ميخائيل عوض*
اول وابسط مبادئ واستراتيجيات حروب المقاومة وحروب التحرير الشعبية والعصابات الثورية، اعتماد استراتيجية المعارك بين الحروب، ذاتها التي كانت الاصل والاساس في انتصار الجيش الاحمر في الصين بقيادة ماوتستونغ اهم منظري حرب العصابات (“اقرأ ست مقالات عسكرية في حرب العصابات”) وذاتها الاستراتيجية التي اعتمدتها المقاومات في الحروب العالمية في روسيا وبلغاريا ورومانيا وفرنسا في وجه الجيوش والدول الغازية. وذاتها التي منحت جبهة التحرير الفيتنامية تفوقاً استراتيجياً فهزمت فرنسا الإمبراطورية وأميركا وهي في عز قوتها وهجوميتها.
في البحث التفصيلي ودراسة تجربة المقاومة الاسلامية في لبنان سنجد هذه الاستراتيجية وتكتيكاتها، كانت خلف انتصارها المدوي والإعجازي عام ٢٠٠٠ عندما الزمت اسرائيل بالفرار بهزيمة تاريخية اطلقت كل المفاعيل الجارية من تحولات وتغيرات في قواعد ارتكاز توازنات القوى في الصراع العربي الاسرائيلي بما هو جوهر الصراع بين الغرب والشرق. هزمت اسرائيل وهي في أعلى درجات القوة والسيطرة وأميركا متفردة بقيادة العالم والأمم والشعوب انهارت مقاوماتها واستسلمت للأميركي وهيمنته.
استراتيجية المعارك بين الحروب، ابتدعت لمواجهة الجيوش القوية والقادرة على حشد القوى والعتاد لحسم الحروب بسرعة وبالضربات القاضية وبالصدمة والترويع والحروب الاستباقية وكل ما أنتجته عقول الخبراء في إدارات قوى الحروب والاحتلالات واغتصاب الاوطان وحقوق الشعوب، وحروب المقاومات والأنصار والعصابات الثورية هي ادوات وجيوش الشعوب الفقيرة وغير القادرة على تمويل الجيوش الجرارة والحروب النظامية.
اسرائيل بعد هزيمتها في لبنان وغزة وفي حرب تموز ٢٠٠٦ وحروبها ضد غزة لاذت باستراتيجية المعارك بين الحروب، وبالحق وبالرغم من أنها كيان مؤقت وعدواني واستيطاني وغدة سرطانية الا ان المعطيات الواقعية والنتائج الملموسة لمسارات المواجهة يمكن القول إنها عقل عملي وديناميكي نجحت في التحول من حروب الجيوش القوية والمالكة للتقانة ووسائط التدمير الشامل واقوى اسلحة الطيران والصواريخ عندما هزمت ولاذت باعتماد استراتيجيات وتكتيكات حروب المقاومة وحروب العصابات، فمن المسؤول؟؟ ولماذا تخلى محور المقاومة عن جوهرته وأهداها لعدوه وتركه يجيد استخدامها فيستنزفه ويرهقه…؟؟
المعارك بين الحروب تستند الى نظرية ماوتستونغ وخلاصتها الذهبية؛ مجموعة انتصارات صغيرة تساوي انتصارا كبيرا… هكذا ترجمت الانتصارات الصغيرة للمقاومة الاسلامية في لبنان وفي المعارك بين الحروب بانتصار كبير في إلزام العدو بالانسحاب تحت النار ودون قيد او شرط او تفاوض وهكذا انتصرت غزة وتحررت وفكك ابو الاستيطان زارع اول حجر مستوطنة في غزة شارون واضطر طائعا مجبرا تفكيك مستوطنات غلاف غزة…
ليس من نقاش او تشكيك في جدوى استراتيجية وتكتيكات المعارك بين الحروب إلا أن اللافت ان تنجح اسرائيل وان تقنع أميركا بالتحول الى اعتماد استراتيجيات حروب المقاومات والعصابات لتصير استراتيجيات للقوى الكبرى والمالكة للجيوش الاكثر تفوقا و تطورا بينما تخلى محور المقاومة عنها واستُدرج للدفاعية وتلقي الصفعات وانتظار الفرصة واعتماد نظرية الصبر والصبر الاستراتيجي، والتحوّل من قوة هجومية تضرب وتنهك وتشاغل وتفاجئ الخصم وتختار الزمان والمكان وتفرض اولوياتها وخططها وتجعل العدو في حالة دفاعية عاجز عن تحشيد قواه او توقع اين ومتى سيأكل ضربات مؤلمة وموجعة، فتحولت المقاومة والمحور الى قوة دفاعية تنتظر الضربات وتتحمل وتعد بالرد في الزمان والمكان المناسبين.
