هاني سليمان الحلبي
انعقد الملتقى العلمي الثاني لمئوية الثورة السورية الكبرى، برعاية معالي وزير الثقافة القاضي محمد وسام المرتضى، بممثله المحامي زياد بيضون، عبر موقع زووم، بحضور ناشر موقع حرمون الكاتب الإعلامي المدرب الدولي هاني سليمان الحلبي، صاحب الدعوة، والباحثين المشاركين ومهتمين منهم مؤسس المؤتمر القومي العربي ورئيس الحملة الأهلية التطوعية لنصرة فلسطين معن بشور، والقيادي القومي الاجتماعي توفيق مهنا، ورئيس مركز الأبحاث في معهد العلوم الاجتماعية البروفسور حسين أبو رضا، والباحثين البروفسور محمد سيد احمد علي من مصر، الدكتورة ريم منصور الأطرش من سورية، الدكتور صالح زهر الدين من لبنان، الدكتور سعيد منير مهنا من لبنان، الدكتور أحمد رمضان العمر من سورية، الشيخ الباحث سميح أبو سعد من لبنان، الإعلامي الباحث منهال الشوفي من سورية، الباحث الموثق والمترجم كمال الشوفاني من سورية، النائب السابق في مجلس النواب الأردني الدكتور طارق سامي خوري، الدكتورة زينب مروة من لبنان ولفيف من الأصدقاء.
ولم تسعف شبكة الإنترنت الدكتور علاء مسعود من الدخول، كذلك عادت وحرمت البروفسور محمد سيد علي والدكتورة ريم الأطرش والباحث كمال الشوفاني من الاستمرار في المتابعة لتقديم أوراقهم المتوفرة نصوصها.
وقدّمت الملتقى الإعلامية أمل محمد امين من مصر، المستشارة الإعلامية للاتحاد العربي للبيئة والتنمية المستدامة، والمربية ابتسام يوسف أبو سلهب من لبنان.
بداية كان الافتتاح مع ناشر موقع حرمون – المنتدى الثقافي طالباً من الحضور دقيقة تأمّل تحية لـ”أرواح قادة وشهداء وأبطال الثورة السورية الكبرى في لبنان وسورية وأبطال وشهداء المقاومة ضد الاحتلال والاستعباد، وليس آخرهم الشهيد عدي التميمي، المرتقي بالأمس في فلسطين”.
وقدّمت الملتقى والباحثين الإعلامية أمل محمد أمين من مصر، وهي من أسرة موقع حرمون والمستشار الإعلامي للاتحاد العربي للبيئة والتنمية المستدامة، والمربية ابتسام يوسف أبو سلهب من لبنان.
الحلبي
وبعد ان شكر الحلبي صاحب الرعاية على تلبيته وحضور ممثله الملتقى والباحثين والحضور، قال:
“حسبنا أن نعطي بلا منّة وأن نقدم بلا حساب. اقتداء بالشهداء الذين ما تزال أرواحهم تبارك أرضنا ووطننا وبيوتنا فأنارتها بالكرامة والرضا والصمود. وما زالت أرواحهم وأنّات الجرحى والحزانى تنتظر منا الوفاء والإنصاف الذي تأخر طويلاً وطويلاً جداً”.
وتابع “لا أعرف أمة تترك حقها وتأتي أمة أُخرى لتتنكّبه عنها.
ولا أعرف شعباً يتخلى عن حقه في الحياة الكريمة ويتطوع شعب آخر ليقدّم حقه بدلا عن حق ضائع لشعب متخاذل.
وحاشا الله ان نكون متخاذلين ومنّا أسودُ ونسورُ الثورة السورية الكبرى والمقاومة البطلة في العالم العربي وبخاصة في فلسطين وسورية ولبنان والعراق واليمن وغيرها من قلاع النضال العربي للأجل تحرير أرضنا وشعبنا من الاحتلال والهوان”.
وأضاف الحلبي “ومن حظ جيلنا الذي فاته أن يكون معاصراً لكفاح وجهاد الأبطال في العام 1925 أن يشهد مئوية هذه الثورة المباركة ليحتفي بها ويتعلّم. وليشهدَ تحرير جنوب لبنان وحرب الصمود الأسطوري في سورية والعراق ولا شكّ عندي في أننا سنشهد حرب تحرير كامل تراب فلسطين”.
وختم ناشر موقع حرمون – المنتدى الثقافي بباقة اقتراحات جاء فيها: “- منذ حزيران عام 2018 شكلنا نواة لجنة مئوية الثورة السورية الكبرى 1925-2025، ونطلب من الباحثين المشاركين ان يُغنوا هذه اللجنة التاريخيّة بعضويّتهم فيها لنقدّم ما يليق برجال الثورة وقادتها في السنوات المقبلة.
- ومنذ 2018 أقمنا عدة ندوات وملتقيات وفاعليات سنوية. وهذا الملتقى أوسعها. ومنذ إطلاق الدعوة له وصلني الكثير من المستعدّين للمشاركات المقبلة. كلنا متطوعون. وأنتم متطوعون لتزخيم التكريمات والفعاليات المقبلة بلا تكليف من أحد سوى تكليف التاريخ لكم لأنكم اهل وفاء وتكريم.
- الملتقى المقبل لمناقشة أرشيف القائد سلطان الأطرش الجزيل الاحترام بالتعاون مع الدكتورة ريم منصور الأطرش حفيدة القائد.
- ستكون الملتقيات المقبلة حصيلة التشاور والخطة المقبلة”.
وقدم الحلبي لكلمة معالي وزير الثقافة يلقيها ممثله في الملتقى المحامي زياد بيضون فقال: “ومع توفر وزير مقاوم ومجاهد ومعطاء حوّل وزارة الثقافة اللبنانية إلى وزارة سيادية من طراز رفيع، وجبهة دفاع عن حق لبنان وشعب لبنان، وحق فلسطين وشعب فلسطين، وكل حق وجوديّ وإنسانيّ ينبغي ألا يتراجع عنه الرجال الرجال.
وزير ثقافة مفخرة توّج الثقافة اللبنانية، من موقع رسمي افتقدناه جميعاً، بعد عقود من الذل الرسمي والانبطاح وتعفير الجباه أمام الأجنبي، يأتي معالي الوزير القاضي محمد وسام المرتضى ليقول للعدو كِد كيدك فإن في بلدي رجال جبال لا يخشون حربَك ولا يهابون رُعبَك فنحن لك بالمرصاد في الجبال والوهاد لنحوّل أرضنا لك مقبرة وتبقى أرضنا بالكرامة مُبخّرة”.
بيضون
وتحدّث المحامي بيضون عن قيمة المقاومة وبخاصة المقاومة الثقافية والفكرية، وتلازمها مع تاريخنا كله، حتى غدت تقريباً كل تاريخنا، وقال: كلفني معالي الوزير المرتضى فشرفني، ان أمثل معاليه في الملتقى العلمي الثاني لمئوية الثورة السورية الكبرى. وهي مهمة جليلة لجهة التكليف ولجهة الدعوة.
