عقدت ندوة حرمون الثقافية، حلقتها الأسبوعية عبر غوغل ميت بعنوان “زلزال الشمال بين العلم والقانون والهندسة -1″، التي تحدث فيها البروفسور البيئي وفيق نصير من مصر، المحامي زياد بيضون من لبنان، والمهندس وسام الحسن والمسعف الخبير مصطفى ديوب من سورية.
أدار الندوة وحوارها وقدم المتحدثين الكاتب والإعلامي الزميل هاني سليمان الحلبي، ناشر منصة حرمون.
الحلبي
زلزال الشمال السوري فاتحة عصر جديد على بلادنا والإقليم، مهما كانت الأسباب التي أدت إليه، أكانت طبيعية، أم عدوانية ضمن سياق النشاط التركي العدواني لتجفيف نهري الفرات ودجلة وتجفيفهما وإفقار وتهجير الشعب في العراق وسورية، أم العمل العدواني بسلاح سرّي تتم تجربته قبل أن يوضع في الخدمة العام 2025 كسلاح دمار شامل تحت قناع الكوارث الطبيعية.
وقبل أن أبدأ بتقديم الأساتذة المتحدثين اسمحوا لي بتوجيه تحية إكبار لأبطال الإسعاف والإنقاذ الذي يقاتلون البرد والوجع والجوع والمصاعب لينقذوا محتجزا حياً تحت الأنقاض او لاستخراج جثمان شهيد لأداء واجب إكرامه.
زلزال زلزل الأسئلة وفتح العقول على البحث والمعرفة، كما فتحت عيون المشاهدين على هول الفاجعة. في محاولة الإجابة على الأسئلة وتملس الحقيقة، تطوّع 4 باحثين كل منهم فارس في ميدانه”. ثم قدم المحاضرين تباعاً.
نصير
تحدث البروفسور وفيق نصير من مصر، عضو البرلمالن العالمي للبيئة، عن الزلازل بكونها ظاهرة طبيعية يمكن ان تؤثر في المناخ والبيئة واعتبر أن البيئة المتدهورة وتغير المناخ يمكن ان يؤديا إلى زيادة الزلازل، بخاصة مع الزيادة الهائلة في عدد السكان في العالم التي تؤثر على ارتفاع درجة حرارة المناخ وزيادة توليد الميثان ما يؤثر على قشرة الأرض والصفائح التكتونية واستقرارها.
وتابع: يتسبب تغير المناخ في ارتفاع درجة حرارة سطح الأرض والهواء والمحيطات، مما يؤدي إلى زيادة إطلاق غازات الدفيئة. وهذا بدوره يتسبب في أن تصبح قشرة الأرض غير مستقرة بسبب الوزن الإضافي، والذي يمكن أن يتسبب في تحول الصفائح ويسبب الزلازل.
وأضاف: أنه نتيجة لذوبان القطب الجنوبي والشمالي فإن مركز ثقل الأرض يتغيّر وهذا بالتبعية يغيّر من محور دورانها ويؤدي الي تحركات في القشرة الأرضية. وتؤدي زيادة درجات حرارة سطح الأرض ومياه المحيطات أيضًاً إلى تبخر المزيد من المياه، مما يؤدي إلى زيادة بخار الماء في الغلاف الجوي. هذه الرطوبة الإضافية تثقل كاهل قشرة الأرض ويمكن أن تتسبب أيضًا في تحولها وتسبب الزلازل بالإضافة إلى أن حامضية الغازات الدفيئة تؤدي الي زيادة حامضية مياه المحيطات فيقضي علي الكائنات البحرية ويؤدي الي التفاعل مع قاع البحار ويساعد علي تحرك طبقات الارض.
واستطرد: إن البيئة المتدهورة التي تسببها الأنشطة البشرية، مثل حرق الوقود الأحفوري وإزالة الغابات والممارسات الزراعية، تساهم أيضًا في تغير المناخ وزيادة وتيرة الزلازل، حيث تؤدي إزالة الغابات إلى انخفاض الغطاء النباتي، مما يقلل من كمية ثاني أكسيد الكربون التي تمتصها النباتات وتطلقها في الغلاف الجوي. وهذا بدوره يؤدي إلى زيادة ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، مما يؤدي إلى زيادة إطلاق غازات الدفيئة وزيادة تفاقم تغير المناخ، حيث إن 15 مليار شجرة سنوياً تختفي وتراجعت رقعة الغابات بنسبة 32% منذ بداية الثورة الصناعية.
