمي هذه الندوة، نتمنى ان نتوصل بقوميتنا العربية الى ما توصلت اليه القومية اليابانية التي ينهجها شعب، بينما نحن لا زلنا مفككين ضمن البلد الواحد، فكيف الحال على صعيد الوطن العربي ككل.
الدكتورة مليكة بقاح: مساء الخير جميعاً، شكرا جزيلا دكتور ميلاد …الله يبارك فيك ويزيدك من فضله ونوره وعلمه…. والشكر للاستاذ هاني الله يبارك فيه.. ولديّ اقتراحان: 1- الاقتراح الاول هو التطبيق الصارم للبناء المرن المضاد للزلازل في كل الدول المتوسطية على حزام زلازل. 2- الاقتراح الثاني: إنشاء بنك تمويل خاص بالجامعة العربية للإنشاء والتعمير يعمل على التمويل المالي لكل البلدان العربية المتضررة من الأزمات والزلازل والحروب…الخ. هذا البنك يعمل بهدف التنمية المستدامة في الوطن العربي وخلق فرص العمل أيضاً للعاملين فيه. وأنا اقترح ندوة عن التعليم… التعليم هو سلاح الأمم نحو التقدم والتطور والارتقاء، التعليم هو الحجر الأساس لنهضة الشعوب.
وتحدثت الدكتورة حدوش وردية من الجزائر، وسألت المحاضر سؤالين:
١- التجربة اليابانية ناجحة لأنها مزج ودمج بين الأصالة والمعاصرة، فهل نعاني من أزمة أخلاقية في بلداننا؟
٢-هل تملك الدول العربية المعرضة للزلازل إمكانيات، لتشييد البناء المضاد للزلازل على الطريقة اليابانية؟
واقترحت برمجة ندوة على الأخلاق والأزمة الأخلاقية.
وكانت أسئلة عدة، منها سؤال لفادي خوري، واجاب الدكتور ميلاد السبعلي على الأسئلة وعقب على المداخلات بما يلزم فزاد غنى المحاضرة والمداخلات غنى وقيمة. وتم إقفال القاعة بعد ساعتين ونصف من بدايتها..
وكالعادة في كل ندوة تقدم منصة حرمون شهادات تقدير وحضور للباحثين والحضور الكرام.