وأن أمثل وزيراً مقاوماً هي مسؤولية كبيرة، وان تتكلم في ثورة عصامية صانعة تاريخنا المعاصر وعصر الاستقلالات الوطنية وطاردة الاحتلال الفرنسي من سورية ولبنان هي مسؤولية مضاعفة. وكان لزاماً ان أعرف واطلع لأقوم بالواجب.
وعلاقة المقاومة بالثقافة عتيدة وعريقة، بخاصة في التاريخ الحديث والمعاصر مع اشتداد الغزوات والمؤامرات علينا التي تمكنت من بلوغ درجة نجاح فادح، استوجب من شرفاء شعبنا ان يتطوعوا للمقاومة بالنار وبالفكر وبالعلم وبالثقافة، حتى تمكنّا أن نحرز انتصارات بهية في لبنان وفلسطين، بخاصة. ولكوني والحمدلله ابن بنت جبيل التي أفهمت قادة كيان العدو في العام 2006 معنى المقاومة، وكيف حولت جدرانها وحدائق منازلها، وازقتها وزواياها إلى أبجدية مقاومة، قادها الحاج قاسم بزي، في حي المهنية التي تشهد ملحمة بطولية شارك فيها بدمه وجسده وهو وطلابه الأبطال، إضافة إلى الرجال في المقاومة من خارج المدينة. بنت جبيل التي قال قائد المقاومة منها في مهرجان التحرير لكيان العدو إنك اوهن من بيت عنكبوت. هذه البيئة المقاومة تساعدني على فهم الثورة السورية الكبرى التي تحولت فيها كل قرية من جبل العرب ومحافظة السويداء والقنيطرة وريف دمشق وأقضية جبل عامل ووادي إلى بنت جبيل تؤسس لمقاومتنا الراهنة الظافرة.
وأضاف: وأن تتطوّع نخبة من الباحثين لتقدّم عصارة علمها وخبرتها في باقة أبحاث راهنة، من دول مشرقية وعربية عدّة هي بشرى سارة وواعدة، لائتلاف فكري ثقافي أكاديمي، يؤطره موقع حرمون اللبناني المشرقي العربي الإعلامي والثقافي الرائد بإدارة الإعلامي الكاتب هاني الحلبي. فمن موقع تكليفي ومسؤوليتي، أرجو لملتقاكم النجاح وان يكون حلقة مضيئة في مسيرة مضيئة مكللة بالعطاء والغلال المستمرة النضوج.
زهر الدين
وقدّم الدكتور صالح زهر الدين ورقته البحثية بعنوان “الثورة السورية الكبرى وقائدها العام سلطان
تراث لن يموت” تناول فيها قيمة الثورة السورية الكبرى وقيادتها العامة وبخاصة سلطان الأطرش، فقال: “لم تكن الثورة السورية الكبرى بقيادة الباشا سلطان، إلا إحدى هذه الثورات المتلألئة في صفحات التاريخ الخالدة. فالتاريخ هو «تاريخ الباشا» و«باشا التاريخ» بامتياز…”.
وأضاف: ولم تكن ثورته السوريّة الكبرى إلا لؤلؤة مرصّعة بالجواهر والأحجار الكريمة في كل معركة من معاركها البطوليّة… ولا سيّما من بينها معركة «المزرعة» الخالدة التي دخلت التاريخ من بابه الواسع، ولم تستطع أيّة قوّة، مهما كانت قوتها، أن تخرجها منه وتعيدها إلى شرنقتها الجغرافيّة الصغيرة.
وعلى هذا الأساس، غدا سلطان باشا الأطرش تراثاً لا يموت ولن يموت… تماماً كما غدت ثورته مأثرة تاريخية بارزة، ليس في تاريخ سورية فقط، بل وفي التاريخ العالمي والكوني معاً…
وتابع زهر الدين: يعتبر سلطان الأطرش «أيقونة الكفاح والنضال» في تاريخ شعبنا وأمّتنا العربية. لقد ذاب في حبّ شعبه وأمّته، فذابت أمّته وشعبه في حبّه. وهو من الرجال القليلين في وطننا العربي الكبير الذي حافظ على مبادئه، باعتبار أن «من لا تحميه مبادئه لا يمكن لكل جحافل الأرض أن تحميه». لذلك كان مبدئياً في ثورته، وثورياً في مبادئه، وبقي على هذا النهج الجهادي حتى آخر أيام حياته، بدون أي خوف أو تنازل أو مساومة، فاستحق مرتبة الخلود.
ورأى الدكتور صالح زهر الدين أن منهجية سلطان في كتابة التاريخ هي الكفاح المسلح فـ “لسلطان الأطرش منهجيته الخاصة في كتابة التاريخ، وليست هذه المنهجية سوى منهجية الكفاح المسلَّح، والعمل الوطني المتلازم مع العمل القومي، والمندمج بدوره (حتى الذوبان) مع القضية الإنسانية برمّتها، والمتمثلة بقضية الحرية التي لا تتجزّأ. وقد وصل به الأمر لأن تكون حياته كلها ملحمة في النضال الإنساني”.
وعن دور سلطان في تحرير دمشق من الحكم التركي وفي معركة ميسلون ضد الاحتلال الفرنسي، يتابع زهر الدين “كان في طليعة الثوار الذين دخلوا دمشق وحرَّروها سنة 1918 من الأتراك، بعد أن رفع العلم العربي في ساحة المرجة وفوق مبنى البلدية بدمشق بعد حكم تركي دام أربعة قرون. وعن هذه الحادثة يتكلَّم سلطانُ نفسهُ فيقول: «دخلنا دمشق قبل وصول الملك فيصل بن الحسين ببضعة أيام، ورفعنا العلم العربي على دار الحكومة. آل طربيه، أخوالنا، حمّالةُ بيرق «القريا». صالح طربيه صعد على «كتاف» شقيقي علي الأطرش، ورفع العلم العربي في ساحة المرجة على دار البلدية، وعلى إنشاد «معذى المغوش»:
«حنّـا حـمـاتـك يـا عـلـم |
بـأرواحنـا وأكبـادنـا» |
وتحدث عن تأخر وصول الثوار لميسلون لنجدة الجيش السوري وقائده وزير الدفاع الشهيد يوسف العظمة: وفي تموز 1920، جهَّز سلطان الأطرش قوات كبيرة لملاقاة الفرنسيين في ميسلون، لكنَّه وصل متأخراً بعد انكسار الجيش العربي واستشهاد المناضل يوسف العظمة وزير الدفاع. عندها قال سلطان: «خسرنا معركة فقط ولم نخسر الحرب». وبعدها كانت «الدويلات الطائفية» التي حاربها سلطان”.
وأشار إلى مكانة سلطان العربية وعلاقته مع الرئيس جمال عبدالناصر: أدرك جمال عبد الناصر عظمة سلطان الأطرش واعتبره أستاذاً له، وقد وجد فيه رمزاً للنضال القومي، ومثالاً للتفاني والإخلاص في سبيل الوطن، والعروبة. ونتيجة لذلك، لم يجد عبد الناصر أمامه من وسيلة، يعبّر فيها عن تقديره لسلطان، إلّا «أعلى وسام في الجمهورية العربية المتحدة» في ذلك الحين، فقلّده إياه أثناء زيارته لمحافظة السويداء.