وخلص نصير إلى أدى الجمع بين تغير المناخ والبيئة المتدهورة والأنشطة البشرية إلى زيادة كبيرة في تواتر وشدة الزلازل. من الواضح أنه يجب علينا اتخاذ إجراءات لمنع المزيد من الأضرار التي تلحق بالبيئة وتقليل اعتمادنا على الوقود الأحفوري إذا أردنا التخفيف من آثار تغير المناخ وتقليل عدد الزلازل. فنسبة ثاني أوكسيد الكربون والميثان زادت الى 30% منذ بدايه الثورة الصناعية.
بيضون
وتحدث المحامي زياد بيضون من لبنان، من وجهة نظر قانونية عن الزلزال، فقال مداخلتي ستنطلق من محاور ثلاثة:
محور أول يتعلق بما تنص عليه قوانين البناء من وجوب التزام معايير السلامة العامة.
ومحور ثانٍ يتعلق بأثر الزلزال على الالتزامات والعقود والعهود
ومحور ثالث يتعلق بالشائعات وانعدام المسؤولية عبر وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي.
في المحور الأول:
من المعلوم لدينا جميعاً أنه في جميع الدول، فإن للبناء قوانين وشروطاً تجب مراعاتها والالتزام بها كما أن هناك قوانين خاصة للتنظيم المدني وللطرقات وللبنى التحتية وللسدود المائية وبشكل عام لكل ما له علاقة بالإنشاءات التي تقام على أرض الدولة، وذلك انطلاقاً من مقتضيات السلامة العامة في الدرجة الأولى، لتأتي بعد هذه المقتضيات الشروط الأخرى المتعلقة بجمالية البناء وتنظيمه وترتيبه والوجهة العمرانية له.
إذن الأولية كانت منذ الأمد البعيد هي للسلامة العامة، لا سيما متى كانت الدول وبحسب موقعها الجغرافي تقع ضمن مناطق جيولوجية متقلبة، وتطوّر مفهوم السلامة مع تطوّر الحركة العمرانية. من هنا نجد أن أغلب الدول هي في حالة تطوير دائم لقوانين البناء لديها.
في لبنان، الذي بالمناسبة تعرّض في الخمسينيات لزلزال عنيف، اعتمد هذا التطوير لقوانين البناء لديه، إلا أنه للأسف ونتيجة ظروف الحرب الأهلية، كثرت العشوائيات، ووضعت لبنان في مصاف الدول التي من شأن أي زلزال أو هزة تصيبه (لا سمح الله) أن تلحق به أفدح الاضرار على كافة المستويات.
وبعد انتهاء الحرب طوّر لبنان قوانين البناء لديه، وكان اخرها القانون رقم 646 الصادر في نهاية العام 2004، الذي أكد وبشكل واضح في المادة 13 منه على شروط خاصة لمتانة البناء ولتحمله نتائج العوامل الطبيعية من زلازل وسواها.
فقد نصّت المادة 13 على ما حرفيته:
ارتفاقات خاصة
أولاً:……..
ثانياً: ارتفاقات خاصة بالسلامة العامة والصحة والمنظورات المعمارية:
يمكن بمرسوم بناء على اقتراح وزير الأشغال العامة والنقل بعد استطلاع رأي المجلس الأعلى للتنظيم المدني فرض شروط ومبادئ لدراسة متانة الأبنية ولاستعمال مختلف مواد البناء وفرض شروط خاصة لحماية الأبنية من أخطار الحريق أو لتحمل البناء نتائج العوامل الطبيعية من زلازل وسواها، ومنع استعمال بعض المواد في البناء أو فرض شروط إضافية حول إمكانية استعمالها إذا كانت تشكل خطراً على السلامة العامة والصحة.
