رياض الزواحي
أن تكون في حضرة الأديب والمفكر والقاص عبدالإله سلام الأصبحي فتلك لحظة في حياتك لن تسمح لك السنوات أن تنساها بل ستظل عالقة في الذاكرة وفي الوجدان، رغم زحمة الحياة بالكثير من التفاصيل اليومية التي تأخذ من حياتنا مساحة كبيرة تتراكم و تتلاشى كل يوم حسب رغبتها تاركة لنا شيء من الضوء ما نحتفظ به في الوجدان كعنوان يذكرنا بإنسانيتنا وبألوان تزهر لتعطي لآدميتنا معنى ولحياتنا جمالاً يليق بالروح الإنسانية.
إلى اليوم، ما زلت أتذكر مفردات وجمال بعض الأرواح وأعجز عن وصف تفاصيلها العالقة التي ما زالت تشع وتنثر عبيرها أينما رحلت وبعدما رحلت. فأتذكر ذاك الحضور البهي وحزن الغياب. هذا للأسف لا سيما بعد رحيل صديقي ووالدي أيضاً اللواء عبدالإله سلام الأصبحي الذي تسللت إلى عالمه فجأة وفي بضع زيارات وبدون مقدمات فولج إلى أعماقي بحضور لا أظنه ينتهي.
في زحمة العمل الصحافي الذي كنت أنجزه خلال عملي في صحيفة الجمهورية في تعز الحبيبة المكلومة. كنت أسترق بعض الساعات صباحاً أو مساء للذهاب لقضاء لحظات أحبها عندما أقضيها مع عبدالله عبدالإله الأصبحي صديقي الأقرب والأحب إلى قلبي. ما زلت أتذكر تلك الفترة التي تمثل متنفساً لي للشعور بالراحة والطمأنينة في منزل اللواء والأديب والمفكر والقاص عبدالإله سلام الأصبحي.
خصوصاً أنا برفقة اخي عبدالله عبدالإله سلام لفترة بسيطة، وعندما التقي الوالد الاديب والمفكر والقاص عبدالإله سلام، لا أجد نفسي سوى تلميذ يخشى من أي خطأ قد يلحظه أثناء حديثي لأنه الوالد والمربي الفاضل، وأشعر بجلالة حضوره بيني وبين عبدالله صديقي وأخي المفضل، وسرعان ما كانت ابتسامة الوالد عبدالإله سلام الأصبحي تذيب كثيراً من الحواجز التي كنت أتوهمها في حضوره. فمرّت الأيام وأجد نفسي أسير أكثر نحو منزل الأديب والقاص عبدالإله الأصبحي وأستمتع بلحظات وأنا أستمع إليه بهدوء وهو يتحدث عن القصة وعن الأدب وعن الوطن وعن كل شيء يهم واقع بلادنا، لكن هذه الفترات القصيرة التي ما زلت اتذكر فيها كثيراً من أحاديث الوالد الفقيد عبدالإله سلام الأصبحي مثلت لي مرحلة هي الأجمل والأهم في تشكيل كثير من قناعاتي، ففيها وميض وعبق من الجمال والوعي المستنير الذي يؤثر ويشع ويلهم في الروح أيضاً ومن الصعب أن يمحوه الغياب الطارئ عن الدنيا.
كانت ابتسامة والدي الفقيد عبدالإله سلام كفيلة بأن تمنحني الطاقة والطمأنينة بكل تفاصيل الكلمة فيتحول اللقاء بيني وبين عبدالله وبين الأديب عبدالإله سلام إلى مساحة مشرقة تعزز معنوياتي كل مرة، لأن فيها من السلام والنقاء ما يكفي لأن تعرف أن اليمن حاضرة في كينونة إنسان بكل تفاصيل جمالها وأصالتها وعمقها الحضاري.
وفي بعض الأحيان قد تنتابنا نوبات من التذمر والإحباط لكن هي فترات يعيد توازنها الكبار آباؤنا وأصدقاؤنا رواد الحرف الذين ينيرون الطريق بكل بساطة ودون تكلف.
هي هذه اللحظات التي قصدتها وأنا في حضرة أبي اللواء عبدالإله سلام الأصبحي القامة التي قلما تتكرر، لا سيما في مرحلة ضبابية يعيش فيها الجيل توهانا حقيقيا ويعيشها وطن مكلوم يئن من تفاصيل الواقع وينتظر النخبة لتحدّد بوعيها وإيمانها وقيمها ملامح الطريق الذي فقدناه في زحمة البحث عن وطن جريح وقيم تلفظ آخر أنفاسها بفضل ضمائر الساسة وتستعيد آدميتها في حضرة الأدباء والمثقفين والشعراء الذين نستنير بضوء أرواحهم في عتمة الطريق.
وبالرغم من أن الوالد والأديب المرحوم عبدالإله سلام طيب الله ثراه لم يحدثني يوماً عن السياسة أو يقحمني بأفكار كثيرة، إلا أن قصصه القليلة التي قرأتها ونقاشاته وأحاديثه شكلت لديّ قصة وتجارب إنسان كان الوطن ميدانه الواسع ليدعو إلى القراءة والتعلم ومواجهة كل المخاطر وبؤر الجهل التي عشناها بالكثير من الثقافة والإبداع والاطلاع والتعلم لنحمي وطننا وأجيالنا وأمتنا ممن تعاونوا عليها اليوم بسبب الجهل والعصبية. فمثله كالنموذج المشرف للقائد والإنسان النبيل والمثقف الواعي الذي أحب اليمن دون ضجيج وأثر بصمت في تشكيل مفهوم الوعي للحفاظ على وطنه وشعبه وفي تنوير عقول الأمة وتعريفها بقضاياها العادلة. وبالنسبة لي كان بالفعل العنوان الأجمل والمعبر عن هوية و ثقافة مدينة تعز والأب الذي لم يبخل علينا يوماً بالدعم والتشجيع والتحفيز للانتصار للوعي ومجابهة الخرافة بالكثير من القراءة والتعلم.
لروحك السلام صديقي ووالدي عبدالإله سلام الأصبحي. فقد كنت السلام والوعي والحضور الذي لن يغيب يوماً وسنظل نحتاجه في عتمة الطريق.