وأعطى زهر الدين نموذجاً عن مواقف سلطان في المحطات التاريخية حيث كان لهزيمة حزيران 1967 موقعُها المؤلم على سلطان، إذ أن “القضية الفلسطينية كانت «دورته الدموية»، وتمثل مكانةً هامّة في كيانه.
الأطرش
وفي ورقة الدكتورة ريم منصور سلطان الأطرش بعنوان “إضاءة على فكر سلطان باشا الأطرش، القائد العام للثورة السورية الكبرى (١٩٢٥ – ١٩٣٧)”. قدّمت إضاءة لمّاحة على أهمّ النقاط التي تميّز فكر القائد العام للثورة السورية الكبرى. ولخّصتها بعشر نقاط. هي:
– أولاً: إنّ نهج المقاومة في جبل العرب كان ديدن أهله: فمنذ مناهضة الأتراك، وبالذات حملة سامي باشا الفاروقي في أواخر العام 1910، وقف ذوقان مصطفى الأطرش، والد سلطان، مع ابنه ومناضلين آخرين من الجبل لمقاومة هذه الحملة الغاشمة، ودفع حياته ثمناً لذلك الموقف، إذ شنقه الأتراك في المرجة في دمشق في الخامس من شهر آذار /1911، فكان الشهيد العربي الأول الذي سبق شهداء 6 أيار / 1916.
– ثانياً: انطلقت الثورة السورية الكبرى في الثلث الأخير من شهر تموز 1925، إلّا أنها لفتت نظر العالم أجمع بعد معركة المزرعة في أوائل آب من العام ذاته، فقامت الدنيا ولم تقعد، وبدأ الأوروبيون يرسلون صحافيين من ألمانيا وغيرها من البلدان الأوروبية إلى سورية، وإلى جبل العرب بالتحديد للوقوف على حقيقة ما جرى، كما بدأ الوطنيون، آنئذٍ فقط، بالاهتمام بما يجري!
من المهم أن أذكر أنه وبعد معركة المزرعة، اضطرّت السلطة الفرنسية إلى طلب الهدنة ووقف القتال، وذلك قبل أن يستجيب زعماء الحركة الوطنية في دمشق لنداء الثورة في جبل العرب من أجل تعميمها على كامل الأراضي السورية واللبنانية.
– ثالثاً: مقولة “الدين لله والوطن للجميع” شعار قد يطرح أسئلة إشكالية في يومنا هذا، إلا أنها كانت في زمن الثورة السورية الكبرى 1925-1927 من البديهيات التي لا تقبل النقاش، ألا وهي: “العَلمانية” و”المقاومة”.
فالقائد العام للثورة السورية الكبرى، ومنذ انطلاقها في 21 تموز 1925، آمن بالعَلمانية سبيلاً واضحاً للعيش في وطن واحد والتطلّع إلى مستقبل واعد واحد لبناء وطن قوي عصيّ على الدخلاء:
في قِسْمه الأول (الدين لله)، نجد حياد الثورة السورية الكبرى واضحاً على الصعيد الديني، وهذه الحيادية هي ضمان لعدم التحيّز، وبالتالي، فإن هذه الثورة قد احترمت جميع الأديان وأقصت التعصّب وأحلّت محلّه التسامح.
– رابعاً: لقد أدرك سلطان الأطرش أهمية الإعلام في القضية الوطنية السورية، فأرسل، في 15 تشرين الأول 1925، رسالة باللغتين العربية والإنكليزية إلى محرّر جريدة التايمس (TIMES) البريطانية لإطلاع “الرأي العام في أوروبا على الأسباب الحقيقية للثورة السورية الكبرى التي يحاول الفرنسيون إخفاء حقائقها بقصد تضليل الرأي العام الأوروبي وخصوصاً فرنسا”. في هذه الرسالة، تمّ فضح تنكيل الفرنسيين بالأهالي من إلقاء للقنابل من الطيارات على النساء حول الآبار، اللواتي يقصدن جلب الماء إلى بيوتهن، إضافة إلى قتل الأطفال. أما الثوار، فقد احترموا جميع الأنظمة الدولية في معاملة الأسرى وإعادة النساء الفرنسيات، نساء الضباط، اللواتي كنّ في السويداء إلى عائلاتهن.
– خامساً: في 20/ 12/ 1925، أرسل الزعيم الوطني المصري سعد زغلول بياناً إلى الثوار السوريين بقيادة سلطان الأطرش يحضّهم فيه على الاستمرار في الثورة، ويؤيّد استقلال سورية؛ وهذا يؤكّد وحدة المصير بين سورية ومصر. وكان ثمة علاقة بين الثورة السورية الكبرى وثورة الأمير عبد الكريم الخطابي في ريف المغرب العربي الأقصى، إذ ساهمت ثورة الريف المغربي ضد الاستعمار الفرنسي في تخفيف الضغط عن الثورة السورية، الذي ازداد بعد اضطرار الخطابي إلى الاستسلام للفرنسيين.
– سادساً: تمّ الاتفاق بين سلطان الأطرش ووفد دمشق الوطني على إرسال حملة كبيرة من جبل العرب لتلتقي مع حملة دمشقية مماثلة في جهات العادلية أو الكسوة، جنوب دمشق، فيتشكّل منهما جيش وطني يدخل العاصمة من عدة جهات ويستولي على مراكز القوات الفرنسية فيها. تمّ الاتفاق بين الجميع على أنّ يوم اللقاء سوف يكون في 24 آب 1925 حتى لا يكون للفرنسيين فرصة لتجهيز الجيوش والخطط لمواجهة الثوار.
– سابعاً: في 25 تشرين الأول 1929، أي خلال فترة المنفى، انعقد في الحديثة في وادي السرحان “مؤتمر الصحراء” الذي دعا إليه القائد العام للثورة السورية الكبرى، وحضرتْه شخصيات وطنية من أحزاب وهيئات جاءت إلى وادي السرحان للمشاركة فيه؛ وقد خرج المؤتمر بقرارات هامة جداً كان لها الأثر الكبير في تطور الحياة السياسية في سورية تحت الانتداب الفرنسي، وفي المنحى الذي اتخذته الأحداث والمفاوضات في ما بعد، وصولاً إلى تحقيق الجلاء.
– ثامناً: كان موقفه من العِلم ثابتاً، فهو يقدّسه، وقد سعى في المنفى، بكل ما أوتي من إمكانات، إلى أن يتعلّم أبناء الثوار وبناتهم وأن يتمّ بناء مدرسة لهم في الصحراء، في المنفى؛ كما أنه تبرّع بقطعة أرض لبناء مدرسة في بلدته القريّا بعد عودته من المنفى.
وليس بلدته والسويداء فقط كانت موضوع اهتمامه بل كانت سورية كلها في وجدانه، ففلسطين والجولان هاجسه حتى على فراش المرض والموت.