الى حين صدور مراسيم السلامة العامة وتضمنها مواصفات خاصة بالزلازل، يتوجب بالنسبة للأبنية التي يزيد عدد طوابقها عن الثلاثة أو يزيد ارتفاعها عن عشرة أمتار فوق سطح الارض، اعتماد تصميم لمقاومة الهزات الأرضية، بحيث لا يقل العامل الزلزالي (Zone Perimeter Seismic) المستعمل في التحليل والتصميم عن /0.2/ أو ما يعادل (Zone 2 B) من U.B.C.
وتحدثت المادة المذكورة عن ترك الأمر للمراسيم اللاحقة، لتحديد نوعية المشاريع التي تحتاج لمكتب تدقيق فني (وهو معاينة ومراجعة وفحص تصميم وتنفيذ المنشآت والمواد وعناصر التجهيزات المستعملة في إطار عملية البناء استناداً إلى المواصفات الفنية المتوجب اعتمادها في هذه العملية وإبداء الآراء المناسبة بهذا الشأن بهدف المساهمة في الوقاية من المخاطر)، ولا سيما تلك المشاريع العامة المرتبطة بالسلامة العامة (كخطوط الطاقة ـ السدود ـ وسواها من المشاريع العامة).
وبالفعل صدر في العام 2005 المرسوم المتعلق بشروط السلامة العامة، وخضع المرسوم لعدة تعديلات أخرها كان في العام 2012 بموجب المرسوم رقم 7964 – صادر في 7/4/2012 الذي كان واضحاً في وجوب مراعاة متطلبات السلامة العامة في قطاع البناء، واتخاذ كافة التدابير والإجراءات الواجب توفرها. لضمان متانة الأبنية والمنشآت وسلامة شاغليها ومستعمليها.
كما وكان واضحاً لجهة ضرورة اعتماد المقاييس والمواصفات الفنية المتعلقة بتأمين متطلبات السلامة العامة في الأبنية والمنشآت كما هي معتمدة في دول الاتحاد الأوروبي. الولايات المتحدة الأميركية أو كندا، وتتخذ جميعها صفة الإلزامية، على أن يتم اعتماد مصدر واحد لكل موضوع من مواضيع السلامة العامة.
أما في ما يتعلق بموضوع مقاومة الزلازل فيتم اعتماد عامل تسارع أفقي (Acceleration horizontale) وقدره كحد ادني 0.25g وفي حال استعمال هذا التسارع ضمن المواصفات الأميركية، يمكن اعتماد كحد أدنى، شروط وتفاصيل التصميم المقاوم للزلازل المعتمدة لمناطق الخطر الزلزالي المعتدل (Moderate Seismic Risk).
الحسن
بعد تقديم التعازي لذوي الضحايا، تحدّث المهندس وسيم الحسن عن الكارثة المركبة والتي ضاعفت آثار الزلزال. فالحرب التي كانت على سورية والعقوبات الاقتصادية أدت لتدمير البنية التحتية في عدة قطاعات، مما سبب نقص التجهيزات اللازمة للاستجابة لهذا النوع من الكوارث المدمرة.
مع اللحظات الأولى للكارثة بدأت الاستجابة الشعبية من المناطق المتضررة ومحيطها المباشر، تبع ذلك بساعات استجابة حكومية على كافة المستويات، ليكون الجميع في سباق مع الزمن لإنقاذ الناس من تحت الأنقاض.
وبعد مرور عدة أيام وخلال الاستجابة للكارثة وتقديم كل ما يمكن لإنقاذ حياة المتضررين في النقاط الطبية وخارجها وتأمين اللوازم من غذاء ولباس يتم بعد الشهر الأول للاستجابة إنشاء مناطق للإسكان المؤقت.
وتابع قائلا: كان مقترحي بعام 2014 هو استخدام منطقة توسع المخطط التنظيمي في كل تجمع سكاني لأجل المتضررين من الحرب، وأعيد التأكيد على هذا المقترح بعد الزلزال، لأن استخدام محيط القرى سيساهم في تخفيف الضغط على الموارد المحدودة المطلوبة لإنشاء مراكز إيواء، ويسمح بتقديم خدمات أفضل للمتضررين من خلال سكان القرية ومن الفرق التطوعية، ويتم بناء مساكن للمتضررين باستخدام مواد البناء المحلية بجودة مناسبة وتتضمن حدائق منزلية، بما يؤمن لهم حياة منتجة مستقرة بمساعدة جميع الجهات الراغبة والمهتمة بالمقترح.
