هاني سليمان الحلبي*
تسمّر اللبنانيون طيلة أسبوعين أمام شاشاتهم، الخلوية والتلفزيونية، وليس آخر التسمّر أمس، يتابعون تنفيذ اتفاقات ما يُسمّى المطبخ التشريعيّ لبرلمان 2022. وهي في أحسن الأحوال استطراد للاتفاقات التي بلورت إسقاط مولود خديج قد لا يمكنه الحياة إلا بجرعات التوافقات التي دمّرت البلاد وأهلكت العباد طيلة 4 عقود، سماتها الطائفية، الحزبية، الفئوية، الزبائنية، المحاصصة، والارتهان للخارج شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً.
لا أدري إن كان الذين جدّدوا الاقتراع لهم لديهم مرآة في بيوتهم، أو يسترقون صورة سيلفي لينظروا إلى وجوههم ويبحثوا عن المعنى الآدميّ فيها، بعد أن تراشقوا التهم قبل أيام الاقتراع بالإلغاء، وخدعوا مقترعيهم أن أحزابهم، طوائفهم، زعاماتهم، مشاريعهم في خطر محيق، ولا ينتشلها وينتشلهم من هذا الضيق إلا وعد انتخابيّ، والصحيح انتهابيّ، لشهر او سنة، او طيلة العمر، يقوم على سرقة التأييد لتجديد دورة الهلاك والإهلاك.
هل تعلمون أن:
– الكهرباء بعد 4 عقود لا تعرفها منازل اللبنانيين، وتم هدر 40 مليار دولار تبخّرت بدءًا من العام 1993 وصولاً إلى اليوم؟!
– هل تعلمون أن تصنيف لبنان الماليّ دولياً هو في مرتبة D/C .
– أن الماء مقطوع عن بيوتنا وأفواهنا، يا أفندي، يا شيخ، يا بيك، يا معالي، يا سعادة، يا دولة، يا فخامة، يا غبطة، يا نيافة، يا سماحة، يا حضرات… ولا تخجلون؟!!
– أن ما يسمّى الطبقة الوسطى، وانا لا أؤمن بأن المجتمع هو هرم طبقات متراكبة فوق بعضها، مجهولة المصير في ظل غياب الضمان الاجتماعي أو حتى رواتب تقاعدية، خصوصًا للعاملين في القطاع الخاص؟
– إن دولتنا تتقاتل في برلمانها لتشرّع قوانين لا تطبقها حكوماتها؟!
– أن رجال دولتنا فاشلون جداً وفاسدون جداً في إدارة قطاعات الشأن العام، لكنهم مبدعون في إدارة مشاريعهم الخاصة بأسماء زوجاتهم وشركائهم لتبييض ما يحوزون عليه خلافاً للقانون نتيجة صرف النفوذ؟
– أن مؤسساتنا الرقابية معطّلة، وجدّدت أهمها أمس فقط، لرئيسها ولايته السابعة من دون أن يندى جبين أحد، لا طائفة، ولا حركة، ولا حزب، ولا شخص، ولا أسرة، ومجلس نيابي، أو مرجع ديني يتشدّق بمحاربة الوراثة السياسية والفساد، كل يوم جمعة أو أحد، ولا يندى جبينه بخطوطه الحمراء لحماية الفاسدين؟
– أن نظامنا السياسي الذي تتحكّم به حفنة من ملوك الطوائف باسم الدين، ومن أباطرة الأحزاب والحركات باسم السياسة والأكثرية العددية يبيدنا ويمكنهم من تسيير الدولة وفق مصالحهم الذاتيّة إلى الهلاك التام والإفلاس التام لكل لبناني مقيم وفي بلاد الانتشار؟
– أن قضاءنا أخرس أصم أبكم، تمكّن أمس، من تحويل رصيد قضاته التي ناهزت عشرات المليارات إلى عملة الدولار على سعر 1500 البائد سوى في مزاج ومنفعة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وقاعد عن مساءلة سارقي المال العام وهادريه ومهرّبيه؟
– أن أخلاقنا المجتمعية والسياسية والوطنية تبخّرت بفضل القيم التركية التي يحنّ إليها غالبية المسلمين، وبفضل القيم الفرنسية الانتدابية التي يحنّ إليها غالبية المسيحيين، ولم يتردّد عشرات الآلاف منهم أن يبايعوا إمبراطورهم المخلص ماكرون يوم أتى بيروت في مطلع آب 2020، ليستعيد رأس الجسر الفرنسي في شرق المتوسط بدماء وأشلاء آلاف اللبنانيين الضحايا ليتوسّلوه وضع نير العبوديّة على رقابهم في القرن الحادي والعشرين؟
وها انتم تعلنون الحرب على روسيا، كما “جاهد” آباؤكم نفاقاً ضد هتلر والنازية السابقة، وأجدادكم ضد تركيا المتأسلمة، واليوم تتبنون موقف النازية الصهيونية تماماً، وتفرطون بمكاسب الخط 29، وترجون الأميركي فتات الخط 23، في حدود لبنان وفلسطين البحرية!!!
حسناً فـ:
– إن “الاحتلال” الإيراني او السوري او الصيني او الروسي قد يكون حلاً للتوازن مع الاحتلال السعودي والاحتلال الصهيوني، لاستعادة الحياة، بقبول العروض الاقتصادية التنموية، بما يحفظ سيادة لبنان الكاملة، تجاه الجميع!! إن كنتم تجرؤون!!
– إن العروبة لا تعني تسيير صفقات كبتاغون من امير سعودي أو رجل أمن سعوديّ بمهمات كويتية او غيرهما، لحظر منتجات لبنان إلى دول الخليج، والتهديد بطرد اللبنانيين من مصادر رزقهم الحلال، بل تعني رابطة حضارية للاشتراك في وحدة الهمّ والحياة والمصير وإلا فإن العروبة الحقيقية هي التخلص من العبودية للعروبة الخليجية!
– إن الثورة التي تمكنتم من إحباطها أبشروا أنها ستقشر كلسها وتنمو سيلاً يقتلع الفاسدين من الجذور، عندما تتأمن أكثرية كافية من الأحرار الجائعين العطاشى المتألّمين، العراة من كل شيء إلا الكرامة والحرية وحب الحياة والانتماء!
*كاتب وإعلامي ومدرب وناشر. كُتب في 1 حزيران 2022.