– تاسعاً: لقد وقّع سلطان الأطرش على الميثاق الوطني الشهير الذي وقّعته شخصيات وطنية معروفة من كل أرجاء سورية، وعلى رأسهم المرحوم هاشم الأتاسي، وقد نشره حفيده في كتاب صدر في دمشق. وقد تضمّن هذا الميثاق الوطني المبادئ التالية:
1- شجب الحكم الفردي الاستبدادي، وعدم الالتزام بما يصدر عنه.
2- المطالبة بانتخابات نزيهة تُرسي حكماً دستورياً وديمقراطياً.
3- إطلاق الحريات العامة وسيادة القانون على الجميع.
4- حماية الاستقلال والسيادة من المؤامرات.
5- تقوية الجيش وحصر مهمّته في الدفاع عن الوطن وسلامته.
– عاشراً: في إحدى الوثائق التي وجدتُها في مكانَيْن مختلفَيْن، فضممتُ الجزءين إلى بعضهما، كتب سلطان باشا الأطرش، خواطر في العام 1961:
“قالوا إننا قطفنا ثمرة جهادنا، ثمرة تلك الشجرة التي جدلنا ترابها بدمانا. كلا، إنّ هذه الثمرة لم تعقد بعدُ؛ إنّ جهادنا لا يزال في دور الزهرة ولم يصبح بعدُ ثمرة، لأننا لا نريد قطفها ونحن مشتركون كلّنا كعرب.
أبناء الثورة وصغار الصحراء، هكذا نذرنا أنفسنا لنكون قرابين تضحّي على مذبح العروبة.
لن تثمر ما دامت أغصانها متلبّسة بالحشرات الفتّاكة… لن تثمر حتى يتعالى صوت فلسطين بالحرية وأنْ يزول شبح المطامع عن العراق ومصر وشرقي الأردن. فبعد ذا، يا حبذا ثمراً ناضجاً شهيّاً، رمزاً لأجيال حملوا مشعل الحضارة، ولن يخبو نوره بعد الآن”.
لقد كان دائم التوجّس من المطامع الاستعمارية التي تأخذ ألف لبوس ولبوس. وقد ترك وصية سياسية بهذا المعنى، وهو الثائر الوحيد في سورية الذي ترك مثل تلك الوصية.
مهنا
ثم عرض الدكتور مهنا ورقته البحثية وكانت بعنوان “الثورة السورية الكبرى : مقاربة من منظور مستقبلي” فرأى أن “ثمة مسألة منهجية تتوجّب الإشارة اليها بداية:
– إن بناء تصورنا عن الواقع المعاش بكلية تشابكاته وتعقيداته وتفاعلاته أمر معقّدٌ يصعب فهم وإدراك كنهه لمن يعايشوه، فكيف بالأحرى لمن يكتب عن ماضٍ لم يعايشه أن يدّعي استحضار الواقع كما كان ويطلق عليه الأحكام ويبني المواقف ويجزم بالاستنتاجات، فهذا ضرب من ضروب المستحيل.
– إن الوقائع والأحداث التاريخية معرّضة غالباً للجدل وتخضع دائماً للمساءلة عن مصداقيّتها، وحقيقيتها، ومدى قربها أو ابتعادها عن الاختزال والذاتية والتشويه. فعرضها كحقائق يجعلها في “موقع صراع “انطلاقاً من توجه معرفي يعتبر أن “الحقيقة” مرهونة بخطابها الخاص، ويُقاس صواب القيمة فيها وفقاً لمرجعيتها العلمية، ويرتهن الزائف فيها بما يخرج عن تلك المرجعية.
وأعتبر مهنا أن أيّ تصوّر لمستقبل الثورة يستلزم من الباحث:
– تجديد الصياغة المفاهيمية لمعنى الثورة وقيمتها.
– تقديم رؤية متجدّدة عن تاريخها الماضي وربطه بالحاضر.
لكنً هذا التصّور تواجهه جملة من الصعوبات، فما يكشفه التحليل السوسيولوجي لمنطوق الخطاب حول معنى الثورة وقيمتها في الوسط الاجتماعي اللبناني تحديداً، يشير الى تعدد المعايير في التقييم داخل المجتمع الواحد في فترة تاريخية ما.
فمعنى الثورة وقيمتها في وسطنا الثقافي والاجتماعي والسياسي في وادي التيم وجبل لبنان يختلف عنه في غيره من المناطق، ومردّ ذلك الى أن التعدد والتنوع في أحكام التقييم حول الثورة هو بالأساس أحكام جماعات من الناس، كانت وما زالت، تشغل موضعاً استراتيجياً (بدءاً من المؤرخين المحليين للتاريخ الذين تجاهلوا تماماً أي توثيق او بحث حولها، وصولاً الى القوى السياسية الحاكمة التي ناهضتها العداء والرفض أو همّشتها وتناستها تلبية لمجريات واقعها ومصالحها).
وليس عجباً تعدّد المقاربات لدى هؤلاء لأنها مقاربات أزاحتْ أحداث الثورة من حقل الصراع المحقّ مع المحتلّ الفرنسيّ الى حقل المساومات السياسية معه، وغلّبت المنطق النفعي على المنطق القيمي في تعاملها مع معنى الثورة وقيمتها.
وتلك معطيات وممارسات يصعب تجاوز تأثيرها المجتمعي السلبي والممتد في الزمن على مدى ما يقارب المئة عام، فلا عجب إن تلاشت معاني الثورة وقيمها في الوجدان الاجتماعي للناس وتناسوا تضحيات وبطولات أهلهم وأصبحوا غرباء عن ذاكرتهم وتاريخهم.
واقترح الدكتور منير مهنا في المقاربات الفكرية، العمل على ما يلي:
1- إن الثورة فكرة، والأفكار لا تموت أبداً الا متى أنفضّت عنها معانيها. والفكرة من الفكر فإذا كان الفكر قادراً على تجاوز الزمن فإن فكرة الثورة لن يرتهن للماضي وجموده بل لحيوية الفكر وإبداعه.
2 – تخليص بعض المفاهيم الثورية من الادعاءات السياسية في التحليل، والتي تعادل بين القيمة الثورية والقيمة السياسية، والتركيز على تغليب القيمة الثورية في الأبحاث والدراسات المستقبلية واعتماد هذا المنظور في مجمل الأنشطة التي يمكن القيام بها مستقبلاً.
3- تخليص مفهوم الثورة من النزعة الذاتية العاكسة لذاتها في مجال التاريخ الاجتماعي والنقدي للثورات، ورفعها إلى مستوى القضايا المعّبرة عن إرادة الشعب ومصير الأمة.
4- توسيع المنظور في رؤية الثورة ليس فقط من منظور الصراع بين شعب واحتلال خارجي، بل الصراع أيضاً بين منظومتين قيميتين. منظومة استعلائية عنصرية تنظر الى شعوب العالم نظرة استكبار واستعباد ومنظومة ترى الفداء والتضحية وبذل المُهج غاية في سبيل الدفاع عن إرثها وهويتها وحرية أهلها.
5- التركيز على فهم الخصائص المميزة للثورة السورية الكبرى بالعودة الى راهنية قضيتها كحركة مقاومة، والاستفادة من تحليل نقاط القوة في تكوينها البنائي، ومن نزاهة منطلقاتها السياسية، ومثاليتها المحمودة في حكمة قائدها وشهامة ونبل مناضليها، وربط نتائج فعلها بالإشارة الى مقاصدها.