ذاتها السياسة التي اعتمدت في سورية وفي لبنان وغزة والاكثر خطورة ان تعتمد في ايران اليوم الدولة القائدة القاعدة للمحور….
الخوف مبعثه ان منظري الدفاعية والزمان والمكان المناسبين والصبر بدأوا نشاطا محموما لترويج افكار وعناوين تحفيز ايران على عدم الرد على انتهاك سيادتها والعدوان عليها بسفور ووضوح. وهذا العدوان في اعراف الحروب والعلاقات بين الدول هو بمثابة اعلان حرب، واعتداء على سيادة، يستوجب رد لاجم لا الشكوى لمجلس الامن ولا حشد بيانات الإدانة وخطابات التحذير والتهديد وعراضات القوة والمناورات فكلها جربت ولم تفد.
وغير نافع الاكتفاء بتصنيع وتخزين المسيرات والصواريخ وقبرها في المستودعات وبطون الجبال، بانتظار ساعة الفرج والرهان على الزمن فالزمن يعمل بالاتجاهين وطوع من يستثمره ويسبق، ولا يعمل حصرا لصالح ايران ومحور المقاومة.
قالها الامام علي: ما غزي قوم في ديارهم قط الا ذلوا. وقالتها وحسمت فيها مبادئ الحروب وتجارب الشعوب؛ الهجوم أفضل وسائل الدفاع. والقاعدة الذهبية في الحروب ان تضطر عدوك للقتال في حصونه وقلاعه لا ان تتراجع وتترك الحصون لتصير المعارك والحروب في قلعتك انت.
انسحبت سورية من لبنان بعد اغتيال الحريري وافترضت انها ستنجو وتترك لشأنها، وفرحت لإنجازاتها وانفتاح مدروس من امير قطر واردوغان والرئيس الفرنسي عليها ثم فاقت على حرب طاحنة في قلعتها، والقاعدة ايضا؛ لا تأمل ابدا ان تنام عين العدو اذا نامت عينك ..
