سعادة مصطفى ارشيد
يعيش الفلسطيني و”الإسرائيلي” في هذه الأيام أزمة سلطة وأزمة الشرعية الشعبية البرلمانية بشكل جليّ، ولكن كلّ من زاوية مختلفة مقابلة، الفلسطيني أجرى انتخاباته الأخيرة عام 2006 والتي فاز بها حزب غير حزب السلطة، وانتهى الأمر بالاشتباك في غزة والانقسام عام 2007، الذي ما زلنا وسنبقى نعاني منه.
منذ ذلك التاريخ حدث فراغ دستوري بغياب السلطة التشريعية وأصبحت الحكومات تراقب نفسها أو تراقب من مقام الرئاسة فقط، ينص القانون الأساسي الفلسطيني على أنّ مدة المجلس التشريعي هي أربع سنوات فقط تجري بعدها انتخابات لاختيار مجلس جديد أيّ في عام 2010، وها قد دخلنا في عام 2023 والنظام السياسي الفلسطيني في حالة جمود دون أن تلوح في الأفق آمال بتجديده عبر صندوق الاقتراع، خاصة بعد أن اكتشف صانع القرار الفلسطيني، وعلى حين غرّة مشكلة مشاركة المقدسيّين في الانتخابات جاعلاً من هذه المسألة قميص عثمان يتمّ نشرة كلما طالب أحد بالانتخابات، وتحكم الضفة الغربية وإلى أمد لا يعرفه أحد بموجب مراسيم رئاسية تحمل صفة القانون ومن حكومة لا رقيب عليها أو حسيب.
“الإسرائيلي” في الزاوية المقابلة يعاني من أزمة إجرائه خمس انتخابات تشريعية خلال أربع سنوات، لم تستطع الانتخابات الأربع أن تأتي بنتائج حاسمة لصالح فريق أو ائتلاف، وحالت دون وجود حكومات مستقرة طويلة العمر، إلى أن جاءت الانتخابات الخامسة بحكومة نتنياهو السادسة التي تملك أغلبية مريحة تؤهّلها لأن تكون أطول عمراً من سابقاتها، أطلقت الحكومة على نفسها اسم حكومة حسم الصراع تجاه المسائل المهمة والتي تمّ تأجيل بحثها.
وزراء حكومة نتنياهو السادسة لا يلقون بالاً لما يمكن أن يُكتب أو يُنشر عنهم في الصحافة الغربية ولا تستهويهم زيارات البيت الأبيض أو الكونغرس والتقاط الصور هناك، وإنما يهمّهم اتخاذ مواقف متطرفة قادرة على جلب مزيد من الجماهيرية والأصوات الانتخابية لهم من المجتمع الذي ينزاح بتسارع نحو اليمين والتطرف، وهم لا يكتفون بحسم الصراع في المسائل السيادية فحسب وإنما حتى في المسائل الشكلية كقرار بن غفير بحظر رفع العلم الفلسطيني، والذي قيل عنه إنه قرار لا داعي له طالما كان رفع العلم لا يترافق مع أية سيادة على الأرض، ولكن هدف بن غفير هو مسألة مهمة كمقدمة لحسم الصراع وذلك بإعادة كي الوعي الفلسطيني بالقول للفلسطيني: أنت مهزوم، ولا يحقّ للمهزوم بأن يأخذ إلا ما نعطيه له.
السلطة الفلسطينية لا تقوم بأيّ عمل جاد كأنها بانتظار فزعة مضرية من عالم عربي بعضه يعاني من حروب يخوضها ليدفع ثمن صموده وثباته، وبعضها قد صدأت سيوفه ونزل عن صهوة حصانه الأصيل ليمتطي حمار التطبيع، وكأنها بانتظار معجزة لن تحدث… وإلى ذلك الحين تعمل بنظام المياومة وتبدي صبراً وجلداً في محاولة للظهور بمظهر المتعقل الرزين، فيما يخوض رجالاتها صراعاتهم الداخلية حول المناصب القيادية خاصة أنّ شعوراً عارماً قد أخذ يستبدّ بهم بأنّ الرئيس أبو مازن قد استنفد كثيراً من عمره وأكثر من رصيده السياسي، وأخذت بوادر تشير إلى أنّ أكثر من جهة نافذة ترغب برحيله.
حكومة تل أبيب الجديدة تريد حسم الصراع، وذلك ما تتفق به مع الاستراتيجيات المعمول بها للدولة وللحكومات المتعاقبة، القدس ملف في طريقه للحسم، فالقدس عاصمة أبدية لـ “إسرائيل”، وقد اكتسبت مشروعية احتلالها للقدس وتكريسها كعاصمة بعد أن قرّرت إدارة الرئيس الأسبق ترامب نقل السفارة الأميركية إليها، وما لبثت أن لحقت بها دول أخرى من تلك التي تدور في الفلك الأميركي، ملف ربما قد يكون بحكم المحسوم، فالمستوطنات حاجة أمنية وعسكرية وديموغرافية موجودة في “أرض إسرائيل التوراتية”، ومن غير الوارد حرمان اليهودي من الاستيطان في “أرض وطنه وآبائه وأجداده”. الأغوار والحدود الشرقية لا تنازل عنها وفق العقيدة العسكرية للجيش ولكلّ حكومات “إسرائيل” منذ عام 1948؛ أما مشكلة اللاجئين فحتى أعلى الهرم لا يريد العودة إلى مسقط رأسه إلا زائراً وهو يعد علناً بعدم إغراق “إسرائيل” باللاجئين. يعني ما تقدّم أن لا حلّ للصراع بتفاوض أو عمل سياسي وإنما حسم له بالقوة من جانبهم والعجز والتخاذل من جانبنا…