إن امتلاكنا القدرة على إظهار الخصائص العالمية أو المتجاوزة للثورة السورية الكبرى بما تحمله من قيمة ثورية وتجربة ثورية، كفيل بديمومة استمرارها كقضية عبر الزمن والإعجاب بها فيما وراء حدود نشأتها الاجتماعية والجغرافية، وتمكينها من خاصية التجاوز للزمن.
فالثورة السورية الكبرى هي من صنف القضايا التي نسجت في تاريخنا القومي معاني البطولة والجهاد والتمرد على الظلم والاحتلال. وقيمتها بما كانت عليه من استجابة ثورية لتحديات الظرف الموضوعي الذي حاول الغزاة الفرنسيون أن يفرضوه على شعبنا من مصادرة للحرية وإخضاع للإرادة وهتك للقيم وإكراهات تريد تثبيت الأمر المفعول بشعبنا لتأمين مصالحها بنهب ثرواتنا واستتباعنا لسطوة وهيمنة نفوذها العالمي، فكانت الثورة استجابة الأحرار وصانعة الفعل الرافض للسياسات الاحتلالية وممارساته الإخضاعية.
وحول الإرث القيمي للثورة السورية الكبرى رآه مهنا متعدّد الدلالات:
. إرث التعاضد والتضامن والتماسك المجتمعي لمواجهة الأخطار والتحديات.
. إرث رؤية المستقبل بروح المواجهة لا بذهنية الانكفاء والاستسلام.
. إرث الخطاب المتسامي في وعيه على الانقسامات “الدين لله والوطن للجميع”.
. إرث ثقافة التفكير التحررّي وتجربة العمل المقاوم.
وتركت لنا أيضاً، أرث قائد فذّ طبعت شخصيته القيادية الثورة بطابعها.
وإذ شدد مهنا على أن ميزة سلطان باشا الأطرش عن غيره من قادة الأمة أنه كان رمزاً لقيادة تعبر عن إرث البطولة في أمته، فهو ذلك الرجل الذي تستدعيه روح الجماعة ليصنع تاريخها، فكان بقيادته رجل التاريخ، أكد ان “التقدم رهن بإحياء قيمنا الأصيلة:
– إن الشعوب تتشكل بفعل قدراتها (إرثها في الماضي المستمر في الحاضر)، ولكنها تملك في الوقت نفسه القدرة على تشكيل مصيرها (المستقبل). ان استخدام الموروث الحضاري لشعبنا في بناء هويته الثقافية وإعادة اكتشافها وصياغتها والتركيز على قيمه الأصيلة يتطلب الاشتغال على إعادة إحيائه وتحويل وتأويل هذا الموروث من خلال غربلته ونقده ليكون في خدمة بناء عمل معرفيّ علميّ جديد.
وبصيغة أخرى استخراجه من جبّة التاريخ واستدماجه في سيرورة الحاضر. فلا مواطنة من دون انتماء ولا انتماء من دون هوية. فالهوية ابنة التاريخ، يصنعها وتصنعه. ومحاولات تغييب الوعي بتاريخنا هو أخطر ما يهدد هويتنا بدءاً من طمس معالم الأمكنة ذات الصلة بالثورة، والأمكنة “حقل الذاكرة”، كما جرى في قلعة راشيا باختزال تاريخها لمجرد سجن وحدث ظرفي شهدته في لحظة اعتقال رجالات الاستقلال عام 1943 م.، وصولاً الى قطع الصلة مع محطات تاريخية وتهميش الخطاب حولها، كما حدث في تاريخ حكم الأمراء الشهابيين الذين كانت راشيا عاصمة لإمارتهم في وادي التيم منذ سنة 1697 م واستمر حكمهم لمدة قرنين ونيف من الزمن… لم يبق ما يدلّ على تاريخهم سوى بقايا إيوان في قلعة راشيا، ولولاه لما كان لحضورهم أثر.
وعرض الدكتور منير مهنا لجملة من المقترحات المساندة لإحياء مناسبة المئوية الاولى، وهي:
1- تشكيل ومأسسة لجنة تحضيرية موسّعة لإحياء المئوية الأولى للثورة السورية الكبرى (1925-2025 ) والدعوة لأوسع مشاركة في تنظيم برنامج أعمالها وأنشطتها على المستويين الرسمي والمجتمعي.
2- تكريس الجهود البحثية لمزيد من الدراسات حول تاريخ الثورة وحفظ تراثها الشفوي وتوثيقه.
3- التوجّه نحو استخدام فضاءات العالم الافتراضي ووسائله الإعلامية لمخاطبة الأجيال الجديدة، وتقديم محتوى معرفي عن الثورة السورية الكبرى يخاطب الوعي بلغة العصر.
4- العمل على تعزيز التواصل والتفاعل الحضوريّ مع الناس وإشراك الشباب خاصة لتمكينهم من الاطلاع على تاريخ الثورة، أمكنتها، أحداثها، رجالاتها، قيمها، واستحضارها كقضية تخص حاضرهم ومستقبلهم وليس كماضٍ لا علاقة له بهم.
5- اعتماد منهجية وأسلوب العمل الميداني في تنظيم الأعمال التمهيدية لاحتفالات المئوية عبر الاستضافة والزيارات المتبادلة بين أبناء البيئة الاجتماعية المشتركة في لبنان وسورية وتعزيز روابط التلاقي والبناء عليها. انطلاقاً من قاعدة “تعّرف، تُحبّ”.
6- إطلاق جائزة سنوية في المدارس الثانوية والجامعات لأفضل عمل ثقافي / إبداعي (شعر، رسم، قصة قصيرة، رواية، مسرحية، فيلم وثائقي… الخ) من وحي الثورة السورية الكبرى ومآثرها.
وخلص مهنا إلى “أن العبرة الجوهرية من أي بحث في أحداث الماضي وتبيانه يكمن في تقديم فهم عن أثر تلك الأحداث وديمومة فعلها في الحاضر، وبالتأكيد فإن ما ليس له وجود في الحاضر ليس له تاريخ ومآله النسيان. فهل ننسى؟!!!”.
خوري
وقدّم النائب السابق في البرلمان الأردني الدكتور طارق سامي خوري مداخلة حول الثورة السورية الكبرى، معتبراً أنها امتداد لتاريخ الفداء في أمتنا، عبر العصور فحول أسوار مدينة صور قضى عشرات الآلاف من الأبطال دفاعاً عنها في مواجهة جيوش الإسكندر المقدوني الكبير فأوقفتها بضعة أشهر لتحاصرها ولم تستسلم، ومثلها مدينة صيدا التي رفضت ضرائب الإمبراطور الفارسي ورفعت الشعار الأثير “النار ولا العار” فأحرقت بيوتها بمن فيها بعد وصد أبوابها على جميع سكانها.