ايران اليوم قلعة المقاومة ودولتها القائدة القاعدة تدفع لتنكفئ على نفسها وتقبل خوض المعارك والحروب في قلعتها لا في قلاع وحصون العدو، وإن قبلت الأمر ولن تبادر الى الهجوم والى نقل الحروب والمعارك الى حصون وقلاع العدو فالخطر ماثل وماحق ومن تجربة ايران نفسها، فعندما كانت تقاتل في لبنان والعراق واليمن كانت يدها العليا، وعندما بدأت تفكر بانها في الجبهات الثلاث حققت ما ارادت وباتت تسعى لتثبيتها وتكريسها والدفاع عنها بدأت تخسر، واعطت العدو الفرصة ومنحته الخاتم الذهبي، فانتقلت اسرائيل الى استهدافها في لبنان عبر الحرب السرية وبكثافة وبشكل مؤلم في سورية والعراق، ولن يطول الزمن لاستهدافها في اليمن وافغانستان بل الاكثر خطورة ان الحرب بدأت تستهدفها في بنيتها وفي بيتها وجغرافيتها، وتستخدم الوسائل والطرائق المختلفة من حرب اعلامية الى توترات اجتماعية وعمليات تفجير واغتيال وعبث بالوحدة الوطنية الى استهداف عبر الحدود واغتيالات للقادة والعلماء الى تفجيرات وحرائق مفتعلة واخر الضربات قصف بالمسيرات لمصنع ذخائر واسلحة نوعية في اصفهان، والمعتدي يجاهر ويفاخر ويعلن المسؤولية ويتبختر…
بلغ السيل الزبى…
واصبح الزمان والمكان مناسبين والا فسبحة الاعتداءات وتواترها وتعاظم خسائرها سيكون هو السائد…
من هان سهل عليه الهوان، ومن قبل المنازلة في بيته سيخسره غرفة بعد غرفة ويجد نفسه بلا بيت او في بيت لا يصلح للعيش…
المزايدون والزاعمون الخبرة، ومن ابطال الفضائيات والحروب بالنظارات، واحدهم لم يطلق طلقة واحدة او يشارك في معركة او عملية سينشبون السنتهم وسكاكينهم ويشحذون أنيابهم لتمزيقك اربا بزعم انك تحدثت بأمر يزعجهم ويهز سلطانهم الذي تربعوا عليه في تنظيراتهم الدفاعية ومن دعاة الصبر الاستراتيجي ويكيلون الاتهامات ويعنترون…
هم انفسهم الذين نظروا للصمت السوري بذريعة ان الاعتداءات الاسرائيلية هي رد على الاستعدادات الجارية وجهود تأمين السلاح والقوة ليوم المنازلة والزمان والمكان، وسيستعرضون تجربة حافظ الاسد ١٩٧٢ في معركة الطائرات فوق اللاذقية، ووو…. لكنهم يتجاهلون الزمن والفوارق بينما كان وما هو كائن اليوم خاصة في سورية واوضاعها ومتاعبها على كل صعيد. وسيقولون لك ان ايران تنسج السجاد وتذبح بالقطنة، وانها بطيئة وبليدة ولا تتصرف بردود فعل، وبهذا يجاهلون الواقع ومعطياته ومستجداته وما بلغته التحولات وما هو جار من حرب موت او حياة في اوكرانيا والحرب الشاملة الجارية بين اوراسيا الصاعدة والاطلسي والعالم الانكلوساكسوني، وقد جهزوا وأعدوا المسرح لاستهداف ايران بتنفيذهم حملة واسعة واتهامها بالتدخل في الحرب وبانها حليف ممول لروسيا بالمسيرات والصواريخ والجيوش وتالياً للزمن قيمة عالية ومن يتجاوزه سيبقى بين الحفر كمن هاب صعود الجبال.
على كل حال؛
معطياتنا تفيد بان اسرائيل وأميركا وحلفهم العدواني، وضعوا ايران في عين الهدف، واطلقوا العنان لأدواتهم واداروا كل محركاتهم، ولن يخلوا يوما بعد الان من حدث، ومن معركة بين الحروب ومن سعي حميم لجعل ايران نفسها ميدان للمعارك والحروب .