تمّ نقاش مشروع الحلقات البيضاء في ندوة حرمون التي عقدت بتاريخ 20 كانون الثاني 2023 وبناء على البيانات المتاحة اقترح الحسن تنفيذ المشروع في المنطقة الوسطى بالتعاون مع مجموعة المشاريع الأسرية.
وأكد على أهمية تركيز الجهود حالياً على تقديم المساعدات العاجلة للمتضررين وطلب التجهيزات اللازمة للبحث والإنقاذ والرعاية الطبية من سيارات إسعاف وعيادات متنقلة.
أما أسباب انهيار المباني وشروط انشائها لتكون أكثر أمانا أثناء الزلازل، فيمكن بحثه في الندوة المقبلة بعد انتهاء المرحلة الأولى من الاستجابة.
ديوب
تحدث الخبير المسعف مصطفى ابراهيم ديوب من سورية، مدينة صافيتا، عارضاً لخبرته العريقة في الإسعاف الميداني، في ما يسمى تاسك فورس، وعراقة الاسعاف السورية منذ عقود، والذي أثبت حرفيته في الحالات الإسعافية المعقدة التي تعتبر لغيره من المستويات الإسعافية مستحيلة او مستعصية.
وعرض لمبادئ الإسعاف السليم وقواعده، ولمبادرة كان طالب بها الوزارات المختصة في سورية، وبخاصة وزارة التربية، ان تكون مادة الإسعاف مادة أساسية من أي برنامج تعليمي، في سياق كون كل مواطن مسعفاً. تحضيراً للأزمات الطارئة والحروب وغيرها، ونشراً للوعي الإسعافي.
وعرض لجهود الإسعاف الحالي التي تبذل قصارى جهودها في المناطق بجهود محلية قيدها كثيراً الحصار المديد بعد حالة حرب واستنزاف طويلة منذ 11 سنة، رغم تطوع فرق من دولة صديقة وانفتاح الموقف اللبناني لوضع المرافق بتصرف المساعدات.
ووضع نفسه وخبرته بتصرف الشباب خاصة ليكونوا جاهزين لأي حالة إسعافية ليس فقط اولية بل وصولاً لمرحلة وصف الأودية.
مداخلتان
وكانت أسئلة عدة ومداخلات عدة أبرزها مداخلة للدكتورة عهود وائل العنزي باقتراح مركز إسعاف وإنقاذ عربي دولي تتوزع له فروع في الدول العربية المشاركة فيه، وجاهزية دائمة وطواقم إسعاف وإنقاذ تتحرك فوراً عند أي ازمة او كارثة، وبتقنية حديثة كاملة الإعداد والاستعداد لتخدم الشعوب العربية بلا تمييز او تفرقة.
ومداخلة المستشار دريد الشاكر العنزي الذي شدد فيها على انه مهما كانت المساعدات وفرق الإنقاذ والدعم والإسعاف يبقى دور البطولة هو لأبناء المناطق المنكوبة لنهم الأسرع في التحرك والأبقى على الأرض، فهم يتحركون من اللحظات الأولى ويبقون في الميدان حتى نهاية كل الجهود، موجها التحية الإكبار لهم ومعزياً بالشهداء وراجياً الشفاء للجرحى.
وحضر الندوة عشرات المهتمين، وكان أبرز الحضور: المستشار الاقتصادي دريد الشاكر العنزي من العراق، الدكتورة زقوارن سامية من الجزائر، الدكتورة عهود وائل العنزي من السعودية، الدكتور دياب احمد ابو ريش، المترجم والباحث كمال الشوفاني من سورية، الخبير الجغرافي سيزار قيصر، المستشار احمد عمر طه من مصر، الناشطة البيئية ابتسام ابو سلهب وغيرهم. ووزعت للمحاضرين والمتفاعلين شهادات شكر وتقدير ومشاركة بحث.