واليوم عندما شباننا في فلسطين، وقبلها في لبنان، الفتيان والفتيات، يبزون خيال هوليوود وغيرها من مؤسسات السينما فطنة وذكاء، فيلقنون العدو الصهيوني في فلسطين دروس بطولة وأمثولات كرامة، تجعلنا نحن جميعاً نقف امام انفسنا لنشعر بضآلة ما قدمنا وما نقدمه. فهم يقدمون بأبسط تجهيز أعلى درجات التضحيات في سبيل الأمة والوطن ولا يطلبون من أحد سوى استمرار المسيرة وحمل البندقية وهم واثقون مما يفعلون انه سيشعل الأرض تحت أقدام المحتل فيطرده.
وتابع خوري: أنه لفته أن الفترة التاريخية للثورة كانت سابقة لقيام الحزب السوري القومي الاجتماعي بسنوات، وتساءل عن معلومات تفيد عن تواصل بين مؤسس الحزب أنطون سعاده بكونه باعث نهضة سورية عامة، فمن المنطقي ان يقوم تواصل بينه وبين قائد الثورة السورية الكبرى سلطان الأطرش، وأن يستفيد في خطة النهضة من حضور الأطرش وقيمته الثورية السورية العامة..
العمر
ثم قدّم الباحث الدكتور رمضان أحمد العمر ورقة بحثية كانت بعنوان “وقفة جديدة حول الثورة السورية الكبرى 1925-1927 أسبابها احداثها نتائجها”..
عرض فيها بإيجاز شديد الأسباب التي أدّت لاندلاع الثورة السورية الكبرى عام 1925، وأحداثها وامتدادها إلى لبنان 1925-1927، والنتائج، حيث كان هناك نضال مشترك سوري لبناني ضد الاحتلال الفرنسي وتجلى هذا النضال على ثلاثة مستويات متفاوتة ومتقاربة في ما بينها. وهي على الشكل التالي:
– نضال مسلح تجلى في مواجهات ومعارك دامية كان النصر في معظمها حليف الثور، وأخفقوا في بعضها الذي ترك اثره على مصير العمل المسلح.
– نضال اجتماعيّ من أنشطة وعلاقات التكافل والتعاون والتعاضد بين كافة الأسر والقرى والمدن التي كانت مسرحاً للمواجهة الثورية طيلة سنوات الثورة السورية الكبرى.
– نضال سياسي داخلي وعربي وله امتداد خارجي حاول إيصال أهداف الثورة وقيمها وبياناتها واستراتيجيتها إلى الشعب في لبنان وسورية وإلى الدول المحيطة وصولاً إلى الدول الكبرى والفاعلة.
وتابع الدكتور العمر بأنه كان من أهم أسباب اندلاع الثورة السورية الكبرى فرض الاحتلال الفرنسي على سورية ولبنان، وانتفاضة حوران الأولى 1922 على خلفية اعتقال الثائر الجنوبي اللبناني أدهم خنجر خلافاً لأاي أصول واعراف عرفه الجبل العربي في جنوب سورية وتنافي أخلاق المروءة والكرامة عند السوريين ومن ثم الحكم عليه بالموت…
ورأى أنه يمكن تصنيف الثورة السورية الكبرى على مرحلتين هما:
– مرحلة الانتصار والتوسع 1925-1926.
– مرحلة التراجع والانهيار 1926-1927.
وفي كلتيهما خاض الثوار معارك ضد الفرنسيين ومنها معركة الكفر في يوم 22 تموز 1925 ومعركة المزرعة في شهر آب 1925 وغيرها من المعارك فتكبّد الفرنسيون فيها الكثير من الخسائر… بحيث امتدت الثورة السورية الكبرى إلى مختلف المناطق السورية ومنها الغوطة وسطاً وحماه شمالاً … وأيضًا إلى إقليم البلان جنوباً ووادي التيم غرباً في تشرين الأول 1925 ليبدأ النضال المسلح المشترك السوري واللبناني.
وختم العمر بإشارته إلى توقف العمل الثوري عام 1927 الا أنه يمكن اعتبار الثورة السورية الكبرى أنها أتاحت المجال لبدء مرحلة جديدة من النضال السياسي المشترك بين سورية ولبنان ضد الاحتلال الفرنسي، وذلك بدءًا من قيام الجمعية التأسيسية لإعداد الدستور عام 1928 مرورًا بالمعاهدة عام 1936 ووصولًا إلى الاستقلال عام 1943 ومن ثم الجلاء في العام 1946.
أبو سعد
وقدّم الباحث الشيخ سميح ابو سعد مداخلته البحثية بعنوان “رأي في الثورة السورية الكبرى”، فقال:
عندما أردت أن أتكلم عن الثورة السورية الكبرى كإحدى أعظم الثورات في التاريخ الحديث حداني ذلك الى التفكّر ملياً في الأسباب الموجبة لمثل هذه الأحداث المفصلية التي تتكرر في تاريخ البشرية ووجدت عند فلاسفة اليونان الكثير من تقديم الحلول مثل المدينة الفاضلة عند أفلاطون وقد استحال تطبيقها مع وجود الطمع والجشع وحب السيطرة والاستغلال والاستعلاء غير المبرّر منطقياً في عالم الانسان، فرأيت الزمان دول ويستحيل أن تثبت امة على حالها كما شرح ابن خلدون في مقدمته عندما تبلغ الدول ذروة حضارتها تميل إلى البذخ والطرب والترف والاسترخاء عدا عن العدوان والبغي والظلم ثم تبدأ بالانحدار والانحلال وهكذا…
وتابع: نظرت في الياذة هوميروس عند اليونان والصراع بين طروادة وآخيل نظرت في الشرق الحضاري والصراع بين الممالك والأمم العظيمة التي سبقت من وادي النيل الى بلاد ما بين النهرين الى بلاد فارس ومملكة اليونان وإمبراطورية الرومان الى مملكة سبأ وملك سليمان الى عصر الممالك الحديثة كالأمويين والعباسيين وما تلاهما كالدولة الفاطمية والبويهية في بلاد فارس ودولة الأيوبيين والمماليك ومن ثم قيام الامبراطورية العثمانية وما حدث من ثورات ونزاعات في كثير من الأحيان سببها ظلم الحكام وبغيهم كأولى ثورات العرب على ملوك الفرس حين بغوا واستبدّوا أيام المناذرة فكانت اول ثورة وهي بالحقيقة ملحمة تاريخيّة بين قوتين غير متكافئتين فاز فيها العرب وهم الأقلية بقيادة البطل التاريخي العظيم هانئ ابن مسعود من بني شيبان وقت ذي قار على جيوش كسرى التي بلغت حسب المؤرخين الف الف. وهذا يعني أنه عندما يصبح الصراع جلياً بين الحق الذي لا لبس فيه والباطل تصبح صولة الحق سريعة واندحار الباطل مدوياً.
وتابع أبو سعد: وهذا ما شهدناه في ثورة سلطان الاطرش القائد العظيم وخوارق الانتصارات مع انعدام التكافؤ عدة وعتاداً وعديداً مع المحتل الفرنسي. وفيه يقول الشاعر القروي قصيدته الشهيرة.