وفي معطيات الواقع وتوازنات القوى والتحولات وحجم الفرص الذهبية الموفورة لمحور المقاومة وفصائله يتوجب الرد، بل الرد العاصف واللاجم، وبالرد تتحفز الضفة وفلسطين ال٤٨ وتتصاعد عملياتها النوعية والاستنزافية لإسرائيل وتربكها وتشغلها عن ايران وسورية وتسند روسيا ويجر محور البغي العالمي الى مسرح عمليات هو الاضعف فيه والممكن الحاق هزيمة مدوية به. اما بعدم رد فالضربات في ايران والعراق وعلى الحدود مع سورية وفي سورية سيكون لها انعكاسات إحباطيه قاتلة، وتتراجع الثقة بإيران والمحور وقادته وبتهديداتهم واستعراضاتهم للقوة ما سيضعف تأثيرهم والثقة بهم ويعزز التشكيك بقدرات المحور وجديته وتستعيد إسرائيل وأميركا صورتهما…
وننصح بانه من غير الجائز عدم الافادة من تجارب الشعوب ومن تجاربنا في المقاومات، فمن يتجاهل او يتناسى المبادئ وابسط القواعد في الحروب سيخسر الحرب مؤكداً، فهل تذكرون قاعدة؛ عندما يهزم عدوك ويرتبك ويتراجع عليك ان تستمر بالهجوم وبالضربات كي لا تعطيه فرصة إعادة تجميع صفوفه واحتواء الهزيمة؟؟؟ فهل فعلناها في محور المقاومة اثر هزيمة الـ ٢٠٠٠ او بعد هزيمة ٢٠٠٦ او بعد هزيمة اسرائيل في غزة…..؟؟ لماذا لم نفعلها ولماذا اعطينا الوقت والفرص
وكيف فاتنا ان إسرائيل وأميركا لن تقبل الهزائم ولن تستسلم من واحدة وستعيد تنظيم امورها وتبتدع خططاً وتكتيكات ومؤامرات لإنفاذ مشروعاتها، وكان أن فاجؤنا بالربيع العربي وبغزو ليبيا وسورية والعودة الأميركية الى العراق…
هل تذكرون ان أميركا بدولتها العميقة اقرت في تقرير بيكر هاملتون انها هزمت في العراق عام ٢٠٠٦ فلماذا اعطيت الفرصة والوقت واسندت لحفظ ماء وجهها؟؟ ولماذا كفت المقاومة عن مطاردة فلولها وتصفية نفوذها وجماعاتها في العراق وخبرائها في الدولة والمجتمع فعادت اقوى في ٢٠١٤ بذريعة داعش الذي زرعته وانتجته واستخدمته لاستنزاف واشغال المحور عن هدفه المحوري الشيطان الاكبر والشيطان الاصغر…
الحرب جارية ومستمرة وأميركا واسرائيل تهزمان الا انهما لا تستسلمان، تفاوضان الا انهما تتآمران، تبتسمان الا انهما يعقران ويعضان، والطريقة الوحيدة لإلحاق الهزيمة بهم وبمشاريعهم وبمصادرة اي امكانية لاستعادة قواهم في الهجوم ومن ثم الهجوم وليس في الدفاعية ولا في استراتيجيات الصبر والوقت والزمان المناسبين..
المعارك بين الحروب انتقلت من سورية والعراق ولبنان وغزة الى ايران، ويجب الا تعطى فرصة ابداً وعلى المحور ان يعود الى منطلقاته واستراتيجياته وتكتيكاته ويجيدها ويعمل على تفعيل أدواته للهجوم واستمرار الهجوم حتى تحقيق الغايات..
الزمن لا يرحم والفرص سريعة النفاذ ولنتذكر ما قاله سقراط؛ إن الإنسان الذكي هو الذي يتعلم من كل شيء ومن كل أحد, والإنسان العادي يتعلم من تجاربه, أما الغبي فهو الذي يدّعي أنه يعرف كل شيء أحسن من غيره.
اخطر ما يكون أن يتم التعامل مع العدوان على اصفهان والحدود العراقية السورية وكأنها معركة عادية، وكان الامور جارية في سياقها… فاستهداف ايران بطيران مسير وفي هذا التوقيت والواقع الجاري في فلسطين واوكرانيا ولبنان وسورية يمثل كسراً للقواعد وكسراً للتوازنات وهو ارهاص ونذير ببداية حرب تستهدف ايران مباشرة بعد فشل تطويعها واحتوائها بالتفاوض والتفاهمات وتستحيل عملية غزوها بحرب نظامية صدامية سريعة وعاصفة من الخارج.
زمن الحرب الكبرى جار…
بيروت – ٣٠-١-٢٠٢٣
مفكر ومحلل من لبنان.