مي أحمد شهابي
تتوالى الأحداث المؤلمة وغير المسبوقة لتطال تجمعات الشعب الفلسطيني داخل الأراضي المحتلة في فلسطين وخارجها.
فمن آخر مأساة لفلسطينيي لبنان، الذين تبعثرت جثث أطفالهم ونسائهم وشبابهم في مياه وشواطئ البحر المتوسط، إلى الأحداث اليومية في مدن الضفة المحتلة وبلداتها وقراها، وما سبقهما من عدوان على قطاع غزة. وكأنه مكتوب على هذا الشعب بذل الدماء والتضحية بأبنائه على مدى قرن بأكمله، بفعل احتلال أرضه ونكبة شعبه. امتدت ولا زالت متواصلة حتى اليوم ولا سيما في المآل الذي انتهت إليه حركته الوطنية، والتي تحوّلت بقياداتها إلى سلطة تحت الاحتلال في الضفة، وسلطة محاصرة بالاحتلال حتى في لقمة عيشها في قطاع غزة. وكل يحيل المسؤولية على الآخر. في حين أن الاحتلال الصهيوني يعيث في الضفة استيطاناً واغتيالاً واعتقالاً ومصادرة. حوّل الضفة إلى معتقل كبير محاصر ومقطع الأوصال. يجري كل هذا مع إهمال كامل للشتات الفلسطيني كي يواجه واقعاً شديد الصعوبة وبكل المقاييس، مما جعل بوابات الهجرة ومراكب الموت، مهرباً من الظروف الصعبة واللاإنسانية. وتحولت حياة أهلنا في مناطق 48 إلى حياة تضج بالعنصرية وحولّت مناطقهم إلى مناطق فصل عنصري بكل ما تحمله الكلمة من معنى ودلالة.
وفي ظل هذه الظروف التي يعيشها شعبنا، وحالة عدم الاستقرار التي تعصف بمنطقتنا والعالم، والتي تُحسن سلطة العدو استغلالها عبر فرض وقائع ديموغرافية مع استمرار قضم ما تبقى من أراضٍ فلسطينية في الضفة الغربية وتشديد القبضة الأمنية إلى الحدود القصوى. ورغماً عن هذا كله لا زال الانقسام الفلسطيني أرضاً وقيادة هو سيد الموقف.
ومن على منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة، أكد الأخ أبو مازن رئيس سلطة أوسلو أن الكيان الصهيوني لم يترك لنا شيئاً لنقيم عليه دولتنا، وأن المستوطنين باتوا يشكلون 25% من سكان الضفة الغربية، وهو ما يملي انتهاء العلاقة التعاقدية مع الكيان الصهيوني وفقاً للاتفاقات السابقة ويعني بها (اتفاق أوسلو). ويتطلب تحديد هذه العلاقة فقط لعلاقة (بين شعب محتل ودولة احتلال).
هذا جيّد. فإن تصل متأخراً خيراً من أن لا تصل أبداً. ولكن هل يعني هذا إنهاء الانقسام وإعادة توحيد الصف الفلسطيني على هذه القواعد التي طرحها، بما فيها حق مقاومة الاحتلال بكل الوسائل المتوفرة. كما تؤكده حتى قرارات الأمم المتحدة؟!
الغريب في تصرفات السلطة ورئيسها أنها تطرح واقعاً صحيحاً لترد عليه بالسياسات نفسها التي أوصلتنا كقضية وكشعب إلى الأوضاع الصعبة التي نعيشها.
وعَود على بدء يدعو الأخ أبو مازن الكيان الصهيوني إلى العودة الفورية لاستئناف المفاوضات دون شروط مسبقة. ليعيدنا ويعيد الواقع الفلسطيني إلى نقطة الصفر أي (المفاوضات) والتي ترافقت مع كل أشكال الاستيطان، وما سبق ذكره من الإجراءات الصهيونية.
إذ أنه دون وقف الاستيطان وتفكيك المستوطنات، ووقف حملات الاعتقالات والاغتيالات واقتحامات الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية وغيرها وفك الحصار عن غزة برها وبحرها، فعلى ماذا يريد أن يفاوض، ومع استمرار الانقسام فهل يفاوض بالنيابة عن غزة بوضعها الراهن.
إذا كانت السلطة الفلسطينية جادة فعلاً فإن المطلوب هو ترجمة القسم الأول من الخطاب أي إعلان إنهاء التنسيق الأمني، وهو آخر ما تبقى من اتفاق أوسلو السيئ الصيت والدعوة فوراً لحوار وطني شامل، وبعدها.. لكل حادث حديث.