“خففت لنجدة العاني سريعا…
غضوبا لو رآك الليث ريعا…
وحولك من بني معروف جمع…
بهم وبدونهم تفني الجموعا”…
وإذ أكد أبو سعد على أن الحديث عن الثورة السورية الكبرى اوسع من ان نحصره في بحث مقتضب. وهذه الثورة بلا شك هي وليدة استهتار المستعمر بقيم وأخلاق الشعوب واعتماده على القوة الغاشمة من جهة، ومن جهة أخرى هي ردة فعل شعب صعب المراس، من شيمه الإباء والكرامة وإقراء الضيف وبذل الغالي والنفيس لأجله وحفظ الأرض والعِرض وصدق الوعود والوفاء بالعهود. والثقة بالله والإيمان المطلق بقضائه وقدره، وهذا ما لا يفهمه المستعمر الغاصب الباحث عن نهب ثروات الغير واغتصاب أرضهم وإخضاع شعوبهم وكثر الذين تكلموا عن هذه الثورة ووثقوا الكثير من أحداثها، شدد على ان الثورة السورية الكبرى هي بلا شك ملحمة غيّرت وجه الشرق لو أتيحت لها الرعاية الصحيحة والمتابعة الهادفة، وكم كتبت الصحف في بلاد الغرب حينها وهي تروي موقعة المزرعة باندهاش وإعجاب وقد هزّت عرش ساراي المستهتر بإمكانيات الثوار ولم يصغ الى نصائح ضباطه الذين عاينوا الوقائع على الارض قبل ذلك وحالة الغليان التي تسود الجبل ضد المستعمر، وقد دفعت هذه الواقعة الكبرى أعني واقعة المزرعة، التي المت بجيش فرنسا بجوفنيل لتقديم شكوى عند عصبة الأمم حينها مستصرخا بهم مستعيناً على الدروز، وفي ذلك يقول الشاعر القروي رشيد سليم الخوري:
“لما شكونا جوفنيل الى الظبى
فشكا الى جمعية القرصان
صاح المروءة يا فرنج فليس لي
في صدّ غارات الدروز يداني
عهدي بهم في السلم حملانا
فوارعباه بعدهم من الحملاني
لله منظرهم إذا هزجوا وقد
هزوا الرماح لغارة وطعان
يلقون مترليوزنا بصدورهم
ويكافحون التنك بالأبدان
متهافتين على الردى وشعارهم
اليوم افضل من غد يا فاني..”.
وأشار أبو سعد إلى دور منطقتي حاصبيا وراشيا أنه كان لهما القسط الوافر في المشاركة الفاعلة في هذه الثورة وقدموا فيها الغالي والنفيس من الدماء والممتلكات، وقد هزموا المحتل وعملاءه عند مهاجمة الفرقة الفرنسية في مرجعيون، وعادوا دون التعرض للمدنيين، ثم هزموهم ايضاً في موقعة برغز بقيادة البطل شكيب وهاب، وكذلك في موقعة وادي الفالوج حيث أبادوا الحملة الفرنسية، وقد حدثني والدي عن بطولات وشهداء سقطوا ولم يتزحزحوا من أماكنهم وقد لا يتسع المكان لذكر كل هذه الأمور.
الشوفي
وقدّم الباحث الإعلامي السوري منهال الشوفي ورقته البحثية بعنوان “البيارق – رايات المجاهدين في الثورة السورية الكبرى 1925م.” فرأى أن البيرق وجمعه بيارق، هو قطعة من الثوب أو القماش الملوَّن، تحملُ رموزا وشاراتٍ دقيقة تُجسّد معانيَ خاصة، يتخذها شعبٌ ما شعاراً لعزة أرضهِ وكرامةِ أصولهِ وسيادةِ أمتهِ وأمجادِ تاريخهِ ونبلِ تطلعاته ورمزاً لكرامة البلاد واستقلالها.
وكلمة البيرقُ تركية، يقابلها في العربية: الرايةُ والعلمُ واللواءُ والبند والعقاب والخال، وهي مترادفات لمعنىً واحد مع اختلافاتٍ لا تمس الجوهر.
ولفت إلى أنه تاريخياً عُرفت البيارق والرايات لدى عامة الشعوب منذ أقدم العصور واعتمدتها الأمم والأحزاب والاتجاهات العقائدية والمذهبية.. وهي قديمة قدم الحرب. فقد عرفها العرب قبل الإسلام، فعرفت رايتا “ربيعة” وهي بيضاء، و”مضر” وهي حمراء، وتضمّن الشعر الجاهلي إشارات إليها.
وتابع: وظيفة البيرق برفعه وقت الحرب لينتظم المقاتلون تحته ويتجمّعوا حوله، فهو شارة القيادة ورمز الجيش. والغاية من استعماله جمع شمل المحاربين وتوحيد كلمتهم ومصيرهم بواسطته، وتسهيل اتصالهم بوحدتهم والاستدلال عليها خلال المعركة، ودعوتهم إلى حمايته، فهو يرمز لوحدة الجماعة التي تلوذ به وتلتف حوله!
وتابع الشوفي: ترتبط البيارق والرايات عموماً بمعتقدات خاصة لدى كل شعب من الشعوب، فعلى سبيل المثال تعتقد بعض القبائل أن الراية الحمراء إذا بقيت معلّقة تعني أن صاحبها لم يؤخذ بحقه. وجرى استخدام الراية في الخطوب والمناسبات ورافقت ظهورها طقوسٌ معينة تختلف من مكان لآخر، وتطور استخدامها فأصبحت أعلاماً للدول يتم تنكيسها حداداً عند وفاة أحد كبار القادة، أو عند تعرض الدولة للفواجع والحوادث الكبرى.
والبيرق مبجّلٌ لارتباطه بالمعتقدات الدينية، وبالعادات الاجتماعية ولرمزيّته لدماء وأرواح الشهداء الذين سقطوا في ظلاله.
وقال الباحث منهال الشوفي إن البيرق في جبل العرب
هو راية الحرب، وهو علمٌ ورمزٌ، وعنوانٌ لكل قرية أو عائلة باعتبارها وحدة قتالية. اتخذه أبناء الجبل منذ القدم إرثاً عن أجدادهم العرب ورفعوه في حروبهم التي لم تهدأ يوماً ذوداً عن الأرض والعرض والكرامة، وبهدف إثارة التنافس بين الوحدات المحاربة وبين محاربي الوحدة نفسها، وشحذ هممهم وتحفيزهم للإقدام والتضحية واقتحام الأهوال ودفعهم للثأر والانتقام من الأعداء وتحطيم قوة الجيوش المعادية وبث الرعب في صفوفها، ومواجهتها مهما بلغ من جبروتها.
يصف الأستاذ قاسم وهب البيرق كما يلي: (.. والبيرق هو الراية، والرمز الذي يجتمع حوله المقاتلون، ولكل قرية في الجبل بيرقها الخاص بها. وليس للبيرق شكل محدّد، فأهل البلدة يختارون شكله ونقشه؛ لذلك تختلف ألوان البيارق، وشاراتها ونقوشها من قريةٍ لأخرى، وإن كان يغلب على معظمها اللون الأحمر وهو لون الدم، والثورة… يُتَّخذ البيرق عادةً من قطعة قماش حريري مربعة أو مستطيلة، الشكل (طول2م. وعرض1م) ينقش على صفحتيها صور أسلحة كالسيوف والرماح وسواها.. وتكتب عليها عبارات مختارة تطرّزها النساء بخيوط حريرية ملونة، ويحيط بها إطار فضّي أو ذهبي يسمونه السجق، وغالباً ما يتناسب حجم البيرق مع حجم البلدة وعدد مقاتليها، ويُرفع على سارية معدنية، أو على رمح في أعلاه كرة من النحاس أو من الفضة، يكتنفها إضمامة من ريش النعام، ويثبَّت كعب الرمح أو السارية في نطاق جلدي عريض يُحيط بخصر حامله. ونظراً لثقل البيرق وصعوبة حمله جعلوا له عروتين من الحرير موثقتين بساريته تحت مستوى الراية، تنتهي كلٌّ منهما بشرابة يمسك بكل واحدة منهما رجل يسير إلى جانب البيرقجي، قابضاً باليد الأخرى على الرمح للتخفيف من صعوبة حمله).
وأضاف الشوفي شارحاً ألوان البيروق ورموزه أنها تعكس مفاهيم وقيماً اجتماعية ثقافية وتاريخية ودينية، وقد يحمل عبارات تمجِّد البطولة والشجاعة وحبّ الأرض، فقد نقشت على بيرق السويداء عبارة: (الجنة تحت ظلال السيوف!).
وترمز البيارق في الجبل بمجموعها لوحدة الصف وعزّة محاربي الجبل في دفاعهم عن قيم الحق والكرامة، وفي المعارك تعمل جميع بيارق الجبل كما لو كانت بيرقاً واحداً. وعرف الجبل رايتين: (راية الحرب والمواجهة “الحمراء”، وراية السلم أو الصلح (“البيضاء”).
وحسب الترتيب والأولوية تخضع البيارق لنظام عامّ من حيث الأولوية في الترتيب والميمنة، ما قد يوقع تنافساً بين بيرق وآخر، لكن الميدان الحقيقي للتنافس بينها هو المعركة مع العدو.
وفي الثورة السورية الكبرى 1925 يقول قائد الثورة السورية الكبرى سلطان باشا الأطرش في سياق حديثه عن زحف بيارق الجبل لملاقاة حملة الجنرال “أندريا” 1926:
(.. كانت قرى الجبل وحدات حربية تامة، بمشاتها وخيَّالتها، في ذلك اليوم يحمل بيارقها أبناء وأحفاد الذين حملوها في الحروب الماضية واستشهدوا وهم يرفعونها في مقدمة المحاربين ويقود فصائلها زعماء الأسر المحاربة، وشيوخ الدين الذين دفعهم إيمانهم الراسخ القويم وعقيدتهم الصحيحة الثابتة بفريضة الجهاد المقدس، إلى طلب الشهادة وحض المجاهدين على الصبر في مقارعة العدو الغاشم، والاستبسال في منازلة قواه العاتية، ذوداً عن حياض الوطن، وحفاظاً على الكرامة والشرف).
ونلاحظ دور البيارق في الثورة منذ بداية ثورة سلطان الأولى في تموز 1922م، حيث جاء في مذكرات المجاهد هلال عز الدين
“أن عدداً من بيارق “المقرن الجنوبي” (قرى منطقة صلخد) تجمّع في قرية “رساس” ومعهم بيرق القرية، ويسير تحتها قرابة ألفين من المحاربين، تلبية لنداء سلطان الأطرش لإنقاذ الثائر العربي أدهم خنجر الذي اعتقله الفرنسيون إثر مشاركته في محاولة اغتيال الجنرال غورو”.
ويؤكد قائد الثورة السورية سلطان الأطرش في مذكراته دور البيارق الحاسم في معارك الثورة وأحداثها، مشيراً إلى اجتماع عدد من بيارق الجبل وفرسانها في الساحة أمام مضافة سلطان في بلدة القريا في فجر يوم 17 تموز 1925م إعلاناً عن انطلاق الثورة حيث علت النخوات وجوفيات الحرب، ثم توجه سلطان ومن معه من الفرسان إلى قرى الجبل الجنوبية، فاستقبله رجالها بالأهازيج والنخوات وإطلاق الرصاص وتبعته البيارق من قرية إلى أخرى. ويذكر المصدر ذاته أن انتقال المحاربين من مزرعة “العين” إلى الكفر حيث دارت المعركة الشهيرة في 21 تموز 1925، لم يستغرق أكثر من ساعتين. فروى “سار المشاة في طريق وعر ومختصر وانطلق الخيالة في طريق أكثر سهولة ولم تسمح الحماسة بدراسة أية خطة للهجوم، بل انطلق الثائرون جميعا بخيلهم ومشاتهم، وفي وضح النهار باتجاه موقع الحملة وشكلوا فكي كماشة وانطلقوا في لحظة واحدة على الجنود المحاصرين الذين استماتوا في الدفاع عن مواقعهم فكانت نيران بنادقهم ورشاشاتهم تحصد الثوار المهاجمين حصدا، وقنابلهم اليدوية وبنادقهم القاذفة تتساقط على التجمعات بكثافة عظيمة ودون انقطاع بحيث لم تصل طلائع الفرسان وحملة البيارق إلى ميدان المعمعة وتلتحم مع رماة (الهوشكيس) في الخطوط الأمامية، إلا بعد أن اخترقت أجسادهم عشرات الشظايا والرصاصات القاتلة… وأن بيرق ملح وحامله البطل شهاب غزالة اختار طريقاً مختصرة ليكون أول بيرق يدخل المعركة التي وقعت ظهيرة 21 تموز عام 1925”.
وخلص الشوفي إلى أن أبناء وأحفاد المجاهدين في عدد من قرى الجبل يحتفظون ببيارقها الأصلية، وغالباً ما نجدها محفوظة بعناية وحرص كبيرين، مع سواريها وكامل عدّتها الحربية، ونرى فيها مخارج الرصاص وآثار الدم الذي وشّح حريرها، ما يذكرنا بالمخاطر التي واجهها حملتها الأبطال. فتبعث رؤيتها فينا مشاعر الاعتزاز بمن حاربوا دونها وحافظوا عليها وقدّموا أرواحهم لتبقى عزيزة مصونة، إلا أن عدداً كبيراً منها فُقد أو تُلف وتمّ ترميم أو استنساخ عدد منها. وخلال الأعوام 2009 – 2012 سَلّمَ أبناء وأحفاد المجاهدين للجنة المختصة بجمع تراث الثورة المادي والمعنوي قرابة أربعين بيرقاً وقد تمّ حفظها في متحف الثورة في بلدة القريا.
خلاصة القول إن البيارق: (الوحدات المقاتلة) هي أساس النظام الحربي الذي اتبعه ثوار جبل العرب، خلال الثورة السورية الكبرى 1925م، وساهمت هذه البيارق في الانتصارات التي حققها الثوار في معاركهم ضد حملات جيش الاحتلال الفرنسي.
الشوفاني